القضاء: منظومة تتطلب الإصلاح
تعيش المنظومة القضائية منذ فترة طويلة صعوبات كبرى ازدادت تفاقما بعد قيام الثورة ، وأصبح الوضع داخل مختلف المحاكم يتسم بالصعوبة وتعود الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع لعدة عوامل يمكن تلخيصها فيما يلي :
1) عوامل تتعلق بالعنصر البشري
2) عوامل تتعلق بتواضع الإمكانيات المادية
3) عوامل تتعلق بالقوانين الإجرائية المطبقة
لو أردنا التعرض للعوامل المتعلقة بالعنصر البشري لاستلزم الأمر التركيز على :
- سلك القضاة
- سلك المحامين
- سلك الكتبة
- سلك الخبراء وعدول التنفيد والإشهاد
فبالنسبة لسلك القضاة: يتضح أن عددهم مازال لا يتجاوز الألفين بالنسبة للقضاء العدلي ، وهو عدد لا يفي بالحاجة أمام ارتفاع عدد القضايا والملفات التي تتعهد بها مختلف المحاكم.
إن عمليات انتداب القضاة التي تحصل عن طريق المناظرات أصبحت لا تفي بالحاجة لأن القضاء هو في حاجة الآن إلى عدد هام من القضاة المتمرسين. ولمعالجة هذه الوضعية يتعين تفعيل نص قانوني قديم وقع سنّه في بداية الاستقلال يمّكن وزارة العدل من انتداب ما لا يقل عن الألف قاضي من المحامين أصحاب الأقدمية خلال الثلاث سنوات القديمة ، وهذا الانتداب سيجد صداه لدى المحامين للصعوبات الاقتصادية الصعبة التي يعيشها هذا القطاع .
إن انتداب ألف قاضي على مدى ثلاث سنوات من بين المحامين اللذين لهم أقدمية عشر سنوات سيمكن من توفير عدد هام من القضاة بإمكانهم تعزيز هذا السلك بصفة فورية لتعويض النقص الكبير الملاحظ تحتاجه هذه السلطة وخاصة في مستوى المحاكم الابتدائية و محاكم الاستئناف .
إلى جانب عملية الانتداب الاستثنائية بات من الضروري تحسين تكوين القضاة ورسكلتهم وذلك بتنظيم حلقات تكوينية سريعة في عدة ميادين وخاصة الميادين المتعلقة بالشركات التجارية والجبائية والـتأمين والضمان الاجتماعي و الجرائم الألكترونية و القانون البنكي و القانون القمرقي .
فبدون هذا التكوين ستكون السلطة القضائية غير قادرة على الإحاطة بالحرفية اللازمة بعدة ملفات تخص هذه القطاعات التي تتطلب تكوينا قانونيا خاصا.
وإضافة إلى الترفيع في عدد القضاة وتمكينهم من مزيد الاختصاص لديهم حان الوقت لإقناع القضاة وخاصة الشبان منهم بسلوكيات جديدة لجعلهم يتقيدون أكثر بمواعيد الجلسات ويحضرون إلى مكاتبهم يوميا.
فكيف يمكن لقضاة بالتعقيب عدم الحضور بالمحكمة إلا يوم الجلسة فهم يقيمون في كثير من الحالات مع عائلاتهم بمدن داخلية بعيدة عن تونس؟ و كيف يمكن أن نترك كثيرا من القضاة بمختلف المحاكم دون مكاتب خاصة وسائل عمل ضرورية لآداء مهامهم وبالتالي نجعلهم يتجنبون الحضور بالمحاكم بصفة منتظمة ؟
إن عدم التقيد بمواعيد الجلسات وغياب الكثير من القضاة عن الحضور للمحاكم التي يعملون بها هو من العوامل التي تؤدي في كثير من الحالات إلى التشنج بين القضاة و المحامين الذين يصعب عليهم مباشرة خدماتهم نظرا إلى أن الملفات التي يتعهدون بها تكون غير مودعة بكتابة المحكمة بل هي موجودة لديهم للدراسة وخاصة بالنسبة للملفات المنشورة لدى محكمة التعقيب ودوائر الاتهام بمختلف محاكم الاستئناف .
أما بالنسبة للمحامين: فلقد تردى وضع هذا السلك إلى درجة لم تعد مقبولة بالمرة وأصبح هذا التردي يشكل خطرا كبيرا على المنظومة القضائية بأسرها فهنالك احتقان متزايد لدى غالبية شبان المهنة الذين يعيشون أوضاعا اقتصادية صعبة لم يسلم منها إلا الذين قبلوا أن يتخلوا عن قيم المهنة و ذلك بالقبول بالأمر الواقع و التعامل مع الوسطاء و السماسرة. فقد ناهز اليوم عدد المحامين المرسمين بالبلاد التونسية التسعة آلاف محام يوجد حوالي 5000 منهم بإقليم تونس الكبرى. وقد أدى وضع المحامين المتردي إلى خلق احتقان لديهم فأصبحوا كثيري الخصومات مع القضاة والكتبة وأعوان الأمن وهو ما يستوجب معالجة هذا الموضوع بتوحيد مسالك الدخول للمهنة إذ أن الهيئة الوطنية للمحامين كثيرا ما ترفض ترسيم المحامين المتحصلين على شهائد من أقطار شقيقة وأجنبية بينما تنقض محكمة الاستئناف بتونس هذه القرارات وتصر على ترسيم المحامين الذي تحصلوا على شهادة الكفاءة من بلدان أخرى وهو ما زاد الوضع تأزما بين المحامين و القضاة .
في هذا المجال يتعين فصل هياكل المهنة على القضاء فليس من المعقول أن تكون محكمة الاستئناف بتونس محكمة درجة ثانية بالنسبة لقضايا الترسيم و ليس من المعقول أن تكون محاكم الاستئناف داخل الجمهورية محاكم درجة ثانية لقضايا التسعيرة. بل يجب التفكير في بعث آلية أخرى تكون بمثابة محكمة درجة ثانية لقرارات الهيئة و الفروع وتضم تركيبتها محامين وقضاة تابعين للمحكمة الإدارية وذلك لتطبيع العلاقات بين السلكين و تجاوز حالة الاحتقان التي تضر بالمنظومة القضائية.
أصبحت الدولة اليوم معنية أكثر من أي وقت مضى بمشاغل هذا السلك الذي ضاع وسط التجاذبات السياسية و يكون من الضروري فتح مجالات عمل جديدة أمام المحامين و ذلك بإقرار خطة المستشار القانوني للشركات على غرار ما وقع اتباعه بالنسبة لمراقبي الحسابات وجعل مؤسسات التصفية و التفليس و الائتمان من مشمولات المحامين قبل أي سلك آخر لأن مؤسسات التصفية والتفليس والائتمان هي مؤسسات قانونية بالأساس و يكون المحامي هو الأكثر دراية بالاضطلاع بهذه المهام على غرار ما هو موجود في أكثر البلدان الأوروبية و العربية.
كما يكون من المستحسن جعل إنابة المحامي ضرورية في غالبية النزاعات. فقد أصبح سلك المكلف العام بنزاعات الدولة الذي لم يعد في حاجة إلى تكليف محامين يمارس ضغطا كبيرا على سلك المحاماة. كما أن المؤسسات المالية أصبحت لا تلجأ للمحامين في سائر المطالب المتعلقة بأوامر بالدفع وحتى في القضايا الاستعجالية، فضاعت فرص العمل على شباب المحاماة وهوما يستوجب تقييم كل هذه الأمور بما من شأنه أن يفتح آفاقا جديدة أمام المحامين الشبان ولا يكفي أن نضمن مجالات عمل جديدة بل حان الوقت إلى إقرار توزيع أقرب للعدالة بين المحامين. فمن غير المقبول أن تعيش بعض المكاتب تخمة في عدد القضايا بينما تكون مكاتب أخرى مشلولة تماما.
لتحقيق ذلك يمكن أن تجعل خطة المستشار القانوني للشركات وسيلة تفتح آفاقا جديدة أمام قطاع المحاماة ولكن على شرط أن لا يكون للمحامي الواحد الحق في أن يكون مستشارا لأكثر من ثلاث شركات على الأكثر.
كما يتعين اليوم أن نفكر في تقسيم الخدمات بين المحامين بحيث يقع بعث سلك خاص يختص بتحرير العقود وهكذا نستغنى عن سلك عدول الإشهاد الذي يقع دمجه نهائيا في سلك المحامين وسلك آخر يختص بالنزاعات المتعلقة بمحكمة التعقيب والمحكمة الإدارية ومجلس المنافسة حتى لا يزاحم هذا السلك شبان المحاماة الذين تكون لهم أكبر إمكانية للحصول على قضايا لدى بقية المحاكم.
كما حان الوقت لإصدار أوامر تتعلق بسّن حوافز جبائية لبعث شركات مهنية للمحاماة لأن وجود شركات منظمة سيساعد على فتح آفاق جديدة لدى شباب المحاماة وسيكون لهذه الشركات، إذا وقع تنظيمها، دور هام في جلب الاستثمار الأجنبي للبلاد التونسية. فممارسة مهنة المحاماة في إطار شخصي أمر بدأ تتجاوزه الأحداث لأنه لم يعد بالإمكان لمحام واحد أن يكون له إلمام بمختلف التشريعات المتعددة التي أصبحت قائمة الذات بالبلاد التونسية.
إنها نظرة جديدة أصبحت ضرورية لإخراج هذا القطاع من أزمته الحالية.إلى جانب قطاعي القضاء و المحاماة فإن الوضع الذي يعيشه كتبة المحاكم هو وضع كارثي بأتم المعنى فهم يعملون في ظروف غير مقبولة و بأجور لا تفي بالحاجة و الحال أنهم ملزمون بعدم التقيد بمواعيد العمل و يؤتمنون على مصالح المواطنين و حقوقهم و لولا الوطنية التي يتحلى بها أغلبهم لضاعت الكثير من الحقوق.
العناية بهذا السلك أمر ضروري وذلك بالسهر على تكوينهم وخلق شعبة خاصة بتكوينهم بالمدرسة الوطنية للإدارة أو بالمعهد الأعلى للقضاء. فكتبة المحاكم في الدول الأوربية هو سلك له أهمية كبرى و كثيرا ما تجد رؤساء الكتبة من المتحصلين على شهائد علمية هامة لأن هذا السلك يعتبر من الدعامات الأساسية لإقامة منظومة قضائية ناجعة.
إذا فإن تحسين أوضاع الكتبة و تمكينهم من منحة خصوصية وعدم تنظيرهم بقطاع الوظيفة أمر ضروري للعناية بهذا السلك لإصلاح المنظومة القضائية.
إذا ما تجاوزنا موضوع هذا الثالوث الذي تقام عليه الحياة داخل أروقة المحاكم فإننا نشير إلى أن سلك الخبراء أصبح يحتاج لمراجعة جذرية فكيف نفسر أنه في بلد عرف بكثرة المتخرجين في قطاع المحاسبة و التجارة و الهندسة مازال هنالك خبراء على درجة كبيرة من التواضع في إمكانياتهم العلمية، وكثيرا ما يسبب هؤلاء الخبراء في استصدار أحكام غير عادلة لأن القضاة ينحازون باستمرار لنتائج الاختبارات وقلما يقدمون الطعون التي تثار في شأنها.
تحيين قوائم الخبراء واستبعاد العناصر التي ليست لها شهادات علمية والعناصر التي اتصفت بعدم الجدية والمصداقية في أعمالها أصبح أمرا ضروريا للغاية، كما يتعين عن القضاة ان يكون لهم منهجية في طريقة تعيين الخبراء اذ كثيرا ما يتم التعيين بنوع من الانحياز وعدم الموضوعية .
الى جانب العوائق التي تتعلق بالعنصر البشري فإننا نلاحظ أن المنظومة القضائية تفتقر الى الإمكانيات المادية. فمقرات المحاكم وقاعات الجلسات أصبحت متآكلة ولا تسأل عن التكييف داخل المحاكم وحالة مقاعد الجلوس ودورات المياه ولا عن وسائل العمل ولا عن النقص الفادح في الكتبة والمعدات التي يستعملونها. فأغلب الحواسيب الموجودة هي معطلة ان لم تكن قديمة العهد يعود تاريخ اقتنائها الى أكثر من عشر سنوات. وفي كثير من الحالات فإن الأحكام التي تصدر هي غير ملخصة تحتاج رقنها الى مدة تفوق عن الستة أشهر. وحتى إذا ما تطوع المحامي لرقنها بمكتبه فإنه لا يمكن تنزيلها بحواسيب المحكمة التي تجاوزتها الأحداث.
اما الاطلاع على الملفات لدى كتابة المحكمة فقد أصبح من الأمور المستعصية شأن الاطلاع على نتيجة الأحكام والحال أن الحكم الجناحي يتعين أن يقع الطعن فيه في اجل لا يتجاوز عشرة أيام، وكثيرا ما يضطر المحامي إلى تسجيل استئنافه للحكم الجزائي وهو لا يعلم نتيجته خوفا من فوات آجال الاستئناف ثم يأتي الحكم لصالح منوبه بعدم سماع الدعوى.
انها معاناة يومية تعترض المحامي والمواطن الذي لا يعرف خطورة الموضوع إلا عندما تشاء الأقدار ان يقاد للمحكمة سواء كطالب او مطلوب.
المواطن عندما يذهب للمحكمة قد تضيع كرامته ويقع الاستخفاف بحقوقه وكثيرا ما يصطدم بعقلية فوقية من القاضي فيختار المواطن ان يلجأ إلى محاميه، واذا لم يتسلح المحامي بالصبر والحكمة النزاع يتحول الى مشكل بينه وبين القاضي خاصة عندما يكون هذا القاضي حديث العهد بالمهنة.
فبقدر ما يتصف القاضي المحنك بالأخلاق والتفهم فإن سلوك القاضي الجديد يكون مبعثا للاستغراب. وهنا لابد من لفت نظر الشباب الذي يقبل على امتهان القضاء حتى يكون اسلوبه في التعامل مع المحامين ومع المواطنين أكثر ليونة لتجنب كل حالات التشنج.
في كلمة واحدة: فإن الإمكانيات المادية المتوفرة بالمحاكم ضعيفة للغاية وهنالك تآكل لكل التجهيزات وهو ما يدعو الى تخصيص اعتمادات كبرى للمحاكم وتحسين أوضاع القضاة المادية وتمكينهم من القروض لشراء سيارات او مساكن لأنه لا يمكن أن يطلب من القضاة الاضطلاع بدورهم كاملا إذا لم يشعر القاضي بالطمأنينة على شخصه وعلى مستقبل ابنائه. إن القضاة يعانون من أوضاع مادية صعبة وطبيعة عملهم تجعلهم ينهون مسيرتهم المهنية بأمراض مزمنة كضغط الدم والسكري والقلب، فلا يمكن أن نغفل عن ذلك و لا نوفر الحد الأدنى من ضروريات الحياة.
صحيح أننا نطالبهم بأن تكون أحكامهم أكبر عدالة وبسرعة أكبر ولكن لا بد من أن نوفر لهم ولكتبة المحاكم الحد الأدنى للعيش بكرامة و دون ضغوطات .
إن الحديث عن ضعف الإمكانيات المادية لا يحجب عنا معطى آخر يكبل حاليا المنظومة القضائية بأسرها، وهذا المعطى يتعلق بمجلتي المرافعات المدنية والتجارية ومجلة المرافعات الجزائية اللتين اكل عليهما الدهر وشرب وأصبح من الضروري إعادة صياغتهما وذلك لتجاوز العراقيب التي تحول دون البت بسرعة في فصل النزاعات وتزيل المعوقات التي تعترض تطوير المنظومة القضائية.
لقد اثبتت التجارب أن مجلة المرافعات المدنية والتجارية هي اكبر عائق حاليا للإسراع بالبت في النزاعات المنشورة أمام المحاكم الابتدائية والاستئنافية. فمن المفروض أن تنشر القضية، وان يقع صرفها للمرافعة وان يسمح للطرفين بتبادل التقارير في الأثناء، غير أن العمل حاليا يتم عن طريق اتباع أطوار ثلاث بدءا بالطور الأول الذي تقع فيه المناداة على الطرفين ثم الطور الثاني الذي يتم خلاله تبادل التقارير ثم الطور الثالث المخصص للمرافعة.
ووسط هذه الأطوار يضيع وقت طويل سواء بالنسبة للقاضي أو بالنسبة للمحامي أو بالنسبة لكتبة المحاكم. فقد حان الوقت الى استبدال هذه الطريقة وجعلها أكثر اختصارا بحيث تعين القضية وتصرف للمرافعة ويسمح خلال الأجل الفاصل بين النشر والمرافعة بتبادل التقارير على أن يشرف على ذلك القاضي المقرر.
كما أن الطريقة التي يسلكها القضاء التونسي حاليا في تعيين الخبراء بواسطة الأذون أو حتى عن طريق احكام تحضيرية هي طريقة غير مجدية لأن القاضي يصبح في الغالب مقيدا باستنتاجات الخبير الذي تعينه المحكمة و يكون لرأيه التأثير الحاسم في البت في النزاع.
لو يقع اتباع النظام الأنقليزي الذي يخول لكل طرف الحق في أن يختار الخبير الذي يرغب فيه فيكون لكل من المدعي و المدعى عليه الحق في اختيار الخبير الذي يرغب فيه ويكون دور القاضي هو الترجيح بين الاختيارات ولو أدى الأمر الى استدعاء الخبيرين والتحرير عليهما كما يحصل لدى القضاء الأنقليزي.
ان ابقاء النظام على ما هو عليه فيه مس بدور القاضي في فض النزاع لأن هذا الدور كثيرا ما اصبح يباشره الخبير عوضا عنه.
اما بالنسبة للقضاء الجزائي فحدث ولا حرج على ضياع الوقت. فالمواطن يستدعى على الساعة التاسعة صباحا ولا يعرف إن كان سينادى عليه قبل الموقوفين أو بعدهم لأن ذلك مرتبط بإحضار المصالح السجنية للموقوفين أو تأخرهم في ذلك فضلا عن الجلسة كثيرا ما تكون غير مرتبة فلا يعرف المتهم ولا المحامي التوقيت الذي سينادى فيه عليه و يضطر أن يرابط بقاعة الجلسة طيلة ساعات طويلة في حين أن البلدان الأوروبية كثيرا ما تحدد الساعة التي سيقع فيها المناداة على كل قضية فيكون الجو داخل المحكمة مقبولا وهو ما من شأنه أن يساعد القاضي و المحامي على الاضطلاع بدورهما في ظروف مقبولة .
المهم أن المواطن الذي له قضية جزائية يكون ملزما بالحضور مع محاميه منذ الساعة التاسعة صباحا وفي بعض الحالات لا ينادى عليه إلا في الرابعة بعد الزوال وفي ذلك إهدار لمصالح المواطن وعدم احترام للمحامي الذي لا يمكنه أن يحتج على ذلك.
وكثيرا ما نشاهد قضاة النيابة العمومية ينتصبون مع هيئة المحكمة في القضايا الجناحية دون أن يكون لهم اي دور بل البعض منهم يستغل الموقف للاطلاع على المحاضر التي تعهد بها. إنها مظاهر تبعث على الاستغراب، لما آل اليه الوضع بالمحاكم. فلماذا لا يقع إعفاء قضاة النيابة من الحضور بالجلسات الجناحية وترك الحرية لهم للحضور إذا رغبوا في ذلك كما يحصل عند التحقيق او لدى قضاة الناحية ؟
أليس في اجراء من هذا القبيل ربح للوقت وصيانة لاعتبار قاضي النيابة ؟
ان مراجعة مجلتي الإجراءات المدنية و الجزائية بات أمر أكثر من ضروري ولا يمكن تحسين مردود المنظومة القضائية الا بالإسراع بهذه المراجعة التي قد يضيق المجال هنا للتعرض لمختلف جوانبها لأنها قد تشمل الاستغناء عن دائرة الاتهام التي كثيرا ما تعمل في سرية كاملة ولا يسمح للمحامي بالترافع لديها .
فلم يعد من مبرر للإبقاء عليها خاصة وأن القضاء الجنائي أصبح على طورين وهو ما يدعو إلى تساؤل هام وهو ما الجدوى من الإبقاء على دائرة الاتهام بالطريقة التي تعمل بها حاليا.
اذا كانت هذه المراجعات ضرورية فمن أين تأتي الاعتمادات الضرورية لتحسين أجور القضاة والكتبة وتحسين وسائل العمل والحال أن ميزانية الدولة لا تسمح حاليا بذلك؟
لقد تخلت الدولة منذ سنة 1992 على المعاليم التي كانت تدفع عند نشر القضية والتي كانت تسمى بمعاليم النشر وهي تختلف حسب درجة المحكمة ، كما ان الفصل 36 من مجلة المحاسبة قد مكن المدعى من الحصول على نسخة الحكم بتسديد المعلوم الأدنى ولا يقوم بدفع معلوم التسجيل المقدر بــ 5% الا بعد التنفيذ.
هذا الإجراء جعل مداخيل الدولة من الإجراءات القضائية تتدنى بشكل كبير خاصة وأن أغلب الأحكام التي تصدر لفائدة المؤسسات المالية يقع استخراجها دون تنفيذيها فلا تتقاضى الدولة اي معلوم تسجيل عليها لذلك فانه بات من الضروري الرجوع الى سن معلوم نشر يتراوح بين 20 دينار للقضايا التي تنشر لدى الناحية و 100 دينار بالنسبة للقضايا التي تنشر لدى التعقيب والرجوع الى الطابع الجبائي بالنسبة للعرائض واوامر بالدفع واخضاع استخراج الأحكام الى دفع معلوم التسجيل على أن يقع التخفيض فيه من5% الى 2,5% فهذه الإجراءات ستدر لو وقع اتباعها مداخيل مالية هامة بإمكانها أن تحسن وضعية المحاكم و وضعية القضاة والكتبة وذلك بخلق صندوق خاص للمنظومة القضائية تنزل فيه هذه المبالغ على ان يقع تخصيصها وجوبا للنهوض بالقطاع القضائي.
ويا حبذا لوتصبح محاكمنا انموذجية بحيث يقع تنزيل ملف كل قضية بالمنظومة المعلوماتية فيقع الاطلاع عليه من طرف المحامين دون الرجوع للملف الورقي .
ولماذا لا يقع ربط هذه المنظومة بمكاتب المحامين المرسمين بالجدول الأصلي حتى يسهل العمل بالمحاكم ويصبح بإمكان المحامي ان يقوم بتصوير الملف الذي سينوب فيه دون التنقل للمحكمة ويقوم بعرض تقريره على زميله وتقديمه للمحكمة بنفس هذه الطريقة؟
ان هذا الأنموذج اصبح مطبقا في كثير من البلدان الأوروبية فإذا كنا نريد أن نراهن على القطاع القضائي فعلينا تطويره بسرعة وتدعيم النظام المعلوماتي وجعل كل الملفات منزلة بالحاسوب حتى يتمكن المحامي من الاطلاع عليها انطلاقا من مكتبه وهي إجراءات أصبحت ضرورية للنهوض بالمنظومة القضائية .
لقد بادرت وزارة العدل بإعداد محكمة صفاقس 2 الجديدة كمحكمة أنموذجية وهي تجربة تنمى لها النجاح حتى يتطور النظام المعلوماتي ليعم كل المحاكم التونسية ونكون بذلك قد ساهمنا إلى حد كبير في إرساء منظومة قضائية متطورة.
الأستاذ عادل كعنيش
- اكتب تعليق
- تعليق