خفايا الحرب الأمنيّة ضدّ الإرهاب والجريمة والتّهريب
من غرّة جانفي إلى 30 جوان 2016 تمكّنت الوحدات الأمنيّة من إيقاف 110.858 شخصا، منهم 32.785 تورطوا في قضايا حقّ عام و 78.035 كانوا محلّ تفتيش، أي بمعدّل 615 إيقافا في اليوم. كما تمكّنت في الفترة نفسها وبصورة لافتة من مباشرة ما لا يقلّ عن 940 قضيّة إرهابية، فضلا عن 312 قضية تسفير «جهاديين» إلى بؤر التوتّر ( سوريا والعراق وليبيا)، وقد تورّط في هذه القضايا مجتمعة 1.771 شخصا. فكيف استطاع الجهاز الأمني أن يحقّق مثل هذه النتائج، بعد الوهن الذي دبّ إليه في أواخر العهد السابق وعلى الرغم ممّا أصابه إثر 14 جانفي 2011 من شلل أعاق تحرّكه وممّا شهده من عمليات إقصاء لعدد من خيرة كفاءاته واندساس في صفوفه وانحراف عن مساره وخضوع لضغوط خارجيّة؟ فهل يجوز القول إنّ هذه الآلة القديمة بصدد استعادة عافيتها واسترجاع قدراتها؟ ما هي وسائل تحرّكها وما هو مدى نجاعتها؟
الجهاز الأمني مكوّن من مكوّنات منظومة أمنيّة ودفاعيّة أثبتت نجاعتها، يعمل في انسجام تامّ وتعاون وثيق مع وحدات الحرس الوطني والديوانة وقوّات الجيش الوطني. وقد تجلّى ذلك بالخصوص إبّان عملية بنقردان في مارس الماضي، التي لم تكن في نظر مسؤول أمني مجرّد عمليّة إرهابية، بل كانت أهدافها أخطر ممّا يتصوّر، إذ كان القصد منها إقامة إمارة لتنظيم «داعش» الإرهابي في بنقردان، والسيطرة على رقعة من التراب الوطني، على غرار ما قام به التنظيم الذي اتّخذ شكل الدولة في كل من سوريا والعراق وليبيا. وقد ساهمت الوحدات الأمنيّة بفضل قدراتها الاستخباراتية والعملياتية بنصيبها في إجهاض مخطط الإرهابيين.
منعرج حاسم
لئن شكّلت أحداث بنقردان لحظة فارقة في انخراط المؤسّسة الأمنيّة في الحرب على الإرهاب، فإنّ توفّقها بسرعة فائقة في إماطة اللثام عن ملابسات قضية التحيّل التي تورّط فيها مؤخّرا أربعة من أعوان الأمن بمنطقة بن عروس تعدّ مؤشّرا هامّا لمنعرج حاسم في عملها من أجل مكافحة الجريمة بكلّ أشكالها من جهة، وفرض الالتزام بعقيدة أمنيّة أساسها الولاء للوطن ولقيم الجمهورية من جهة أخرى. وتعقيبا على هذه القضية التي أثارت اهتمام الرأي العام يؤكّد مسؤول سام بوزارة الداخلية أنّ الوزارة لا تتردّد في تطبيق القانون ومعاقبة كلّ عون يقوم بفعل مخلّ بالشرف أو يحيد عن مبادئ الأمن الجمهوري، مثنيا في الوقت ذاته على تفاني إطارات المؤسسة الأمنيّة وأعوانها في مختلف الوحدات وعلى استعدادهم الدائم للقيام بالواجب في حفظ أمن البلاد وتوفير مناخ يتيح للمواطن التمتّع بالحياة ومباهجها، في بلد يستطاب فيه العيش.
تنقية التربة الإجرامية
على صعيد آخر، يوضّح هذا المسؤول أنّ من مقوّمات الاستراتيجية الأمنيّة تنقية التربة الإجرامية التي ينمو فيها الإرهاب وذلك من خلال الحرص على مكافحة جرائم حقّ عام كالسطو والسرقة وتجارة المخدرات والتهريب وتبييض الأموال.
ولعلّ ما يدعو إلى الانشغال العدد المهول للقضايا التي باشرتها في هذا الإطار الوحدات الأمنيّة خلال السداسي الأوّل من السنة الجارية. لماذا تفشى الإجرام في المجتمع التونسي بشكل لافت؟ لماذا تجنح أعداد من الشباب إلى الارتماء في احضان الإرهاب أو إلى استهلاك المخدّرات وخاصّة مادّة «الزطلة»؟ هل سبب ذلك فقط انسداد الآفاق أمامهم وفقدان الأمل في الحياة؟ لا شكّ أنّنا إزاء أزمة أخلاق يتعيّن الوقوف عندها واستجلاء جذورها.
عمل استباقي في المكان والزمان
باشرت الوحدات الأمنيّة خلال السداسي الأول من السنة الحالية 940 قضية مرتبطة بالإرهاب، ممّا يدّل على حجم المجهود المبذول في مكافحة هذه الآفة من ناحية وجسامة الأخطار الناجمة عنها من ناحية أخرى. فلا يكاد يمرّ يوم دون أن تتوصّل
قوات الأمن إلى إيقاف إرهابيين أو تفكيك خــلايا نائــمة، لا توجد فقط في المناطق الفقيرة والمحرومة بل تتمركز كذلك في مناطق مرفّهة. ومن بين العوامل التي أدّت إلى هذه الحصيلة الإيجابية في التصدي للجريمة الإرهابيّة اليقظة المستمرّة للمؤسسّة الأمنيّة وتطوّٰر قدراتها العملياتية ونجاعة عملها الاستخباراتي بتوخي وسائل بشريّة من خلال اختراق صفوف الإرهابيين والاعتمـاد على مصادر متعــددة للحصــول على المـــعلومـة، إلى جانب الوسائل التقنية التي تعززت بفضل الإمكانات والتجهيزات المتطوّرة المتوفّرة لدى مختلف المصالح ( الفنيّة، الاستعلامات، الشرطة الفنية...).
ويذكر مصدر أمني أنّ التنصّت على المكالمــات الهاتفيــة لا يتمّ إلّا بإذن قضائي بعد مصادقة وزير الداخلية والمدير العام للأمن الوطني، وفحوى التقارير عن فحوى المكالمات يوجّه مباشرة إلى السلطة القضائية صاحبة الطلب، دون الاطلاع عليه. مفيدا أنّ «التنصّت الإداري» على المكالمات ألغي منذ الثورة.
القضايا الإرهابية:
- عددها: 940
- عدد المورطين فيها والذين أحيلوا على العدالة: 1,377
قضايا تسفير إلى بؤر التوتر
- عددها: 312
- عدد المورطين فيها والذين أحيلوا على العدالة: 394
ويقول المسؤول ذاته :«كلّ عملية إرهابية لا يكشف عنها قبل وقوعها هي في نهاية الأمر كارثة كانت ستحدث...لنتصوّر لحظة ماذا كان سيقع لو تمكّن الإرهابيون من تنفيذ مخططاتهم الإجرامية التي شملتها كلّ القضايا التي تمّت مباشراتها...نحن في عمل استباقي دائم في المكان والزمان».
- أشخاص في إقامة جبرية: 350
- أشخاص في محل مراقبة: 700
التونسيون في بؤر التوتر
- عددهم: 3,000
- مات منهم: 800
تهريب وقضايا إقتصادية
- عددها: 3,312
- عدد الموقوفين: 854
قضايا المخدرات
- عددها: 2,757
- عدد الموقوفين: 435
الموقوفين في قضايا حق عام: 32,785
إيقاف أشخاص محل تفتيش: 78,073
جملة الموقوفين: 110,858
الرّصانة في التّعامل مع الاحتجاجات الاجتماعية
كيف تتعامل الوحدات الأمنيّة مع الاحتجاجات الاجتماعية؟ في هذا الخصوص يبيّن المسؤول السامي بوزارة الداخلية أنّ المؤسسة الأمنيّة تعاملت دائما برصانة وتبصّر مع مختلف الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدتها البلاد، ( احتجاج الأمنيين في القصبة، احتجاجات الحوض المنجمي، احتجاجات قرقنة)، مؤْثرة سبيل الحوار والإقناع قبل التفكير في استعمال القوّة التي لا تزيد إلّا في تعكير الأوضاع، مشيرا إلى أنّها استطاعت بهذه الطريقة أن تتفادى أوضاعا شائكة للغاية.
لئن استطاعت المؤسسة الأمنيّة أنّ تحقّق نجاحات هامـّة في حربها ضدّ الإرهاب والجريمة المنظمة والتهريب وأن تسيطر على الوضع على الميدان، فإنّ ذلك لا يحجب الهنات التي لا تزال تحول دون بلوغها أقصى درجات النجاعة في عملها، والمتمثّلة بالخصوص في ما يشكوه عدد من أعوانها من قلّة تكوين. كما لا تؤجل هذه النجاحات مواصلة الإصلاحات من أجل مزيد تطوير آداء هذه المؤسسة وتعزيز قدراتهــا في ظرف زاخر بالصّعاب والتّحدّيات.
ملاحظة: تخصّ هذه الاحصائيات الفترة من 1 جانفي إلى 30 جوان 2016
إعداد عبد الحفيظ الهرقام وتوفيق الحبيب
- اكتب تعليق
- تعليق