إنّها، بحقّ، ذروة الفسق السّياسي
أن يتمّ انتخاب اسرائيل، في شخص ممثّلها لدى منظمة الأمم المتحدة اليميني المتطرّف الذي طبّقت ميوله ومواقفه العنصريّة الآفاق، لرئاسة اللجنة السادسة للجمعية العامة للمنظمة ليس فَحَسْبُ أمرا سِرْيَالِيًّا يصعبُ تصديقُه، بل هو، في نظري، ذروةُ الفسق السياسي الذي بات يهيمن على العلاقات الدولية في ظلّ النظام العالمي المختلّ المعاصر.
ففي الوقت الذي كان يُفْتَرَضُ فيه أن يفتحَ العالم ملفّ انتهاكات اسرائيل لحقوق الانسان الفلسطيني تحت الاحتلال، وأن يفرضَ عليها الالتزام بتطبيق اتفاقيات جنيف وبرتوكولاتها الإضافية على الأراضي الفلسطينية المحتلّة بما فيها القدس الشرقية... وفي الوقت الذي كان يُفْتَرَضُ فيه أن يَضَعَها على لائحة الأمم المتحدة السوداء للدول والتنظيمات قاتلة الأطفال في الحروب، ها هو ذا، على العكس من كلّ ذلك، ينصّبها على رأس اللجنة القانونية التي حددت المادة الثالثة عشر من ميثاق المنتظم الأممي مهامها في "إنماء التعاون الدولي في الميدان السياسي وتشجيع التقدّم المطّرد للقانون الدولي وتدوينه"، وفي "إنماء التعاون الدولي في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية والصحية، والإعانة على تحقيق حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس كافة بلا تمييز بينهم في الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء".
ومعنى ما تقدّم أنّ هذه المهامّ بالغة الحساسية سَيُعْهَدُ بها إلى اسرائيل صاحبة التاريخ الحافل بالتّقتيل والتّهجير والتّعذيب وجميع أشكال انتهاك حقوق الانسان، من قبلِ قيامِها ومن بعدِه... اسرائيل التي حطّمت الأرقام القياسية في خرق القانونين الدولي والانساني، والتي ما فتئت على امتداد السبعين سنة الماضية، تضرب عرض الحائط بقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن... اسرائيل التي ما تزال منذ ما يقارب خمسين سنة تحتل الأراضي الفلسطينية وتستولي عليها وتقيم عليها المستوطنات... اسرائيل التي تواصل خنق مليوني فلسطيني في قطاع غزة منذ ما يناهز العشر سنوات، ولا تتورّع من شن الحروب المتكررة عليهم...
وإذا كان هذا الأمر يشكّل مفارقة مريرة الطعم، فإن مفارقة مريرة أخرى تتجسّد في أن ترشيح اسرائيل لرئاسة هذه اللجنة ودعمها من أجل الفوز بها بشتى الوسائل، جاءا من مجموعة دول أوروبا الغربية وبعض الدول الأخرى التي ما انفكّت تصمّ آذاننا بشعارات حقوق الانسان والشرعية الدولية...
على أن "أمّ المفارقات وأَمَرَّهَا" تكمن في أن المجموعتين العربية والإسلامية اللتين أجبرتا الجمعية العامة على إجراء تصويت بالاقتراع السري لانتخاب رئيس اللجنة، وذلك على غير ما جرت به العادة، أخفقتا في الحيلولة دون فوز اسرائيل بالرئاسة... وليس هذا فحسب، بل إن هذا الإخفاق، إذا صحّ الخبر الذي تداولته بعض الأوساط في الأمم المتحدة، ساهمت فيه على الأقل أربع دول عربية يبدو أنها صوّتت لفائدة اسرائيل...
وإذا لاحظنا أن البيان الذي أصدره ممثل اسرائيل لدى الأمم المتحدة فَرَحًا بانتصاره، خلا من أي انتقاد للمجموعة العربية، في حين انتقد دول مجموعة عدم الانحياز ومنظمة التعاون الإسلامي، فإن ذلك من شأنه أن يؤكد صحة هذا الخبر، وأن يؤكد معه أننا بلغنا بحقّ ذروة الفسق السياسي... عَرَبًا وَعَجَمًا وإلا فكيف يمكن أن نفسر فوز اسرائيل بأغلبية مريحة من الأصوات حيث أحرزت على تسعة ومائة صوت، في حين لم تحصل السويد التي جاءت في المركز الثاني إلاّ على عشرة أصوات، أمّا اليونان وإيطاليا فإنّهما لم تحصلا إلا على أربعة اصوات لكل منهما...
محمد ابراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق