شتاء‭ ‬تونس‭...‬الساخن‭ ...‬موعد‭ ‬الأحداث‭ ‬الكبرى

شتاء‭ ‬تونس‭...‬الساخن‭ ...‬موعد‭  ‬الأحداث‭  ‬الكبرى

لن نتوقف طويلا عند أحداث هامّة طبعت تاريخ تونس المعاصر، مثل ثورة 1952، التي «اندلعت» في 18 جانفي 1952 بعد اعـتقال «المجاهد الأكبر»، والتي حاول ربطها بشخصه، واستمر الاحتفال بها منذ الاستقلال حتى تحول «انقلاب» 7 نوفمبر 1987

كما لن نتوقف طويلا عند أحداث الخميس الأسود التي تمّت فيها مواجهة عماليّة ـ حكوميّة  في 26 جانفي 1978، وأسفرت عن قتلى لم يقع الإفصاح عن عددهم بصورة رسمية حتى الآن، كما لن نتوقف طويلا عند أحداث قفصة في أواخر جانفي 1980، عندما تمت محاولة زعزعة استقرار البلاد، بواسطة كومندوس مجنّد من قبل السلطة الليبية والجزائرية وقتها، بواسطة غاضبين تونسيين وتسليح وتخطيط من الجارتين الشقيقتين.

الحصاد بعد خمس سنوات  من الثورة

ولكن اهتمامنا سينصبّ هنا عند أحداث أجد وأقرب، تهم السنوات الخمس الماضية، بقدر عال من الكثافة لتطور الأحداث، وتعاظم نسقها. وإذ كان انتحار طارق (شهر) محمد البوعزيزي حرقا، قد اعتبر شرارة ثورة ما زال المحلّلون السياسيون والمؤرّخون غير متفقين بشأن وصفها كذلك، فإن السياسيين عموما يصفونها بالثورة، خاصّة وأنهم يركبون ظهرها على أنقاض حكم سابق، تغيّر شكلا ولم يصبه تغيير في العمق. ويعتقد الكثير من المحلّلين والمؤرخين أن ما حدث في تونس عشيّة العام الجديد 2011، لا تتوفر له مقوّمات الثورة من حيث  أنه لم يعتمد فكرا مثلما حدث قبل الثورة الفرنسيّة أو الثورة الروسيّة أو حتى الثورة الإيرانيّة وغيرها، كما لم تكن له قيادة، بحيث تستولي على الحكم والسلطة،  وبالخصوص لم يكن هناك برنامج لما بعد نجاح الثورة في القضاء على نظام قائم. فيما إن المنظرين المؤيّدين لوصف الأحداث التي عرفتها البلاد قبل 5 سنوات بأنها ثورة، يعتمدون على مقولة إن الثورات ليست لها قوالب جاهزة، وإنه لا توجد ثورة تشبه ثورة أخرى.

كيف يتمّ التأريخ للثورة؟

ومن هذا المنطلق فإن خلافا حادّا ولو كان غير شامل، في تأريخ الثورة، واعتبار موعد الاحتفال بهافقد احتفلت سيدي بوزيد وهي المدينة (الولاية) التي شهدت أوّل حركة انطلقت بعدها تحرّكات في مختلف أنحاء المنطقة وسقط فيها شهداء، قبل أن ينتقل المد الثوري لولاية القصرين ثمّ بقيّة ولايات البلاد، احتفلت إذن  بعيد الثورة في 17 ديسمبر، كما درجت على ذلك منذ سنوات، فيما اعتبرت الجهات الرسميّة أن موعد الاحتفال بعيد الثورة مؤجل إلى 14 جانفي (وهو يوم عطلة رسمية)، موعد نجاحها بمغادرة رئيس الدولة الأسبق  زين العابدين بن علي البلاد، لاجئا إلى المملكة العربيّة السعوديّة، وسقوط الحكم إن لم يكن النظام الذي استمر هو وجهاز الدولة الذي كان يعتمد عليه.

ومن هنا فإن من خصائص الثورة التونسيّة أنها تحتفل بموعدين اثنين، وهو أمر لم يلاحظ في أيّ ثورة أخرى.

المبرّرات

وإذ تعتبر سيدي بوزيد أن منطلق الأحداث هو المدينة التي شهدت حرق البوعزيزي لنفسه (6 من التونسيين أحرقوا أنفسهم قبل في سنة 2010 لم يشعل أي واحد منهم شعلة الثورة)، وبالتالي فهو الذي يؤرّخ للثورة ومكانها، يعتبر آخرون أنّ كلّ ثورات العالم تتخذ من موعد نجاحها فرصة للاحتفال، فالثورة الفرنسية تحتفل بيوم 14 جويلية منذ قرنين وربع، باعتباره يوم الانتصار، وفتح أبواب سجن الباستيل، وإسقاط النظام الملكي، أمّا روسيا ثمّ من بعدها الإتحاد السوفييتي، فإنها كانت وما زالت  تحتفل بيوم 7 أكتوبر بالتقويم الجولياني (7 نوفمبر بالتقويم القريغوري) ، وهو يوم احتلال البلاشفة للساحة الحمراء وإسقاط النظام الإمبراطوري، وحتّى في إيران فإن عودة الإمام الخميني للبلاد وسقوط النظام الشاهنشاهي يعتبر عيدا للثورة. والقياس على ذلك كثير ومتعدّد في كلّ البلدان التي عرفت ثورات، اعتمدت موعد نجاحها كمنطلق للاحتفال بها. غير أنّ أصحاب الإصرار على اعتماد يوم 17 ديسمبر، كموعـد للاحتفال، لا يعدمون  مبرّرات لاختيارهم، وهم يسوقون المثل التونسي، فقد اعتمد يوم 18 جانفي 1952 كموعد للاحتفال بعيد الثورة، أي اليوم الذي اختير من طرف بورقيبة بمناسبة اعتقاله كمنطلق للثورة، وإن كانت تلك الثورة  قد حققت نجاحها بعد ذلك بأربع سنوات ونيف عندما استقلت البلاد في 20 مارس 1956.

حساب الأرباح والخسائر

وإذ اختارت الطبقة الحاكمة والجهات التي اعتبرت الأكثر ثورية، اعتمادا على ما قدمته من تضحيات، المسار التأسيسي بكتابة دستور جديد عبر انتخاب مجلس تأسيسي، بعكس ما كانت اتجهت إليه جهات أخرى، كان من رأيها تعديل الدستور القائم (1959) عبر مجلس النواب القائم ومجلس المستشارين، فإن القصبة 1 والقصبة 2 قد تجنّدا بفعل فاعل وفرضتا  الحل الأول، قطعا مع الماضي، واتجاها إلى دفن النظام السابق بصورة نهائية، وإذ تمّ نجاح نسبي بالتوجّه لانتخاب مجلس تأسيسي وكتابة دستور، اعتبر عموما مقبولا وجيّدا، وتمّت المصادقة عليه في جانفي 2013 (شتاء دائما ككلّ الأحداث المؤثرة التي عرفتها تونس)، فلا القطع مع الماضي قد نجح تماما، ولا سقط النظام، ويمكن القول إن الحكم قد أُسقط وبقي النظام والدولة التي كانت في خدمته بكلّ أجهزتهاولكن وفي حساب الأرباح والخسائر لفترة ما بعد 14 جانفي 2014 ـ سواء اعتبرناها ثورة بكلّ معانيها أم لا، والتاريخ وحده وبعد مسافة زمنيّة كافية كفيل بتبيان ذلك ـ ماذا يمكن أن نستنتج؟

سلبيّات ما بعد الثورة

يتمثل الجانب السلبي في أن الذين كانوا في طليعة الثائرين حتى لا نقول الثوار، والفارق واضح بين الأمرين، لم يستفيدوا من الثورة، فالأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة لم تتحسن، إن لم نقل ازدادت سوءًا، وليس فقط لم تحصل تنمية مطلوبة للبلاد، بل حتى نسب النموّ انحدرت منذ 2011، ولم تعد البلاد قادرة على توفير فرص العمل المطلوبة بحدّة، باعتبار العمل أوّل العناصر التي تقوم عليها الكرامة البشرية، وهي المطلب الرئيسي للذين خرجوا من أجل تغيير الأوضاع وتحقيق العدالة والإنصاف بين الأفراد والجهات.

الإيجابيات ... وما بعد

ٲمّا الجانب الإيجابي فتمثل في أن ريحا من الحريّة هبّت على البلاد، وغيّرت صورتها، وأفرزت مناخا لم يسبق له مثيل، كان من نتيجته أن جرت أول انتخابات حرّة نزيهة وشفافة  وتداوليّة (ربما باستثناء انتخابات المجلس القومي التأسيسي سنة 1956). فقد شهد شتاء 2014/2015 (بعد انتخابات أكتوبر 2011) انتخابات تشريعيّة ورئاسيّة وتشكيل حكومة، نابعة من برلمان منتخب، بالتصويت الحرّ العام المباشر. وفي هذه الأيّام تحتفل تونس لا فقط بعيد الثورة، بل وأيضا بمرور سنة على انتخاب رئيس للبلاد وفقا لمتطلبات تلك الثورة، ولعلّ الوقت جاء لتقييم فعلي وموضوعي، لا فقط لنتائج الثورة، ولكن أيضا لحصاد السلطة الجديدة المنبثقة عن تلك الانتخابات، وما استطاعت أن تحققه أو فشلت في تحقيقه، بعد أربع سنوات من التخبّط، أغلبها في ظلّ حكومات الترويكا التي فشلت في تحقيق وإنجاز متطلبات الثورة وأهدافها، واضطرّت لمغادرة السلطة تحت ضغط الشارع.

عبد اللطيف الفراتي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.