النساء والواقع العربي والإسلامي بعد الثورات
جاء ما يسمى"بالربيع العربي" ووقع التركيز على الحريات والمساواة بين الجنسين ولكن في الخطب الرنانة فقط، وبما أن اليوم العالمي للمرأة 8 مارس 2016 هلّ علينا والنساء في العالم العربي يرزحن تحت الفكر المعادي للنساء، ويعانين من هول التهجير وفقدان الأبناء والأزواج، وفقدان الأوطان،والتعرض للاغتصاب والإهانات،والبيع في سوق النخاسة ،والعالم المتقدم، عالم دعاة حقوق الإنسان،يتفرج على هذه الكوارث ولايبدي ساكنا وهمه الوحيد تدمير العالم العربي،ولهف ثرواته،ولا يهم فالتذهب النساء والشعوب إلى الجحيم،ونظرة موجزة عن وضعية النساء في النزاعات المسلحة وبعدها تبين أن نسبة مشاركة النساء في مفاوضات السلام لا تتجاوز 8 % ،ومن بين 9 اتفاقيات سلام تمّ توقيعها سنة 2011 ،نجد حكمين فقط تهمّ النساء،من بين 585 اتفاقية سلام بعد 1990 17 فقط لاحظت أن العنف الجنسي يعتبر في كثير من الأحيان أسلوب من أساليب الحرب،ومن أصل 300 اتفاقية سلام 6 فقط تعتبر العنف الجنسي انتهاكا لوقف إطلاق النار،وهكذا تعاني المرأة من ظلم مسلط عليها من المجتمع ومن القوانين،والأسباب كثيرة،وعلى رأسها غياب التّمكين من المعرفة ، وتعثر الحرّيات خاصة بالنسبة إلى النساء، والدّيمقراطية بعد الثورات.
بالنّسبة إلى المعرفة – وعلى الرّغم من التّقدّم النّسبي الّذي حقّقه العالم العربي في تعليم النّساء- فإن أكثرهن أميّات، وقد أثبتت الإحصائيات أن نسبة الأمية بين الإثاث هي ضعف ما عند الذكور ، ممّا يؤكّد عدم المساواة بين الجنسين في التّعليم باستثناء بعض الدّول الّتي جعلت التعليم فرضا بالقانون ووضعت برنامجا ثريا لمحو الأمّية لدى الكبار.
وفي ما يتعلّق بالحرّيات والدّيمقراطية، فإنّه لا يمكن لمن يحترم نفسه أن يزعم أن المرأة في جميع أنحاء العالم العربي والإسلامي تحظى بحرّية كاملة، وتتمتّع بمحاسن الدّيمقراطية، لأنّ الواقع يثبت أنّها إمّا تابعة للأب أو الأخ أو الزوج، وقد تكون تابعة لأحد رجال الأسرة من الأولياء، وجلّهم لا يسمح لها باستقلالية القرار، ولا يدرّبوها على التّمكين " والتمكين هو عملية بواسطتها تصبح النّساء قادرات على التّعرّف على أوضاعهنّ بحيث يتمكّن من اكتساب مهارات وخبرات تطوّر قدراتهنّ للاعتماد على الذّات" .
ويقوم التمكين على ثلاثة أساسيات:
- "القدرة على" (Power to) الّذي يمكّن النساء من المشاركة بنشاط تتساوى فيه مع الرّجل في صنع القرارات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
- القدرة في (power withen) الّذي يمكّن النّساء من أن يصبحن أكثر وعيا وثقة بالنّفس.
- القدرة مع (Power with) الّذي يمكن النّساء من تنظيم أنفسهن مع غيرهن من النّساء من أجل تحقيق أهداف مشتركة. فما هي أسباب عجز العالم العربي والإسلامي –في أغلب دوله- عن تمكين المرأة ؟
تعدّدت الأسباب والضحية واحدة وهي المرأة،بحيث لا يمكن أن يستوعبها مقال في بعض صفحات، ولذلك سأقتصر على بعض الأسباب.
تقسيم الأدوار في الأسرة:
يخضع تقسيم الأدوار في الأسرة إلى تصوّرات شعبية مستقاة من الفكر التقليدي، ومن التفسيرات الرّجالية لدور المرأة انطلاقا من عقلية تحصر دورها في الإنجاب والقيام بشؤون المنزل، وخدمة الزوج. ولا يعترف المجتمع ولا أغلبية الرجال بعمل المرأة في البيت كعمل منتج لأنه للاستهلاك المباشر، ولا تتقاضى عليه مرتبا، فهو عمل دون قيمة، في حين يعتبرون عمل الرّجل ذي قيمة عالية متأتّية من المقابل المادّي الّذي يناله، وبهذا المقابل المادّي ينفق على الأسرة فيمتلك قوّة يسيطر بها على صنع القرار، مما يعطيه مكانة أرفع من مكانة المرأة ، فتقوم العلاقة بينهما على منطق الأقوى، والأفضل ممّا يصنّف المرأة في الدّرجة الثانية في سلّم المجتمع.
وفي بعض الدّول العربية دخلت المرأة مجال العمل، وهي تشارك في الإنفاق مثل الرّجل، ورغم هذا فإنّ القاعدة العامّة هي تقسيم العمل حسب النّوع، وتبقى كلّ أو جلّ القرارات الأسرية بيد الرّجل، وهذه القاعدة تشكّل الثقافة الجماعية الّتي تؤثّر سلبا في رؤية المجتمع لدور المرأة، والأكثر خطرا أنّها تؤثّر في رؤية المرأة لنفسها، ولمكانتها في المجتمع، فترضخ لثقافة الأغلبية، وتقبل بوضعها ؛فتتنازل عن حقوقها طوعا أو كرها، وترضى بتبعيتها للرّجل لأنها الأضعف في اعتقادها.
ومما ضاعف تعاسة وضعية المرأة تنامي الفكر الدغمائي الرّجعي الّذي محض كلّ مجهوداته لتمرير تقسيم الأدوار بين الجنسين داخل الأسرة بما ينعكس على تمكين المرأة في المجتمع سلبا ، فإذا القرارات الأساسية في هذه الأسرة بيد الرّجل، وأنّه له الحقّ في إنهاء العلاقة الزوجية بقرار منفرد ممّا يؤكّد ذروة احتكار القرار، فكيف سيتم تمكينها خارج الأسرة؟
احتكار الرّجل للدّور السياسي:
الأغلبية من الرّجال في هذا العالم تحتكر السياسة وإن وجدت عدّة دول مكّنت المرأة من المشاركة السياسية ، تحت ضغط الدّعوة الدّولية ودعوات المنظمات العالمية التي ما انفكّت تنادي بتشريكها على المستوى السياسي ممّا أدّى إلى تطوّر الخطاب السياسي في بعض الدّول، فتنامت مشاركة المرأة ولكنّها لم تصل درجة المساواة بين الجنسين، وظلّت مشاركتهنّ محدودة جدّا في مواقع صنع القرار إلى اليوم وازدادت تقلصا بعد الثورات العربية،وتعود الأسباب:
أوّلا: للتربية الّتي تتلقّاها البنت منذ الصّغر وتقسيم الأدوار – كما رأينا - في الأسرة على أساس النّوع، فإذا كانت بعض النساء ليست واعية بحقوقها السياسية فكيف ستطالب بها، وإذا كانت سرعان ما تصدق فتاوى شيوخ
الفضائيات الذين يحرمون عليها العمل السياسي،لأنها لاتمتلك الآليات الدينية التي تدافع بها عن حقها السياسي الذي منحه لها القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم وبعض الصحابة مع وجود نماذج نسائية مارست السياسة وتدخلت في سير النظام العام،
ثانيا: وجود المرأة بين مواطنين اتّصفوا بضعف المشاركة السياسية في العالم العربي والإسلامي.
ثالثا: ارتفاع عدد الأمية بين النساء –كما ألمعنا- وتفرّغهن لحاجيات الأسرة، واقتناعهن بدورهن التقليدي في الحياة .
رابعها: أنّ صنع القرار السياسي بيد الرّجال الّذين ساهموا بقسط وافر في استبعاد النّساء عن المشاركة السياسية، ومن تفضّل منهم وسمح لبعضهنّ بالمشاركة فذلك لذرّ الرّماد على الأعين، فها هي امرأة بين مئات الرّجال في الحقل السياسي، فماذا تريد النّساء أكثر من هذا. وفي الأغلب يكون وجودها ديكوريا، لتزيين المحافل، وهي توزّع ضحكاتها يمنة ويسرة، أما صنع القرار السياسي فإنّها فيه تبع للرّجال باستثناء بعض الدّول الجادّة في تمكين المرأة والّتي بوّأتها مناصب تشارك فيها في صنع القرار.
والّذي عمّق الهوّة في المجتمعات وفي زيادة منع المرأة من حقّها السّياسي أنّ الفكر المتشدّد يستعمل أخبارا دينية وتفسيرات تقليدية تقنع المرأة أنّ عملها في السياسة حرام وأنّه ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة، وأن الاختلاط يؤدّي إلى جهنّم، وقد تزايد هذا الفكر الآن.
الإرث الثقافي والدّيني:
يحتوي هذا الإرث على كلّ أنواع التمييز ضدّ المرأة، المرأة عاجزة، وناقصة عقل ودين، ومجلبة للعار، وبلية من عند الآلهة، وشؤم على الأسرة وما إلى ذلك من النّعوت الّتي يعجّ بها الفكر الدّيني الإسلامي وغيرالإسلامي، وقد أحدثت خللا مفزعا في العلاقة بين الجنسين إذ حدّدتها وفق نظرة الجنوسة، نظرة تنعدم فيها تكافؤ الفرص، والمساواة، فلا تكافؤ في فرص التعليم، ولا في الرّعاية، ولا في فرص العمل إلا في بعض الدّول الّتي كفلت قوانينها نفس الفرص للبنت والولد في التعليم، وفي العمل من حيث الانتدابات والترقيات والأجر، وكذلك في الرّعاية الصحية وفي غيرها من الحقوق الّتي يشترك فيها الرّجال والنّساء،
ممّا يؤكّد أن نقد الموروث الثقافي والفكر الدّيني الّذي يرسخ التمييز ضدّ النّساء ، أصبح ملحّا على ذوي العزائم الصادقة من المختصين في الثقافة الإسلامية والتّفسير ومن المدافعين عن حقوق الإنسان، ومن السيّاسيين الواعيين بالقضية،والنخب المثقفة رجالا ونساء لأنّ درجة التمييز تصاعدت في بعض الخطابات الدينية المتشددة بعد الثورات ومصادرها الكتب القديمة مثل كتاب"التبر المسبوك في نصيحة الملوك"للغزالي،،وكتاب"النكاح" من كتاب"الإحياء" للغزالي أيضا وغيرها من الكتب،إذا كان للغزالي عذر وهو وجوده في بيئة فرضت عليه تلك النظرة التي نعتبرها نحن تمييزية فلاحجة لمن يريد أن يطبقها على النساء اليوم،
وكم يحتاج العالم العربي والإسلامي لمثل هذه الأصوات حتّى نقف أمام الفكر الأحادي المتكلّس والمتقوقع على نفسه متعلّلا بتشريعات فقهية عفا عليها الزّمن ليقصي المرأة من الفضاء العام ، والواضح أن الخوف ليس على الشريعة لأنها سمحت بشيء من التمكين للمرأة، ولكن الخوف على مكانتهم في المجتمع الّتي يعتبرونها حقا مقدّسا خالصا للرّجل ومن المستحيل أن تنافسه فيه المرأة، فكيف تنافسه في صنع القرار السياسي وهو الّذي يمنحه السيطرة على الموارد والآليات الّتي تملكه التحكّم في الثروات والرّقاب والأفكار.
القوانين والتشريعات:
إنّ القوانين والتشريعات في الدّول العربية تساهم في ثقافة التمييز ضدّ المرأة بما أنّ التمييز يصبح مقننا وسائدا في وخاصّة في قوانين الأحوال الشخصية باستثناء بعض الدّول الّتي طوّرت هذه القوانين تطويرا يتفاوت بينها ، ولا تزال بعض القوانين والتشريعات ترزح تحت مفاهيم قوامة الرّجل على المرأة، وأن له درجة تفاضلية عليها، وأنّها غير مؤهّلة للولاية العامة وغيرها من المفاهيم المغلوطة المطبوعة برؤية أبوية (Patriacal)، وبطبيعة الحال إذا كانت القرارات رجالية فقط فإنها لا تأخذ في الاعتبار قضايا المرأة ، والحل –إضافة إلى إعادة قراءة التراث الفكري الديني- تطوير القوانين والتشريعات لأنّها الضامن الحقيقي لتوعية المرأة بحقوقها،والحصول عليها ولا يمكن أن تعدّ هذه القوانين والتشريعات كمتطوّرة حقّا إلا متى أصبح للمرأة حقّها في أن لا تكون خاضعة إلا للقوانين، فلا سلطة لأحد عليها في منعها من السّفر، أو التّحكّم فيها ،أو إساءة معاملتها،أواحتقارها والبحث هل هي إنسان أولا،وهل لها روح كلب أو إنسان ،وأن يكون لها الحق في الملكيّة مثلها مثل الرّجل، وغيرها من الحقوق، وعندها يمكن أن يتحدّث العالم عن مساواة بالفعل، وأن يحتفل باليوم العالمي للمرأة 8 مارس عن جدارة، ودون انفصام بين واقع المرأة المعيش ،والتغنّي بالحقوق.
بقلم منجية السوايحي
(أكاديمية)
- اكتب تعليق
- تعليق