رشيد خشانة :تعاملوا مع إيران... واحذروها !

  !رشيد خشانة: تعاملوا مع إيران... واحذروها

تُثير علاقات تونس مع إيران جدلا لا تطرحُهُ العلاقات مع سواها. مبدئيا، يُعتبر كلُ تعاون مع بلد عربي أو إسلامي خطوة محمودة لأنها مفيدة للطرفين، إلا أن التعامل مع طهران باتت تكتنفُه التباسات وضمنيات تحتاج في كل مرة إلى إيضاح، بسبب ما أثارتهُ محاولات "تصدير الثورة" بعد 1979 ثم مُحاولات التشييع، من أزمات ديبلوماسية وحملات متبادلة مع كثير من الدول العربية.

ماذا تطلب تونس من طهران؟ وماذا تطلب طهران من تونس؟ تتطلع تونس إلى علاقات تجارية تسمح ببيع زيت الزيتون والتمور وإعادة تصدير الفوسفاط، بالاضافة لاستقطاب السياح الإيرانيين، وإن أمكن جلب استثمارات. أما إيران فتسعى أيضا لتصدير بعض منتجاتها إلى بلادنا، لكنها تعمل في الوقت نفسه على استخدام العلاقات الثقافية والسياحية غطاء لحملات دعوية من أجل نشر المذهب الشيعي وكسب ولاء بعض التونسيين إلى مشروعها الطائفي. وقد ظهرت تجسيدات ذلك المشروع في سياسة الهيمنة الإيرانية المطلقة على العراق والتدخل العسكري في سوريا ودعم حزب الله في صراعه مع غرمائه اللبنانيين، على نحو يُشكل هلالا شيعيا قال عنه أحد المسؤولين الإيرانيين الكبار إنه قلب الامبراطورية الفارسية الجديدة وعاصمتُها ... بغداد!

لم يسلم المغرب العربي من نزعات الاختراق والهيمنة هذه، فالمغرب قطع علاقاته مع طهران فترة غير قصيرة بعدما اكتشف إقدام المسؤولين الإيرانيين على اللعب في النسيج الديني للبلاد. وكذلك فعلت موريتانيا. وفي ليبيا حذر المفتي مؤخرا من نزعات التشييع المتنامية في البلاد. أما الجزائر التي تُعتبر الدولة الأكثر انسجاما مع السياسات الإيرانية ففوجئت أخيرا بأن "المدَّ الشيعي" زاحفٌ بسرعة، مما حمل وزارة الشؤون الدينية على إطلاق حملة في مطلع ديسمبر الجاري من أجل التصدي لما أسمتهُ "ظواهر الانحراف النحلي وعلى رأسها المدُ الشيعي الذي يسعى للمساس بالأمن الفكري للجزائريين ومرجعيتهم الدينية". وأقدمت الجزائر قبل أسبوعين فقط من استقبالها النائب الأول للرئيس الإيراني اسحاق جهانغيري في زيارة رسمية، على تعبئة الأئمة والمفتشين التابعين لوزارة الشؤون الدينية "لمواجهة ظاهرة المدّ الشيعي ونحل أخرى على غرار التيار السلفي المتطرف"، انطلاقا من أن "المذهب الشيعي لم يكن في يوم من الأيام من نحل الجزائريين" مثلما ورد في بيان الوزارة.

 

أكثر من ذلك أكدت دراسة حديثة أن العمل الدؤوب الذي قامت به إيران في دول غرب أفريقيا مكنها من تحويل سبعة ملايين سُنّي افريقي من مذهب الامام مالك إلى المذهب الشيعي، من بينهم خمسة ملايين في نيجيريا ونصف مليون في السينغال. كما تمكنت من خلق حواضن وجيوب للفكر الشيعي الاثني عشري في منطقة غرب إفريقيا تتفاوت في قوتها من دولة إلى أخرى، بفضل المراكز الثقافية واختراق المنظمات والجمعيات الأهلية والعمل الديبلوماسي والاعلامي والمشاريع الاستثمارية.

هل يعني هذا أن نقاطع إيران ونوقف التعاون معها؟ طبعا الجواب بالنفي، لكن هل ننام على آذاننا أمام ذاك الخطر الزاحف، الذي قد يقود بلادنا إلى صراع طائفي، بعدما ظل ينعم بالانسجام المذهبي ووحدة العقيدة طيلة قرون؟ أولا حتى نرد الحق لأصحابه فإن زين العابدين بن علي، المعروف بشحّه في إعطاء التأشيرات للمنظمات المستقلة، هو أول من دق إسفينا في وحدتنا المذهبية بمنح تأشيرة لجمعية شيعية. ثانيا يستدعي التحوُط من الاختراقات زيادة اليقظة وتحصين مجتمعنا عقائديا وثقافيا ضد تلك المحاولات، مع تطوير الجهد الأمني لرصدها، خاصة أن طهران سخية في توجيه الدعوات إلى إعلاميينا وجامعيينا ومثقفينا.

 

وعلينا التفريق هُنا بين النظام السياسي الإيراني وإيران بوصفها بلادا إسلامية رئيسية ذات حضارة عريقة وخصيبة. فمن منا لم يتمتع بعظمة "الشاهنامه" لأبي القاسم الفردوسي ومن لم تسحره رباعيات عمر الخيام وقصائد حافظ الشيرازي وفريد الدين العطار وجلال الدين الرومي؟ بهذا المعنى تُعتبر إيران وتونس جناحين لحضارة مشتركة عمرها أكثر من أربعة عشر قرنا. ومن الطبيعي إذا أن يتبادلا وفود السياح كي يتمكن مواطنونا من زيارة شيراز وإصفهان وطهران، وأن تقوم بين بلدينا مبادلات تجارية متنوعة.

لكن المشكل يكمن في أن إيران التي ظلت دولة سُنية حتى القرن العاشر الهجري، تحولت إلى دولة طائفية فدستورها يشترط انتماء من يتولى منصب رئيس الجمهورية إلى المذهب الشيعي، كما أنه ينص على أن مذهب الدولة هو المذهب الجعفري الإثنى عشري مثلما أسلفنا، طبقا للفصل 12 من الدستور، وهي حالة فريدة في العالم، خاصة أن هذا الفصل غير قابل للتغيير بحكم الدستور نفسه. أما السُنة الذين يُشكلون بين 20 و28 في المئة من السكان فيتعرضون لشتى أنواع التمييز، إذ لا يوجد مسجد سُني واحد في المدن الكبرى، بما فيها العاصمة طهران، التي يعيش فيها أكثر من مليوني سُني.

لقائل أن يقول إن هذه المسائل تندرج في إطار شؤون إيران الداخلية، وهذا صحيح بمعنى من المعاني، لكن الصحيح أيضا أن تصدير الثورة بات خيارا رسميا ومُعلنا منذ ثورة الخميني في 1979، ما شكل أحد الأسباب التي أشعلت حربا مُدمرة بين العراق وإيران (1980-1988). وفي وقت سابق من هذا العام أبى أحد كبار المسؤولين الإيرانيين إلا أن يُذكرنا بأن مشروع النظام الحالي هو إعادة الخلافة التي مركزها بغداد، بعدما باتت عاصمة الرشيد في قبضة الميليشيات الشيعية منذ الغزو الأمريكي للعراق في 2003. لذا فإن التعامل مع نظام سياسي هذه مراميه الاستراتيجية يحتاج إلى كثير من الأناة والحذر.

رشيد خشانة


 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.