مسيــــرة الإصـــرار والتحـــدّي
كانت ميّا الجريبي ترغب في دراسة الطبّ، لكنّها وجدت نفسها في صفاقس لتدرس البيولوجيا، وسرعان ما انتخبت عضوا بالمجلس العلمي للكليّة، فشكّل ذلك انطلاقة نضالات متواصلة في مسارات متعدّدة. كان من المنتظر أن تبقى ميّا بصفاقس سنة واحدة في انتظار التحاقها بإحدى كلّيات الطبّ بفرنسا، لكنّ مغامرة منعشة جعلتها تعدل عن الرحيل. في هذه المدينة اكتشفت الرابطة التونسيّة لحقوق الانسان التي انضمت إلى عضوية فرعها الجهوي وجرّبت النضال من أجل قضايا عادلة كالقضية الفلسطينية. وإلى جانب رفاقها اكتشفت أيضا معنى الالتزام ونكهة النقاشات طوال أربع سنوات كانت زاخرة بالنشاط، ممّا رسّخ لديها قيمة العمل الجماعي والتمشي المشترك.
في صفاقس تعرّفت على عصام الشّابي الذي كان آنذاك طالبا بكليّة العلوم بتونس يخوض نضالا مماثلا لنضالها.
وبعد أن أنهت دراستها بصفاقس عادت إلى العاصمة في الوقت الذي كانت تعيش فيه حالة من الغليان السياسي، حيث كانت النقاشات جارية بشأن تأسيس التجمّع الاشتراكي التقدّمي، الذي سيكون سليله الحزب الديمقراطي التقدمي . انضمّت ميّا الجريبي إلى هذا الحراك السياسي وكان عليها في الآن نفسه البحث عن مورد رزق. سعت إلى أن تعثر على عمل بسيط لتكتشف، من أسفل السلّم، عالم الشغل وظروفه.
ذهبت تبحث عن شغل كعون خدمات في مؤسّسة، فإذا بها تلتقي بمحض الصدفة المرحوم حسيب بن عمّار الذي فتح أمامها أبواب جريدة «الرأي» التي كان يدير هيئة تحريرها. تعلّمت منه الصبر والتسامح والاعتدال واحترام الآخر.
كما عاشت في مجال الصحافة تجربة منعشة، لمّا ساهمت في إصدار جريدة «الموقف» الناطقة باسم الحزب الديمقراطي التقدّمي، فلم يكن لها ولزملائها من الموارد الماليّة والتجربة المهنيّة ما يجعلهم قادرين على كسب الرهان، باستثناء رشيد خشانة الذي يتميّز بالخبرة والكفاءة في هذا الميدان. غمرت سعادة فائقة ميّا وزملاءها لمّا انتشروا في شوارع العاصمة يبيعون بصوت عال العدد الأوّل من الصحيفة.
انخرطت في العمل الجمعياتي وأرادت أن تكون متطوّعة على الميدان تحت لواء المنظمّة الأمميّة للطفولة ( اليونيسف )، وإذا بها تنتدب للعمل بها كموظّفة. وخلال السنوات الأربع التي قضّتها في المنظّمة، اكتسبت خبرة في مجالي تصوّر المشاريع والبرامج. وإثر ذلك التحقت للعمل بمعهد «لعموري» المتخصّص في الدراسات حول التسويق،الذي صهر شخصيتها وعمّق رؤاها وحــــرّر طاقاتها.
وبالتوازي مع العمل، كثّفت ميّا الجريبي نشاطها في إطارالحزب الديمقراطي التقدّمي وجرّبت مختلف أشكال النضال من المعارضة الحازمة إلى إضراب الجوع. وكان التحدّي يتمثّل في تحويل الحزب من حزب ايديولوجي إلى حزب حامل لبرامج. ولمّا اندلعت ثورة 14 جانفي 2011 وجد مناضلو الحزب أنفسهم متهيّئين لهذه النقلة التاريخيّة. ففي صبيحة ذلك اليوم التاريخي، تيقّنت ميّا الجريبي من سقوط الديكتاتورية لمّا نزل الناس في العاصمة وفي شتّى المدن الأخرى إلى الشوارع للمطالبة بالكرامة والحريّة ... وحينها أدركت أنّ الشعب كسّر القيود التي كانت تكبّله.
وكان على ميّا الجريبي الأمينة العامّة للحزب الديمقراطي التقدّمي أن تعدّ إلى جانب رئيس الحزب أحمد نجيب الشّابي المشاركة في انتخابات المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر 2011، وإثرها انتخبت عضوا بالمجلس. تحدّت الاتفاق الحاصل في إطار الترويكا بشأن رئاسة المجلس، وترشحت لهذا المنصب، لا باسم حزبها وانّما باسم المعارضة، معتبرة أنّه «لا مكان في تونس الثورة للترشّح الواحد». وتواصل ميّا الجريبي بعزيمة وإصرار النضال السياسي، أمينة عامّة للحزب الجمهوري الذي انبثق عن الحزب الديمقراطي التقدّمي، ديدنها في ذلك الإسهام في تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها الثورة.
- اكتب تعليق
- تعليق