أخبار - 2015.12.15

وال ستريت في بن قردان

ترى، ما هـو أول عمل يقوم به محافظ البنك المركزي السيد الشاذلي العياري صبيحة كل يوم بعد التحاقه مباشرة بمكتبه بالطابق السادس؟ أول ما يبادر إليه هـو تسلم لوحة القيادة والعمليات والإمعان في تفحص لائحة نسب الصرف المعتمدة في بنقردان... أي نعم! محافظ البنك المركزي لا يقوى على دفع ما يتملكه حينها من اندهاش، لأن الأمر مثير للاندهاش حقا. أمر يبعث على التساؤل: كيف يكون بوسع الدينار التونسي أن يقف في وجه سوق موازية تباع فيها العملات باختلاف أنواعها وتُشترَى... هكذا... في وضح النهار، وبدون حساب أو رقيب.

سوق الصرف في بنقــردان يعج بالنشاط والحركة. يتراوح عـدد تجار صرف العملة الـذين يداومون العمل هناك بين 200 و 300 نفـْر. يتخذون لهم مكاناً بين جنبات َمَمَرٍّ ممتـد الأطـراف يسمونه... "وول ستريت "، نسبة لشارع المال والبورصة في الولايات المتحدة الامريكية.

يقـول حـمزة المدب ضمن أطروحة دكـتوراه متميزة قـدمها في معهـد الدراسات السياسية بباريس تحت عنـوان "إما أن نستحثَّ الخطى أو أن نموت، سباق وراء الخبزة، واستبداد لا ينقطع في تونس في عهد بن علي": "بوسع أولائك الصيارفة الاستجابة بدون عناء أو مشقة لحاجة الناس اليومية من أيـة عملة في إطار التجارة الموازية".

وقد تم مؤخرا نشر مقـتطفات ضافية من هذا البحث المعمق والثري والمُحــَيَّن، وذلك ضمن كتاب لمجموعة من المؤلفين ظهر في شهـر أكتوبـر الماضي من منشـورات كارتالا بباريس تحت عنوان "دولة اللاعدالة في المغرب العربي، المغرب وتونس". وقد ورد الجـزء المخصص لهذا الموضوع تحت عنوان : "منة تجود بها الحدود، وظلم اجتماعي بتـونس".

يشتغـل حمزة المدب في مركـز كارنيغي للشرق الأوسط. وقد كتب أيضاً دراسة لفائدة مؤسسة "أنتارناشنال ألارت" بعنوان: "شباب وتهريب، مسالك نهب، وديناميكية إقصاء" وهي دراسة لا يمكن الاستغناء عن مطالعتها تحت أي ذريعة.

هنالك دراسة أخرى أنجزت بطلب من وزارة المالية تلــقي الـضوء على كــثير من المسائل جاء فيها ما يلي: " نظم التجارة الموازية تقـتضي توفـر إمكانية تعبئة رأسمال تجاري هام في وقت قصير. وقد توصل كبار تجار الجملة المتخصصون في تبديل العملة والذين يسمون ب'الصَّرَّافة" (يبلغ عددهم خمسة أنفار كما يقول محمد الهدار) إلى احتكارهذا النشاط ويتولون رقابة السوق وتزويدها.

إضفاء الشرعية على مكاتب الصرف

ما العمل في ظل هذا الواقع؟ أينبغي أن نبـقي على ما نبديه من تجاهـل لهذه الظاهرة، ونترك الحبل على الغارب، حتى لو أدى الأمر الى استفحالها وتضخمها دون أدنى مراقبة؟ لا محافظ البنك المركزي ولا وزير المالية يقبلان هـذا الرأي، إنما يؤكدان أن الوقت قد حان كي نبادر إلى إرساء شبكة مكاتب صرف يمكن ان يتسع نطاق عملها شيئا فشيئا. ونجد ضمن قانون المالية لسنة 2016 المطروح حاليا على بساط نظر مجلس نواب الشعب إجراءا مناسبا بهذا الصدد.

مثل هذه المكاتب التي تشتغـل بشكـل قانوني يمكن أن يرخص لها في مرحلة أولى بشراء العملات وتحويلها الى العملة الوطنية، ويمكن لها لاحقا ان تنجز عمليات أخرى في مجال صرف كالتصرف في المنح السياحية.