أخبار - 2015.11.30

هل تعود الحياة إلى قاعات السينما في تونس؟

هل تعود الحياة إلى قاعات السينما في تونس؟

نهاية الأسبوع المنقضي حملت معها خبرا سارّا لأهل الثقافة والفنّ ولاسيّما المولعين بالسينما، إذ أعيد فتح  قاعة "سينما فوغ" بالكرم بعد عشرين سنة من غلقها والتي ترجع ملكيتها إلى عائلة لومباردو الإيطاليّة منذ سنة 1948. تسوّغ  المخرج والمؤلّف المسرحي المنصف ذويب هذه القاعة وقام بترميمها ليجعل منها فضاءا ثقافيّا يتكوّن من قاعة سينما تتسّع لأربعمائة متفرّج ورواق عرض للفنون التشكيليّة ومقهى ثقافي. ومن الأنشطة المبرمجة في هذا الفضاء التي بلغت تكاليف تهيئته 400  ألف دينار ورشات موزّعة  على كامل الأسبوع  في مجالات الموسيقى والرقص والمسرح والفنون التشكيليّة . ولا شكّ أنّ المردود المالي لهذا الاستثمار الخاصّ لم يغب عن المنصف ذويب الذي اختار أن يقيم ه فضاءا    متعدّد الاختصاصات، إذ أنّ الاقتصار على قاعة سينما عمليّة لا تخلو من مجازفة، في بلد ما فتئت تُغلق فيه  قاعات العرض الواحدة تلو الأخرى. 

وحسب الإحصائيات فإنّ عدد قاعات السينما في كامل أنحاء تونس لا يتعدّى حاليا إثنتي عشرة  قاعة، عشر قاعات  في العاصمة وإثنتين في سوسة وصفاقس، أي قاعة واحدة لمليون ساكن تقريبا، في حين كان عددها قرابة مائة وخمسين قاعة في السبعينيات من القرن الماضي، منها أربعين قاعة في تونس الكبرى.وبداية من الثمانينيات أخذ عدد القاعات يتناقص بسب الديون التي كان يتخبّط فيها مستثمروها نتيجة شحّ العائدات، علاوة على التنامي المطّرد لحجم المادّة السينمائيّة المعروضة عبر القنوات التلفزيّة وشبكة الانترنت وشتّى الوسائل الاتصاليّة الأخرى، وانتشار ظاهرة القرصنة التي تتعرّض لها أعمال سينمائيّة لم يمض وقت طويل عن توزيعها عبر المسالك التجاريّة.
 كيف يمكن للصناعة السينمائيّة التونسيّة أن تنمو وتزدهر وأن يجد المنتجون مجالا لتوزيع أفلامهم بهذا العدد الضئيل من القاعات؟ وهل بمثل هذا العدد يتسنّى وضع حدّ لانحسار الممارسات الثقافيّة في تونس لاسيّما في صفوف الشباب الذي يعاني معظمه الفراغ؟

والمفارقة القائمة اليوم أنّ تونس التي اكتسبت صيتا عالميّا من خلال أيّام قرطاج السينمائيّة ومهرجان سينما الهواة في قليبية وبفضل تطوّر إنتاجها من الأفلام لا يعطي مسؤولوها الانطباع أنّهم جادّون في معالجة هذاالنزيف الذي أصاب شبكة قاعات العروض منذ أمد طويل.

وغنيّ عن البيان أنّ عودة الروح إلى عدد من القاعات ستساعد على إعادة تجربة نوادي السينما التي يذكر من عاشها أنّها ساهمت بقسط وافر في تهذيب الذائقة الفنيّة لدى الناشئة والشباب وتنمية حسّهم النقدي، بالإضافة إلى تكوين أجيال من المولعين بالفنّ السابع، منهم من اختار الاحتراف في هذا المجال.

ذكر المنصف ذويب يوم افتتاح فضائه الثقافي بالكرم أنّه لم يتلق دعما من الدولة وأنّ هذا الإنجاز الذي يستحقّ من أجله كلّ الشكر والتقدير إنّما هو ثمرة مجهود خاصّ. ولعلّه حان الوقت لكي تراجع الحكومة سياستها  في ميدان الصناعات الثقافيّة بإقرار الحوافز والتشجيعات اللازمة لفائدة الخواص لحملهم على الاستثمار في قطاع الثقافة التي تشكّل وسيلة من وسائل مقاومة الفكر المتطرّف وحصنا منيعا ضدّ الإرهاب.
مدن وقرى بدون دور مفتوحة للسينما والمسرح و الموسيقى ولأنشطة ثقافيّة أخرى هي في الحقيقة مرتع ممكن للظلاميين وتربة خصبة لثقافة الموت.

عبدالحفيظ الهرقام
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.