أخبار - 2017.01.20

المنطقـة المغــاربيّـة والحـروب على «داعـــــش»: تــداعيــات وتنــبّـــؤات

المنطقـة المغــاربيّـة والحـروب على «داعـــــش»: تــداعيــات وتنــبّـــؤات

يتطرّق هذا المقال الوجيز إلى تداعيات الحروب على الموصل وحلب وسرت وتنبّؤات تقرير التّنمية الإنسانيّة العربيّة، وليست الغاية منه التفزيع أو بثّ روح التشاؤم في النفوس، وإنّما إثارة الانتباه إلى جملة من المؤشّرات التي يُخشى أن تكون علامات متضافرة على اقتراب بلداننا المغاربية من منطقة اضطرابات خطيرة.

ويأتي على رأس هذه الـمؤشرات الحروب المتزامنة الثـلاث التي شُنَّت أو يتواصل شنّها على مــا يسمّى بـ«الدولة الإسلامية في العراق والشام» في كلّ من الموصل العراقية وحلب السورية وسرت الليبية... فهذا التزامن لم يأت من باب الصدفة، وإنّما أتى، نتيجة قرار دولي وإقليمي هدفه الظاهر محاربة «الدولة الإسلامية»، أمّا هدفه الخفي فإنّ قادم الأيام كفيل بالكشف عنـــه، بيـد أنّه بات من الواضـــح منـذ الآن، ومن خـلال «ما حفّ» ويحفّ بالحروب الثلاث مـــن مســـاومـات وعمليات بيع وشراء أنّ المقصود ليــس القضاء على هذا التنظيم الإرهابي قضــاء مبرما، وإنّما قد يكون دفع مقاتليه إلى النزوح إلى وجهات معيّنة لتفعل فيها ما فعلت حيث هي الآن.

إنّ هذا ما يمكن استخلاصه من قول كاتب الدولة الأمريكي جون كيري مخاطبا الرّوس بخصوص إدارة الحرب على حلب: «مناطق نفوذ لنا وأخرى لكم وما بينهما نلعب بشرف!».

وانطلاقا من أنّ واشنطن تعتبر أنّ موسكو لم تحترم «التفاهمات» التي تمّت بينهما ولم «تلعب بشرف» في معركــة حلب فإنّهـــا، على ما يبدو، ستعمل على ألاّ يكون الانتصار السوري الروسي في حلب انتصارا كاملا وقادرا على أن يجلب الاستقرار للنظام السوري، وللحضور الروسي والإيراني في سوريا.

ولا يستبعــد الملاحظون أن تقــوم واشنطن وحليفاتها التي برهنت خلال السنوات الأخيرة على قدرتها على تسخير الجماعات الإرهابية لخدمة أغراضها أن تواصل السيــر في نفس النهج مستقبلا... وما الحرص على فتح معابر لتمكين عناصر «الدولة الإسلامية» والتنظيمات الإرهابية المماثلة من الخروج من الموصل ومن حلب إلا دليل على أنّ لهذه العناصر مهمّات قادمة ينبغي أن تضطلع بها مستقبــلا.

وما يُخشى هو أن تمتدّ هذه المهمّات إلى مناطق أخرى ومنها منطقتنا المغاربية، وليس اللغط الدائر في تونس وفي غيرها من بلدان المغرب العربي الآن حول مسألة «عودة الإرهابيين» إلا تعبيرا عن هذه الخشية.

إنّ هــذه العـــودة المخشيّة تحمل في طيّاتها مخاطر جمّة لعلّ أبسطها ما أثاره من جدل عقيم حـول نــزع الجنسية عن «الإرهابيين العائدين»، وكأنّ نزع الجنسية سيمنعهم من اجتيـاز الحدود خلسة أو علانية بتواطؤ من الخارج أو الداخل على حدّ سواء.

ولذلك فإنّ المطلوب هو إعداد العدّة للتعامل اليقظ مع كل الاحتمالات من خلال تعاون متعدّد الأبعاد: دبلوماسي وأمني واستخباراتي وقضائي وغيره مع مختلف دول العالم وخاصّة مع الدول التي استطاع تنظيم «الدولة الإسلامية» والتنظيمات الشبيهة، اختراقها، وذلك حتّى يتمّ تتّبع حركة هؤلاء الإرهابيين وملاحقتهم وإنزال العقاب المستحقّ بهم.

ولعلّه ممّا يدعو إلى مضاعفة اليقظة أن إثارة مسألة «الإرهابيين العائدين» تزامنت مع صدور تقرير التنمية الإنسانية العربية الذي «بشّرنا» في جملة ما «بشّرنا» به بأنّ موجة جديدة من ثورات «الربيع العربي» بدأت تلوح في أفق بلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط التي بات الوضع في بعضها أسوا ممّا كان عليه قبل موجة ثورات سنة 2011. وفي معرض تبرير «بُشْرَاهُ» يؤكّد التقرير أنّ الشباب العربي المحبط من الانتخابات ومن مظاهر التمييز والإقصاء، أصبح يفضّل الاحتجاج والتظاهر وقد يتوجّه نحو استخدام المزيد من الوسائل الأعنف، خصوصًا بعدما تبيّن له أنّ الآليات القائمة على المشاركة والمساءلة عديمة الفائدة.

ويضيف التقرير أنّ الأنظمة العربية لم تستفد من دروس «الربيــــع العـــربي» الأول، فهــي لا تزال تتعامل بقسوة مع المعارضات السياسية والشعبية، وهي لا تزال أيضا تنفق الأموال الطائلة على الأمن والدفاع على حساب التنمية والتشغيل وهي لا تزال عاجزة عن معالجة الفســــاد المستشــري وحلّ مشاكل التّعليم والصحة، والحدّ من تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وهــذا مـــا يؤجّج لدى الشباب مشاعر السّخــط التي تتحوّل، بأبسط قادح، إلى حالة غضب عارم.

وإذا لاحظنا أنّ هذا التقرير الصادم يلتقي مع التقرير المماثل الذي أصدره «معهد انتربرايز الأمريكي American Enterprise Institute» والذي يضع بلادنا على لائحة البلدان المرشّحـة لمواجهة اضطراب سياسي مستقبلا، وإذا وضعنا في اعتبــــارنا الوضع  المعقّــد في ليبيا وما يجري هذه الأيام في الجزائر، وما جرى في المغرب خلال شهـــر أكتـــوبر المــــاضي على إثر حـادثة طحن بائع السمك في مـــدينة الحسيمة، فإنّ الواجب يدعـــونا إلى أن نـأخذ هذه «النذر» مأخذ الجدّ وأن نحذّر كل الحذر ممّا قد تخبئه لنــا الأيام القـــادمة من انـزلاقات محتملة، لا سيّما وأننا لم نستطــع حتى الآن وبعــد مـــرور سنـــوات ست على «الثورة» أن نزاوج نجــاحنا في الحـفاظ على استقــرار بلادنا وفي تــأمين انتقال سلطتهـا السلمي بنجـاح ممـاثل على صعيد تحســـين ظروف عيش مواطنينا الاقتصـــادية والاجتماعية.

محمد ابراهيم الحصايري

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.