أخبار - 2016.08.10

محمد ابراهيم الحصايري: الكويت... كما رأيتها فيما بين 2004 و2006

الكويت... كما رأيتها فيما بين 2004 و2006 *

عند حلولي بالكويت، في مطلع شهر فيفري من سنة 2004، أي قبل أقلّ من سنة بعد أن احتلّت القوات الأمريكية والبريطانية العراق، كان الانطباع الأول الذي نشأ عندي هو أن الكويتيّين كانوا فريسة لخليط عجيب من المشاعر المتضاربة، فمن ناحية أولى كانوا يشعرون بنوع من الارتياح والخلاص، لأنّ الخطر العراقي اسْتُبْعِدَ بشكل كلّي، ولأنّ صدّام حسين، عدوّهم اللدود، قُضِيَ عليه بصورة نهائية، ومن ناحية ثانية، كانوا يشعرون بنوع من  الأسى والمرارة لأنّ هذه الأحداث جاءت لِتَنْبش الذكريات المرّة لغزو بلادهم في الثاني من شهر أوت 1990.
وما من ريْب أنّ الكويت كانت قد تمكّنت، منذ سنوات عديدة، من أن تَمْحُوَ المخلّفات "المادّية" للغزو العراقي ولحرب تحريرها، فقد تمّت إعادة بناء أو ترميم كل ما دُمِّر أو خُرِّب. أما المخلّفات "المعنويّة" الناجمة عن صدمة الغزو، فقد كانت ما تزال حيّة في أعماق الكويتيين، وخاصّة منهم الذين عاشوا ويلات الاحتلال العراقي وويلات "عاصفة الصحراء".

 

السفير محمد الحصايري يقدّم أوراق اعتماده الى الراحل الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت
 

وفي الحقيقة، فإنّ الكويتيين، بعد ثلاث عشرة سنة من الغزو، لم يكونوا فحسب لا يستطيعون طيّ صفحة هذا الفصل الأليم من تاريخهم، بل إنهم لم يكونوا يريدون أن يطووها. والشّاهد على ذلك المؤلَّفات العديدة التي كانت تواصل الصّدور، يوما بعد يوم، لتنضمّ إلى المجموعة الهائلة من الكتب التي نُشِرَت على امتداد السنوات السابقة حول "الغزو العراقي وفظائعه".
ثم إنّ الكويتيين كانوا يؤكّدون أنّهم لا يمكن أن يطووا صفحة هذا الغزو ما دامت بعض الملفّات لم تجد طريقها إلى التسوية النهائية. ويتعلّق الأمر، أوّلا، بالملفّ الشائك الذي يهم 605 من مواطنيهم المفقودين، كما يتعلّق، ثانيا، بملف التعويضات التي كانوا يطالبون العراق بدفعها كتعويض عن الخسائر التي تكبّدوها بسبب الغزو.
 

وفي هذا السياق كان الكويتيون يولون اهتماما خاصا لملفّ الطائرات التي قام العراق قبيل بدء "عاصفة الصحراء" بإرسالها إلى بعض البلدان، ومنها تونس. وبقطع النظر عن أن الكويتيين لم يكونوا قادرين على فهم و"هضم" الموقف التونسي خلال الغزو العراقي، فإنهم كانوا يريدون التأكّد من أن الطائرات التي أرسلت إلى تونس لم تكن كويتية، أو لم تكن تحتوي  على مكوّنات (خاصة المحرّكات) تعود ملكيتها إلى الخطوط الجوية الكويتية التي كانت تطالب العراق ب 1.2 مليار دولار كتعويض عن الخسائر التي تكبّدها مطار الكويت الدولي خلال الغزو. وحتى يتسنى التّغلّب على هذه الصعوبة التي كانت تعرقل استئناف التعاون الفعلي بين البلدين، كان لا بدّ من بذل جهود قوية وحثيثة وصبورة، ومن حسن الحظ أن هذه الجهود كُلِّلَتْ بالتوفيق وهو ما مكّن اللجنة المشتركة التونسية الكويتية من استئناف اجتماعاتها منذ 2006.


وبالعودة إلى المخلّفات "المعنوية" للغزو العراقي، ينبغي أن أضيف أن الكويتيين الذين كانوا فخورين بالموقع الريادي الذي كانت بلادهم تحتلّه في شبه الجزيرة العربية، لم يكونوا يخفون شعورهم بنوع من الحسرة عندما يرون مُدُنًا أخرى كَدُبي وأبو ظبي والدوحة تتقدّم على عاصمتهم التي كانت، فيما قبل، نموذجا تحتذى به المُدُن الخليجية الأخرى. فلقد جعل الغزو العراقي الكويت تخسر الكثير من الوقت ومن المال، وأفضى إلى فترة طويلة من الخوف والشك اللذين عرقلا مسيرة النمو والتطور المطّردة التي كانت الدولة الكويتية تعرفها منذ نشأتها سنة 1961. وبالفعل، فقد عاشت الكويت، منذ ذلك الحين ولسنين عديدة، حالة من الحذر مسّت لا فحسبُ المستثمرين الأجانب بل أيضا المستثمرين الكويتيين الذين كانوا يفضّلون استثمار أموالهم خارج بلادهم.
غير أن سقوط بغداد، واختفاء  نظام صدّام حسين، وصدّام حسين نفسه فيما بعد،  أعادا، تدريجيا، للسّلطات الكويتية وللكويتيين الثقة بالمستقبل. وهكذا بدأت الكويت، منذ منتصف العقد الأوّل من القرن الحادي والعشرين، وضع التصورات والشروع العملي في إنجاز مشاريع تنموية عملاقة يُفْتَرَض أن تمكّنها من تدارك ما فاتها، ومن فرض نفسها، من جديد، في مقدمة الساحة الخليجية وحتى أبعد منها.


ولعلّ أبلغ مثال على هذه المشاريع العملاقة مشروع "مدينة الحرير" التي تُقَدَّر تكلفة إقامتها بـ88 مليار دولار، والتي، إن تمّ إنجازها بصورة كلّية في سنة 2023، كما هو مُبَرْمَج لها، فانّها ستغيّر بشكل جذريّ مدينة الكويت وستعيد للكويت ككل المكانة الرائدة التي كانت لها في الماضي.


ومهما يكُنْ من أمر، فعندما غادرتُ الكويت في سبتمبر 2006 كنت على قناعة بأن الكويتيين لن يتأخّروا في بدء مسيرتهم نحو استرجاع المركز الذي يطمحون إليه واستعادة الدور الذي يرغبون في الاضطلاع به على صعيد المنطقة.
وأعتقد أن مجرى  الأحداث خلال السنوات العشر الأخيرة جاء ليؤكد هذه القناعة...

محمد ابراهيم الحصايري
(سفير سابق بالكويت)

* هذا المقال ترجمة للمقال المنشور في العدد 63 المؤرخ بشهر أوت 2016 من مجلة "ليدرز" الناطقة بالفرنسية، في إطار الملف الذي خصصته للغزو العراقي للكويت.
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.