تونس / الظرفية الاقتصادية: إشراقات ومخاطر
في الوصفة الصحية للاقتصاد التونسي خلال الأسبوع المنقضي (من 15 إلى 19 جوان 2016) مؤشرات ودلائل على وجود مخاطر وإشراقات ضمن المشهد الاقتصادي في تونس وهي تتأهب لاستقبال النصف الثاني من السنة. ويعتبر تطور الاستثمار بوجهيه العام والخاص من أبرز هذه الاشراقات وأكثرها دلالة في صلة بما حصل منذ بداية السنة من ارتفاع لافت من حيث الحجم ومن حيث العدد ومن حيث الطاقة التشغيلية في المشاريع الاستثمارية المعلنة من قبل المنشآت التونسية ومن بعض أصحاب رؤوس الأموال الذين يتأهبون إلى بعث منشآت خاصة. ويبدو واضحا أن ما شهده قطاع الاستهلاك في السنوات الأخيرة من دفع قوي نسبيا على المستوى العام والخاص قد شجع أصحاب المنشآت الذين جمدوا أنشطتهم الاستثمارية خلال السنوات الأخيرة على رفع هذا التجميد فراحوا يجددون تجهيزاتهم في سعي إلى مسايرة طلب محلي يتزايد بقوة. ويستقطب قطاع الصناعات الصناعات الغذائية أكثر من ثلث (38.8%) من إجمالي الإستثمارات المصرح بها. وشهد الاستثمار العام بدوره منذ بداية 2016 انطلاقة قوية إذ تطور بوتيرة سريعة ( + 106 ٪ ) وارتفع نصيب النفقات العامة من رأس المال خلال الفترة الممتدة من جانفي إلى أفريل 2016 بنسبة 11،3٪ مقابل 7،7 ٪ في نفس الفترة من سنة 2015 و 5،8٪ بين جانفي وأفريل 2014. كل هذه النسب والأرقام التي تم نشرها خلال الأسبوع المنقضي تشير بوضوح إلى أن الاستثمار الذي يعتبر من أهم محركات الاقتصاد استرجع قدرا من حيويته وأن وجود مخرج من الأزمة السياسية كما هو مؤمل من شأنه أن يقوي هذه الحيوية.
انزلاقات في أكثر من قطاع
لكن المشهد الاقتصادي في البلدلا يخلو من غيوم وظلال متمثلة خاصة في بعض الانزلاقات على مستوى التمويلات العامة والتداين العام. فالدولة باقية على إنفاق أموال دون أن تكون لها موارد في المقابل؛ فنصيب المداخيل الجبائية في خزينة الدولة في تناقص فلم تتجاوز خلال الفترة بين جانفي وأفريل 2016 سقف 6،3 مليار دينار وذلك للسنة الثالثة على التوالي، ولم تتطور المقابيض غير الجبائية خلال السنة إلا بمقدرا يرجع الفضل فيه أساسا لبيع الرخصة 4ج التي اقتناها المشغل الهاتفي الرقمي ’’ اوريدو ’’ ولبعض عمليات الخصخصة، فيما استمر نسق النفقات العامة في تسارع ( 29،2٪ من بداية السنة منها 22،5٪ في شكل نفقات تسيير إداري ). وقد يفضي تسارع الإنفاق العام بهذا الشكل إلى تفاقم عجز الميزانية الذي يقدر حاليا بـ 1،3 مليار دينار وقد يتجاوز التقديرات بكثير.
ولا تقتصر انزلاقات الاقتصاد على النفقات العامة، إنما تشمل الدين العام كذلك، إذ يقدر أن تتجاوز نسبته من الناتج المحلي في نهاية السنة 60٪ . واضطرت الدولة إلى تخصيص مقدار لا يستهان به (13،3٪) من مداخيل الجباية التي توفرت خلال جانفي ـ أفريل لخلاص فوائد الدين مقابل أقل من ذلك (10٪) خلال نفس المدة في سنوات 2013 ـ 2015.
الانزلاق الثالث الذي سيقع فيه الاقتصاد الوطني يتعلق بالدين الخارجي. وتشير الأرقام الصادرة خلال الأسبوع المنقضي عن البنك المركزي إلى أن خدمة الدين قد امتصت ما يزيد عن ملياري دينار من النفقات بالعملة الصعبة في نهاية الثلث الأول من شهر جوان الجاري وهو ما يفوق المقابيض التي تم الحصول عليها في شكل مداخيل سياحية وتحويلات من التونسيين المقيمين بالخارج ومقدارها 1،7 مليار.
ومن الأخطار المحدقة بالاقتصاد الوطني ما صار اليه القطاع السياحي من تهميش وسوء حال بلغ أقصاه. فحصيلة الخمسة أشهر الأولى من السنة كانت كارثية حقيقة إذا ما قيست بحصيلة 2011 السنة السوداء التي مرت بها السياحة : ـ18،2٪ على مستوى المداخيل السياحية و ـ 13،1٪ على مستوى الليالي المقضاة. وانحدر مدخول السياحة لليلة الواحدة 176،4 دينار في سنة 2016 مقابل 210،0 دينار في سنة 2011. وليس قطاع النسيج في البلد بأحسن حال من قطاع السياحة، فقد نزل نصيبه من نوايا الاستثمار في الفترة بين جانفي وماي من هذه السنة إلى حد 3،4٪ مقابل 10٪ تقريبا في سنة 2010.
يوسف قدية
- اكتب تعليق
- تعليق