أخبار - 2016.06.29

مــواطـن ومقــيـــم

مــواطـن ومقــيـــم

هبطت بنا الطّائرة في مطار الدّوحة الدولي على السّاعة الرّابعة فجرا، ولم تكن إجراءات المراقبة الجمــركية وعبــور المنفذ الحدودي مُعقّدة، فلم يستغرق الأمر الاّ بضع دقـــائق حتـــى وجدتني خارج المطار أتنفس هـــواء ثقيلا ساخنا وأتطلّع بعيـــنيْ الفـضــــول إلى الأبراج الشاهقة التي تتراءى من بعيد.

منذ يوم واحد فقط وصلتني التّذكرة عبر البريد الالكتروني مع رسالة قصيرة تؤكد أن مُوفَدا من المؤسّسة سيكون في استقبالي عند الوصول، لكنّني وأنا أتفرّس تلك الوجوه التي تتزاحم عند بوّابة الانتظار لم أجد أحدا ينتظرني. بعث ذلك في نفسي الشكَّ والرّيبةَ، واسترجعتُ في لحظات قصصا كثيرة عن الأشخاص الذين يعْلقون في المطارات والذين يسافرون ولا يَصِلون، وضحايا التحيّل والعقود الوهمية، وبعد أربع ساعات من الانتظار قدِم على عجلٍ شابٌّ هنديٌّ قصير القامة أفهمني بلغة انجليزية عجيبة أنه يعتذر عن التّأخير، فقد استغرق في النـــوم ونسي المهمـــة التي كلّفته بهـــا إدارة العلاقات العامة المسؤولة عن استقبــــال الموظفـــين الوافـــدين!.

في الطريق إلى الفندق سلّمني هذا الشاب وهو يقود السيّارة جهاز هاتفه المحمول، كان على الطرف الآخر من الخطّ مدير العلاقات العامّة ذاته يعتذر بمودّة ولطف بالِغيْن عــــن الحرج الذي أوقعه فيه السّائق، ومنذ تلك اللّحظة وانطلاقا من المفارقة المضحكة بين لامبالاة الموظف وحرج المدير بدأت أفهم أنّ الفسيفساء البشرية التي تُكوّن مجتمع الخليج يمكن على ثرائها أن تُختصر في لفظتين فقط: مواطن ومقيم.

وفـــق آخـــــر الإحصاءات، في كــــلّ مجمـــــوعة من خمسة أشخاص ثمة مواطن واحـــدٌ وأربعة مقيمـــين، لكنّ هـــذه المعـــادلة الحســابية تختـــلّ بمنطـــق الجغـــــرافيا الاقتصادية، فالمواطنون يتجمّعون في المراكز التّجارية الفخمة والمقاهي الرّاقية والفنادق بنفس الكثافة التي يتجمّع بها العمّـــال الآسيــويون في الأحياء الشعبية. وللجغرافيا الثقافية أحكامها أيضا، ففي ميادين القنص وسباقات الهجن ترى المواطنين بسيّاراتهم رباعيّة الدّفع الفاخرة يمخرون عُباب الصّحراء، بينما يتكدّس في مقاهي وسط المدينة تونسيون ومغاربة وجزائريون أثنـــاء مقابلات بطــولة أوروبا لكرة القدم لشرب النـــارجيلة والثرثرة...

المواطن والمقيم تركيبة سكانية معقدة يمثل فيها المواطن قوّة الثروة بينما يمثل المقيمون قوّة العمل، وهؤلاء الأشخاص الذين تصنفهم الوظائف إلى أفراد مُهمّين وآخرين أقلّ أهمّية، يتساوون في المحصّلة أمام حقيقة واحدة، انظر بتجرّد لترى أن لا فرق بين الأستاذ الجامعي والمعينة المنزلية فكلاهما مقيم.

أكثر من سبعين جنسية من قارّات العالم الخمس يمثّل مواطنوها ثقافاتٍ متنوعةً وعاداتٍ وتقاليدَ مختلفة، لكنهم ينضبطون رغم التّنوع والاختلاف أمام قانون واحد تفرضه الدّولة بصرامة على الجميع، هؤلاء المواطنون القادمون من كافّة أصقاع الدنيا يتنازلون عن صفة المواطنة مقابل وثيقة الإقامة لأنهم يجدون في الخليج العربي «الالدورادو» في ظلّ عالم تتنـــازعه الأزمـات، ويكفي أن تلقي نظرة على الطوابير الطويلة أمام محلات الصّـــرافة نهــاية الأسبـــوع لترى أموالا طائلة تطير إلى شتى أصقـــاع الدنيـــا حاملة معها الأمل في حياة أفضل.

عامر بوعزة

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.