الاتفاق حول الزيادة في أجور القطاع الخاص: ملاحقة لغلاء المعيشة ولكن أيضا.... كلفة للمؤسسة
وأخيرا تم الاتفاق بين المركزيتين النقابيتين للعمال والأعراف على زيادة في أجور العاملين في القطاع الخاص، وكان الاتفاق بمثابة حل وسط غير مرض في الواقع لا للعمال ولا للأعراف ، وذلك كتتويج لمفاوضات دامت عدة أسابيع ، تخللها إضراب عام للقطاع الخاص في صفاقس ، وكان متوقعا أن يتبعه إضراب مماثل في تونس الكبرى التي تشمل ولايات تونس وأريانة ومنوبة وبن عروس.
وكان اتفاق سابق قد أقر زيادات في أجور الوظيفة العمومية والقطاع العام، بعد مفاوضات لم تكن عسيرة، واتسمت بالسلاسة ، وكانت نتائجها أكثر سخاء على عكس المتوقع ، من مفاوضات القطاع الخاص.
وفي الحقيقة فإن أجور قطاع الوظيفة العمومية ،المتمثل في مرتبات متصاعدة، بحكم طبيعة التأجير المتبعة في تونس على غرار أغلب البلدان الأوربية، والقائمة على تواصل متصاعد لمجرى الحياة المهنية carrière وفق ضوابط صلبة بل متحجرة ، استأثرت بقسط وافر من الميزانية العامة للدولة بلغ في السنوات الأخيرة حدودا عالية وغير معهودة ، سواء بسبب الحجم المرتفع للزيادة، أو جراء تزايد غير طبيعي ولا منطقي في عدد الموظفين. ويعتبر الأجر في الحسابات الوطنية المعتمدة في ضبط الناتج الداخلي الخام قيمة مضافة، مما يرفع بصورة مصطنعة نسبة النمو كما حصل في سنة 2013 والتي كانت الأفضل منذ سنة 2010.
وكان للزيادات في أجور القطاع العام تأثير في دفع الاستهلاك الذي يعتبر أحد محركات النمو الثلاثة.
أما في القطاع الخاص، فإن الأجور تعتبر مقابلا للجهد المبذول ولها كما في الوظيفة العمومية ارتباط وثيق بالتضخم المسجل في البلاد وغلاء المعيشة ، وهي تمثّل أيضا كلفة ، يقرأ لها أصحاب المؤسسات أو القائمين عليها ألف حساب ،اعتبارا لحرصهم على تنافسية مؤسساتهم سواء في الداخل أو في الأسواق الخارجية عند التصدير ، وبالتالي فإنهم ينظرون إلى الزيادة في الأجور لا فقط من زاوية ترضية مطالب النقابات العمالية ، بل وأيضا من زاوية القدرة اللاحقة على تسويق السلع أو الخدمات المنتجة ، باعتبار سعرها عند عرضها في السوق لدى المقبلين عليه ، والتي يمثل فيها العمال باعتبار عددهم ضمن سكان كيان معين الفئة الاحتماعيّة الأوفر عددا .
و من هنا يأتي التعقيد، فإذا كانت الحكومة ستطالب مع كل زيادة لفائدة موظفيها ،الذين انخرم سلم تأجيرهم منذ الثورة وفقد كل منطق داخلي سليم ، بتوفير قدر من ميزانية الدولة لمجابهة الزيادات ، يتعاظم عاما بعد عام ، وتواجهه بمزيد الاقتراض الداخلي والخارجي ، مما سيثقل بالسداد كاهل الجيل الحالي وخاصة الأجيال المقبلة ، فإن المؤسسات الخاصة تواجه تحديات أكبر بسبب الزيادة في الإجور، لأنها في حالة عدم التوازن معرضة للإفلاس، وينجم عن ذلك تفاقم البطالة ، وقد درجت النقابات العمالية ، ليس عندنا في تونس فقط بل في كل بلدان العالم على الدفاع على منظوريها من العاملين ، بقطع النظر عن التأثيرات السلبيّة التي تصيب المهددين في لقمة العيش ، أو أولئك المعطلين أصلا.
غير أنّ الخروج من هذه الحالة بكل تناقضاتها يكمن في رفع الإنتاجية الذي يمكن أن يمتص ولو جزئيا تأثيرات زيادات الأجور والحدّ من ارتفاع الأسعار الذي تتضرر منه أساسا الطبقات العمالية.
وفي بلادنا حيث الانتاجية متراجعة ، نتيجة الارتخاء في الجهد ، والغياب الكامل لقيمة العمل ، وحيث أنّ الحد من ارتفاع الأسعار ليس قدرا تحدده الرقابة الإدارية وحدها كما يظن الكثيرون ، بل تحدده حـــــــقيقة الــسوق، بالعودة إلى كلفة الإنتاج بما فيها الأجور فإن الأمر يبدو وكأنه معادلة يصعب حلها.
ولنا أن نتساءل كيف استطاع الأشقّاء في المغرب أن يرفعوا الأجر الأدنى إلى ضعف ما هو عندنا ، بعد أن كان أقل ممّا نعرف في بلادنا ، والجواب ببساطة هو الإقدام على العمل، ورفع إنتاجيته ، والأمر على عكس ما يعتقد البعض ، ليس مرتبطا بإرادة العاملين أو العاملين وحدهم ، بل هو مرتبط أيضا بتنظيم العمل، وبضبط المهام داخل المؤسسة ، وتلك من صلاحيات أصحاب العمل والفئة المؤطرة ، إلاّ إذا كان التسيب والإضرابات القانونية والعشوائية ، والمسيرات وغيرها من الإعتصامات قد فاق حجمها كل منطق ومعقول.
بقلم عبداللطيف الفراتي
- اكتب تعليق
- تعليق