أخبار - 2016.04.21

بعــد‭ ‬عشـر‭ ‬حكـومات‭ ‬انتقـالـية ليبيا‭ ‬تُجرّب‭ ‬الوصفــة‭ ‬التـونــســيـة

بعــد‭ ‬عشـر‭ ‬حكـومات‭ ‬انتقـالـية ليبيا‭ ‬تُجرّب‭ ‬الوصفــة‭ ‬التـونــســيـة

قفزت حكومة الوفاق الوطني الليبية على حواجز عديدة في ظرف زمني وجيز، باعثة رسائل طمأنة إلى الداخل والخارج على السواء. ومع كل خطوة إلى الأمام كان النافخون في نفير الحرب والمُعرقلون للتوافق يتراجعون عن تهديدهم ووعيدهم ويلوذون بالصمت.

ولكي نفهم دوافع هذا التغيير الكبير والسريع في المشهد الليبي علينا أن نستحضر ثلاثة عناصر حاسمة مهدت له، أولهـــا أن القـــوى الرئيسية في مصراتة، وهي معقل التيارات المُؤلفة لما يُسمى «فجـــر ليبيــا» والمُنتسبة للإسلام السياسي، تخلت عن منطق الحرب بين غرب ليبيا (طرابلس) وشرقها (بنغازي) وجنحت للتفاهم مع الخصوم.

وثانيها أن الشارع الليبي ضاق ذرعا بتحكم الميليشيات، خاصة بعد التدهور المُتسارع للأوضاع المعيشية بشكل غيــر مسبوق، فأصبح يضغط من أجل إعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد. أما العنصر الثالث، وقد يكون الأهم، فيتمثل في الضغط الدولي المُتزايد، الذي يرمي للحيلولة دون تحول ليبيا إلى مرتع لتنظيم «داعش» وأمثاله. وتكثفت هذه الضغوط الدولية مع اعتقاد الأوروبيين أن القرب الجغرافي يجعل من «داعش ليبيا» أشد خطرا على مصالحهم الحيوية من وجود التنظيم في سوريا والعراق.

النفط والدينار

ربما كــانــت أهــم ورقتين ضمنتهُما حكومة الوفاق، أو هي في سبيلها إلى ذلك، هما مبـادرتها إلى السيطرة على المؤسســة الوطنية للنفط، لاسيما بعدما دان لها بالولاء سلك حُـراس الحقول النفطية في شـرق البلاد، وهو سلك اشتهر بتمرده، بل وتحديه للسلطات المركزية منذ ثورة 17 فبراير. أما الثانية فهي بداية التحكم في مصرف ليبيا المركزي ومؤسسة الاستثمار (الصندوق السيادي)، مما سيُنهي التمزق السابق بين حكومتين ومرجعيتين. وستكون لهاتين الخطوتين انعكاسات إيجابية على صعيد وقف الانزلاق السريع للدينار أمام الدولار وتوفير السيولة في البنوك والحد من غلاء الأسعار، بالاضافة لدفع الرواتب المُعلقة منذ عدة أشهر لمُستحقيها من موظفي القطاع العام.

إذا تمّ كل ذلك بشكل سلس تكون عملية الانتقال السلمي والمُنظم للسلطة في ليبيا قد نجحت. غير أن الخطوة الأصعب في الفترة المقبلة هي الانتقال إلى مواجهة التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها «داعش» وضبط الميليشيات الخارجة عن القانون، التي كونت إمارات مُنفلتة من قبضة السلطة. وهذه المواجهة لن تكون سهلة ولا سلمية. واستطرادا يُعتبر تجميع الأسلحة الخارجة عن الشرعية أكبر تحدٍ سيُواجه حكومة السرّاج في المرحلة المقبلة. لكن الأولوية في الأمد المنظور ستكون لحماية الحكومة والمجلس الرئاسي وتأمين العاصمة، وهي المهمة التي أسندت إلى لجنة الترتيبات الأمنية المؤقتة، التي شكلها المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق برئاسة العميد عبد الرحمن الطويل. وتحظى هذه اللجنة التي تضم 17 عضوا بالمساعدة الفنية من المستشار الأمني لمبعوث الأمــم المتحدة إلى ليبيا الجنرال الإيطالي باولو سيرا. وفي إطار تلك الخطة يُرجحُ أن يتم اختيار قوات نخبة من الشرطة والجيش طبقا لشروط صارمة، مع الاستعانة بعناصر من الميلشيات المُسيطرة في طرابلس، من الذين أبدوا الاستعداد للالتحاق بالقوات النظامية.

عُقدة حفتر

تبقى العقبة الأكبر أمام تشكيل جيش نظامي مُحترف هي وجود الجنرال المتقاعد خليفة حفتر على رأس ما تبقى من الجيش الليبي في المنطقة الشرقية، مما سيجعل التخلص منه عملية معقدة ومُكلفة، خاصة بعد نجاح قواته مؤخرا في إخراج الجماعات الإرهابية من أحياء بنغازي. والواضحُ أن السراج ومُهندسي الصيغة التوافقية فضلوا إرجاء هذا الملف المتفجر إلى مرحلة لاحقة، بعدما تكون الحكومة الشرعية قد ثبتت أقدامها ورسخت مؤسساتها. كما أن مُراجعة بعض الدول الداعمة لحفتر مثل مصر والإمارات لموقفها من الصراع في ليبيا، سيُساعد على تسوية سلمية لهذا الملف الشائك. وهذا يعني أن طريق إعادة بناء الدولة لن تكون مفروشة بالورود، وأن الحكومة الحالية ستُجابه أوضاعا شديدة التعقيد. غير أن العُنصر المهم الذي سيُغير المعادلة هو حلول فكرة التوافق محل الصراع لدى الأطراف المُمسكة بالسلك الكهربائي. وفي هذا السياق تُنبّه المحامية والحقوقية الليبية عزة كامل المقهور إلى أن الاتفاق السياسي الذي توصل له الفرقاء الليبيون في الصخيرات «مبنيٌ على مبادئ حكم مختلفة، المقصود منها تعزيز التوافق والإجماع والاستشارات والتعاون والتنسيق، وهذه مفاهيم سياسية جديدة في ليبيا اليوم، وهي بحاجة لأن يتمّ تعلُّمها وممارستها من خلال وسائل سياسية سلمية في بلد مزقته الحرب الأهلية وتهيمن عليه الميليشيات المختلفة». هذا الجديد هو الذي سيضع نهاية لما يُطلق عليه الضالعون في إشعال الحرب الأهلية بليبيا «التدافع»، وهو ما سيُساعد بالنتيجة على تطهير المدن الليبية من الميليشيات وفرض هيبة الدولة وترسيخ المؤسسات الجمهورية للمرة الأولى منذ حوالي نصف قرن.

رشيد خشانة

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.