أخبار - 2016.06.15

معضلة انزلاق الدينار التونسي

معضلة انزلاق الدينار التونسي

سجلت قيمة الدينار التونسي خلال الأسبوع الماضي (6- 12 جوان 2016) انخفاضا بـ -2,40٪‏ بالنسبة إلى العملة الأوربية - الأورو - ، وبنسبة - 5,30٪‏ قياسا بالعملة الأمريكية، وهو ما يعادل 10,9-٪‏ بحساب سنة كاملة. وقد تسارعت وتيرة انخفاض الدينار من أسبوع إلى آخر (1,98-٪‏) .
ومنذ بداية السنة، أي خلال مدة خمسة أشهر تقريبا، تراجعت قيمة العملة الوطنية بنسبة 10% (9,88٪‏ على وجه التحديد) مقابل العُمْلة الأوروبية.

وحينما تفقد العملة - أي عملة - جزءا من قيمتها   بنِسَب هامة وبوتيرة سريعة وعلى امتداد فترات قصيرة نسبيا ومتقاربة ، فيعتبر ذلك " انزلاقا " في قاموس خبراء الصرف.

ويثير انزلاق  الدينار التونسي من أسبوع إلى آخر، ومن شهر إلى أخر قلقا متزايدا في الدوائر الحكومية والمالية، وأحدث ارتباكا واضحا في المشهد السياسي برمته، وهو مشهد محتقن بطبعه، على خلفية وضع اقتصادي ومالي دقيق وحرج ومنهار، واستحقاقات وشيكة في علاقة بالتزامات تونس تجاه الجهات المُقْرِضة كصندوق النقد الدولي وقطر والولايات المتحدة الامريكية واليابان الخ... وتجاه الشركات الأجنبية المنتصبة في البلد وهي على وشك جني أرباحها التي تصرف بالعملة الصعبة.

ويعزى تهاوي الدينار التونسي بحسب العديد من الخبراء الاقتصاديين الى تضافر جملة من العوامل السلبية الخارجية والمحلية، معتبرين أن ذلك سيزيد من هشاشة الاقتصاد الوطني بعد انخرام توازناته الكبرى وتعطُّل الإنتاج وتوقف قطاعات حيوية عن النشاط على غرار الفسفاط والمحروقات، وتقلص الصادرات (- 7,6٪‏ خلال شهر ماي الماضي)  وارتفاع حجم الاستيراد ( + 16,9٪‏ في شهر ماي الماضي) وتفاقم عجز الميزان التجاري ( يقدر ان يبلغ 13 مليار دينار في نهاية 2016)  وتراجع الاحتياطي من العملة الصعبة ( 109 آيام تصدير)  وتفاقم الدين الخارجي ( 70٪‏ من الناتج المحلي الخام في نهاية 2016 حسب توقعات الخبراء) وبلوغ التضخم معدلات قياسية ( 13,1٪‏ باعتبار عامل ارتفاع أسعار المواد الغذائية دون غيره من العوامل ) الخ.  إضافة إلى تدهور القدرة الشرائية بنسبة 40٪‏ ونزول نسبة النمو إلى 0,5٪‏ واستفحال ظاهرة البطالة...

ولا يخفي محافظ البنك المركزي السيد للشاذلي العياري قلقه البالغ تجاه تدهور الوضع الاقتصادي في البلد بهذا الشكل المفزع . وقال في تصريح له أدلى به مؤخرا إن الحكومة التونسية ربما لن يكون بوسعها في الأيام القادمة دفع الأجور… وإن تونس غير قادرة على تغطية مصاريفها، لافتا إلى " النمو السلبي للصادرات" و"غياب المعونات الخارجية خلال الأشهر الستة الأخيرة"، إلى جانب توقف انتاج قطاعات حيوية على غرار الفسفاط والمحروقات وتقلص النشاط السياحي إلى أبعد الحدود...

 ويقترح المحافظ جملة من الحلول على الأمد القصير للحيلولة دون تطور الوضع الاقتصادي والمالي إلى الأسوء، كإصدار قرض رفاعي بقيمة 100 مليون دينار على السوق الدولية بضمان أمريكي لدعم الاحتياطي من العملة الصعبة ولسداد الديون في المواعيد المحددة. ويضيف أن البنك المركزي ليس بوسعه بمفرده الحيلولة دون انحدار العملة الوطنية في ظل تنامي العوامل التي أسهمت في تراجع احتياطي العملة الصعبة ومنها هشاشة الوضع الاقتصادي وتقلص النمو وتدني الإنتاج.

وحري بأصحاب القرار أن يبادروا إلى استباق ما يمكن أن ينتج عن هذا الوضع الاقتصادي المتردي من وخيم العواقب على الصعيد الاجتماعي، قبل بلوغ هوامش التحرك والمناورة نقطة اللاعودة. وقد صدرت في هذا الإطار دعوات ملحة من مسؤولين سابقين وخبراء اقتصاديين وأصدقاء متابعين لتطور أوضاعنا إلى وضع خطة إنقاذ وطني بشكل عاجل لا تقف عند حد البحث عن تمويلات خارجية إضافية ، إنما تكون مرتكزة بالأساس على تحديد حزمة من الإصلاحات المستعجلة والذهاب في إنجازها وفق برنامج دقيق يحدد الأهداف المراد بلوغها والوسائل التي ينبغي توفيرها لتحقيقها، ويضبط آجال الإنجاز ومراحله. وفي هذا الإطار وحده يجدر تنزيل دعوة الرئيس الباجي قائد السبسي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية لها كافة الصلاحيات اللازمة لوضع خطة الإنقاذ هذه موضع التنفيذ.
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.