أخبار - 2017.09.24

خديجة معلّى: المســـاواة حـــقّ كَـــونِي وليس مِنَّةٌ مــــــن أحــــد!

خديجة معلّى: المســـاواة حـــقّ كَـــونِي وليس مِنَّةٌ مــــــن أحــــد!

هل لا زلنا نحتاج أن نُذكِّر أن حقوق الإنسان، عِلاَوة على أنها كونية، فهي لا تتجزأ. وبالتالي حق المساواة بين الرجل والمرأة هو حق كوني لا يمكن فصله عن كل الحقوق الأخرى المدنية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

أن نتساءل عن أَحقِّية المرأة في المساواة في الميراث أو حقها أن تتزوج مِن مَن تختاره هو تناقض فاضح وانفصام في الشخصية لبعض المواطنيين الذين لم يفهموا معنى المواطنة بعد، إذ لا يمكن للحقوق أن تمارس في ظل دكتاتورية البعض ولو كانت بحُجة تطبيق الدين.

المواطنة تقتضي الفصل بين ما هو خاص و ما هو عام. والدين ينتمي الى مجال حياتنا الخاصة في حين أن السياسة بنظامها وكل مؤسساتها و قوانينها تنتمي الى المجال العام ولا يمكن أن نضمن المواطنة إلاَّ في ظل مجتمــع يحترم حقوق وحريّـــات الجميــــع ويفصل فصلا تاما وصريحا بين المجـال العام والمجــال الخاص.

من الجدير التذكيرأن محاولة إدخال مجال الدين الخاص في مجال السياسة العام بدأت منذ أواخر السبعينيات والجيل الذي أنتمي اليه عَايَشَ هاته التجربة وكان شاهدا على هذا التغلغل السرطاني في كل مجالات الحياة والتغيير المجتمعي الذي انجر عنه بما في ذلك استيراد ثقافات دخيلة،هجينة، لا تمت بصلة للثقافة التونسية والتحضر والتمدن والرقي الذي وصلت اليه آنذاك.

فعلا، فلقد ارتآى فَصِيل سياسي السطو على الدين واستغلاله كأصل تجاري يبيع و يشتري فيه الذمم والضمائر، ضاربا عرض الحائط بثقافة شعب منفتح على العالم، محب للعلم والعمل ومتشبع بهوية بحر متوسطية احتضنت العديد من الثقافات التي أغنت مخيالها وارتقت بها إلى مستوى يفوق العديد من ثقافات دول أخرى اختارت الانغلاق على نفسها والانطواء في كهف ماضٍ مظلمٍ كئيب وحزين.

تغلغل هذا الفصيل الذي ما كفّ عن تغيير اسمه وهويته وأشكاله وألوانه، شجع على ظهور الانتهازية السياسية والزيف والنفاق في التديّن والإفراط في إظهار مظاهر خارجية من علامات تديّن ليس فيها أيّ روحانيات وبعيدة كل البعد عن الدين الحقيقي الذي تربى عليه جيلنا وجيل آبائنا وأجدادنا وكُنَّا نتمنى أن نُورِّثَه لأحفادنا. وأصبح التخوين والتكفير والترهيب خبزنا اليومي في مجتمع لم يعد يُشعر كهولَه بمسؤولية أن يكونوا قدوة لشبابه. والتداعيات واضحة وجَلِيَّة ومخزية الى أبعد حد: فلقد أصبح جلُّ شبابنا نافرًا من الحياة وأصبح يُجلُّ ثقافة الموت بشتى الطرق: سواء انتحارا، أوغرقا في زوارق الموت أو بالمخدرات أو بالانضمام إلى عصابات الإرهابيين المرتزقة.

مشروع الإسلام السياسي خَدع بعض شبابنا وعبث بأحلامهم و مستقبلهم وأذاق أهاليهم طعم المهانة والذل والحزن الذي لا يوصف. وعِوَضَ أن يوفِّر لهم الشغل والكرامة والعدالة الاجتماعية مثلما طالبوا بذلك بأعلى حناجرهم في شتى الميادين، فقد سفَّرعددا كبيرا منهم لدول شقيقة كي يمتهنوا فنَّ القتل والإجرام و جهاد الفحش ضد شعوب شقيقة وصديقة.

واليوم يطلع علينا نفس هذا الفصيل بفكرة وجوب تطبيق نصوصٍ لا يفقهونها أصلا وأحقية حرمان المرأة من المساواة أوحقّها في اختيار شريك حياتها. بل وأدهى من ذلك بدأت بعض أبواق دعايته للتهديد بتعدد الزوجات وإرساء الأحباس بعد 60 سنة من الاستقلال.

فَليَعلَم هؤلاء أن من حقّ التونسيات العيش في هذا الوطن كمواطنات كاملات الأهلية القانونية والتمتع بالكرامة والمشي في الشوارع مرفوعات الرأس دون الخوف من العنف مهما كان مصدره أوتِعِلَّتَهُ. ناهيك وأن المرأة تحملت مسؤولياتها كاملة في كل المجالات وبرهنت على تفوقها وأدائها لكل واجباتها المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية دون كلل أو ملل.

تونس كانت رائدة منذ البداية في رفضها الصريح للفكر الوهابي و رفضها لإقفال باب الاجتهاد منذ القرن الثالث عشر وتكفير إبن تيمية لإبن رشد. وتونس كانت رائدة حين طالبت مناضلاتها البواسل الزعيم بورقيبة، فجر الاستقلال، أن يضمن لهن كل الحقوق الإنسانية الكونية. وإن حقّ المرأة في المساواة الكاملة وحرية اختيار حياتها و مستقبلها هو آخر حلقة في مسلسل المطالبة بالحقوق وقد حصلت عليه بعد تحرك جماهيري أظهرت فيه حراير تونس عزيمتهنّ وقوّتهنّ على فرض الخيار الأنسب كلما لَزِمَ الأمر ذلك ومستعدّات لمواصلة الالتزام به.

حراير تونس لا يطالبن بأكثر حقوق من الرجل لكنهن لن يقبلن بأقل حقوق، لأن الدين لله والوطن للجميع والمواطنون والمواطنات متساوون أمام القانون ودون ذلك تفقد المواطنة كلّ مقوّماتها والوطنية كل معانيها و يُصبح الوطن غُربَة!.

خديجة معلّى

دكتورة في القانون الدولي

اقرأ المزيد:

في المساواة في الميراث بين الجنسين وزواج المسلمة بغير المسلم : البيان الثالث

احميده النيفر: الإرث وأسئلة الزمن المُتَوَقِّف

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.