النهضة الحزب الأول مع تأجيــــــــل التنفيذ برأس واحــــد ووحيد
مع الفارق فإن الخلاف الذي حصل في الساعات الأخيرة والليلية في المؤتمر العاشر لحركة النهضة ، بشأن طريقة تعيين المكتب التنفيذي ، وهل تكون بالانتخاب من قبل مجلس الشورى ، أو بالتعيين من قبل رئيس الحركة ، يذكر كالتوأم مع حدث مماثل في سبتمبر 1971 خلال مؤتمر الحزب الاشتراكي الدستوري ، عندما أصر المعارضون الداخليون ( اللبراليون وقتها بزعامة أحمد المستيري ) على أن تتولى اللجنة المركزية آنذاك انتخاب الديوان السياسي ، فيما أصر الرئيس الأسبق الراحل الحبيب بورقيبة ، على أن الفريق الذي سيشتغل معه حزبيا لا بد أن يكون منسجما معه ، وبالتالي فإنه وحده المخول لاختياره.
وكما انتهى بورقيبة إلى فرض رأيه بقوة الدولة ، فإن الغنوشي قد فرض رأيه بقوة حجة الابتزاز ، عندما هدد بالانسحاب من المؤتمر، وبالتالي حصل "ديمقراطيا " على أغلبية لموقفه لم تتعد 58 في المائة.
ولعل السؤال المطروح وبإلحاح ، هو ما إذا كان " الشيخ " سينسحب ويترك الحركة ، لو أن التصويت لم يكن لفائدته وفائدة وجهة نظره ، أم كان سيخضع للواقع ولو كان مرا ، ويتأقلم معه بحجة الخضوع لمقتضيات الممارسة الديمقراطية ، فيسحب تهديده بالانسحاب.
ومن ناحية تشكيلة القيادة فإن رئيس الحركة قد فرض لونه ، ونجح في الامساك بتلابيب حركته التي كان أسسها في إطار الجماعة الاسلامية منذ الستينيات صحبة الاستاذ عبد الفتاح مورو ، الذي فضل الانسحاب ، فلم يترشح لا لعضوية مجلس الشورى ، وأصر على سحب الترشيح الذي قدمه عنه عدد من أنصاره لرئاسة الحركة ، ليكون منافسا حقيقة للأستاذ راشد الغنوشي.
غير أن المقارنة مع مؤتمر الحزب الاشتراكي الدستوري تتوقف هنا ، فالغنوشي يمكن أن يفخر بأنه انتخب من قبل المؤتمر جميعه ، وبأغلبية 66 في المائة من المؤتمرين ، فيما نال منافسه الأول على الخطة ومن أقرب أنصاره أقل من ربع الأصوات ، وكان الباقي فتاتا.
والفارق مع بورقيبة في مؤتمرات حزبه يقوم على أن الرئيس الأسبق كــــــــــان "ينتخب " بالتصفيق وبدون معرفة حقيقية للوزن الصحيح بالتصويت السري ، وإن كان العالمون بدواخل الأمور في النهضة يقولون بأن الأمر كان مرتبا ترتيبا محكما ، على اعتبار الانضباط السائد في الحركة ، وأن الترشيح لمنافسة الأستاذ الغنوشي كان مخططا كما التصويت.
ويعتبر رجال القانون أن الانتخاب المباشر من المؤتمر للرئيس يعطي شرعية تساوي شرعية الأجهزة الأخرى والمقصود هنا مجلس الشورى ، وأن كلمة رئيس الحركة تساوي منفردة ، قوة كلمة الهيئة المنتخبة مقسمة على عدد أفرادها.
وفي الديمقراطيات الفعلية ، والمستقرة ، فإن المؤتمر في الأحزاب أو النقابات وحتى الجمعيات ، ينتخب الهيئة المركزية ، التي تنتخب بدورها مكتبا تنفيذيا ، ينبثق منه وبالانتخاب أيضا رئيس ، يستمد نفوذه من الأجهزة التي انتخبته وبالتالي يكون خاضعا لها ، لا سلطة له أعلى من سلطة الهيئة المركزية ، أو المكتب التنفيذي ، كما يكون الحال عندما يجري انتخاب الرئيس من المؤتمر.
وفي حالة حركة النهضة بعد مؤتمرها العاشر ، فإن رئيس الحركة يتمتع زيادة على القوة التي يكسبها له الانتخاب المباشر من المؤتمر، قوة أخرى تتمثل في اختياره هو شخصيا لأعضاده في المكتب التنفيذي ، أي للمباشرين للسلطة الفعلية على مستوى الحزب ، مبدئيا من المسايرين لخطه اليوم وغدا ، وإن كان متوقعا أن يتم تطعيم ذلك المكتب بعدد من الوجوه المناوئة ، بعدد قليل لا يؤثر في اتخاذ القرار.
ومما يزيد في نفوذ رئيس الحركة أنه وإلى جانب المائة من أعضاء مجلس الشورى المنتخبين ، والذين يعلنون في غالبهم الأعظم ولاءهم له ، فإنه سيكون مكلفا بإضافة 50 اسما لتمثيل الجهات الضعيفة التمثيل في المجلس المنتخب ، والشباب والمرأة ، وعرضهم على تزكية لجنة مركزية (العفو ) مجلس شورى هو في غالبه الأعظم من الأنصار المعروفين لرئيس الحركة ، بحيث ستتأكد صلابة اليد التي تمسك المجلس من رقبته.
كل ذلك يعني أن المؤتمر العاشر ، قد أكد الصبغة الرئاسوية ( الأقوى من الرئاسية) لرئيس الحركة الأستاذ راشد الغنوشي ، ما يتعارض مع الطبيعة التي اختارتها النهضة لنظام الحكم للبلاد ، حيث إن النظام السائد حسب دستور 2014 هو نظام برلماني معدل ، دور رئيس الدولة فيه متقلص بحيث لا يمكن اعتباره حتى نظاما رئاسيا.
وإذا كان الأستاذ الغنوشي ممسكا برقبة النهضة بيد لا شك فيها ، فهو اليوم ممسك بها بيد من حديد ، إذ يعود فيها القرار له ، وله وحده ، في بلد يمكن بمناسبة انتخابات مقبلة أن ينتقل فيه مركز الثقل إلى حركة النهضة ، بحيث تعود للمركز الأول ، فتتولى الحكم ، ولكن بأي نمط مجتمعي؟
ذلك ما لم يحسم فيه المؤتمر العاشر من وجهة نظرنا ، عندما لم يقرر الفصل الواضح بين الدين والسياسة كما كان متوقعا ، على غرار الأحزاب المسيحية الديمقراطية في الغرب ، وترك الباب مفتوحا لكل الاحتمالات واكتفى بالإعلان المبدئي عن الفصل بين السياسي والدعوي.
النهضة اليوم هي الحزب الأول بعد أن هوى صرح نداء تونس ، ولكن مع تأجيل التنفيذ في انتظار ما ستسفر عنه الانتخابات البلدية في 2017 ، وما ستسفر عنه انتخابات رئاسية وتشريعية سنة 2019 ، ربما نرى معها الأستاذ راشد الغنوشي رئيسا للدولة وأحد زعماء الحزب رئيس للحكومة.
واليوم، قيادة النهضة لها رأس واحد ووحيد ، بدون رؤوس بارزة أو زعامات ثانية ، وتلك علامة دالة في البلدان النامية حتى لا نقول المتخلفة.
أين الشيخ مورو ، وأين حمادي الجبالي ، وأين علي العريض؟
عبد اللطيف الفراتي
- اكتب تعليق
- تعليق