أخبار - 2016.08.27

قمّة‭ ‬نواكشوط‭ ‬العربيّة: قِمّة‭ ‬الأمل‭ "‬لكنّه"‭...‬ الأمل‭ ‬الكاذب‭..!‬

قمّة‭ ‬نواكشوط‭ ‬العربيّة: قِمّة‭ ‬الأمل‭ "‬لكنّه"‭...‬ الأمل‭ ‬الكاذب‭..!‬

أعتقد أن الذين اختاروا للقمة العربية السابعة والعشرين المنعقدة بنواكشوط يوم الاثنين 25 جويلية 2016 شعار «قمة الأمل» نسوا أو تناسوا أن يشفعوا كلمة الأمل بصفة ما، على غرار صفة الكاذب أو الخائب أو الغائب... فالأمر المؤكّد، فيما أرى، أنّ هذه القمّة، سواء من حيث الشّكل أو من حيث المضمون، لم تَرْتَقِ إلى مستوى التحديات الكبيرة التي تعصف بحاضر البلاد العربية وتتهدّد مستقبلها...

وقد تجلّى ذلك، من حيث الشّكل، في مستوى حضور القادة العرب في القمّة، حيث كان هذا الحضور باهتــا ومختزَلا: باهتا، لأن عدد القادة المشاركين في القمّـــة، إلى جانب الرئيس الموريتاني، اقتصر على ستّة فقط، هم قادة كل من السودان وجيبوتي وجزر القمر والكويت وقطر واليمن (إن صح اعتبار رئيسه القادم من الرياض رئيسا)، ومختزَلا لأن القمّة اخْتُصِرَتْ في يوم واحد بدلا من يومين كما كان مقررا في الأصل ومثلما جرت العادة بذلك.

وقد كان غياب الرئيس المصري عن القمة لافتا للانتباه بصورة خاصة لأنه كان من المُفْتَرَض أن يتولّى بنفسه تسليم رئاسة القمة إلى نظيره الموريتاني، غير أنه اعتذر عن حضور القمة في آخر لحظة، لأسباب تعدّدت الروايات بشأنها، ففي حين ذكر مصدر في جامعة الدول العربية أن اعتذاره جاء بسبب «أجندة داخلية مثقلة بالمواعيد»، ذهب البعض إلى أنه جاء نتيجة «اكتشاف مخطط إرهابي لاغتياله»، بينما ذهب البعض الآخر إلى أنه يعود إلى غياب عدد من الرؤساء العرب وخاصة منهم العاهل السعودي مما يفقد القمة أهميتها.

على أن الأمر الغريب أن القمّة لم «تحظ بشرف» مشاركة أيّ من قادة اتحاد المغرب العربي في أشغالها، ولو من باب التضامن مع موريتانيا الدولة العضو في الاتحاد، فقد غاب عنها قادة كل من تونس والجزائر والمغرب، البعض، مثلما هو معلوم لأسباب صحّية، والبعض الآخر لأسباب سياسية...

ولا شك عندي أن الرئيس إدريس ديبي إتنو رئيس جمهورية تشاد، والرئيس الدوري للاتحاد الإفريقي الذي حرص على حضور القمة، تعبيرا منه عن عمق العلاقات التي تربط القارة الإفريقية بالبلاد العربية، فوجئ، إن لم يكن أصيب بخيبة أمل من مستوى الحضور العربي فيها.

وما دمنا في سياق الحضور والغياب، فإنّه من المهم أن نشــير إلى قمة نواكشوط العربية هي منذ بداية السنة، ثالث قمة إقليمية وقارية لا يحضرها رئيس الدولة إذ سبق له أن تغيّب عن قمتي الاتحاد الإفريقي بأديس أبيبا ثم بكيغــــالي، وهذا ما يتضارب مع الحديث عن الأهمية التي توليها تونس لبعديها العربي والإفريقي...

ثم لا بد من الملاحظة أن قمة نواكشوط العربية قررت «دمج القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية مع القمة العربية العادية، لتكون مرة كل 4 سنوات، على أن تعقد قبل اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة على مستوى قادة الدول والمخصص للوقوف على التقدم المحرز بشأن تنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2030».

ويبدو أن عدم مبادرة بلادنا باحتضان الدورة الرابعة للقمة التنموية التي  كان من المقرر أن تنعقد فيها منذ سنة 2015، ساهم، الى جانب عدة أسباب أخرى،  في الدفع نحو اتخاذ قرار الدمج الذي نراه قرارا مؤسفا لأن القمم التخصّصية كان يمكن أن تضفي بعض الحركية على العمل العربي المشترك...

هذا من ناحية الشكل، أما من ناحية المضمون فإن نتائج القمة جاءت، فيما أرى، لتؤكّد «وجاهة» قرار العاهل المغربي الملك محمد السادس الذي كان أعلن في 19 فيفري 2016 أن بلاده قرّرت الاعتذار عن استضافة القمّة التي كان من المبرمج عقدها في مراكش في 29 مارس 2016، لأنها ترى أن «الظروف الموضوعية لا تتوفّر لعقد قمة عربية ناجحـــة، قادرة على اتخــــــــــاذ قـــرارات في مستوى ما يقتضيه الوضع، وتستجيب لتطلعات الشعوب العربية»، وأنه «أمام غياب قرارات هامة ومبادرات ملموسة يمكن عرضها على قادة الدول العربية، فإن هذه القمة ستكون مجرّد مناسبة للمصادقة على توصيات عادية وإلقاء خطب تعطي الانطباع الخاطئ بالوحدة والتضامن بين دول العالم العربي».

وبالفعل فإن إلقاء نظرة على قرارات القمّة وعلى إعلان نواكشوط الصادر عنها، يبيّن أن همّ المُجْتَمِعِين لم يكن العمل على رفع التحديات الماثلة، وإنما كان همّهم انقاذ «دورية» القمة، حتى وإن كانت ضعيفة التمثيل أو عديمة الجدوى، وهو ما عبّر عنه الرئيس السوداني عندما قال «إن نواكشوط أنقذت القمة»

ثم إن قراءة متأنّية وموضوعية في قرارات القمة وإعلان نواكشوط تكشف عن تمادي العرب في انتهاج نفس النهج الذي دأبت جامعة الدول العربية على انتهاجه منذ تأسيسها قبل سبعين سنة...

إنه، من ناحية أولى، ومن حيث المبنى، نهج الخطاب الإنشائي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع... وهو من ناحية ثانيـــــــة، ومن حيث المعنى، نهج المـــواقف «الانفصامــــية» التي تـــؤكد أن العرب ينظرون إلى الأمور بمعايير مزدوجة بل أكثر من مزدوجة...

ودون الإيغال في التفاصيل، فإنني سأتوقف هنا عند ما أعتبره أعجب خمس مفارقات تضمّنتها قرارات القمة:

1 - القضية الفلسطينية: من منطلق أنها قضية العرب المركزية كان  القرار الخاص بها وبمتعلقاتها أطول القـــرارات الصــــادرة عن القمّة، وبعد استخدام كافة عبارات التحذير والرفض والاستنكار والإدانة والتنديد بالسيـــاسات الاسرائيلية في الأراضي المحتلــة وفي القدس، عاصمة دولة فلسطين القادمة، رحّب القرار بزيارة الشيخ صباح الخالد الصباح النائب الأول لرئيس الوزراء ووزير خارجية دولة الكويت والمسؤولين والقادة من الدول العربية والإسلامية الشقيقة إلى فلسطين والأماكن المقدّسة فيها، خاصة مدينة القدس لتعزيز صمود أهلها... ودعا مجددا جميع المسلمين في كافة أنحاء العالم لزيارة القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك وكسر الحصار المفروض عليه، وشدّ الرحال إليه لحمايته من مخططات الجماعات اليهودية المتطرّفة...

ولأن زيارة القدس الشريف والمسجد الأقصى لا تتأتّى إلا بإذن من  اسرائيل وبموافقتها فإنّه من المشروع أن نتساءل عما إذا كان مطلقو هذه الدعوة يدركون أنها تشكل مدخلا خطيرا إلى تطبيع العلاقات بين الدول العربية والإسلامية وبين الكيان الصهيوني؟..

2 - الموقف من التدخّلات الإيرانية والتّركية في الشؤون العربية: كالعادة، شنّت القمة هجوما عنيفا على إيران فاستنكرت استمرار الحكومة الإيرانية في تكريس احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى)، كما استنكرت التدخّل الإيراني في البحرين واليمن والأزمة السورية، وفي المنطقة العربية بصفة عامة... ودعت إيران إلى الكف عن السياسيات التي من شأنها تغذية النزاعات الطائفية والمذهبية والامتناع عن دعم الجماعات التي تؤجّج هذه النزاعات في دول الخليج العربي...

وفي المقابل، جاء القرار المتعلّق ببند «التّدخّل التركي في العراق» مائعا إلى أقصى حدّ حيث اكتفى بدعوة الدول الأعضاء في الجامعة إلى «الطلب من الجانب التركي بموجب العلاقات الثنائية سحب قواته من الأراضي العراقية»...

وقد تحفّظت كل من الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمملكة العربية السعودية والكويت على هذا القرار، فيما رفضته قطر رفضا قاطعا.

ومن نافلة القول إن هذين الموقفين من إيران ومن تركيا يفضحان ازدواجية صارخة في نظرة الدول العربية أو بعضــها على الأقل، إلى نفس السلوك...

3 - الموقف من الإرهاب: ردّد إعلان نواكشوط وقرارات القمة نفس الكلام الإنشائي الذي اعتدنا على سماعه منذ سنوات عديدة، عن التزام القادة العرب بالتّصدّي لظاهرة الإرهاب وتطوير آليات مكافحته وَدَرْءِ  ثقافة التّطرّف والغلوّ ودعايات الفتنة وإثارة الكراهية...

غير أن القرارات خلت من أي اجراءات عمليّة من شأنها أن تساعد على تحقيق هذه الأهداف، كما إنها لم تتطرّق إلى ضرورة الاتفاق على مفهوم موحّد للظاهرة الإرهابية حتى يمكن محاربتها أنّى وأينما كانت...

ولذلك لم يكن غريبا أن تغفل القرارات الحديث عن هذه الظاهرة عند تناولها للأزمة السورية، وأن تركّز عليها عند تناولها للوضع في ليبيا حيث أكدت «على ضرورة مواجهة الإرهاب بشكل حاسم، وتقديم الدعم للجيش الليبي في مواجهة كافة التنظيمات الإرهابية بشكل حاسم، وتقديم الدعم للجيش الليبي في مواجهة كافة التنظيمات الإرهابية بما فيها تنظيم داعش الإرهابي وتنظيم القاعدة وأنصار الشريعة وغيرها من التنظيمات المصنّفة من قبل الأمم المتحدة كمنظمات إرهابية».

4 - الموقف من سوريا: لكأن القمّة لم تسمع بالتطورات المفصلية التي عرفتها الأزمة السورية، محليا وإقليميا ودوليا، طيلة السنة الماضية، فقد اكتفت بالتاكيد «الطوباوي» على موقفها الثــابت من الحفاظ على وحدة سوريا واستقرارها وسلامتها الإقليمية، وعلى تضامنها مع الشعب السوري إزاء ما يتعرّض له من انتهاكات خطيرة تهدّد وجوده وحياة المواطنين الأبرياء، ولم تَرَ موجبا لمراجعة القرارات السابقة التي علّقت عضوية سوريا في الجامعة...

ومثلما أسلفنا القول، فإنها لم تتطرّق إلى ضرورة مواجهة التنظيمات الإرهابية في سوريا رغم أنها نفس التنظيمات العاملة في ليبيا...

5 - الموقف من اليمن:  هنا بالتحديد يتجلّى ما أسمّيه إصابة العرب بداء «عمى الألوان»، فلقد جدّدت القمة التي أغمضت عينيها عن الحرب التي يواصل التحالف السعودي العربي شنّها على اليمن منذ أواخر شهر مارس 2015، أي منذ سنة وأربعة أشهر، استمرار دعمها للشرعية الدستورية بقيـــــــادة الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية اليمنية، وأكدت على أن أي مشاورات أو مفاوضات لخروج اليمن من الأزمة لا بدّ أن تنطلق من المبادرة الخليجية وآلياتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة وخاصة القرار رقم 2216.ومع التأكيد على ضرورة استئناف العملية السياسية من حيث توقفت قبل الانقلاب عند مناقشة مسودّة الدستور والاستفتاء عليه وإجراء الانتخابات البرلمــانية والرئاسية، أدانت القـــــمة ما يقــوم به وفد الميليشـــيات الانقلابية في مفاوضــات الكويت من التفاف على ما تمّ الاتفاق عليه، وتعمّده المماطلة والتّلاعب حينا والتّعنّت حينا آخر.

وربّما كان هذا الموقف طبيعيا في ظل مقولة «انصر أخاك الخليجي ظالما أو مظلوما»، بَيْدَ أن ما ليس طبيعيا هو أن تتّفق القمة على عقد القمة العربية القادمة في اليمن...

فهل يريد القادة العرب الوقوف على أطلال اليمن المُدَمَّر إسوة باجدادهم الشعراء العرب الذين كانوا، زَمَنَ الجاهلية، يقفون على أطلال حبيباتهم باكين مستبكين؟

ولا مَنَاصَ في الختام من القول إن قمة نواكشوط العربية، على عكس ما نادى به «حزب الصّواب» الموريتاني في رسالة بليغة وجّهها بالمناسبة إلى القادة العرب، لم تُنْصِتْ «لأحلام أبناء الأمّة العربية وطموحاتهم المشروعة وهواجسهم الجماعية التي يأتي في مقدمتها إيقاف الفتن والحروب الأهلية والمجازر التي يقتلُ فيها الأخُ أخَاهُ، ويُدَمِّرُ فيها الحفيدُ ما بَنَاهُ الجَدّ، كما تأتي مواجهةُ ما زرعته السنون العجاف السابقة في الغور العميق للذاكرة العربية المكتظة بالخوف والرعب وانعدام الثقة في النفس، وغياب القناعة بثوابت الأمة وقضاياها المركزية، والاستسلام الجماعي للعدوّ الدولي والإقليمي المتكاثر الذي ينتهك من العرب كل حريم وسيادة، وتحوّل جيوشه ومرتزقتُه كل يوم أجزاء إضافية من الوطن العربي إلى قاعات تغصّ بصور الرّعب، ومشاهد الخراب والمشرّدين والأموات في ديارهم وعلى شواطئ بحار العالم».

ولأنّها لم تُنْصِتْ لأبناء الأمّة العربية فإن القمة كانت فاشلة، غير أن وزر هذا الفشل لا يقع على كاهل موريتانيا التي بذلت ما في وسعها من جهود من أجل عقدها في ظروف ملائمة، وإنّما يقع على كاهل كل العرب ممّن حضروا القمة ولم يقولوا كلمة الحق التي كان يجب أن تُقَال، وممن غـــابوا عنها إما تفصّيــا من المسؤولية، أو لنقص في الوعي بمخاطر المرحلة...

محمد ابراهيم الحصايري

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.