يوسف قدية: مطبات على طريق التنمية
صابة الحبوب لسنة 2016 ليست في أفضل حال من صابة 2015 والإنتاج الصناعي في تراجع مستمر والموسم السياحي في منتهى الرداءة والعجز التجاري في تفاقم ... عوامل توحي بأن اقتصاد البلد في حال يرثى له، ما حمل البنك المركزي على مراجعة بعض حساباته، وإعادة النظر في بعض توقعاته بخصوص وتيرة التنمية، فبادر إلى خفض نسبة النمو المتوقعة لسنة 2016 : 1،8٪ عوضا عن 2،0٪...
رغم تحسن الوضع الأمني خلال الأشهر الأخيرة... وانخفاض الأسعار العالمية لمواد الاستهلاك المستوردة... والانفراج النسبي الحاصل على صعيد التضخم، ظل الاقتصاد الوطني في تراجع، وظلت تعاملاته مع الخارج على هشاشتها، وتفاقم الدين بحيث أصبح عبئا لا يحتمل.
انخفاض نسق النمو الاقتصادي
يتوقع المعهد الوطني للإحصاء أن ينخفض نسق النمو الاقتصادي وأن لا تتجاوز نسبة ارتفاعه خلال الثلاثي الثاني من السنة (أفريل ـ جوان) + 0،4٪ . ولم يأت ارتفاع النمو على هذا النحو المتواضع نتيجة لزيادة الانتاج أو لتحسن التصدير، وهما العاملان الأساسيان في دفع عجلة التنمية وانتعاش الاقتصاد، إنما هو نمو مصطنع بحكم اعتماده على تزايد الطلب الداخلي (الاستهلاك)؟ دون استناد إلى قيمة انتاجية مضافة وموارد إضافية تتيحها صادراتنا من السلع والخدمات، واقترانه حصريا بتورم نفقات الإدارة العمومية وتضخم مصاريف تسيير الدواليب الحكومية. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن مبادلات تونس مع الخارج آخذة في الانكماش شهرا بعد آخر وأن الصادرات التونسية في تراجع مستمر رغم انخفاض قيمة الدينار. في شهر جويلية المنقضي ، سجلت الصادرات انخفاضا بما نسبته 12،4٪ مقارنة بشهر جوان وتدنت شراءاتنا من الخارج (الواردات) بنسبة 4 ,11 ٪. وتشير حصيلة الأشهر السبعة الأولى من السنة (جانفي ـ جويلية 2016 ) إلى أن الصادرات والواردات انخفضت على التوالي بنسبة 0،5٪و 0،7٪ قياسا بمستواها خلال نفس المدة من سنة 2015.فقد صدرت تونس خلال الفترة الممتدة بين جانفي وجويلية 2016 بما قيمته 16،5 مليار دينار، واستوردت بما قيمته الاجمالية 23،4 مليار دينار، وهوما يعطي عجزا تجاريا بحوالي 6،9 مليار دينار وهو تقريبا نفس العجز المسجل في نفس الفترة من السنة الماضية.
انحسار المداخيل السياحية
موجة الانكماش الاقتصادي العاتية طالت قطاع السياحة. فتوافد السياح الروس بأعداد لا بأس بها والجزائريين بأفواج يعتد بها حقيقة لم يعوض ولو نسبة قليلة هجر الزبون الأوروبي التقليدي بلادنا وتفضيله وجهات أخرى غير الوجهة التونسية. الأوروبيون لم تعد تستهويهم تونس. أصبحوا يخشون الإرهاب المتربص بالبلد، وينتابهم شعور بالامتعاض تجاه تدهور الوضع البيئي في مدننا وقرانا، وتدني جودة الخدمات في بعض الفنادق والموانئ وعدم توفر وسائل الترفيه، وعدم تنوع العروض السياحية خارج دائرة الشمس والبحر. وتفيد إحصائيات البنك المركزي في هذا الصدد أن انطلاق الموسم السياحي في ذروته لم يكن مخيبا للآمال نسبيا إذ بلغت المداخيل السياحية 461 مليون دينار مقابل 300 مليون دينار خلال نفس الفترة من السنة الماضية. لكن حصيلة الأشهر السبعة الأولى من السنة تبقى هزيلة ودون مستواها قبل سنة (ـ 25،5٪).
نفقات عمومية في ازدياد
من ناحية أخرى، تشير بعض الأرقام الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء إلى حصول ارتفاع طفيف على مستوى أسعار السلع والخدمات خلال شهر جويلية المنقضي وقياسا بشهر جوان (+0،2٪). وبلغت نسبة التضخم خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة +3،5٪ وهي أقل نسبة تسجل منذ سنة 2012. ويستفاد من وثيقة صادرة عن وزارة المالية مؤخرا بشأن ’’ النتائج الوقتية لإنجاز ميزانية الدولة حتى موفى جوان 2016 ’’ أن نفقات الدولة خلال النصف الأول من سنة 2016 ازدادت بنسبة +27،6٪، وأن النصيب الأوفر من الزيادة (+22،2٪) يعود إلى نفقات تسيير الجهاز الحكومي. أما المقابيض المتأتية من الجباية والتي تمثل نسبة 85،8٪ من إجمالي مقابيض الدولة، فقد تطورت إجمالا بنسبة سنوية تقدر بـ +1،7٪ ، وبذلك بلغ عجز الميزانية إلى حد نهاية جوان 2016 مستوى قياسيا يقدر بـ 2،2 مليار دينار، أي ما يضاهي نسبة 6،5٪ من إجمالي الناتج الداخلي. ويعزى ركود المقابيض الجبائية خلال النصف الأول من السنة أساسا إلى تدهور المقابيض المتأتية من الجباية الموظفة على المداخيل التي تراجعت بنسبة 5،7٪. لكن هذا النقص أمكن تعويضه جزئيا بفضل ارتفاع المقابيض غير الجبائية (+50،4٪) المتأتية من مداخيل عمليات الخصخصة ومن بيع رخصة الجيل 4 على الهواتف الجوالة ومن موارد أخرى.
انزلاق الدين العمومي
تسبب تورم نفقات الدولة في انزلاق الدين العمومي، وازداد اللجوء إلى الاقتراض نتيجة لاتساع الفجوة بين تطور الانفاق العمومي وتطور مقابيض الدولة. فقد اضطرت الدولة في موفي السداسي الأول من السنة إلى تعبئة ما لا يقل عن 2،8 مليار دينار من موارد الاقتراض، أي ضعف المقدار الذي تمت تعبئته خلال نفس الفترة من سنة 2015. ولقد تم الحصول على هذه الموارد أساسا من البنوك التونسية (1،7 مليار دينار). وهو ما فاقم المخزون من الدين العمومي في موفى جوان الماضي بنسبة 25،5٪ قياسا بمستواه في جوان 2015، وأصبح هذا المخزون يمثل نسبة 58،8٪ من إجمالي الناتج المحلي، مقابل 40،2٪ في جوان 2011.
وسجل النصف الأول من سنة 2016 ارتفاعا في كلفة الدين العمومي حيث اضطرت الدولة إلى دفع ما لا يقل عن 2،5 مليار دينار تقريبا لسداد خدمة الدين أي بزيادة بنسبة +9،0٪ قياسا بمستوى الدفوعات المنجزة بنفس العموان في جوان 2015. كما اضطرت خلال السداسي الأول من السنة إلى صرف أكثر من مليار دينار لتسديد ما تخلد بذمتها بعنوان فوائد الدين العمومي.
يوسف قدية
- اكتب تعليق
- تعليق