السبعةالكبار والربيع العربي: الوعود أكثر من الإنجازات
بعد مرور أكثر من أربع سنوات على القمة التي عقدتها مجموعة الثمانية الكبار في دوفيل بفرنسا (26-27 ماي 2011) يبدو أن غالبية التعهدات التي أخذتها على عاتقها لدعم دول الربيع العربي غدت حبرا على ورق، فمن خلال المقارنة بين قرارات القمة والسياسات المُتبعة، يتضح أن الوعود أكثر من الإنجازات. والأرجح أن موجة التفجيرات الأخيرة في أنحاء مختلفة من العالم ستُشجع أعضاء المجموعة على العزوف عن دعم أي مسار ديمقراطي والبحث فقط عن منظومات أمنية تحفظ لها مصالحها القومية.
ومجموعة السبعة G7 (أو الثمانية إذا أضفنا لها روسيا) هي إطار غير رسمي للحوار في شأن التعاون السياسي والاقتصادي، بين الدول الأكثر تصنيعا في العالم، وهي ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان والولايات المتحدة وكندا. وتعقد دول المجموعة قمما سنوية لكنهالا تتخذ قرارات رسمية، وإنما تتولى الرئاسة الدورية متابعة ما يُتفق عليه. وربما كان الاستثناء الوحيد هو اجتماع وزراء خارجية دول المجموعة في مارس 2011 الذي اتخذ قرار التدخل العسكري في ليبيا للإطاحة بنظام معمر القذافي. وفي السنوات الموالية لقمة دوفيل أُدرجت في جدول الأعمال أربع قضايا جديدة هي مُجريات الربيع العربي ومسائل الطاقة والصحة والأمن الغذائي.
دعمت الولايات المتحدة في البداية موجة الثورات قبل أن تُراجع سياستها في أعقاب مقتل سفيرها في ليبيا كريستوفرستيفنس في سبتمبر 2012. كما أن بريطانيا فضلت التريث فكانت أقل اندفاعا من فرنسا، التي اعتبرت أن الثورات المُندلعة في ثلاثة بلدان أفريقية تقع ضمن "عُمقها" الاستراتيجي، فيما كان الموقفان الياباني والكندي باهتين. أما ألمانيا فسارعت إلى التعويض عن غيابها الطويل عن المنطقة بنسج روابط قوية مع مُكونات المجتمع المدني في بلدان الربيع، أحزابا وجمعياتٍ ونقاباتٍ، مُستعينة بالمؤسسات التابعة للأحزاب الألمانية Foundations. ومن هذا المنطلق دفعت ألمانيا عبر استضافتها قمة السبعة الأخيرة يومي 7 و8 جوان في شلوسإلمو SchlossElmau إلى معاودة الاهتمام بالحوار مع بلدان الربيع العربي، "سعيا لتحويله إلى شراكة مُثمرة للطرفين". ويُعتبر هذا عودة إلى الأسس التي حاولت الدول الأعضاء أن تصوغ من خلالها رؤية موحدة في قمة دوفيل، لدى انطلاق الربيع العربي، ارتكزت على ثمانية عشر بندا يمكن تلخيص أهمها في النقاط التالية:
1/ أن التغييرات التاريخية الجارية حاليا في شمال أفريقيا والشرق الأوسط يمكن أن تُعبد الطريق لتحولات مماثلة لتلك التي حدثت في أوروبا الوسطى والشرقية، في أعقاب انهيار جدار برلين.
2/ بناء على الأهداف التي نتقاسمها من أجل المستقبل أطلقنا اليوم (27 ماي 2011) "شراكة دوفيل" مع شعوب شمال أفريقيا والشرق الأوسط بحضور رئيسي الوزراء المصري والتونسي، البلدان اللذان كانا في أصل هذه الحركة، ونحن مُستعدون لفتح هذه الشراكة الشاملة وطويلة الأمد لجميع بلدان المنطقة التي تُباشر تحولا نحو مجتمع حُر وديمقراطي ومتسامح، بدءا بمصر وتونس.
3/ تنهض هذه الشراكة على دعامتين: مسار سياسي يرمي لدعم التحول الديمقراطي وتشجيع الإصلاحات في مجال الحوكمة، ولا سيما مكافحة الفساد وتعزيز المؤسسات الكفيلة بتأمين الشفافية، وإطار اقتصادي مُلائم لنمو مُستدام يستفيد الجميع من ثماره.
4/ ندعو المؤسسات المالية الدولية وأجهزة الأمم المتحدة المعنية، وكذلك القطاع الخاص والمجتمع المدني للعمل معنا في إطار هذه المبادرة.
أ/ الدعم الاقتصادي
في هذا السياق اتخذ الزعماء الثمانية في تلك القمة قرارات هامة ذات طابع اقتصادي أبرزها وضع خطة "تُمكن الحكومات الإصلاحية من الاستجابة لتطلعات شعوبها وتعزيز الحوكمة والشفافية، وتحسين الادماج الاقتصادي والاجتماعي بتوفير الفرص للجميع". كما شملت أهداف الخطة "تحديث اقتصادات بلدان الربيع العربي ودعم القطاع الخاص، ولا سيما المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، من أجل المساهمة في إيجاد فرص العمل وتنمية الموارد البشرية والكفاءات المهنية". وتجسيدا لهذا التوجه أقرت قمة دوفيل على الأمد القصير تشجيع صندوق النقد الدولي على دعم الاصلاحات الاقتصادية وتحسين المناخ الاستثماري في "بلدان الشراكة" (أي بلدان الربيع العربي). أكثر من ذلك قررت قمة دوفيل إنشاء صندوق بالتعاون مع البنك الأوروبي للإنشاء والتنمية لتمويل المسارات الانتقالية في بلدان جنوب المتوسط. كما حثت بنوكَ التنمية مُتعددة الأطراف على تقديم "دعم قوي وسريع ومُنسق للبلدان الشريكة، بما يُساهم في التعويض عن تراجع التدفقات المالية الخارجية (إليها) وتسهيل وُلوجها إلى الأسواق العالمية".
ب / الدعم السياسي
كان ذلك أهم ما تعهدت به قمة دوفيل على صعيد الدعم الاقتصادي لدول الربيع العربي، وهي لم تكتف بتلك التعهدات بل وضعت قائمة بالمبادرات السياسية التي قالت إنها تعتزم اتخاذها "لمساعدة بلدان منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط على إيجاد الفضاء السياسي اللازم لازدهار الديمقراطية والحرية". وفي مقدمة تلك التعهدات إشراك المجتمع المدني بصفة كاملةفي شراكة دوفيل. كما دعا بيان قمة دوفيل المنظمات الدولية "للعمل مع الأحزاب السياسية وأحزاب المعارضة الناشئة للأخذ بيدها في امتلاك الأدوات التي تُمكنها من الاستجابة لتطلعات السكان وتعزيز قدرات صُناع القرار، مما يُشكل السبيل الأضمن إلى الاستقرار في المنطقة".
ج/ آليات تعاون جديدة
وضعت مجموعة السبعة آليات جديدة للتعاون مع بلدان الربيع العربي، لكنها ظلت في مستوى العناوين الكبرى قبل أن تعهد لوزراء المالية في الجانبين ببلورتها وإنضاجها في الاجتماع الذي عقدوه في مرسيليا في سبتمبر 2011.
وطلبت القمة من كل من تونس ومصر تقديم خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تندرج في إطار استراتيجيتيهما التنمويتين بُغية تأمين الدعم اللازم لها. ولم تُغرب شمس السنة الأولى من الربيع العربي حتى توسعت "شراكة دوفيل" لتشمل خمسة بلدان عربية هي ليبيا والأردن والمغرب، بالاضافة لمصر وتونس. كما دُعيت تسعة صناديق وبنوك دولية لحضور فعالياتها، إلى جانب خمسة بلدان وُضعت تحت عنوان "قوى اقليمية" هي تركيا والسعودية والكويت وقطر والامارات.
لكن استعراض جدول أعمال القمم اللاحقة وقراراتها يُبين أن تلك التعهدات لم تحظ بأية متابعة، على الأقل في مستوى اجتماعات القادة. كما أن قضايا العرب بدأت تختفي شيئا فشيئا من جدول الأعمال في مقابل بروز موضوع مكافحة الارهاب، اعتبارا من حادثة اغتيال السفير الأمريكي الأسبق في ليبيا. وإذا ما ضربنا مثلا بالقمة الأخيرة في شلوسإلمو بألمانيا يتضح من البيان الختامي أن جدول الأعمال ركز على أربع مسائل هي الاقتصاد الشامل والأمن وتغير المناخ والتنمية. وهذا لا يعني أن القمة لم تتطرق إلى الأوضاع في سوريا والعراق وليبيا لكن من خلال البوابة الأمنية وليس السياسية، فضلا عن أن الوضع في أوكرانيا هو الذي كان مُهيمنا على بيان القمة.
والمُلاحظ أن زعماء من بلدان جنوب الصحراء دعوا لحضور القمة الأخيرة في ألمانيا، حيث تم البحث في مكافحة الارهاب. لكن لم يُدع أحد للحضور من بلدان الربيع العربي!
وربما أرادت الرئاسة الألمانية للمجموعة تدارك هذا الوضع فدعت إلى مؤتمر محورُه "الحوكمة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية: ما الدور الذي تلعبُه الجهات الفاعلة في المجتمع المدني؟"، يومي 18 و19 ديسمبر الماضي، بمشاركة وفود من الجزائر والمغرب وتونس وليبيا ومصر والأردن واليمن. كما حضر المؤتمر ممثلون من الاتحاد الأوروبي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، بالإضافة لعدة منظمات غير حكومية. وتركزت المناقشات في المؤتمر، الذي احتضنته مؤسسة "كانديد" الألمانية بالاشتراك مع وزارة الخارجية الألمانية، على استعراض مدى التقدم في تكريس الحوكمة والشفافية وتحرير الاقتصادات العربية من القيود ودعم صغار المستثمرين.وكان أحد المطالب الرئيسة التي ترددت على ألسنة أصحاب المشاريع الشبان هو حاجتهم للمساعدة على اكتساب التكنولوجيا المتقدمة، "فنحن لا ينقصنا المهندسون وإنما الوسائل". واعترف ممثل البنك الدولي بأن غالبية المساعدات التي قدمها البنك لبلدان الربيع العربي آلت إلى جهات حكومية، فيما استُخدم القليل منها لإقامة ورشات عمل لإصلاح نظام التقاعد والتأمين الصحي.
مؤشرات التراجع
إجمالا يمكن القول إن الحماس الأول الذي أبدته بعض بلدان مجموعة السبع للربيع العربي سرعان ما فتر، فكثيرٌ من هذه البلدان لم يُسدد الحصة التي التزم بدفعها لـ"صندوق التحول" الذي أنشأته قمة دوفيل في 2011 برأس مال حُدد بـ200 مليون دولار لدعم دول الربيع العربي. ويمكن أن نُعدد أربعة مؤشرات أخرى على الأقل تؤكد، انطلاقا من "بيان دوفيل"، أن المُخاتلة طغت على الرغبة في مُرافقة التجارب الانتقالية العربية. فقد تعهد السبعة بإعادة الأموال والأملاك المسروقة التي هربها الرئيسان المعزولان زين العابدين بن علي وحسني مبارك، إلى تونس ومصر، لكن لم يحدث شيء من ذلك إلى اليوم.
كما تعهدوا بحث بنوك التنمية الدولية على منح بلدان الربيع العربي 20 مليار دولار، بما في ذلك 3.5 مليار يورو لتونس ومصر من البنك الأوروبي للإستثمار EIB خلال الفترة من 2011 إلى 2013، "من أجل دعم الإصلاحات اللازمة"، لكن الاصلاحات لم تتقدم. ورُبما تكون ضآلة ما تحقق من تلك التعهدات الكثيرة في السنوات العجاف الماضية، هي التي حملت ألمانيا على جمع مندوبين من المجتمع المدني العربي مؤخرا في مؤتمر "الحوكمة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية" لسماع مآخذهم وانتقاداتهم، فقد تم تجميع الاقتراحات في اليوم الأخير للمؤتمر وسُلمت لوزير خارجية ألمانيا الذي تتولى بلاده رئاسة مجموعة السبعة. لكن فرص التجاوب مع تلك الاقتراحات تبدو ضئيلة، ليس فقط بسبب انتكاس تجارب الانتقال الديمقراطي في غالبية بلدان الربيع العربي، وإنما أيضا بسبب طغيان هاجس محاربة الارهاب على أجندا السبعة الكبار، وهو ما ظهر بشكل واضح في مُخرجات القمة الأخيرة للمجموعة في ألمانيا.
رشيد خشانة
مدير المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا
- اكتب تعليق
- تعليق