يبدو أن الملك سلمان بن عبد العزيز الذي حلّ بالقاهرة رفقة وفد ضمّ أكثر من ثلاثمائة شخصية كان فى مقدّمتهم 25 أميرا و 15 وزيرا، أحب أن يُيَسِّرَ على أحفاد ابراهيم (عليه السلام) وهاجر التّنقّل بين البلدين فأعلن خلال زيارته إلى مصر عن مشروع الجسر البري الذي ستتم إقامته على البحر الأحمر ليربط بين تبوك في شمال المملكة وبين شرم الشيخ في جنوب سيناء...
وبعيدا عن هذه الدّعابة، فإنني أعتقد أن أهمّ نتيجة تمخّضت عنها هذه الزيارة هي الإعلان عن هذا المشروع الذي، إن تم إنجازه فعلا، سيغيّر تغييرا جذريّا لا العلاقات بين المملكة العربية السعودية وبين مصر وحدهما وإنما بين القارّتين اللّتين ينتميان إليهما، أي قارة آسيا وقارة إفريقيا.
ولا يعني ذلك التّقليل من أهمية النتائج الأخرى التي أسفرت عنها الزيارة لاسيما أنها شهدت توقيع 15 وثيقة بين اتفاقيات ومذكّرات تفاهم وبرامج تنفيذية وعقود استثمارية مشتركة، كما تمّ خلالها الإعلان عن أرقام ضخمة من المساعدات والاستثمارات التي ستقدّمها الرياض للقاهرة لمساعدتها على مواجهة الصعوبات التي تعرفها خاصة على الصعيدين الاقتصادي والأمني.
وبالفعل فقد وقّع الجانبان اتفاقية تتعلق بإنشاء صندوق استثمار سعودي مصري برأس مال قدره 16 مليار دولار امريكي، كما وقّعا اتفاقية أخرى تتعلق بتزويد مصر باحتياجاتها البترولية لمدة خمس سنوات بتسهيلات تبلغ قيمتها نحو 20 مليار دولار، وبنسبة فائدة 2 بالمائة.
ومن ناحية أخرى قدّم الملك سلمان بن عبد العزيز منحة بقيمة 6 مليارات جنيه مصري لتطوير محافظة جنوب سيناء، من خلال إنجاز عدة مشاريع منها خاصة جامعة في مدينة الطور ستسمى باسمه، وعدة تجمعات سكنية لفائدة شباب المحافظة. ويرجع الاهتمام بشبه جزيرة سيناء بالذات إلى ضرورة تخليصها من التنظيمات المتطرفة والإرهابية التي تعشّش فيها لأن في تأمينها تأمينا لمصر ككل... بَيْدَ أنّه مع أهمّية جميع هذه النتائج، فإنّ مشروع الجسر يبقى أهمّها على الإطلاق لأنه يكتسي بعدا على درجة عالية من الحيوية حيث أنه، كما يرى الملاحظون، لن يربط بين المملكة ومصر ربطا ماديا قارّا فحسب، بل قد يربط بينهما بشكل عضوي أيضا على عدة أصعدة أخرى سياسية وأمنية واقتصادية...
أجل... فالإعلان عن هذا المشرع في هذا الوقت بالذات يؤشّر إلى أن البلدين قرّرا أن يتوجّها نحو ربط مَصِيرَيْهِما ببعضهما البعض، وتوحيد رُؤْيَتَيْهِما لأوضاع المنطقة، والتحالف من أجل العمل على إعادة ترتيبها وفقا لمصالح كل منهما ولمصالحهما المشتركة... وليس غريبا أن يأتي كل ذلك في وقت تعيش فيه المنطقة على وقع متغيّرات بالغة الخطورة، يبدو أنها تنذر ببداية دخولها في مرحلة جديدة من مراحل الصراع المحتدم فيها وعليها...
وما من شك أن تفاقم التّهديدات الناجمة عن تمدّد التنظيمات الإرهابية والمتطرّفة في مختلف أرجاء العالم العربي، وإعلان وقف الأعمال القتالية في سوريا، وانطلاق المفاوضات، في جنيف، حول مستقبلها، ووقف إطلاق النار في اليمن وانطلاق المفاوضات، في الكويت، حول سبل إنهاء الحرب فيه، وتمكّن حكومة الوفاق الوطني الليبية، ولو عنوة عن طريق البحر، من دخول طرابلس، متغيّرات تقتضي تشخيص واستخدام آليات تعامل جديدة معها ومع الرهانات التي ستنشأ عنها.
على أن هذه المتغيّرات الإقليمية تقابلها وتتقاطع معها جملة من المتغيّرات الدولية التي تأتي في طليعتها إرهاصات تبدّل استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، لا سيما منذ إبرام الاتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، وبوادر استرجاع اتحادية روسيا لمكانتها على الصعيدين الإقليمي والدولي وبداية عودتها إلى منطقة الشرق الأوسط بعد تدخّلها في سوريا وهو التدخّل الذي غير موازين القوى بين الأطراف المتصارعة فيها، ثم تواتر الحديث، بمزيد من الإلحاح، عن المخططات التي ترمي إلى بثّ الفوضى في العالم العربي والتي تستهدف تفتيت مختلف البلدان العربية بما فيها الدول المركزية كالمملكة العربية السعودية التي أعرب الرئيس أوباما في التصريحات التي أدلى بها أخيرا إلى مجلة «The Atlantic» والتي جاءت تحت عنوان «The Obama Doctrine» عن غضبه من العقيدة السياسية الخارجية التي تجبره على معاملتها كدولة حليفة للولايات المتحدة.
إن مجمل هذه المتغيّرات الإقليمية والدولية، متضافرةً مع بعضها البعض، تنذر بأن المنطقة مُرَشّحة لأن تشهد سنوات طويلة قادمة من العواصف القويّة التي لا قبل للرياض وحدها أو للقاهرة بمفردها الوقوفُ في وجهها، ويبدو أنهما شَعرتا بالحاجة الماسّة إلى استكمال منظومة تحالفهما الاستراتيجي، خاصّة في ما يتعلق بجانبها العسكري الذي كان تجسّم في مشاركة مصر على التوالي في التحالفين العربي والاسلامي اللذين أنشاتهما المملكة العربية السعودية تباعا سنة 2015.
على أن سفينة هذا التحالف الثنائي السعودي والمصري تبقى عرضة للأنواء التي قد تعصف بها في أي وقت... وقد جاءت الجلبة وموجة الاحتجاجات التي أثارتها مسألة تبعيّة جزيرتي تيران وصنافير لتذكّر بذلك... غير أن الأخطر على سيرورة هذا التحالف وعلى صيرورته يظل، في نظري، ذلك التنافس المكبوت المكتوم، مرحليّا لأسباب مصلحيّة، على موقع الريادة والقيادة فيه...
وفي هذا الإطار، أعتقد أنه من المهم أن أختم مقالي هذا بأكثر تعليق يقطر مرارة قرأته عن الزيارة وهو تعليق لأحد الصحفيين المصريين يقول فيه إن « مصر السيسي تضع نفسها خلف السعودية، وليس أمامها كمصر عبد الناصر والسادات، ولا بجانبها كمصر مبارك ».