افريل 1938: انتفاضة شعب
توخت حكومة الجبهة الشعبية (حكومة ليون بلوم) سنة 1937 سياسة إصلاحية تجاه المستعمرات لكنها سرعان ما استقالت يوم 21 جوان 1937، نتيجة الأزمة الاقتصادية التي هزت فرنسا وتحت ضغط لوبيات المستعمرات التي شعرت حينها بالخطر الذي يهدّد بمصالحها. وأثرت هذه الاستقالة في مواقف الحركة الوطنية التي علقت آمالا على الجبهة الشعبية.
وقد شهدت تونس خلال الأيام الأولى من شهر افريل سنة 1938 أحداثا بارزة أهمها انتفاضة اليوم التاسع من نفس الشهر، والتي تمثلت في حركة تمرد واحتجاج قادها الشعب التونسي ضد السياسة الاستعمارية، شكلت محطة مفصلية وملحمة بطولية ساهمت في رسم مصير الحركة الوطنية، خاصة وأنّ النخبة التونسية رفـعت من سقف أهدافها وطموحاتها إلى المطالبة بالسيادة الوطنية وببرلمان تونسي.
وكان علي البلهوان الملقب بـ "زعيم الشباب" متحمسا للقضية الوطنية، داعيا الشباب وتلاميذ الصّادقية ومدارس العاصمة وجمعياتها إلى دعم الحركة الوطنية، محرضا على الإضرابات والمظاهرات والتصدي للاستعمار فوقع طرده من الصّادقية يوم 2 افريل. ونتيجة لذلك أضرب تلاميذ الصّادقية وساندهم في ذلك طلبة الزيتونة وتأسست إثرها لجنة الاتحاد الزيتوني المدرسي لتأطير النضال المدرسي و الطلابي.
ويوم 4 افريل وقع اعتقال يوسف الرويسي بمعية الدكتور سليمان بن سليمان بعد أن أوفدهما الديوان السياسي للقيام بجولة دعائية في الشمال التونسي وتحديدا سوق الأربعاء، وتعتبر هذه المنطقة صعبة ووكرا للاستعمار. فانطلقت مظاهرات ضخمة بوادي مليز وسوق الأربعاء احتجاجا على اعتقالهما مع عدد من الوطنيين.واعتقل في نفس اليوم صالح بن يوسف والهادي نويرة.
وصباح يوم 7 افريل شهدت مدينة حمام الأنف أمام قصر الباي مظاهرة ضخمة رفع خلالها المتظاهرون شعارات تنادي بحرية تونس واستقلالها والكف عن اضطهاد وإهانة شعبها وبانتخاب برلمان تونسي. وتمكن المنجي سليم من مقابلة الباي، طالبا منه التدخل للإفراج عن الوطنيين. وأمام دار الإقامة العامة الفرنسية التي طوقت بالأسلاك الشائكة تظاهرت المرأة بكل شجاعة وبشكل ملفت للانتباه .
وانطلقت يوم 8 افريل مظاهرة من الحلفاوين بقيادة علي البلهوان وأخرى من رحبة الغنم قادها المنجي سليم ، جابت شوارع المدينة والتقى المشاركون فيهما أمام مقر الإقامة العامة بـ شارع "جول فيري" منادين: "برلمان تونسي، برلمان تونسي"
و"حكومة وطنية".وقد رفض المقيم العام "أرمــــان قيــــــون"Armand Guillon استقبال وفد عن المتظاهرين.
ويوم 9 افريل فوجئت الجماهير بخبر اعتقال الزعيم علي البلهوان وجلبه للمحكمة للمثول لدى حاكم التحقيق فخرج المتظاهرون بإعداد غفيرة ليعبروا عن غضبهم وسخطهم، وما أن وصلوا قصر العدالة حتى كان القمع سريعا دون شفقة.وأعلنت حالا حالة الحصار.وتم اعتقال الكثير من المناضلين من بينهم الحبيب بورقيبة .. وبلغ عدد الاعتقالات على حد قول الدستوريين- ما بين الألفين والثلاثة آلاف."أحيلوا على المحاكم العسكرية. كما استشهد 22 من المتظاهرين وجرح 150 من الشيوخ والشباب والنساء والأطفال بعد أن أطلقت عليهم الدبابات الرشاشة النار. وأعلنت حالة الطوارئ وتبعتها مظاهرات عديدة صاخبة في كل جهات البلاد.فبادر المقيم العام الذي أعطيت له كل الصلاحيات بالتنكيل بالزعماء والوطنيين وألقي القبض على القيادة الدستورية في مقدمتها الزعيم الحبيب بورقيبة الذي كان مريضا طريح الفراش بمنزله برحبة الغنم.
كما اعتقل المنجي سليم وتم حل الحزب الحر الدستوري الجديد يوم 12 افريل وأحيل القادة الدستوريون على المحاكم العسكرية وكتب بورقيبة مقاله التاريخي "القطيعة".
وتوالت حملات الاعتقالات وسياسات الاستعمار القمعية والتنكيل بالمناضلين وسجنهم وإرسالهم إلى المنافي وطالت المواطنين شتى ألوان الإهانة انتهت بحل الحزب الدستوري التونسي يوم 12 افريل وحجز عدد خاص لجريدة العمل الناطقة باسمه ومنعها عن الصدور وكذلك الشأن بالنسبة لجريدة" تونس الاشتراكية" Tunisie Socialiste.
لم يفل هذا من عزائم الدستوريين رغم إلقاء القبض على أعضاء الديوان السياسي فقرروا مواصلة الكفاح وتصعيد المقاومة بطريقة سرية فتكونت لجنة سرية (الديوان السياسي الخامس) تزعمها الباهي الادغم تولت إعداد وتوزيع المناشير على الشعب الدستورية وحثهم على مواصلة الكفاح والمقاومة والمطالبة بالإفراج على الزعماء والقيادات وبقية الوطنيين.
فاخر الرويسي
- اكتب تعليق
- تعليق