الانتخابات المغربية تعيد الروح لحركات الإسلام السياسي

الانتخابات المغربية تعيد الروح لحركات الإسلام السياسي

"أعادت نتائج الانتخابات المحلية الأخيرة في المغرب، التي تقدم فيها الحزب الإسلامي «العدالة والتنمية» من جديد، الروح إلى حركات الإسلام السياسي، التي تراجعت شعبيتها وفقدت الكثير من رصيدها «الرمزي» وكذلك تموقعها السياسي في الداخل والخارج، وذلك بعد أن تصدرت المشهد السياسي، الذي أتت به ثورات «الربيع العربي».

أبرز الدروس المستخلصة، بعد فوز حزب «المصباح» (شعار العدالة والتنمية)، أنه أعاد الجدل القديم/ الجديد، حول مستقبل إدماج التيار الإسلامي المعتدل في الحياة السياسية، لا في المغرب فقط بل في المنطقة المغاربية خاصة، وفي العالم العربي، في سياق إقليمي ودولي متحرك، متسم بصعود تيار «الإسلام الجهادي» الذي شوه جماعات «الإسلام السياسي المعتدل»، وأضر كثيرا بصورتهم. وفي مستوى الممارسة، أثار أيضا التساؤل حول الكيفية التي سيتعامل بها إخوان بن كيران، مع إدارة المؤسسات المحلية/البلدية، التي تقوم على الاتصال المباشر مع المواطنين، الذين ستخضعهم لاختبار جديد –وهم الذين حققوا والى حد الآن أداء مقبولا نسبيا في إدارة حكم البلاد-، امتحان يتمثل في مدى قدرتهم على «خدمة» الناس لا «وعظهم» و «إرشادهم».
فهل يكسبون الرهان؟
في علاقة بتفاعلات المشهد السياسي التونسي، رمت نتائج الانتخابات المغربية بثقلها على الحياة السياسية في تونس، حتى وان تحاشى الفاعلون الرئيسيون في المشهد الإشارة إلى ذلك في العلن، وهو ما يضمرونه في السر. هذا المشهد المتقلب والذي ما زال هشا خاصة في البعدين الاقتصادي والاجتماعي، أما في الجانب السياسي فانه مشهد بدأت تخيم عليه الاستعدادات للاستحقاق الانتخابي المحلي –الانتخابات البلدية –، في هذا الإطار من الطبيعي الربط بين فوز «العدالة والتنمية» وطموحات حركة «النهضة» في إعادة السيناريو ذاته في تونس، في البلديات المزمع إجراؤها نهاية 2016 .
انتصار حزب «العدالة والتنمية»، بشهادة كل المتابعين للشأن المغاربي والعربي، خاصة في علاقة بمستقبل «موقع الإسلاميين» في المشهد السياسي والمجتمعي الحالي، مثّل مفاجئة غير متوقعة وذلك بالنظر لوجود بيئة محلية ودولية تنبأ بانكماش هذا التيار وحتى تقوقعه، خاصة بعد سقوط «أسطورة» ظلت حاضرة بقوة خلال كامل مرحلة ما قبل الثورات العربية، مفادها أن الإسلاميين لا ينهزمون في انتخابات حرة ونزيهة، وهو ما حصل بعد فترة «تمدد» قصيرة، حيث خسرت الأحزاب الإسلامية الانتخابات في تونس وليبيا وبدرجة أقل في تركيا.
 
 
غير أنه من الضروري الانتباه إلى أن تراجع الإسلاميين في الانتخابات، لا يعني أبدا معاقبتهم بقدر ما عبر عن استياء من أدائهم في الحكم، من ذلك أنهم جاؤوا في المركز الثاني في تونس، ما جعل إمكانية الحكم بدونهم شبه مستحيلة، في نظام برلماني مثلما أقره الدستور التونسي الجديد. إضافة إلى كون نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، في تونس، أكدت على تواصل شعبية «إخوان الغنوشي»، خصوصا وأنها أتت بعد تجربة حكم فاشلة، أجبرتهم على التنحي عن السلطة.
ما يجعل من تواصل تجذر شعبية أو جماهيرية الأحزاب الإسلامية مرشحا للاستمرار خصوصا في دول مثل المغرب وتونس، التي اختارت قيادات هذه الأحزاب فيها التعامل ببراغماتية مع التغيرات المحلية والإقليمية، على خلاف المنهج «الاخواني التقليدي» في مصر الذي اختار المواجهة مع المجتمع والدولة، من هنا نلاحظ في الادبيات السياسية والصحفية، حديث عن بروز خصوصية «اسلاموية» مغاربية، تسير باتجاه القطيعة التنظيمية والفكرية مع التراث الاخواني المشرقي، الذي مثل منذ ثلاثينات القرن الماضي «مركزا» لتيار الإسلام السياسي العربي.
كشفت سياسات «النهضة» في تونس و «العدالة والتنمية» في المغرب، عن مرونة سياسية وقدرة على التفاعل مع الخصوصيات المجتمعية والثقافية المحلية، ما جعلهم يصمدون على الرغم من فشل الإسلاميين، الذي كان مدوّيا بعد سقوط «التنظيم الأم» في مصر، الذي تلقى ضربات موجعة جعلت الباحثين يقدرون بنهاية مرحلة «الأخونة»، التي لا تعني أبدا نهاية تيار الإسلام السياسي. وهو ما أكدته نتائج الانتخابات المحلية المغربية، فعلى الرغم من انقلاب الربيع العربي إلى خريف سلطوي، فإن الإسلاميين المعتدلين في المغرب نجحوا في الحفاظ على شعبيتهم في الشارع، وعلى التعايش مع الدولة العميقة، بفضل التدرج في الإصلاحات، وعدم الانزلاق إلى الحروب الدينية والأيديولوجية، والتركيز على الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية، وفصل العمل الدعوي الديني عن العمل السياسي الحزبي.
وان كانت نتائج «العدالة والتنمية » قد أعادت الروح لتيار الاسلام السياسي الذي تلقى ضربات موجعة في السنتين الاخيرتين، فان «البعد الاحتفائي» لم يكن هو المسيطر مثلما كان في السابق. بقدر ما حضر التقييم المتأني الذي يؤكد على أهمية، بل ضرورة الاندماج في المسار الوطني، الذي يفترض التعايش بين مكوناته عبر حماية ورعاية التجربة الديمقراطية، وهو خطاب جديد على الاسلاميين. وهو ما أكد عليه بيان حركة «النهضة»، بعد اعلان نتائج الانتخابات المحلية في المغرب، بيان أمضاه رئيس الحركة «الشيخ راشد الغنوشي، وجاء تحت عنوان لافت: «المغرب الأقصى يعزز ديمقراطيته ». تم استهلاله بالتأكيد على أهمية السياق الديمقراطي الذي تمت فيه الانتخابات، لا على هوية الحزب الفائز –ولو كان حزب «المصباح» الاسلامي-فأكد البيان في فقرته الأولى على التالي: «نحن في حركة النهضة نعتبر أن الأساسي في هذه المرحلة من تاريخ شعوبنا وأمّتنا هو تعزيز انتقالها الدّيموقراطي وترسيخ الممارسة الدّيموقراطية بما هي حرية تعبير وتنظّم والالتزام بدورية الانتخابات الحرّة والنّزيهة
أكثر من البحث في من فاز بهذه الانتخابات أو تلك». ثم ليخلص البيان النهضوي للاشارة الى شرح أسباب فوز «العدالة والتنمية»، عبر التأكيد على «التحولات» التي عرفها هذا الحزب، وأن انتصاره جاء كنتيجة طبيعية لتفوقه في ادارة البلاد التي يحكمها منذ 2011 ، ضمن تحالف حكومي واسع يشمل أحزاب يسارية ومحافظة وليبرالية. فقد جاء في بيان «النهضة» أنه «ما فتئ حزب العدالة والتنمية من خلال مسيرته السياسية بقيادة الأستاذ عبد االإله بن كيران، رئيس الوزراء، يقدّم نموذجا لتطوّر الحركات الاسلامية في اتجاه الانفتاح على مجتمعاتها ودولها وتعزيز البعد الوطني والاقتراب من هموم مواطنيها بمختلف مشاربهم الفكرية وتحقيق مستويات تنموية عالية ما جعل تجربة الحكم تمثّل اضافة لرصيده الشعبي بدل تهرئته».
 
منذر بالضيافي
 
هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.