يوميات‭ ‬مواطن‭ ‬عيّاش: فين‭ ‬كنت‭ ‬نهار‭ ‬أربعطاش؟

يوميات‭ ‬مواطن‭ ‬عيّاش: فين‭ ‬كنت‭ ‬نهار‭ ‬أربعطاش؟

إلى حد وقت قريب كان صديقي العيّاش، وكيف تبهبيرو في الدنيا ما تلقاش، يتباهى بأعماله البطولية، أيام قيام ثورة الكرامة والحرية، متبجّحا بمشاركته في المظاهرات الشعبية، التي خرجت من مقر اتحاد الشغل في اتجاه الداخلية، «متفخرا» بعمله الفعّال، في تحميس النساء والرجـــال، وتصعيد درجات النضال، بترديـــد الشعـــارات وإطـــلاق الهتافات.

وكان صديقي يتفنن في الوصف والرواية، متوقفا عند تفاصيل الحكاية، ذاكرا أسماء من كانوا معه في الصف الأول من السياسيين، ومن الفنانين والفنانات والمحامين، مستعيدا، بكل حماس، ما لفظته حناجر الناس، من دعوة للدكتاتور إلى الرحيل، وتهديد بإسقاط نظامه العليل.

وكلما أعاد صاحبي سرد الحكاية، زاد في تنميق الرواية، وأضاف إليها تفاصيل جديدة، ومعلومات يعتقد جازما أنها مفيــدة، حتـــى غـــدت قصتــه مثـــل قصــص شهــرزاد، بـــل لعله جاوزها وزاد.

وفي مقابل «هالحكاية إلي ما توفاش»، كان صديقي العيّاش، يسأل من يعرف ومن لا يعرف«وين كنت نهار أربعطاش؟»، وياويل من يعترف بأنه لم يكن في ذلك اليوم مع المتظاهرين، ولم «يقل ديقاج» لزين العابدين، فسوف يسمع من صاحبي تهما بالجبن والخيانة، والخوف والاستكانة.

ومع اقتراب الاحتفال بالذكرى الخامسة للثورة التونسية، عاودت العيّاش  حمى الأربعطاش، فعاد إلى الحكايات، واستعادة الذكريات...  عندها ضاق صدري من كذب الرجل، فقلت له دون وجل: «كفى يا صديقي من الدجل، وقل لي أين كنت حقا يوم الرابع عشر، ويا بيت مادخلك شر»فمهمه وتردد، ثم مسك أعصابه وتجلّد، وأجابني «كنت طبعا أمام الداخلية، أنادي بالكرامة والحرية، وأطالب مع الجمهور، برحيل الدكتاتور».

ضحكت من جوابه، وقررت أن أعيد إليه شيئا من  صوابه : «أمتأكد  يا صاحب الصولات العنترية، أنك كنت في ذلك اليوم أمام وزارة الداخلية؟»، فقال: «طبعا، وأين ترى سأكون ، في ذلك اليوم التاريخي الميمون؟»، قلت .: «في «بار بوديّة»، بين قازوزة وصحبة هنية»، فاسود وجه الرجل واكفهر، وبهت الذي كفر.

وبعد أن استرجع العيّاش بعضا من أنفاسه، وضرب أخماسه في أسداسه، رد علي قــــائلا: «هذا كلام عليك مــــردود، وإن كنت صادقا فأت لنا بشهـــود»، فقلـــت: «لا حاجة إلى شهـــود، فقد رأيتك بنفسي، وبأم عين رأسي. وإن شئت ذكرت لك أسماء جلسائك المحترمين، ووصفت لك بمنتهـــى الدقـــة ماذا كنتم يومها لابسين... وهل أذكر اسم القازوز الذي شربت، والكمْية التي أكلت؟».

وبينمــا كنت أخـــاطب العــــيّاش  بهذا الكـــلام، وأنحي عليه بالملام، مرّ وجهه بكل الألوان، ولم يعد يتسع له المكانثم استعاد توازنه بعد حين، واعترف بكذبه المبين، طالبا مني كتم السر، فقلــت : «عليك مني وعد حر، بشرط أن تكف عن مغالطة الناس، ببطولات  لا عندها راس ولا ساس».

ومنذ ذلك الحين، لم أر العيّاش قد عاد إلى فعله المشين، لكن لعله في غيابي لا ينقــطع عن تكـــرار كذبتــه، ونشر أسطورته.

عادل الأحمر

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.