أخبار - 2016.02.25

ليبيا في عنق الزجاجة

ليبيا في عنق الزجاجة

فيفري 2011: دخلت ليبيا في دوامة من العنف والفوضى الأمنية بعد ان طال لهيب الانتفاضات الشعبية التي اندلعت في تونس قبل ان تتمدد شيئا فشيئا في اتجاه المنطقة العربية. وسرعان ما تطورت الأوضاع إلى الأسوء إثر تدخل الطيران الحربي الأطلسي الذي دك البلاد دكّا وأدخلها في حالة من الفوضى والعنف المسلح. وها هي ليبيا تعيش ويلات الإرهاب والتهريب والحرب بين أبناء البلد الواحد.

تجاه تردي الأوضاع السياسية على نحو مفزع طيلة شهور، لم تجد الأطراف الغربية وبعض الدول العربية في المنطقة مفرّا من الدُّخول على الخط والإعلان عن استعدادها للتحرك لإنشاء تحالف والتدخُّل مجدَّدا في ليبيا لمساعدتها على استعادة أمنها إذا ما تلقت الضوء الأخضر من حكومة شرعية. لكن حكومة الوحدة الوطنية التي شكَّلها المجلس الرئاسي الليبي برعاية الأمم المتحدة لا تستطيع القيام بأي مبادرة في هذا الاتجاه دون موافقة البرلمان المعترف به من قـِبل المجتمع الدولي والذي يوجد مقره في طبرق شرقي ليبيا. ولا بد أن يتحصل الفريق الحكومي الذي سيبرز إلى الوجود على تصويت جديد من البرلمان، وهو ما ولَّدَ فيما يبدو خيط أمل.

وفي هذا السياق، بدأت تونس تعُدِّ العُدَّة تحسُّبا لاستقبال أفواج اللاجئين إليها في الجنوب حيث يبدو أن بعض الطواقم الطبًّية موجدة الآن في المنطقة وعلى أهبة للتدخل عند الاقتضاء. لكن الموقف لم يتبلور تماما، فلم تترك بعض الجماعات الجهادية كتنظيم الدولة الإسلامية الفرصة تمر دون الإقدام على البحث لها على موطء قدم في العمق الليبي والاستفادة من حالة الفوضى السائدة حاليا والتمدد جنوبا صوب العمق الأفريقي.

عَوْدٌ على سنوات الفوضى وتلاشي المؤسسات وتردي الأوضاع الأمنية قي ليبيا

خمس سنوات من الفوضى وعدم الاستقرار في ليبيا منذ سقوط القذافي

فيفري 2011: ظهور بوادر حراك شعبي حقيقي في بنغازي امتدادا للثورة التي شهدتها تونس غايته الإطاحة بنظام القذافي الاستبدادي. زعماء المعارضة ومعهم ضباط في الجيش سابقون وبعض أعيان القبائل يبادرون إلى إنشاء المجلس الوطني الانتقالي المكلف بتنسيق العمليات التي يقع القيام بها في مختلف المدن التي سقطت بين أيدي الثوار. وشيئا فشيئا اتخذت الانتفاضة شكل نزاع مسلح.

مارس 2011: مجلس الأمن الدولي يصادق على القرار 1973 الذي ينص على إنشاء منطقة حظر جوي في الأجواء الليبية والسماح بـ "اتخاذ كل التدابير الضرورية" لتأمين حماية السكان المدنيين من هجومات جيش القذافي. وفي 31 مارس تخلى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة عن قيادة العمليات بعد أن أصبح ذلك داخلا في مأموريات قيادة الحلف الأطلسي.

أكتوبر 2011: الرئيس الليبي معمر القذافي يقع في قبضة جنود تابعين للمجلس الوطني الانتقالي  أثناء تبادل لإطلاق النار في مدينة سرت قبل أن يتم الاجهاز عليه وقتله.

جويلية 2011: المؤتمر الوطني العام المعين في أعقاب الانتخابات الحرة الاولى التي تجرى في ليبيا منذ عشرات السنين يحل محلّ المجلس الوطني الانتقالي. 

سبتمبر 2012: إطلاق قذائف على القنصلية الأمريكية ببنغازي ومقتل سفير الولايات المتحدة في ليبيا ج. كريستوفر ستيفانس مع عنصرين من البحرية الامريكية وعون من مصالح الإعلام. ولا تستبعد الولايات المتحدة أن يكون تنظيم أنصار الشريعة ضالعا في هذا الهجوم.

أكتوبر 2013: رئيس الحكومة علي زيدان يختطف من قـِبل مجموعة من الخارجين عن الصف سابقا ويتم نقله من مقر إقامته في طرابلس وذلك كرد فعل على إذن من زيدان للجيش الأمريكي بالقبض على أحد قياديي تنظيم القاعدة في ليبيا

فيفري 2014: مظاهرات احتجاج ضد قرار نواب المؤتمر يقضي بتمديد الفترة النيابية التي من المفروض أنّها انتهت في بداية فيفري، كما رفع المتظاهرون احتجاجات على عجز المؤتمر عن إنشاء مؤسسات قارة وفرض استتباب النظام والأمن

ماي 2014: الجنرال خليفة حفتر (المتقاعد من  الجيش في سنة 1980) المعروف بعداوته لحكومة المؤتمر ينجح في استمالة وحدات من الجيش لشن هجوم عسكري في بنغازي أطلق عليه اسم " الكرامة " استهدف تنظيم أنصار الشريعة بعد أن حامت شكوك حول ضلوعه في جملة من الاغتيالات التي استهدفت قوات الأمن.

جوان 2014: انتخاب 200 عضوا في مجلس النواب الذي تقرر أن يحل محل المؤتمر.

أوت 2014: تركيز البرلمان المنبثق عن انتخابات 25 جوان  التي فاز فيها القوميون الأحرار على حساب الإسلاميين. ووقع الاختيار على طبرق كمقر للبرلمان الجديد بسبب انتفاء الأمن في مدينة طرابلس الخاضعة لسيطرة مليشيات متعادية. واستطاع الاسلاميون أن يعززوا نفوذهم داخل المؤتمر الذي رفض نقل السلطة الى البرلمان الجديد ودفع المحكمة العليا الى إبطال الانتخابات. وبالرغم من ذلك، فإن الحكومة المنبثقة عن هذا البرلمان المنتخب هي التي تحظى اليوم باعتراف المجتمع الدولي. أما المؤتمر، فقد عاد الى السلطة  من جديد وانتصب في طرابلس مدعوما من تنظيم "فجر ليبيا" وهوعبارة عن تحالف بين المليشيات الاسلامية.

أكتوبر2014: جهاديون ليبيون عائدون من سوريا حيث كانوا يحاربون في صفوف تنظيم الدولة الاسلامية ينشؤون مجلس شورى شباب الإسلام ويعلنون بيعتهم لتنظيم أبي بكر البغدادي الذي قبِلها في بيان تم نشره بعد أيام. وفرض مجلس شورى شباب الإسلام سيطرته على جزء من مدينة درنة التي أصبحت أوَّل مقاطعة للدولة الاسلامية خارج منطقة نفوذها في العراق وسوريا، وأقام فيها جهاز شرطة إسلاميا مكلف بتطبيق أحكام الشريعة.

مارس 2015: الجنرال المتقاعد خليفة حفتر يعيَّن قائدا أعلى للجيش الوطني الليبي الذي يدين بالولاء إلى حكومة طبرق، وأصبحت ليبيا مقسمة بين جهة شرقية تخضع لقوات الجنرال المتقاعد خليفة حفتر وجهة غربية يسيطر عليها الإسلاميون.

ماي 2015: الدولة الإسلامية تحكم قبضتها على مدينة سرت حيث استطاعت فرض وجودها بعد معارك ضد قوات فجر ليبيا

جوان 2015: تنظيم الدولة الاسلامية يُطرَد من وسط درنة من طرف مجلس الشورى التابع للمجاهدين والذي يضم في صفوفه تشكيلات جهادية قريبة من تنظيم القاعدة من بينها أنصار الشريعة ( هذا التنظيم لم يعد له اليوم تمثيل صلب مجلس الشورى ). وقام الطيران الحربي الامريكي بتنفيذ ضربة في ليبيا استهدفت اجتماعا لجهاديين (من بينهم المختار بن مختار الذي نجا من الهجوم) وربما تسبب في مقتل أحد الوجوه البارزة في تنظيم القاعدة وهو سيف الله بن حسين الملقب بأبي عياض والمؤسس لتنظيم أنصار الشريعة في تونس (خبر لم يؤكَّدْ في حينه ).

جويلية 2015: حكومة طرابلس ترفض اتفاق سلام وضعته أطراف النزاع برعاية الأمم المتحدة بعد مفاوضات استغرقت عدة أشهر.

نوفمبر 2015: مقتل أبي نبيل الأنصاري في غارة جوية نفذتها الولايات المتحدة في مدينة درنة، وهي الأولى من نوعها التي تشنها الولايات المتحدة في ليبيا. وأبو نبيل هذا جهادي عراقي تولى قيادة تنظيم الدولة الاسلامية في ليبيا بعد أن قاتل طيلة عدة سنوات في صفوف تنظيم القاعدة في العراق.

ديسمبر 2015: عقد لقاء في تونس بين ممثلي السلطتين المتنازعتين لوضع اتفاق سياسي ينص بالخصوص على تشكيل حكومة وحدة وطنية.

جانفي 2016: تنظيم الدولة الإسلامية يشن هجوما في منطقة " الهلال النفطي" الواقع شمال ليبيا ( والذي يحتوي على ثلثي الثروة البترولية ) مستهدفا بشكل خاص مدينة بن جواد الساحلية ومينائي النفط بالسدرة ورأس لانوف.

فيفري 2016: المحادثات الجارية بإشراف الامم المتحدة بين ممثلي مختلف التنظيمات الليبية  تنتهي إلى حصول وفاق على إنشاء تشكيل حكومي يعرض على موافقة برلمان طبرق. ومن جهة أخرى، تشير بعض التقديرات الى أنّ للدولة الاسلامية في ليبيا حاليا 3000 مقاتل وأنّ قواتها تفرض سيطرتها على رقعة ترابية تمتد على 300 كيلومتر على طول الساحل المتوسطي.

في الليلة الفاصلة بين 18 و 19 فيفري يتم تنفيذ ضربة جوية أمريكية  مستهدفة لأول مرة مدينة صبراته في ليبيا حيث يوجد مركز تدريب كان أقامه في سنة 2013 تونسيون موالون لتنظيم الدولة الاسلامية. ويعتقد أنّ العناصر التي نفذت عمليتي اغتيال كل من شكري بالعيد ومحمد البراهمي كانت من بين من استهدفتهم هذه الغارة التي أسفرت عن مقتل حوالي أربعين شخصا معظمهم تونسيون. كما يعتقد أنّ العناصر التي نفذت عمليتي الهجوم في باردو وسوسة كانت تلقت تدريبات في نفس هذا المركز.

من هم الفاعلون الحقيقيون؟

ـ المؤتمر الوطني العام، وهو المجلس الذي انتخب في سنة 2012 ليتولى الإشراف على إنجاز الانتقال السياسي الى جانب تنظيم لانتخابات التشريعية القادمة. إلا أنه بعد انتصار تنظيم الأحرار والاعتراف بمجلس النواب الجديد من قِبَل المجموعة الدولية، قرر أعضاء في الكتلة الاسلامية التابعة للمجلس القديم تفويض السلطات لمؤتمر طرابلس مجددا.

ـ مجلس النواب: انتخب في جوان 2015 واتخذ مدينة طبرق مقرا له. وهو المخاطب السياسي الوحيد المعترف به من قـِبل المجموعة الدولية. ويرأسه عقيلة صالح عيسى.

ـ  فجر ليبيا: هذا التجمع الذي يضم عددا من الميليشيات الإسلامية يفرض سيطرته على طرابلس وهو الذراع المسلح للمؤتمر. ويحظى فجر ليبيا بدعم من الإخوان المسلمين ومن مقاتلي المعقل الثوري الذي أوجد موطنا له في مصراتة، وهو مستهدف من قـِبل تنظيم الدولة الاسلامية.

ـ الجيش الوطني الليبي: تولت الحكومة المؤقتة في ليبيا تركيزه بعد حركة التمرد التي حصلت في سنة 2011. وهو يخضع حاليا لقيادة الجنرال المتقاعد خليفة حـفتر ويدين بالولاء لحكومة طبرق.

ـ تنظيم الدولة الاسلامية في ليبيا: هذا التنظيم مرتبط مباشرة بالدولة الإسلامية في العراق وسوريا. هذه الجماعة السلفية الجهادية تسعى الى توسيع دائرة نفوذ الخلافة التي أعلن عن قيامها في سنة 2014 كي تشمل منطقة المغرب وإفريقيا. وللتنظيم موطء قدم راسخ في سرت، كما أوجد له ملاذا في مدينة درنة قبل أن يتخلى جزئيا عنه بعد الضربات التي تلقاها من الميليشيات الاسلامية ، وهو موجود كذلك في بنغازي وفي أجدابيا.

ـ تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي: أصل هذا التنظيم الإرهابي جزائري، هو سلفي جهادي النزعة كذلك ظهر للوجود كنتاج للولاء الذي أعلنته مجموعة الدعوة والقتال السلفية في سنة 2007 لتنظيم القاعدة.  ويحتل تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي منطقة واسعة تقع في الساحل الأفريقي . وتعتبر مالي وموريتانيا والجزائر وليبيا وكذلك تونس جزءا في مجموعة البلدان التي استطاع تنظيم الدولة الاسلامية أن يوجد له فيها موطء قدم ولو بصورة هُلامِية. وهو يستعمل بعض المناطق الواقعة جنوب ليبيا وكذلك في أجدابيا كملاذ له يحتمي به عند الحاجة. ويقع تحت إمرة عبد المالك درودكال منذ سنة  2004

ـ المرابطون: انحازت هذه الجماعة الإرهابية بقيادة مختار بالمختار الى تنظيم القاعدة في المغرب الاسلامي في سنة 2015. ويقول بعض الباحثين إنّ زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري هو الذي شجع على تحقيق هذا الاندماج طمعا منه في رصّ صفوف القاعدة للتصدي لتأثير تنظيم الدولة الاسلامية.

ـ أنصار الشريعة: أنشئت هذه الجماعة الإرهابية التي يقودها أبو خالد المدني في عام 2011 في سياق حركة العصيان المسلح ضد نظام القذافي. ولم يكتف تنظيم أنصار الشريعة بتدريب مئات الجهاديين الليبين قبل توجيههم إلى سوريا، بل تولى كذلك استقبال إرهابيين تونسيين منتمين الى فرع أنصار الشريعة في البلاد التونسية التي أسسها أبو عياض. وتنظيم أنصار الشريعة هو الذي يقف وراء الهجوم الذي استهدف السفير ج. كريستوفر ستيفانس في سنة 2012. ولتنظيم أنصار الشريعة المرتبط بالقاعدة فروع تختلف انتماءاتها بحسب ما تمليه الظروف المحلية. وهو يقاتل في بنغازي جنبا لجنب مع تنظيم الدولة الاسلامية ( ضد الجنرال حفتر ) لكنه يقاتل ضده في اجدابيا. وفي مدينة درنة أعلن تنظيم أنصار الشريعة ولاءه للدولة الاسلامية.

ـ حُرَّاس المنشآت النفطية: هذا التنظيم  يقوده إبراهيم الجضران وهو مكلف من قـِبل مجلس النواب بتأمين حماية المنشآت النفطية شرقي ليبيا وله وجود في أجدابيا ورأس لانوف.

ـ ألوية شهداء أبو سليم: هذه المجموعة جزء من مجلس شورى المجاهدين الاستشاري الذي سبق له أن آوى مقاتلي أنصار الشريعة. وقد اضطلع يدور حاسم في عملية اختراق صفوف تنظيم الدولة الاسلامية في درنة واستطاع في جوان 2015 أن يدحره ويرمي به خارج وسط هذه المدينة. 

ـ ألوية ميليشيا قبائل التبو ومقاتلي الطوارق: هذه الألوية تحارب من أجل الاستيلاء على بعض المناطق سعيا منها الى فرض مراقبتها على الأنشطة التجارية والاستيلاء على آبار النفط وذلك عن طريق شن معارك عنيفة جنوب غربي البلاد بالخصوص. ويقول ايباناكال تورناد المتخصص في النزاعات في منطقة الساحل الأفريقي والباحث  في الجامعة الكاثوليكية  بلوفين لانوف ببلجيكا أن قبائل التبو تشكو من كونها تُرِكتْ وشأنها في عهد نظام القذافي وأنها تؤيد اليوم حكومة طبرق ( وقد تصلها إمدادات بالأسلحة من الجنرال حفتر وكذلك من مصر ومن الإمارات وفق ما يقوله بعض الخبراء).

ويدين جلّ السكان الطوارق بالولاء الى الطرف الآخر أي طرف الثوريين والإسلاميين في طرابلس بعد أن كانوا في صف القذافي. ويعتقد أنّهم يحصلون على الأسلحة من قطر وتركيا. وتنظر الأطراف المحلية النافذة الى اتساع وقعة النزاع وإذا كان النافذون المحليون يرون أنّ اتخاذ النزاع منحى اقليمي هو بمثابة حرب بالوكالة تشنها قوى إقليمية معادية في مسعى الى الاستيلاء على جهة فزان، إلا أن أجواء الحرب المدنية بالخصوص هي التي تفاقم التوترات. وتزداد هذه النزاعات المسلحة حدة وتتوسع رقعتها في ظل غياب قوّة مسلحة في المنطقة، وهي نزاعات أصبحت مألوفة ومنتشرة في ليبيا ما بعد القذافي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.