التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب: ثـــلاث نقاط استفهـــــام، ونقطــة تعجّــب
حين أعلنت المملكة العربية السعودية يوم الثلاثاء 15 ديسمبر 2015 عن ميلاد التحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب، كان أسرعُ ردود الفعل على هذا الإعلان، هو رد الفعل الأمريكي الذي انطوى، فيما أرى، على قسط كبير من «المكر»، حيث أن وزير الدفاع الأمريكي أشتون كارتر رحّب بالتحالف الوليد من منطلق أنه كما قال «يتماشى، على ما يبدو، بشكل عامّ مع ما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تحث قادة الدول العربية السّنّية على القيام به، وهو اضطلاع هذه الدول بدور أكبر في حملة محاربة تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»، غير أنه أضاف أن واشنطن «تتطلع إلى معرفة المزيد عما يدور في أذهان القادة السعوديين حول هذا التحالف»...
وبدورها أكدت وزارة الخارجية الأميركية في رد فعلها الأوّلي على نفس المعاني حيث قال المتحدّث باسمها جون كيربي، إن التحالف العسكري الإسلامي المُعْلَنَ عن ميلاده «يتوافق مع الجهود التي ما فتئت واشنطن، منذ فترة، تدعو حلفاءها في المنطقة إلى بذلها»، كما أكد «أن الولايات المتحدة تحتاج إلى أن تعرف أكثر عن هذا التحالف»...
ويتجلى «المكر» في رد الفعل الأمريكي في التأكيد على سُنِّيَّةِ التحالف، رغم أن تسميته لا تشير إلى ذلك من قريب أو من بعيد، وفي محاولة الإيهام بعدم معرفة ما يدور في خَلَدِ القادة السعوديين بشأنه رغم الإقرار بأنه يتجاوب مع رغبة واشنطن كي لا نقول يستجيب لها.
وإذا صدّقنا، على سبيل الرياضة الفكرية، أن واشنطن تجهل فعلا حيثيّات تأسيس التحالف فإنّ السؤال الذي يتبادر إلى الذهن من خلال ردّ فعلها، هو أنّه إذا كان هذا حال الولايات المتحدة بطمّ طميمها، فكيف يكون حال بقية دول المنطقة والعالم؟
والحقيقة أننا أردنا، بهذه التوطئة، أن نُبَيِّنَ منذ البداية أن الغموض يكتنف العديد من جوانب «التحالف العسكري الاسلامي لمحاربة الإرهاب».
وما من ريب أن وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، أوضح، من باريس، أنّ التحالف مؤشر قويّ وواضح على التزام الدول الإسلامية بمحاربة التطرف والإرهاب، وأنه تحالف غير مسبوق من حيث طبيعته ومجاله، كما أنه تحالف إسلامي، لا سُنِّي ولا شيعيّ وهو الآن يضمّ أربع وثلاثين دولة غير أن هناك مباحثات مع دول أخرى تود الانضمــام إليه وكـل الدول الإسلامية مرحّب بها فيه.
أمّا عن الهدف منه فقد أكد أنه تعبئة كل الموارد الموجودة في العالم الإسلامي لمساعدة الدول الإسلامية التي تعاني من الإرهاب... وأمّا عن أدوات عمله فقد أوضح أن التحالف «سيتبادل المعلومات والتدريب، وسيقوم بالتجهيز، وإذا لزم الأمر سيرسل قوات لقتال متشدّدين مثل تنظيمي «الدولة الاسلامية في العراق والشام» و«القاعدة».
ويضيف عادل الجبير أن التحالف سيقيّم احتياجات دوله حالة بحالة وسيرسل قوات برّية إذا اقتضى الأمر ذلك، وفي هذا السياق قال إن المحادثات جارية بخصوص إرسال المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى قوات خاصة إلى سوريا.
ومن ناحية أخرى قال إن الدول المشاركة في التحالف ستحدّد شكل مساهمتها في المهام التي سيضطلع بها، علما بأن آلية التحالف لمواجهة الإرهاب ستكون عسكرية وفكريةً وإعلاميةً، وقد تم إنشاء مركز عمليات مشتركة في الرياض لتنسيق ودعم العمليات العسكرية وتطوير البرامج والآليات اللازمة.
ومن جانبه أكد الأمير محمد بن سلمان وَلِيُّ وَلِيِّ العهد ووزيرُ الدفاع السعودي «أن التحالف الجــديــد سيكــون شريكاً للعالم في محاربة الإرهاب وأنه يهدف إلى «تنسيق» الجهود في محاربة الإرهاب في العراق وسوريا وليبيا ومصر وأفغانسان» حيث أنه «سينسّق مع الدول المهمّة في العالم والمنظّمات الدولية في هذا العمل» ملاحظا أن «العمليات في سوريا والعراق لا يمكن القيام بها إلا بالتنسيق مع الجهات الشرعية فيها ومع المجتمع الدولي.»
غير أن مجمل هذه التوضيحات لا تبدو كافية، فإنشاء التحالف في هذا الوقت بالذات وبالطريقة العجلى والمفاجئة التي أُنْشِئ بها يثير لدى الأطراف الدولية والإقليمية سلسلة من نقاط الاستفهام والتعجّب الأساسية التي سنحاول طرح أهمّها في ما يلي.
نقطة الاستفهام الأساسية الأولى: تركيبة التحالف
وتتعلق نقطة الاستفهام الأساسية الأولى بتركيبة التحالف الذي يتألّف من أربع وثلاثين دولة إسلامية بقيادة المملكة العربية السعودية.
وبقطع النظر عن أن الباكستان وماليزيا نَفَتَا انضمامهما للتحالف ساعة الإعلان عن ميلاده، فإنّ ما يسترعي الانتباه في هذه التركيبة، أولا، هـو أن كــلاّ من العراق وسوريا، على عكس كل من ليبيا واليمن، ليسا عضوين فيها رغم أنهما البلدان المعنيان أكثر من غيرهما بمحاربة «الدولة الاسلامية» التــي تتمركز في أراضيهما.
ثم إنّ هذه التركيبة أقصت بلدا إقليميا هاما هو إيـــــران، وهو ما يكرّس، عمليا، طابعـــه السّنّي، مثلمــا تريد الولايات المتحــدة الأمريكية...
وفي هذا الإطار، وعلى عكس ما جاء على لسان وزير الخارجية السعودي الذي أكد أن التحالف اسلامي وليس سُنّيّا أو شيعيّا، فإنّ العميد ركن أحمد عسيري مستشار وزير الدفاع السعودي والمتحدث الرسمي باسم قوات التحالف العربي المشتركة، أوضح في تصريحات أدلى بها خلال مرافقته للأمير محمد بن سلمان وليّ وليّ العهد ووزير الدفاع السعودي إلى القاهرة يوم الاعلان عن ميلاد التحالف، «أن انضمام إيران إلى التحالف العسكري الإسلامي مرهون بوقف أعمالها العدوانية عن الدول العربية والإسلامية ودعمها للإرهاب».
كما أكّد أنّه «إذا كانت إيران تنوي أن تنضمّ إلى التحالف فعليها أن تكفّ أذاها عن سوريا واليمن، وأن تكفّ عن أعمالها التي تدعم الإرهــاب في لبنــان والعــراق» حيث تعمل «ميليشيات إرهابية هي التي أوجدتها».
ولئن التــزمــت السلطات الرسمية الإيرانية الصّمت، فإنّ وسائل إعلامها سارعت إلى شنّ هجوم عنيف على المملكة العربية السعودية وعلى التحالف الذي أنشأته حيث نشرت وكالة «فارس» شبه الرسمية تقارير إعلامية تظهر الروابط بين الرياض وبين بعض التنظيمات المتشدّدة، بينما اعتبرت صحيفة «كيهان» في مقال تحليلي تحت عنوان «هزيمة واشنطن» أن إنشاء التّحالف جاء حين بات «من الواضح لدى الجميع أن كلاّ من العراق وسوريا اللذين مازالا يكتويان بنار الإرهاب السعودي-الأميركي قد شمّرا عن سواعدهما وبقوّة في محاربته والقضاء عليه بدعم من إيران الإسلامية، وهو ما عرفه الجميع من دون لبس أو غموض لتأتي السعودية بتشكيل تحالف لمحاربة الإرهاب من دون هذين البلدين.»
وتتابع الصّحيفة قائلة إن «الحقيقـة الناصعة والتي لا يمكن أن تغطّى بغربال هي أن المجموعات الإرهابية اليوم تعيش حالة من الإرباك والانهزام النفسي بحيث لم تَقْوَ على الاستمرار والمقاومة خاصة بعد الضربات الماحقة التي تلقّتها وتتلقّاها يوميّا على يد القوات العراقية والسورية ومن يساندهما بحيث أنها، كما أكّدت التقارير، قد وصلت إلى حافة الانهيار والهزيمة».
والأمر المؤكد ّ في ضوء التطورات المتسارعة التي شهدتها الأيام الأولى من السنة الجديدة والتي أدّت، بعد أسبوعين فقط من إنشاء التحالف، وعلى إثر إعدام الزعيم السعودي الشيعي نمر باقر النمر والاعتداء على سفارة المملكة العربية السعودية بطهران وقنصليتها بمشهد، إلى تصاعد التوتر ثم إلى قطع العلاقات بين طهران والرياض وعدد من العواصم العربية، أن قيام التحالف على الشّاكلة «التّمييزية» التي قام عليها بدأ سريعا في تأجيج الخلافات بين الدول الاسلامية، وتوسيع الهوّة التي تفصل بين المملكة العربية السعودية السُّنّية وبين إيران الشّيعية اللتين ينبغي ألا ننسى أن التنافس والصراع طبعا عــلاقاتهما منـــذ عــدة عقود، وأن التوتّر بينهما ازداد استعارا في السنوات القليلة الماضية بما يدور بينهما من تصارُغ مباشر وغير مباشر في سوريا والعراق والبحرين واليمن.
على أن تركيبة التحالف، كما بدأت، تحمل في طيّاتها مشكلة أخرى سيكون لها تأثير كبير على إمكانية نجاحه في الاضطلاع بمهامه، فمثلما يرى بعض الملاحظين تشكّل هذه التركيبة «خليطا متفجّرا» من الدول المتنافرة التي تنظر إلى شؤون المنطقة من مناظير متعارضة جوهريا يصعب التأليف بينها، كما إنها تضمّ أربع دول إقليمية ذات وزن ثقيل وذات تطلّع الى احتلال موقع الريادة في المنطقة، ونعني بذلك المملكة العربية السعودية ومصر وتركيا وباكستان، فهل سيكون بإمكان هذه الدول التوفيق بين تطلّعاتها المتقاطعة والتوافق على أهداف موحّدة وعلى اعتماد أسلوب تعامل مشترك مع قضايا المنطقة؟
إن ذلك سيكون دون شك أمرا في غاية التعقيد، ولعل إدراك الرّياض لهذه الحقيقة هو الذي بفسّر، ولو جزئيا، إحداث «مجلس التنسيق الاستراتيجي المشترك» بينها وبين أنقرة، وهو المجلس الذي أكّد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، في تونس، أنه «يهدف الى تعزيز التعاون مع الجانب التركي في مجال مكافحة الإرهاب وتنسيق التعاون الثنائي في كافة المجالات ومنها المجال الأمني والاقتصادي والتعليمي الى جانب التنسيق من أجل تحرك استراتيجي موحّد ودفع العلاقات بين البلدين الى مستوى العلاقات الاستراتيجة بما يخدم مصلحتهما المشتركة».
وما يُخْشَى في هذا النطاق أن تتعدّد التحالفات في صلب التحالف مما سيشوّش على اضطلاعه بالمهام الأصلية التي أنشئ من أجلها.
نقطة الاستفهام الأساسية الثانية: وظيفة التحالف
أما نقطة الاستفهام الأساسية الثانية فهي تتعلّق بوظيفة هذا التحالف وهي كما جاء في تسميته محاربة الإرهاب، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو كيف للتحالف أن يتصدّى لهذه الآفة في غياب تعريف جامع مانع للإرهاب، سواء عربيا أو اسلاميا أو دوليا.
ومعنى ذلك أنه سيكــــون من أوكـــد واجبات التحالف، قبــل مبـــاشرة مهامــه، أن يصوغ تعريفا للإرهاب، وأن يتّفق على قائمة موحّدة للتنظيمات والجماعـــات التي تعتبر إرهــــابية... وغني عن البيان أن هـــذه الخطوة يصعب قطعهــا، في ظل مــا هــو معـــروف مــــن تباين عميق بين الدول الأعضاء في رؤيتها للإرهاب وللتنظيمات الإرهابية، ويكفي هنا أن نشير الى أن المملكة العربية السعودية استضافت يـــومي 8 و9 ديسمبر 2015، أي أسبوعا بالتحديد قبل الإعــلان عن ميلاد التحالف، اجتماع المعارضة السورية بكل أطيافهــا ومكوّنـــاتهــــا السياسية والعسكرية، بما فيها تلك التي يعتبرها النظام السوري وحلفاؤه إرهابية.
وإلى ذلك، فإنّنا نلاحظ أن بعض أطراف التّحالف ستكون في وضع حرج، لأنها قد تجد نفسها مضطرّة إلى التعامل مع بعض مكوّنات شعوبها على أنها إرهابية، وهذا ما ينطبق مثلا على السلطة الوطنية الفلسطينية التي انضمّت إلى التحالف لكن لا يُعْرَفُ كيف سيكون تعاملها مع كل من حركتي «حماس» و«الجهاد الاسلامي»؟. والملاحظة نفسها تنطبق على لبنان الذي قد يجد نفسه في مواجهة مباشرة مع «حزب الله»...
لكل ذلك، ليس من المستبعد أن يَتَوَخَّى التحالف مقاربة انتقائية في تحديد قائمة التنظيمات الإرهابية مثلما توخّى مقاربة انتقائية في اختيار أعضائه...وهذا ما سيؤدي حتما الى وجود ثغرات لن تسمح بمحاربة الإرهاب بطريقة منهجية وحاسمة.
نقطة الاستفهام الأساسية الثالثة: العلاقات بين التحالف العسكري الاسلامي وبين التحالفين الدولي والعربي
وأما نقطة الاستفهام الأساسية الثالثة فهي تتعلق، في رأيي، بالعلاقات التي ستجمع بين التحالف الوليد وبين التحالف الدولي الذي أنشأته الولايات المتحدة لمحــــاربة «الدولة الاسلاميــة في العــراق والشــام» من ناحية، والتحالف العربي الذي أنشأته المملكة العربية السعودية لمحاربة «الحوثيين» في اليمن، من ناحية أخرى. أمّــا مــع التحالف الدولي فيبدو أن التعاون سيكون وثيقا وأن دول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية ناقشته مطوّلا، قبل إعلان إنشاء التحالف العسكري الإسلامي وهذا ما يُسْتَشَفُّ من كلام المسؤولين السعوديين الذين أوضحوا أن التحالف العسكري الإسلامي ليس بديلاً للتحالف الدولي، كما يُسْتَشَفُّ من كلام وزير الدفـــاع الأمـــريكي أشتـــون كـــارتر الذي عدَّدَ في بعض تصريحاته الجهـــود والمهام التي يـــرى أن التحالف العسكري الاسلامي يجب أن يضطلع بها، فأكد أن «هناك أنواعا كثيرة من المساهمات التي يمكن للدول الأعضاء في الائتلاف تقديمها في الحملة الجوية، ويمكن أن تكون تقديم طائرات هجــــومية، أو تقديم الدعم مثل النــاقلات، وطائرات النقــــل، وتقديم المشورة للسيطرة على الحدود. ونحـــن نبحـــث عن المساهمات التي تعتمد على نقاط القوّة المميّزة لكل بلد على حدة».
وقد أضاف أن «بعض دول الخليج يمكن أن تقدم إسهامات مهمة لتشجيع ومساعدة المجتمعات السنّية الواقعة تحت سيطرة «الدولة الاسلامية» على مقاومة التنظيم، وهو أمر يصعب على الدول الأخرى القيام به، وقد قدّمنا لدول الخليج بعض الأفكار المحدّدة، وبعض المقترحات حـــول الأشياء التي يمكن أن تشكّل إسهاماً. وقد ناقشت هذا الأمر في اجتماع مجلس الأمن القومي الأمريكي وأرسلــت سؤالي إلى وزراء الدفاع في الدول الخليجية حول مقترحاتهم بشأن المساهمة في الحملة العسكرية».
أمـّا المتحدث باســم البيت الأبيــض جوش إرنست، فقد أكد من جانبه على الدور الذي يمكن أن يلعبه التحالف في مواجهة الأفكار والإيديولوجيات التي ينشرها تنظيم «الدولة الإسلامية» على الإنترنت.
والحقيقة أنّ هذه المطالب الأمريكية جديدة قديمة، وقد جاء تكرارها الآن نتيجة لما تعتبره واشنطن تخاذُلَ الدول العربية في الاضطلاع بالدور الذي كان يُفْتَرَضُ أن تضطلع به في إطار حملة «العزم الصلب» التي شنّها التحالف الدولي على «الدولة الاسلامية في العراق والشام».
ومعلوم في هذا السياق أن المملكة العربية السّعودية والإمارات العربية المتحدة اللّتين تمتلكان القوتين الجويتين الكُبْرَيَيْن في المنطقة شاركتا في بداية الحملة بكثافة في الغارات الجوية، غير أن مشاركتهما ما لبثت أن تقلّصت ثم توقّفت تماما، أولا بسبب خوفهما على طيّاريهما بعد أن تمّ حرق الطيّار الأردنّي معاذ الكساسبة حيّا، وثانيا بسبب إطلاق الرياض في أواخر شهر مارس 2015 حملة «عاصفة الحزم» ضد «الحوثيين» في اليمن.
وفي حين تعتبر واشنطن أن «التخاذل العربي» أدى إلى إرباك استراتيجيتها الرامية إلى إضعاف تنظيم «الدولة الاسلامية»، تعتبر الدول الخليجية أن هذه الاستراتيجية التي تقوم على الضربات الجوية وحدها دون سند أرضي لم تكن فعّالة وناجعة، وليس أدل على ذلك من أنها جرّت التدخل العسكري الرّوسي في سوريا... وهو التدخل الذي قلب موازين القوى على الساحة السّورية وكشف، لا سيما خلال قمة مجموعة العشرين، عن العديد من خفايا الحرب على «الدولة الاسلامية»، وتتطلّب بالتالي تعديل المقاربة الأمـــريكية-الخليجية لأسلــوب التعاطي العسكري والسيــــاسي مــع الأزمة السورية.
ومن هذا المنظور يمكن القول إن التحالف العسكري الاسلامي يشكّل ردّا خليجيا-أمريكيا على التدخل الروسي وهو وسيلة جديدة ستمكّن من المزاوجة بين العمل الجوّي وبين العمل الأرضيّ في محاربة «الدولة الاسلامية»...
ولذلك، فلن يكون مستبعدا أن يتحوّل التحالف العسكري الإسلامي إلى أداة في يد التحالف الدولي لا سيما وأن المنطقة العربية، خليجا ومشرقا ومغربا، مُرَشَّحَةٌ لأن تشهد المزيد من التوتّرات والصراعات في الفترة المقبلة.
هذا بالنسبة إلى العلاقة مع التحالف الدولي. أما بالنسبة إلى العلاقة مع التحالف العربي، فإنه ليس من المستبعد، إذا طال أمد الحرب في اليمن، أن تستعين المملكة العربية السعودية التي بدأت تعاني من تَبِعَاتِ تورّطها في هذه الحرب، بالتحالف الاسلامي من أجل حسمها، خاصة وأنه بات من الواضح بعد تسعة أشهر من المعارك أن التحالف العربي لن يكون قادرا على حسم الحرب، كما إن تعثّر مشروع إنشاء «القوة العربية المشتركة» يلغي إمكانية التعويل على العرب في معالجة المشكل اليمني.
وليس من شكّ في أنّ انجرار أو جرّ التحالف العسكري الإسلامي إلى الحرب اليمنية سيكون أمرا خطيرا لا سيما إذا اعتمد نفس الطريقة أو طريقة مشابهة للطريقة التي اعتمدتها الرياض حتى الآن في حملتها على اليمن، فهذه الطريقة أدت الى تدمير اليمن من ناحية، وإلى تقويـة شوكة فرعي «الدولة الاسلامية» و«القاعــدة» خاصة في عدن وفي شرق اليمن.
نقطة التعجّب: انضمام تونس إلى التحالف العسكري الاسلامي
ونأتي الآن إلى نقطة التعجّب وهي تتعلق بانضمام تونس إلى التحالف العسكري الاسلامي بعد أن كانت انضمت في أواخر شهر سبتمبر الماضي إلى التحالف الدولي.
إن هذا الانضمام إلى حلف أضعف بعد الانضمام إلى حلف أقوى يدعو إلى التعجّب لعدة أسباب أوّلها أن الإعلان عنه جـاء دون أي مُمَهِّدَات، ومن خارج البلاد وبالتحديد من المملكة العربية السعودية.
ولأنّ هــذا الانضمـــام ليس محـــلّ ترحيب من بعـــض مكوّنات المجتمع السياسي والإعلامي والفكري في تــــونس، فـــإنه يُخْشَى أن يـــزيد مــــن تعكـــــير الحيــــاة الســـــياسية الـــوطنية بمفــــاقمة «الاحتقــــانات» التي تعــــاني منهــــا أصلا لأسبـــاب عــــديدة داخلية وخارجية.
ولا يتعلّق الاعـــــتراض على الانضمــــام بالجانبين الأمني والعسكري فحسب، بل يتعلق أيضا بالجانب الفكري، إذ ليس من اليسير أن تتصوّر بعض الأطياف من التونسيين كيفية التوافق، في إطار التحالف العسكري الإسلامي، على وضع مناهج تعليم موحّدة أو على صياغة رسالة إعلامية وفكرية واحدة لمكافحة الإرهاب، مثلما أكد على ذلك وزير الخارجية السعــــودي عــــادل الجبير في تونس...
أما ثاني هذه الأسباب فهـــو أن هــــذا الانضمـــام يأتي بعــد أن منحت واشنطن، في شهر ماي الماضي، بلادنا صفة الحليف الاستراتيجي من خارج حلف شمـــــال الأطلسي، وبعـــــد أن انضمّـــت تونس إلى التحالف الدولي في أواخـــــر شهر سبتمبر الماضي، وهــــو مـــا يؤشّر إلى دخول بلادنا في «دوّامــة» مــــن التحالفات المتتابعة التي من شأنها أن تبتعد بنا عن مبــدإ أساسي وتقليدي في السياسة الخارجية التونسية هو التزام الحيـــاد وعــــدم الدخول في أيــــة أحــــلاف إقليمية أو دولية...
وليس هذا فحسب، فهذا الانضمام قد يبتعد بنا أكثر فأكثر عن إمكانية إعادة الحياة للمشروع المغاربي، وعن الدور الأساسي الذي يمكن لبلادنا أن تضطلع به في هذا المضمار، ذلك أن وجود الجزائر وحدها من بين جميع دول اتحاد المغرب العربي خارج التحالف العسكري الإسلامي ليس من شأنه أن يساعد على تصفية الأجواء المغاربية.
وأما ثالث هذه الأسباب فهو ما جاء في توصيف هذا الانضمام حيث اعتبر المستشار الدبلوماسي لرئيس الدولة أنه انضمام معنوي أكثر منه مادّي، وأنه ليس إلا دعمـا سيــاسيا ومبدئيا للمبادرة السعودية ولا يعني أن تونس ستتدخّل عسكريا في بلد آخر...
وبقطع النظر عن أنه لا معنى لانضمام معنوي إلى تحالف عسكري، فإنّ قرار المملكة العربية السعودية خلال زيارة رئيس الدولة الأخيرة إلى الرياض منح بلادنا ثمان وأربعين طائرة من طراز ف 5 يؤكد أن انضمامنا إلى التحالف بدأ «يؤتي أكله»...
ونحـــن إذ نأمــــل ألا يتـــمّ استخــــدام هذه الطائرات إلا في الحفــــاظ على أمن بــــلادنا واستقــــرارها وفي القـــضاء على الإرهاب المنتشر في العــــديد من أرجائها، فإننا لا يمكن أن نتغــاضى عــن أن انضمامنا للتحالف العسكري الإسلامي ينطوي على جملة من الرهانات الداخلية والخارجية الخطيرة، وعلى مجموعة من المحاذير التي ينبغي أن نتفادى الوقوع فيها، ومنها على وجه الخصوص إمكانية استخدام هذه الطائرات في حالة تدهور الأوضاع في جوارنا المباشر الذي لا يخــفي المسؤولــون السعوديون أن مظلة التحالف قد تمتدّ إليه.
ونحــــن نؤكد على هذه النقطة بالذات، لأنّ رئيس الحكومة سبـــق أن قال بكــل وضــوح، عند الانضمام إلى التحــــالف الدولي، أن احتمـــال مشاركة تونس في بعض أعماله العسكرية ليس مستبعـــدا إذا طلب منها ذلك، وان صلاحيات رئيس الــــدولة، كما حــــددها الدستور، تخوّل له إرسال قوات إلى الخارج.
ومهما يكن من أمر، فإننا نشدّد على ضرورة أن تَحْذَرَ تونس كل الحذر من أن تزجّ بنفسها في أي شكل من أشكال الصراع المذهبي بين السنّة والشيعة، لأن ذلك من شأنه أن يخلق لنا عداوات نحن في غنى عنها ولا قبل لنا بتحمّل تداعياتها.
وفي هذا الإطار نعتقد أن الدبلوماسية التونسية ينبغي أن تتعاطى مع التطورات الأخيرة التي شهدتها العلاقات السعودية الايرانية بكثير من اليقظة والذكاء والحكمة حتى لا تنجرّ إلى مواقف تميل كل الميل إلى هذا الطرف أو ذاك وحتى تحتفظ لنفسها بهامش للتحرك التوفيقي من أجل المساعدة على إعادة بناء جسور التحاور والتفاوض تفاديا لكارثة اندلاع حرب مدمّرة جديدة بينهما تذكّر بكارثة الحرب «العبثية» التي دامت ثمانية أعوام خلال ثمانينيات القرن الماضي بين العراق وايران.
وبعد، فقد أكد وزير الشؤون الخارجية الطيب البكوش في الندوة الصحفية التي عقدها يوم الخميس 31 ديسمبر 2015 مع نظيره السعودي عادل الجبير بمناسبة زيارته الى تونس أن جهود البلدين «سوف تلتقي من أجل مصلحة الشعبين والأمّة العربية وخاصة في ما يتعلّق ببؤر التوتر التي نريد أن نخرج منها بحلول بعيدة عن أي شكل من أشكال العنف وتكرّس الحلول السياسية التي تخدم مصالح الجميع».
وأعتقــد أن تونــس مدعوّة إلى الالتزام قولا وفعلا بهذا النهج وبالمثابرة على العمل من أجل تكريسه في إطار التحالف الإسلامي، وإن كان عسكريا، حتى يستطيع أن يحقّق الهدف المنشود منه أي «إبراز أن الإسلام يرفض الإرهاب وأنه ضحيّة للإرهاب، وهو في مقدمة الحضارات التي تحارب الإرهـــاب» مثلمـــا قال وزير الخارجـــية السعودي في نفس الندوة.
وليكن واضحا للجميع، سنّة وشيعة، أن محو وصمة الإرهاب عن الاسلام لن يتأتّى إذا ظلّت الدول الاسلامية على ضلالها وواصلت الاحتراب واتهام بعضها البعض برعاية الإرهاب.
محمد ابراهيم الحصايري
- اكتب تعليق
- تعليق