تونسيون في قطر
من المنتظر أن تنعقد في مطلع شهر ديسمبر الجاري بالدوحة الدورة السادسة للجنة العليا المشتركة التونسيّة القطريّة، بإشراف رئيس الحكومة الحبيب الصيد ورئيس الوزراء القطري، وذلك بهدف دفع مسيرة التعاون الثنائي وتوسيع مجالاته. ومواكبة لهذا الحدث تستكشل « ليدرز العربيّة» في التحقيق التالي أوضاع الجالية التونسيّة في قطر وتنقل أهمّ ما ورد في الحديث الذي خصّ به المجلّة سفير تونس في الدوحة.
مطار حمد الدّولي، السّاعة العاشرة والرّبع ليلا، الطّائرة القطريّة القادمةُ من تونس في رحلتها اليومية يصلُ على متنها أعداد من التّونسيين، بعضهم يعود من عطلة قصيرة قضّاها في البلد، والبعض الآخر يأتي لأوّل مرة ترتسم على وجهه علامات الفضول، البعضُ يدرك طريقه بوضوح والبعض الآخر يتطلّع بين الوجوه بحثا عمّن ينتظره، في تلك المسافة القصيرة بين بوّابة الخروج من المنطقة الحدوديّة وباب المطار، تتزاحم مُفردات التّرحيب باللّهجة التونسية الفريدة مع القبلات والحقائب وباقات الورد أحيانا، تعلو الجلبة في المطار قليلا فنحن نتكلّم بصوت عال في الفضاءات العامّة بلا حرج، كلمات هاتفية قصيرة نحو الأهل في تونس: اطمئنّوا لقد وصلنا بسلام، دقائق ثم ينفضّ الحفل التونسي الذي يلتئم تلقائيا كلّ ليلة في نفس المكان يذهب كلّ في سبيله وتذوب المفردات في المطار الذي يتكلّم كلّ اللّغات كما هي الدّوحة.
العائدون إلى قطر يشعرون عادة بنوع من الألفة تربطهم بالمكان، فبعضهم مضى على قدومه إلى هذا البلد الخليجي الصّغير أكثر من ثلاثين عاما وارتبط به وجدانيّا بعد أن شهد نموه التّدريجيّ، بل كان جزءا من هذه النّهضة الاقتصادية المتفرّدة، والوافدون الجُدد سينظرون إلى الأشياء لأوّل وهلة بعين الدّهشة، بمجرّد خروجهم من المطار ومرورهم عبر طريق الكورنيش إلى كلّ الاتّجاهات، سيجدون أنّ الأشياء التي يرونها في الواقع مختلفة كلّيا عن الصّورة الذّهنية المُسبقة، الطرق السّريعة والجسور، الأبراج العملاقة والحدائق الفسيحة، التّعايش الممكن بين الثقافات والأفكار والمعتقدات تحت سقف الاحترام المتبادل والانضباط للقانون. وكلّما أوغل الوافد الجديد في المكان انقشعت عن ذهنه الأفكار المتراكمة عن عرب الخليج والغاز والنفط والثّراء، وبدأت تتكوّن صورة أخرى جديدة واقعيّة، وسيكتشف الوافد الجديد منذ الأيّام الأولى أنّ هذا المجتمع الذي يعيش نموّا اقتصاديا هائلا ورفاها ماديا كبيرا وتنوّعًا ديموغرافيا يتشبّث بقيم المجتمع العربي الإسلاميّ وروحِ البداوة المتأصّلة فيه، وأنّ للتونسي مكانةً مميّزة لدى القطريين ليس من الضروري شرح أسبابها بل من المهمّ عدم التفريط فيها.
صورة مصغرة من العالم
بلغ عدد سكّان دولة قطر في نهاية شهر أكتوبر من العام ألفين وخمسة عشر مليونين وأربعمائة ألف ساكن من جنسيات متعدّدة، وضمن هذا الخليط البشري المتنوع عرقيا وثقافيا يعيش حوالي عشرين ألف تونسي. قبل 2011 كان عدد التّونسيين في حدود سبعة آلاف مهاجر وتضاعف هذا العدد ثلاث مرات في غضون أربع سنوات، لقد جعلت مشاريع البنية التحتية الكبرى، لا سيّما المتعلّقة منها بتنظيم كأس العالم 2022، قطر في حاجة متزايدة إلى العمالة في كلّ التّخصّصات، لكن التّرفيع في عدد التأشيرات الممنوحة إلى التونسيين سنويا يأتي كذلك في سياق دعم خاصّ من القيادة القطريّة، وقد أدّى هذا الارتفاع إلى تغيّر كبير في مستوى التّركيبة الثقافية والاجتماعية للجالية، إذ أصبح من المألوف رؤية التونسيين والتونسيات من حملة الشهادات العليا يعملون في محلات بيع الملابس والعطور في الـمُركّباتِ التّجارية أو المطاعم والمقاهي وحراسة المنشآت، وهي مهن مخصّصة عادة للآسيويين، كما أصبح من المألوف أيضا رؤيةُ شباب تونسي عاطل عن العمل يطرق كلّ الأبواب دون أن يفكر لحظةً في العودة إلى تونس رغم قساوة التّجربة ومرارتها، وبعد أن كان التونسيون في قطر يمثلون النّخبة أصبحوا اليوم صورةً مُصغّرةً من المجتمع التونسي بكل تناقضاته واختلافاته داخل هذا المجتمع الصغير الذي يمثّل العالم. هؤلاء السّفراء تختلف مستويات اندماجهم في المجتمع المحلّي حسب وظائفهم، فمدرّس التعليم الثّانوي يجد نفسه على صلة وثيقة بالمجتمع القطري وكذلك الطّبيب والممرّض في مراكز الرّعاية الصّحية والمستشفيات وهما القطاعان اللذان يستقطبان أكبر نسبة من الكفاءات التونسية وفق إحصاءات وكالة التعاون الفني، بينما تنغلق بعض المهن الأخرى على ذاتها، وأبرز مثال على ذلك قناة الجزيرة التي تضمّ بين جدران تجربتها خلال تسعة عشر عاما علامات تونسية مميّزة. يقول الصّحفي عبد الدايم الصماري الذي غادر تونس منذ سبعة عشر عاما ليعمل مدّة في الإمارات ثم يستقرّ في قطر: « في مجال الإعلام ، كما في غيره، توفّر الحياة هنا فرصة الاقتراب من جنسيّات وثقافات متعدّدة، ومن المثير أنك لو أحصيت عدد الذين تلتقيهم كل يوم، لوجدت أنك تعاملت مع أشخاص قادمين من مختلف أركان الأرض تقريبا. هي تجربة غنيّة بلا شك، غير أن تجربة الحياة في الخليج بشكل عام تظلّ منقوصة في جانبها الاجتماعيّ فباستثناء فضاء العمل، لا توجد عمليّا حياةٌ اجتماعية بحكم ميل جماعيّ للعيش في دائرة البيت المُغلقة، واستثمار الوقت المُتبقّي خارج التزامات العمل للاعتناء بالأسرة، وتعويضها عن نقص الفضاءات التّرفيهية والثّقافية».
نصر الدين اللواتي الذي التحق بقناة الجزيرة ضمن ما يمكن تسميته بالجيل الثاني من الصحفيين الوافدين، ينظر إلى هذه البيئة المهنية بمنظار مختلف إذ يقول: «عندما جئت إلى هنا وجدت فلسطينيْن اثنين لا فلسطين واحدة، في محيط متعدّد الجنسيات تكتشف أن التّعدّد وهميّ، فأنت أمام عشر جنسيّات تنصهر في ذات المنطق، كلّها تصطفّ وراء الشّعار ذاته أو الأيديولوجيا ذاتها ولا يُستثنى من ذلك الاّ القليل»، أما المجتمع المحلي فلا يمثّله لديه الا بعض القطريين العاملين في المحطّة وما يمتازون به من احترام وودّ فهو أيضا لا يغادر البيت الا للعمل، وبين هذين المكانين انطوت عشر سنوات من عمره.
أما فيصل شعبان المعلّق الرياضي بقنوات Bein Sports (الجزيرة الرياضية سابقا) فيرجع ثراء تجربته المهنيّة في قطر إلى أن كلّ الظّروف المميّزة متوفّرة خصوصا فرصة متابعة التظاهرات الدولية الهامة مع وضوح الرؤية والأهداف في مشروع عملاق يتميز بتحديد صلاحيات كل العاملين فيه وتحديد مهامهم بدقة، يقول فيصل: «إن التونسي يبدع عندما يجد الظروف الممتازة والتقدير، وهنا لا بد أن أوجه التحية لمعهد الصحافة وللتلفزة التونسية، فلولا ما تعلمناه هناك في ظروف فيها الكثير من المعاناة والصبر، لما أمكن لأغلبنا اليوم أن يفرض وجوده في تجربته الخارجية».
من تجاربهم
درست جيهان المزليني الأدب الانجليزي في الجامعة التونسية و قدِمتْ إلى قطر سنة 2012 بعد حصولها على عقد عمل في إحدى شركات القطاع الخاص وهي ترى أنها تخوض كفاحا مستمرّا على جميع المستويات اقتصاديّا واجتماعيّا وأخلاقيّا، تقول: «كلفةُ الحياة غاليةٌ جدّا والأجور تتفاوت بشكل كبير بين المواطن والمقيم، والعمل في القطاع الخاص يعرّض الانسان إلى الكثير من الضّغوطات، لقد وجدت نفسي أكثر من مرّة في صراع داخليّ مؤلم و شبه يوميّ، أشعر خلاله أنني أضعت سنوات من عمري بعيدةً عن أهلي و محرومةً من دفء العائلة، هربت من البطالة في بلدي وجئت مثقلةً بالأحلام والآمال لكنّني وجدت ما هو أصعب من البطالة: الأفكار المسبقة عن الفتاة المغتربة مهما كان أصلُها، البعض يعتقد خطأ أن الفتاة المهاجرة تعيش بِحُرّية مطلقة وهمُّها جمع المال بأيّ ثمن، هذه العقليّة تأسر الفتاة المغتربة في حصار نفسيّ رهيب، لكنّ ما ينبغي الإقرار به هو الشّعور الكبير بالأمن و بأنه لا أحد يمكنه إجباري على شيء لا أريده، هنا لا أمشي في الشارع خائفة من أن ينتزع مني أحد هاتفي أو حقيبتي، ولا أموت ذعرا إذا نسيت باب شقتي مفتوحا، قطر دولة لا تحدث فيها جرائم و فيها إحساس رائع بالأمان».
أما جيهان الميلادي التي تعمل صحفيّة في تلفزيون قطر منذ ثلاث سنوات فالأمر لديها مُـختلف كليّا، إذ قدمت إلى الدّوحة مع والديها عندما كانت في لتّاسعة من العمر وتلقّت تعليمها في المدرسة التونسيّة، وإثر حصولها على الباكالوريا التحقت بجامعة قطر لتستقرّ بعد التخرّج في التّلفزيون، هي تُمثّل الجيل الثاني من المقيمين التّونسيين في قطر الذين لم يجدوا صعوبةً تُذكر في الاستقرار المهنيّ والاجتماعيّ لأنهم متعوّدون على نمط الحياة واللّهجات المحلّية والعادات والتّقاليد الشّعبيّة وعادة ما تربطهم بزملاء الدّراسة علاقات وثيقة، هؤلاء عايشوا تحوّل الدّوحة من مدينة بحريّة صغيرة ذات أحياء شعبية وبيوت طينيّة مُسطّحة إلى عاصمة عالميّة تتوفّر بها كلّ المرافق ومستلزمات الحياة العصريّة الرّاقية.
وتبدو في هذا السياق تجربة مكرم دروازي مميّزة فهو، يشغل خطة مدير في أحدِ أكبر المُجمّعات التّجاريّة بالدّوحة رغم أنه لم يتجاوز الثامنة والثلاثين من العمر، جاء إلى قطر منذ خمس سنوات يحمل في حقيبته خبرة خمسة عشر سنة في إدارة الفنادق مع شركات سياحيّة في شمال افريقيا وأوروبا، وتقلّد عدّة وظائف في مجموعة ازدان القابضة، يقول عن تجربته: «طيلة مسيرتي العملية انتقلت بين عدّة بلدان ولم تكن إقامتي في أيّ بلد لتتجاوز السّنتين، لكن في قطر الأمرُ مختلفٌ فهناك عوامل عديدة تشجّع على الاستقرار في مقدمتها عُلويّة القانون، هنا أشخاص من أربع وسبعين جنسية من مختلف دول العالم ينضبطون لقوانين واحدة. ثم إن النمو الاقتصادي الكبير الذي تشهده الدولة يجعل فرص الشغل والاستثمار متوفّرة بكثرة وهي دولة آمنة وهادئةٌ تتوفّر فيها كلّ وسائل الرّفاهة. عمليّا يتمتّع الموظّف هنا براتب جيّد وتسهيلات بنكية وأمان وظيفي إضافة إلى التدريبات والتكوين المستمرّ.
ياسين طياشي، أستاذ لغة انقليزية لم يمض على قدومه إلى الدّوحة إلا شهران، جاء في إطار تعاقد عبر الوكالة التونسية للتّعاون الفنّي للتّدريس في المدارس الابتدائيّة القطريّة، يقول: «لقد فوجئت بأجواء التعليم هنا فالمدرّس مطالَب بأكثرَ من تقديم الدّرس في القسم أو الإعداد المنزلي، إنه جزء لا يتجزّأ من الحياة المدرسية ومدعوّ إلى المساهمة في كل الأنشطة والفعاليات. من ناحية التجهيزات البيداغوجية والإمكانيات المادّية توفّر المدرسة القطريّة مناخا جيّدا للعمل، لكن هناك صعوبة في التعامل مع التلميذ القطري تحتاج كثيرا من الصبر والدربة»، ياسين تحدّث كذلك عن الصّعوبات التي تعترض المدرّس الجديد فهو مطالب في فترة وجيزة بإيجاد مسكن في منطقة تتوسّط المسافة بين المدرسة التونسية ومقرّ عمله وهو أمر صعب نظرا لارتفاع أسعار الإيجار، وغلاء المعيشة هنا من العوامل التي تجعل كثيرا من المنتدبين الجدد يفضلون العودة إلى تونس، ولكن محدثنا متعود على أجواء الخليج إذ قضى خمس سنوات في سلطنة عمان، وقد خيّر هذه المرة أن يتريّث قليلا قبل استقدام عائلته في انتظار تهيئة الظروف المناسبة.
هذه النماذج وغيرها تؤكد الحضور التونسي المشرّف في سوق العمل القطري، مع التأكيد على أن عالم الرياضة هو الذي يمثّل أكبر مجال حيويّ للكوادر التونسية، فمنذ نهاية السبعينات انفتح الباب للأجيال الجديدة من المدربين وفي اختصاصات حققت نجاحات على مرّ الأجيال، وفي قطر تحديدا حضور بارز للكفاءات التونسية المتخصّصة في الطبّ الرّياضي، وكلما حققت الرياضة التونسية النجاح وأحرزت الألقاب ازداد الطلب على الكفاءات التونسية في الرياضة المتألقة. في هذا الصدد تمثل تجربة زهير بالحاج قصة نجاح حقيقية إذ بعد إشرافه على تدريب فريق السدّ القطريّ للكرة الطّائرة طيلة خمس سنوات بعد قدومه من تونس في سنة 2000، التحق بنادي الجيش القطري ليستقرّ به منذ 2006 حتى الآن، ويشغل إلى جانب خطّة مدرّب لفريق الأكابر خطّة مدير فنّي، كما أشرف خلال فترة عمله على تدريب المنتخب الوطني القطري في مناسبتين. زهير بالحاج يقول: «إن النجاح في العمل واحترام الإدارة هما أساس الاستقرار المهني في قطر، فالنتائج الإيجابية التي يحققها هي أهم عامل يجعل الفرق التي يدربها تتمسك ببقائه على رأس إدارتها الفنية". وهو يعتبر أن التكوين العلمي والفني للمدربين الرياضيين التونسيين مقارنة بنظرائهم من الجنسيات الأخرى هو الذي يجعلهم مطلوبين بكثرة في الملاعب القطرية، اجتماعيا يرى زهير أن وجود مدرسة تونسية في الدوحة هو أهم عامل من عوامل الاستقرار الاجتماعي.
من نافذة الثقافة والترجمة
في تقديمه لمحاضرات الحائزين على جائزة نوبل للأدب التي اقتنت دولة قطر من الأكاديميّة السّويدية حقوق نقلها إلى اللّغة العربيّة، قال أحدُ كبار المسؤولين في وزارة الثّقافة القطريّة: «وقد تكفّل بالمَهمَّة أحد شيوخ الترجمة في الوطن العربي، عبد الودود العمراني، ووافق شنّ طبقة، بما أن خبير الترجمة العمراني يحذق الانكليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية ويفهم الإسبانيّة"، تعكس هذه الشهادة العفوية ما يُميّز الكفاءاتِ التّونسية المُهاجرة لا سيّما في تخصّصات دقيقة مثل التّرجمة أو التّدريس الجامعيّ أو الاختصاصات الطبّية، فالانفتاح على أصول معرفيّة متعدّدة يمثّل دعامةً متينة للأداء المهنيّ تجعله يَرقى إلى مصافّ التميّز، يقول الدّكتور عبد الودود العمراني سليلُ الجامعة التّونسيّة: «إن المنظومة التّعليمية التّونسيّة تسمح بالتّميّز مقارنة بمنظومات أخرى، ويعود السّبب إلى متانة المادّة التّعليميّة في المدارس التّونسيّة من ناحية وإلى انفتاح المجتمع التّونسيّ على ثقافات العالم من ناحية أخرى بسبب الموقع الجغرافي والتعامل اليوميّ مع الأجانب في المجال السّياحيّ وانفتاح العقليات، وفي المجال الثّقافي يجد التّونسيّون سهولةً في التّعامل باللّغة العربيّة والإنكليزيّة والفرنسيّة وكذلك الإيطاليّة والألمانيّة عند اللّزوم، ويُقدّر إخوانُنا القطريّون هذه الكفاءة حقّ قدرها».
في وحدة الدّراسات والبُحوث بوزارة الثقافة كذلك تهتم الأستاذة وفاء التومي بمراجعة الكُتب التي تتمّ ترجمتها وفق مخطّط سنوي يُعطي مكانة مميّزة للأعمالِ الفرنسية بما يعكس التوجّه القطري الحثيث نحو المنظومة الفرنكوفونية، وهي تقول: "لقد مرّت عشر سنوات بسرعة كبيرة كأنها غمضة عين، الدّوحة مدينة جميلة يحلو فيها العيش، أتصورّ أنه سيصعب عليّ الاندماج في مدينة أخرى الآن حتى لو كانت في أوروبا، لم أجد من القطريّين الاّ الصّداقة والودّ ، أشعرُ عند تكليفي دون سواي من قبل الوزير بمتابعة زيارات بعض الوفود الأجنبية الرّسميّة أنّه يضع ثقةً كبيرةً فيّ وهذا مبعثُ فخر واعتزاز" لكن وفاء التومي لا تخفي أسفها من محدوديّة الحضور الثّقافيّ التّونسيّ في قطر، فبوصفِها رئيسةَ اللّجنة الثّقافيّة التي تمّ إحداثها في مجلس الجالية تقول:" لم يتجاوز نشاطنا بعض المبادرات التي اعتمدنا فيها على العلاقات الشّخصيّة للتّعريف بالأدب التّونسيّ ولمّ الشّمل على غرار الأمسيات الشّعريّة والاحتفاء بالكتب الجديدة".
مجلس الجالية صوت المجتمع المدني
يعمل محمد عمّار منذ قدومه إلى الدّوحة في حقل الإعلام الاقتصاديّ وتربطه بمجتمع المال والأعمال القطري علاقات وثيقة، وقد تمّ انتخابه في 2013 رئيسا لمجلس الجالية التونسية. هذا المجلس أُحدث في 2011 وينصّ قانونه الأساسي على أنه هيكل منتخب يعمل تحت إشراف السّفارة التونسية في المجال الثّقافي والاقتصاديّ والاجتماعيّ والتّرويج لصورة تونس في المجتمع المحلّي، وانطلاقا من كونه لا يمثل هيكلا رسميّا وإنما يقوم على العمل التّطوعي التّلقائي لفائدة المجموعة فإنّه يعمل بوسائله الخاصّة على إيجاد حلول لكثير من القضايا التي تَهمّ الجالية، يقول محمد عمار: «لقد ارتفع حجم الجالية التّونسيّة بعد الثّورة، ربّما بشكل مُتسرّع وغير مدروس، صحيح أن ذلك كان نتيجة إيفاء القيادة القطرية بتعهّداتها إزاء الحكومة التونسيّة من حيث الترفيع في نسبة التأشيرات المسندة إلى التونسيين، لكن لم تتمّ الاستفادة جيّدا من هذا الأمر»، يضرب مثلا لذلك ببعض الحالات التي تخلّى فيها تونسيون عن وظائفهم وعادوا إلى أرض الوطن دون الإيفاء بالتزاماتهم كاملة مع البنوك القطرية التي استلفوا منها قروضا، وهو ما أساء كثيرا لصورة التونسيين. وأمثلة أخرى لتونسيين يعملون في المحلاّت التجارية برواتب ضعيفة لا تناسب الاّ الآسيويين نظرا لانخفاض كلفة الحياة في بلدانهم مقارنة بتونس، ويقول: "في مثل هذه الحالات ونظرا للغلاء الكبير الذي يميّز الحياة هنا، أصبحنا نتابع بعض القضايا يتورّط فيها مع الأسف تونسيون مقيمون هنا، أضف إلى ذلك قضيّة العاطلين عن العمل الذين يصلون إلى الدّوحة بعد حصولهم بواسطة مكاتب خاصة على تأشيرات بناء على عقود عمل وهميّة، ويشدّد هنا على أنّ هؤلاء الشّبّان يدفعون الكثير من المال مقابل وثيقة تسمح لهم بالوصول إلى الدّوحة على أمل العُثور هنا على شغل حقيقي، وهو ما لا يتحقّق بسهولة ويضطرّون إلى العيش بلا مأوى في ظروف قاسية في انتظار العثور على عمل، إن هذه الحالات الاجتماعية وغيرها تستحوذ على النصيب الأوفر من اهتمامات مجلس الجالية، وقد تمّ خلال سنتين من عمر دورة المجلس الثانية صرفُ ما يعادل 220 ألف دينار مقابل كراء محلاّت سكنية وتخليص غرامات وشراء تذاكر سفر واقتناء الأضاحي وتقديم مساعدات دراسية لأبناء العائلات متواضعة الإمكانيات بينما لم يتجاوز ما أنفقه المجلس في دورته الأولى كاملة 30 ألف دينار».
يتحدّث محمد عمّار أيضا عن طموحات المجلس مُركزا على أهمية تفعيل التنسيق مع المدرسة التونسية في الدّوحة، فيقول : «المدرسة تُمثّل أكبر تجمّع للتّونسيّين في قطر ونأملُ أن تظلّ دائما فوق كلّ التّجاذبات»، ويختم محمد عمار حديثه إلينا بقوله: «صحيح أننا نهتمّ أكثر بالمشاكل والصعوبات لكن لا بدّ من الافتخار باختيار الجالية التونسية كأفضل جالية تحترم القوانين القطرية كما أن متابعة جاليتنا لكأس العالم لكرة اليد قطر2015 توجت باختيارها ثالث أفضل جمهور رياضي.
عامر بوعزة
إقرء المزيد
المدرسة التونسية في الدوحة
- اكتب تعليق
- تعليق