الحركة الوطنية التونسية والمسألة العمّالية النّقابية (1894 - 1956)
ثلاثية جادّة و متمعّنة في تاريخ تونس المعاصر
صدر عن مركز النشر الجامعي (تونس٬ 2015) في طبعة ثانية مٙزيدة و مُنقّحة الجزآن الأوّل (1894 - 1925) و الثاني (1925 – 1943) من ثلاثية الأستاذ المؤرّخ (الجامعة التونسية) محمد لطفي الشايبي حول أسس العلاقة بين الحركة الوطنية التونسية و المسألة العمالية النقابية (1894 – 1956) و التي اختتمها بإنجاز حلقتها الأخيرة (1944 – 1956) الصّادرة على نفقة المؤلف في جزأين.
وهي ثمرة بذل وعناء في التحقيق و التوثيق و التّدقيق لصفحة من تاريخ تونس المعاصر، «تونس الضّعيفة و الفقيرة حسّا و معْنى»٬ «تونس المٙحْمية الفرنسية»٬ «تونس تحت نيّر الاسْتعمار»، استوْجبت ولادتها عِقْدين من المراجعة و التنقيب في دور الأرشيف التونسية و الفرنسية والجزائرية و الليبية ووظّفت مصادر متنوّعة حديثة (أرشيفية و صحفية و مطبوعة و مذكّرات الفاعلين السياسيين و شهاداتهم المسجّلة و المنشورة) مكّنت المؤلّف من رصد خلْفيات الأحداث و استحضار ما ظهر منها و ما بطن و مساءلة الإطار التاريخي الذي حفّ بها، مُدقّقا مفاهيم الاستعمار والقومية و القومية الملّية (الدينية) و الوطنية والجامعة الإسلامية وعارضا على مدى 1815 صفحة استنتاجاته في خصوص تعريف الاستعْمار الفرنسي الذي جثم على بلدان المغرب العربي- والتي قدّمتها الأدبيات الاستعمارية مجالا من دون سكّان- بكونه استعمارا ماصونيا علاوة على السياسة التي انتهجها إزاء الأهالي و المتمثّلة في المراوحة بين الإخضاع (sujétion) والإدماج (assimilation) والمشاركة (association) والسيادة المزدوجة ( co-souveraineté).
فقد كانت الجمهورية الثالثة (1870 – 1940) والرابعة (1947 – 1958) ذاتٙيْ السند الماصوني تروّجان لمقولة الرسالة الحضارية /التمدينية الفرنسية و التي سبق لنابليون بونابرت أن شرع في إنجازها أثناء حملته بمصر (1799 – 1805) و تسعيان عن طريق المحافل الماصونية التي انتشرت في جل المدن المغاربية إثر بداية عملية احتلال الجزائر سنة 1830 في بث مبادئها الستّ و التي كان لها ارتباط وثيق بالحراكين السياسي و الاجتماعي وهي: فصل الدين عن الدولة (مبدأ اللائكية لدى الماصونية الفرنسية و مبدأ العلمانية لدى الماصونيةالانقلوسكسونية)؛ علوية النظام الجمهوري؛ الفكر الحرّ؛ تحرير المرأة؛ نبذ الروح القومية (nationalisme)ذات الدفع الديني وتعويضها بالوطنية(patriotisme)؛ إيجابية الاستعمار والعمل على ديْمُومته.
ولم يتيسّر للمؤلف تبيان أسس العلاقة بين الحركة الوطنية التونسية و المسألة العمالية النقابية - التي تطوّرت من النقابية الفوضوية (anarcho-syndicalisme) إلى النقابية الاشتركية / الماصونية ثم النقابية القومية فالشيوعية و المسيحية - طوال الفترة المدروسة إلا بعد فكّ لغز الحضور الماصوني الفرنسي الذي طال الإيالة منذ بداية القرن التاسع عشر و تدعّم في العقد الأوّل من القرن العشرين و أصبح إحدى القوى المؤثرة في الحياة السياسية والنقابية.
وتبيّن للمؤلف أن الحضور الماصوني في الحركتين السياسية و النقابية كان له تأثير لا فقط على النخبة التونسية بصفة عامة بل أيضا على الحركة الوطنية بصفة خاصة. و عمل على توضيح هذه العلاقة و تحليل مكوّناتها من خلال المبادئ الماصونية المُروّجة عن طريق الصحافة والإدارة و التعليم من جهة و في المسلكين النقابي والجمعيـــاتي من جهة أخرى.
كما بيّن في المقدمــة أنه ارتآى رسم كلمة «ماصونية» بتفضيل حرف «الصاد» عن «السين» اعتمــادا على كيفية نطقها في اللغــة العربية إذ لم تـرد في لغتهــا الأجنبية أي الفرنسية أو الانقليزية بتخفيض النطق الشبيه لحرف «السين» العربي ولكن بالترفيــــع القريب مــن حــرف «الصــاد». لذا يكـــون نطق كلمة maçonnerie بالفرنسية أو masonry بالانقليزية أقرب لـ «الماصونية» منه «الماسونية».
ويعسرعلى المتمعّن في هذه الثلاثية / الرباعية - بحكم صدور الجزء الثالث منها في مجلّدين- و المصادر التي اعتمدتها، أن لا يغمره شعور بوجوب مراجعة وتعديل تاريخ الحركة الوطنية التونسية وتعديله كما هو يُدْرس ويُدٙرّس حاليا للنشء المدرسي والطالبي و يعرّف به لعموم الشعب التونسي.
محمد لطفي الشايبي
- اكتب تعليق
- تعليق