هل نحن في حاجة إلى ثورة أخلاقية؟
اليوم وبعد مضي خمس سنوات على قيام ثورة الحرية والكرامة التي هزت أركان البلاد وكانت لها تبعات في بلدان أخرى في العالم العربي هل يوحي المشهد اليومي بالسير نحو تغيير جذري في شتى مناحي حياة المواطن التونسي ؟
إن ما رافق قيام الثورة من تحاليل و ما أتاحته حرية التعبير من توصيف للأوضاع ولد قناعة بأن الثورة عادة ما تقترن بالفوضى في بداية الأمر على أن تستقر الأمور لاحقا وهو ما يفسر ظهور فاعلين جدد في ساحات السياسة والاقتصاد وغيرها من الميادين ذات الصلة بحياة المواطن ومستقبله.
وبالفعل أفاقت تونس على مشهد جديد غير مألوف انصرف فيه كل فرد إلى اتباع نمط عيش على مقاس رغباته وميوله. وبرزت في عالم السياسة تيارات ومتناقضات هي إلى المطامع الشخصية أقرب منها إلى منطق تغليب المصلحة العليا للبلاد. كما برزت في عالم الاقتصاد ظواهر لافتة لعل من أهمها تنامي حجم التجارة الموازية والتهريب ونزعة الاستثراء السريع على حساب الغير في حين برزت في المجتمع ظواهر أضحت مشاهد يومية في حياة المواطن .
وأول هذه الظواهر حالة الفوضى التي أصبحت عليها حركة السير في المدن والأرياف. لقد انتشرت الفوضى في كل مكان وتحلل الجميع من الالتزام بقواعد السير. فهذا يقود سيارته في الاتجاه المعاكس وذاك يبحث عن مسلك فوق الرصيف وآخر يتحدى الجميع بتجاوزهم عنوة وإثارة أعصابهم حتى أضحت ظاهرة التشنج عارمة وانحدرت الأخلاق إلى الحضيض.
ولا شك أن من الظواهر الأخرى التي تفاقمت بعد الثورة ما يتعرض له المواطن من أعمال غش وتحيل عندما يقصد أماكن التسوق. لقد التهبت الأسعار وتلك مسألة لها أسبابها ومسبباتها ولكن هل لظاهرة عدم إشهار الأسعار على البضاعة هدف آخر غير استغفال المستهلك؟ وإذ يتعلل الباعة بأسباب واهية فإن هذه الظاهرة المنتشرة لا تفسير لها غير طغيان قانون الغاب في الأسواق والمحلات التجارية وبطبيعة الحال فإن هذا المشهد مثل سابقه لا يخلو من التشنج الذي بات مألوفا في كل آن وحين.
وعلاوة على ذلك أصبح المواطن يكابد ويعاني الأمرين عندما يحتاج إلى قضاء شأن في الإدارة والمؤسسات العمومية فقد غاب الرفق في هذه المرافق وتحول الموظفون العاملون بها إلى جبابرة شداد غلاظ في تعاملهم مع أصحاب الحاجات بسبب انهيار سلم القيم وتجريد الآمر من سلطة الأمر.
ولعل القاسم المشترك للظواهر الثلاثة في الواقع المعيش للمواطن التونسي وهو يسعى إلى ممارسة حياته اليومية هوالتشنج الذي أصبح السمة الغالبة للمشهد العام فمن هو المتسبب في هذا الواقع المشين ؟
يتأكد أن الفرد هو المتسبب في ما آلت إليه أوضاعنا بعد الثورة. فاستفحال ظاهرة الأنانية وحب الذات على حساب الغير هي أصل الداء وهو دليل آخر على غياب قيمة المواطنة واقتسام أعباء الحياة بين الجميع في ظل الشعور بالمسؤولية الجماعية.
إن ثورة الحرية والكرامة تحتاج بدون شك إلى ثورة أخلاقية مرافقة لها تلك الثورة التي تغلب قيم احترام الغير والوقوف في حدود الحرية التي لا تتجاوز مكارم الأخلاق.
عادل شبشوب
- اكتب تعليق
- تعليق