وسائل الإعلام: الفيضان والفوضى (4)
بعدما شخّصنا في المقالات الثلاث السابقة أمراض المشهد الإعلامي السّائد اليوم في بلادنا، نأتي الآن إلى بعض علاجاتها الممكنة.
وفي رأيي، فإنّ العلاج الأساسي الأول الذي لا مناص من البدء به، هو وضع حد لحالتي الفيضان والفوضى اللتين يعاني منهما واقعنا الإعلامي بتحديد جملة من الضوابط التي ينبغي أن تلتزم باحترامها وسائل الإعلام القائمة، أو التي يمكن أن تقوم مستقبلا...
وهذه الضوابط التي يمكن أن يسهم في تحديدها كافة أهل الذكر بمختلف اختصاصاتهم، لا تعني الحدّ من حرية الإعلام وإنما الحد من فوضاه التي تخطّت كل التّخوم، حتى بات إنشاء وسيلة إعلام أشبه شيء بانتصاب كشك فوضويّ على قارعة الطريق...
ثم إن هذه الضوابط ينبغي أن تتأسّس على إعادة الاعتبار لمفهوم الإعلام الحقيقي ولوظيفته الأصيلة باعتباره معارف وأخلاقا وتقنيات ومهارات تسخّر لإنتاج مادة إعلامية بناءة، تحلّ قضايا البلاد المركزية والأولويات الوطنية المحلّ اللائق بها والمستحقّ في وسائل الإعلام.
غير أن ذلك لن يستطيع وحده تغيير مجرى الواقع الاعلامي الراهن، لأن التغيير المنشود يقتضي تضافر جهود الجميع من إعلاميين وساسة ورجال مال وأعمال، ونخب مثقّفة وأنسجة جمعياتية، بل وحتى أفراد، من أجل إعادة توجيه الاعلام الوجهة الصحيحة...
وإن مكوّنات الطبقة السياسية وعلى رأسها أعضاء الحكومة والنواب وزعماء الأحزاب الذين أغواهم حب الظهور في المنابر الإعلامية، حتّى شغلهم عن أعمالهم الأصلية، مطالبة بممارسة نوع من "التمييز الإيجابي" في اختيار وسائل الاعلام التي تتواصل عبرها مع المجتمع.
وعلى العموم، فإنّنا ونحن نتطلّع إلى قيام مشروع مجتمعي جديد، سنكون بحاجة إلى حاضنة إعلامية مختلفة تمام الاختلاف عن حاضنته الراهنة، حاضنةٍ ذات عقيدة جديدة وخط تحريري جديد ويتولاها إعلاميون يجمعون بين المهنية وبين الوطنية بما يجعلهم قادرين على المساهمة في التأسيس لثقافة تليق بتونس المستقبل.
وعلى وسائل الإعلام العمومية أن تضطلع بدور ريادي في هذا النطاق، بمعنى أنها يجب أن تكون "قاطرة" تجرّ نظيراتها الخاصة إلى الصراط الإعلامي المستقيم، بدلا من أن تكون "مقطورة" وأن تنجرّ هي وراءها، إلى صراطها المعوجّ، مثلما هو الحال الآن...
محمد ابراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق