محمد ابراهيم الحصايري: رسالة إلى بطل أبطال حقوق الانسان، المُتَيَّمِ بحبّ رجب طيب أردوغان...
إلى الذي جاءت به عثرة من عثرات الزمن الثّوري الأخرق إلى كرسيّ الرئاسة مؤقّتا لسنة واحدة، فتربّع عليه ثلاث سنوات بالتّمام والكمال،
إلى الحقوقيّ المغوار الذي لا يُشَقُّ له في الدفاع عن حقوق الانسان غبار...
أوجّه هذه الرّسالة التي أودّ في بدايتها أن أسأله: أين أنت ممّا جرى ويجري في تركيا خلال محاولة الانقلاب على صديقك الحميم رجب طيب أردوغان، وبعدها؟
هل عقدت المحاولة التي لم تكن من فرط انبهارك بـ"النجاحات الاردوغانية" تتصوّر مجرّد حدوثها، لسانك؟ أم أنها دفعتك الى العمل بالنصيحة التي كنت منذ أيام وجّهتها الى خلفك فعدت الى بيتك وغلّقت على نفسك الأبواب؟
إنني وأنا أستغرب صمتك المطبق أمام هذا "الحدث الجلل" وأمام ما أعقبه ويعقبه من تداعيات فادحة الخطورة، أريد أن أطرح عليك الاسئلة التالية التي أعلم، سلفا، أنك لن تجيب عليها، لكنني، مع ذلك، سأطرحها ثأرا لأنفسنا من الصّداع الذي أصبت به رؤوسنا وانت تتبجّح بأنك بطل أبطال حقوق الانسان:
- أفَلَمْ يَبْلُغْك أن صديقك الحميم يريد العودة إلى تطبيق عقوبة الإعدام وأنه يبرّر هذه العودة بأن الشّعب يرى أن "الانقلابيين" إرهابيّون يجب إعدامهم لا سجنهم حتى لا يضطرّ إلى أن يوفّر لهم الطعام لسنوات عديدة قادمة في سجونهم...
- ألَمْ تعلَمْ بأنه قام على الفور بعزل نحو ثلاثة ألاف من القضاة في إخلال صارخ بمبدإ الفصل بين السلطات؟
- ألَمْ تسمعْ بأن عدد المعتقلين تجاوز العشرة آلاف وأن أكثر من أربعة آلاف منهم ما يزالون قيد الاعتقال؟ وأنّ عدد المستبعدين من وظائفهم والمقالين في قطاعات التعليم والقضاء والإعلام فضلا عن الجيش ناهز الستين ألفا منهم أكثر من 42 ألف مدرس وموظف في وزارة التربية؟
- ألَمْ تَرَ جحافل الميليشيات من أنصار صديقك الحميم الذين اجتاحوا المكتبات في اسطنبول فقلبوها رأسا على عقب واعتدوا على أصحابها وروّادها ومزقوا الكتب ورموا بها في الشوارع...
- وأخيرا ألا تخشى أن يستغلّ صديقك الحميم محاولة الانقلاب لينقلب على الدستور فيقوم بتعديله من أجل ترسيخ أركان نظامه الرئاسي الانفرادي؟..
*********
قبل أيام قليلة من محاولة الانقلاب على صديقك الحميم وعلى إثر العملية الإرهابية التي شهدها مطار أتاتورك الدولي بإسطنبول، بادرْتَ إلى التعليق على هذه العملية فكتبتَ والألمُ يعتصر قلبك: "15 عملية إرهابية في سنة واحدة ضدّ تركيا لعقابها... لا فقط على استضافتها مليوني سوري نكّل بهم سفاح دمشق... ولا حتى لدعمها للربيع العربي... وإنما ببساطة لنجاحها"...
وإنني لأعجب غاية العجب من مفهوم النجاح عندك...
- أفَلَمْ تسمعْ بالأتراك الذين تظاهروا أمام مقر منظمة الأمم المتحدة بجنيف للمطالبة بمحاكمة رئيسهم وصديقك الحميم لارتكابه جرائم حرب في سوريا والعراق؟...
- ألَمْ يأتِكَ خبر العديد من السياسيين والمثقفين الأتراك الذين يؤكدون أن النظام التركي يشكل الخطر الأول على أمن تركيا وأمن المنطقة بسبب دعمه المتواصل للإرهاب في سوريا منذ سنوات عديدة، إذ أنه، كما يقولون، ما انفكّ يفتح الحدود أمام عشرات الآلاف من التّكفيريين والمرتزقة لدخولها، وما فتئ يقيم لهم معسكرات التدريب ويسمح بتسريب الأسلحة اليهم؟..
- ألَمْ تعلمْ بأن أحد أحزاب المعارضة التركية أطلق في بداية العام الجاري حملة للمطالبة بمحاكمة صديقك الحميم بتهمة دعم التنظيمات الإرهابية، وأنشأ تنسيقية في أوروبا قامت بجمع تواقيع خمسين ألف مواطن تركي يعيشون في البلدان الأوروبية قصد تسليمها إلى لجنة حقوق الانسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة بجنيف؟
- ألَمْ يَصِلْكَ أن "جمعية السلام" و"منظمة الحقوقيين اليساريين" التركيتين أكدتا خلال ندوة عقدتاها باسطنبول أن الأدلة تثبت تورط النظام التركي الخطير في دعم التنظيمات الإرهابية بما فيها تنظيما "جبهة النصرة" و"الدولة الاسلامية في العراق والشام"؟..
- ثم ألَمْ يبلُغْكَ أن رئيس "جمعية السلام" أكد بالمناسبة على ضرورة محاكمة صديقك الحميم في المحكمة الجنائية الدولية وأعلن أنه سيتم جمع اكبر قدر من المعلومات والوثائق التي تثبت مسؤوليته عن قتل الآلاف من أبناء الشعب السوري وعمّا أصاب سوريا من خراب ودمار؟.. كما أعلن أنه، في الانتظار، تم الاتفاق على تشكيل محكمة تركية ستضم الرئيس السابق للمحكمة الدستورية العليا وشخصيات أكاديمية وحقوقية مهمة تركيّة ودوليّة لمحاكمته ابتداء من شهر سبتمبر القادم؟...
********
إن أمرك يا زعيم "حراك تونس الإرادة" لعجيب حقا، فكيف تقبع بلا "حراك" وأنت ترى أن تركيا انتقلت في عهد صديقك الحميم من سياسة "تصفير المشاكل" إلى سياسة "تكثيرها" و"تثميرها" في الداخل مع الأكراد، وفي الخارج مع الأجوار وأجوار الأجوار... وهو ما اضطرّها، قبيل محاولة الانقلاب بأيام قليلة، إلى مراجعة هذه السياسة بل "الانقلاب" عليها جملة وتفصيلا...
- أفَلَمْ تسمعْ بأنّ تركيا التي تقاسمك نفس الموقف من إسقاط الرئيس المصري محمد مرسي قررت التخلّي عن هذا الموقف وأن تُنَحِّيَه جانبا لأنّ الحياة كما قال رئيس الوزراء التركي "مستمرّة ولأننا نعيش في نفس المنطقة ونحن بحاجة إلى بعضنا البعض"...
- وَألَمْ يبلُغْك أن النظام التركي شرع في القيام ببعض الخطوات الرامية إلى الاقتراب من سوريا وممن سمّيته "سفاح دمشق" الذي بات صديقك الحميم يقبل، وكأن الخيار خياره، بقاءه على رأس الدولة السورية؟
- وَألَمْ يصِلْكَ نبأ تطبيع العلاقات التركية مع روسيا حيث أرسل صديقك الحميم رسالة إلى نظيره الروسي فلاديمير بوتين اعتذر فيها عن قيام الجيش التركي بإسقاط المقاتلة الروسية العام الماضي مؤكدا بشكل خاص "أن روسيا صديق وشريك استراتيجي لتركيا وأن السلطات التركية لا ترغب في افساد العلاقات معها"...
- ثمّ وقبل كل ذلك وبعده، ألم تَعْلَمْ بنبأ نكوص صديقك الحميم عن مواقفه "الدونكيشوتية" أو في الحقيقة "الأردوغانية" من اسرائيل التي حبست انفاسها ليلة محاولة الانقلاب وصَلَّتْ من أجل نجاحها لأنها، بالرغم من مبادرته بتطبيع العلاقات معها على جميع الأصعدة بما فيها الصعيد العسكري، تظل تتمنّى أن تصحو يوما وصديقك الحميم حبيس إحدى الزنزانات، أو غاب تماما من الوجود...
ختاما ينبغي أن أقول لك إنك ان كنت تجهل كل ما تقدم فتلك مصيبة كبيرة، وإن كنت تتجاهله فتلك مصيبة أكبر...
وعلى كل فإنّ صديقك الحميم دفع ثمن تجاهله له غاليا، وهو إن استمرّ في سياسته "التطهيرية" الراهنة فإنه سيزيد الوضع في تركيا وحولها "تلويثا"... فهلا بادرت الى تذكيره بأن تجربة الشعوب تبيّن أن الانقلابات الفاشلة عادة ما تعقبها انقلابات ناجحة؟..
محمد ابراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق