صالح الحامدي: حول مستجدات الوضع الجيوسياسي في سوريا ما بعد حلب

مستجدات الوضع الجيوسياسي في سوريا ما بعد حلب

في إطار العمل على تنفيذ خططهاالجيوستراتيجية حول "تقسيم المقسم" بمنطقة الشرق الأوسط راهنت القوى الغربية الأطلسية والصهيونية على إسقاط الأنظمة العربية "المتهاوية" أو "المهترئة" من خلال الانتفاضات العربية التي اندلعت في نهاية2010 وبدايات 2011 انطلاقا من تونس وامتدادا إلى مصر وليبيا وسوريا واليمن والعراق (التي كانت في حالة حرب "استباقية")وقد قامت أساسا على اعتبارات اقتصادية واجتماعية وسياسية محلية دفعت بالشعوب المعنية للانتفاض ضد أنظمتها الحاكمة, وسرعان ما ركبت القوى الدولية الغربية على الأحداث ودعمتها سياسيا وماديا ومع نعتها ( نفاقا ) "بالربيع العربي"انطلقت في العمل على تطويعها طبقا لمصالحها الجيوستراتيجية في المنطقة, الأمر الذي جعلها تتمدد في الزمن في إطار حروب حقيقية داخلية ومدولة كما يجري إلى حد اليوم في سوريا والعراق وليبيا واليمن بينما استطاعت تونس ومصر بمقاربات ذاتية مختلفة الإفلات من مأزق الحرب الداخلية.

وجاءت التدخلات الأجنبية لتزيد من تعميق مظاهر الفوضى إلى حد تأجيج الصراعات والحروب الداخلية على خلفية تنامي ظاهرة الخلافات الإيديولوجية والعرقية بما أجج ظاهرة التطرف والتشدد تحت غطاء الدين الإسلامي (وهو من ذلك براء) ببروز الجماعات "الجهادية" والتنظيمات الإرهابية كفاعل قوي في الأحداث على مرأى ومسمع من القوى الدولية وحتى بعض القوى الإقليمية وبدعم منها, وبذلك تلاشت أحلام الشعوب المنتفضة في التأسيس للديمقراطية وللعدالة الاجتماعية ولم تفض "الثورات" إلى التغيير المنشود في البنى الاقتصادية والاجتماعيةوالسياسية (إذا استثنينا الحالة التونسية والحالة المصرية إلى حد ما)وباحتدام الصراع بين ثلاثي القطب "الثوري" والأنظمة القديمة والتيار الإسلامي الأصولي تراجع القطب الثوري إلى خلفية المشهد السياسي ليتحول "الربيع العربي" إلى صدام بين قطبي الأنظمة القديمة والتنظيمات الإسلامية الأصولية, وهذا ما تم في الحالة المصرية قبل أن يؤول الأمر إلى قطب يحسب على المنظومة القديمة بينما تحول الصراع في تونس إلى "تعايش" بين قطب وسطي حداثي والقطب الإسلامي (النهضة) الذي أصبح يعرف نفسه "بالإسلام الديمقراطي" في حين لا يزال الصدام جاريا بآفاق جديدة تعد "بالتهدئة" في الحالة السورية بعد "تحرير" مدينة حلب من مقاتلي التنظيمات الإرهابية (داعش وجبهة النصرةومن قوات المعارضة.

"تحرير" حلب والتقارب الروسي التركي الإيراني

"توج" التدخل الروسي في الحرب السورية بطلب من النظام السوري على مدى أكثر من سنة "بتحرير" حلب من مقاتلي داعش وجبهة النصرة ومن قوات المعارضة السورية وحدث ذلك بعد ست سنوات من الحرب الدامية والمدمرة على خلفية انتفاضة شعبية سلمية ونتيجة لتدخلات أجنبية وصراعات دولية على حساب الشعب السوري, وإذ شكلت"استعادة" حلب محطة هامة في مسار الحرب و"انتصارا" للنظام وحلفائه وخاصة روسيا وإيران فقد مثلت بالمقابل ضربة قاسية للمعارضة وللأطراف الداعمة لها في الغرب وفي منطقة الخليج وتركيا, وبينما ظهرت روسيا بمظهر المستفيد الأكبر من الوضع الجديد ظهرت تركيا بمظهر الخاسر مع إجلاء المعارضة من المدينة ولكن حادثة اغتيال السفير الروسي في أنقرة على خطورتها على مسار العلاقات الهشة بين البلدين منذ إسقاط الطائرة الروسية تحولت إلى أكثر من ورقة (رابحة) بيد الأطراف (ورقة قوة ضاغطة بيد روسيا وورقة واقعية إلى حد الضعف بيد تركيا), واستغلت الدبلوماسية الروسية الفرصة لتحول "المأساة" إلى ورقة قوة في لعبتها على الساحة الجيوسياسية بالمنطقة وسرعان ما نصبت نفسها على رأس الثلاثيالروسي التركي الإيراني المعني بتطورات الوضع (كل بحسب أجندته) فحصل التقارب بين المصالح في غياب الأطراف السورية التي تعتبر نفسها ممثلة أو محمية بالأطراف الحاضرة, وهكذا مسكت روسيا بزمام المبادرة وتبوأت"مسارا جديدا للسلام" في سوريا داعية إلى مفاوضات "تمهيدية" مفتوحة للأطراف السورية بما فيها المعارضة وحتى إلى أطراف إقليمية ( الأردن والسعودية وقطر ومصر ) في عاصمة كازاخستان في ظل"ائتلافظرفي" قائم على أساس التقاء مصالح البلدان المعنية التي تجتمع مبدئيا على "وجوب محاربة الإرهاب"مع ما يشبه" سوء تفاهم مسكوت عنه "حول تعريف الجهات الإرهابية (التنظيمات الإرهابية الإسلامية أي داعشوجبهة النصرة بالنسبة لروسيا, وداعشوالأكراد بالنسبة لتركيا).

أجندات الأطراف الثلاثة

روسيا تريد تثمين تفردها بالساحة للفوز بالمسار الجديد في غياب القوى الغربية وفي انتظار تولي الرئيس الأميركي الجديد السلطة قبل في 20 جانفي وعلى مدى أوسع تأمين تمركزها في سوريا على ضفاف "المياه الدافئة" وتحصين مكسبها الاستراتيجي في جيوسياسية المنطقة كقوة قارة وفاعلة على الساحة الدولية, إلى جانب ذلك تسعى روسياللحصول على "تنازلات" تركية وإيرانية في علاقة بالأقلية الإسلامية (التركمانية السنية والشيعية) في جزيرة القرم بما يمكنها من وضع مريح في "أزمتها" مع أكرانيا وحلفائها حول الجزيرة, فضلا عنالتفاهمات الاقتصادية وخاصة تفعيل مشروع خط أنبوب الغاز الروسي في اتجاه أوروبا عبر البحر الأسود بتمويل مشترك بين البلدين,وبإعلانها عن نيتها في تخفيض ترسانتها العسكرية بسوريا على إثر "تحرير حلب" قد تريد روسيا إشعار النظام السوري بأنها جادة في السعي إلى بلورة حل سياسي للأزمة السورية, وربما شعرت بالتوجس من عواقب انغماسها  في "المستنقع السوري" بما يذكرها بالسيناريو الأفغاني زمن الاتحاد السفياتي خاصة وأن استمرار تواجدها في سوريا ما بعد الحرب قد لا يضمنه النظام الحالي بقدر ما هو مرتهن بإرادة الشعب السوري أو النظام الذي سيختاره مستقبلا لحكم البلاد.

تركيا زيادة عن حنينها لذاكرة الدولة العثمانية وطموحاتها (الافتراضية) باتجاه مناطق الشمال السوري والعراقي تعتبر أن التفاهمات الجديدة قد تمكنها من مواصلة الالتفاف على طموحات الأكراد في إقامة "منطقة حكم ذاتي" شمالي سوريا بقيادة ما يسمى "بقوات سوريا الديمقراطية" (الأكراد) وبمساندة الولايات المتحدة, وفي سبيل ذلك ستطالب بإنشاء منطقة حظر جوي بشمال سوريا لحماية المدن التركية الجنوبيةخاصة وقد أمر قائد داعش في آخر خطاب له منذ ما يزيد عن شهرين مقاتليه بتوجيه عملياتهم "الجهادية" ضد تركيا التي تسعى من جهة أخرى للخروج من "عزلتها الدولية" بعد تداعيات المحاولة الانقلابية الفاشلة وتفاقم العمليات الإرهابية داخلها, وسيعمل النظام التركي على "تذليل" العلاقات مع النظام السوري إلى جانب التطبيع مع إسرائيل والعمل على "تدوير"العلاقات مع مصر, كل ذلك في إطار "البراغماتية" التي أصبحت تحكم علاقاتها بالمنطقة وخاصة مع روسيا في ظل "الجفاء" الذي أصبح يسود التواصل مع الغرب بما في ذلك مع "الناتو" ومستقبل العضوية في الاتحاد الأوروبي.

إيران وهي الأقرب للنظام السوري تلعب على الورقة الشيعية وعلى تمسكها بحلمها (الافتراضي) في فتح ممر لها في اتجاه البحر المتوسط عبر العراق وسوريا ولبنان بدعم من حليفها الاستراتيجي حزب الله الذي تعتبره "قوة إقليمية" بالمنطقة, وربما تندرج التصريحات الإيرانية الأخيرة بشأن مواصلة بقائها في سوريا بصرف النظر عن مسار السلام الجديد في هذا السياق وقد يذهب الحد بإيران إلى "التضحية" بوحدة سورياوالمطالبة "بتقسيم جغرافي" شيعي علوي على جزء من التراب السوري لتجسيد حلمها طالما أن ذلك لا يثير حفيظة النظام السوري, ولكن مثل هذا المطمح قد يلاقي صدا قويا من أكثر من طرف محلي وإقليمي بالمنطقة وربما من أطراف دولية.

الإرادة الروسية في سرعة الحسم

يبقى التساؤل مطروحا حول مدى جدية ونجاعة مثل هكذا تفاهمات في ظل اختلاف الأجندات, فهل ستتم معالجة الأزمة السورية المعقدة في ظل التقارب المفاجئ الروسي التركي الإيراني وفي غياب توافقات أوسع تضم كافة الأطراف السوريةوالإقليمية فضلا عن الأطراف الدولية المتدخلة في الأزمة ؟ يبدو أن عنصر السرعة في تواتر الأحداث هو سيد الموقف حتى يتم تأمين الفوز بالمسار الجديد على هشاشته وضمان أوراق مفيدة في المفاوضات المقبلة, ففي الوقت الذي استأنفت فيه الطائرات الروسية قصفها لمواقع داعشية جنوب مدينة الباب التي تشهد منذ أيام معارك بين الجيش التركي ومقاتلي التنظيم وبضغط من الطرفين الراعيين الأساسيين تم يوم 29 ديسمبر الإعلان في موسكو وأنقرة عن توقيع اتفاق (بالوكالة) "لوقف شامل" لإطلاق النار في سوريا باركته كل الأطراف السورية والإقليمية والدولية, على أن لا يشمل الاتفاق التنظيمات التي "تعتبرها الأمم المتحدة إرهابية" (في محاولة للالتفاف على سوء التفاهم حول تعريف الجماعات الارهابية), مع الإشارة إلى أنه في نفس اليوم الذي أعلنت فيه الخارجية الأميركية (بمرارة) عن مباركتها للاتفاق يصدر القرار بطرد عدد من الدبلوماسيين الروسيين من واشنطن على خلفية ما لوحت به إدارة الرئيس أوباما في وقت سابق من "انتقام" لما اعتبرته "اختراقا" روسيا لمسار الانتخابات الرئاسية الأميركية, وكأن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته يريد أن يعكر "صفوة الفوز" الروسي ويترك نقطة "سوداء" للرئيس الجديد في مسار العلاقات المعقدة من أساسها بين البلدين, ولكن الرئيس الروسي أبدى حكمة كبيرة في إدارة الأزمة بتخليه عن "تقليد المعاملة بالمثل" في رسالة حسن نوايا للرئيس الأميركي الجديد ومضى في تأمين مساره "السلمي" في سوريا من خلال عرضه مشروع قرار لدعم وقف إطلاق النار على مجلس الأمن سرعان ما تم إقراره بالإجماع كخطوة إيجابية ربما تحمل أكثر من رسالة رمزية في آخر يوم من أيام السنة المنقضية المليئة بالأحداث الدامية.

هشاشة المسار أمام واقع الأحداث

أمام تعدد الخروقات لوقف إطلاق النار من طرف قوات النظام و"الميليشيات" الشيعية الموالية لإيرانخاصة في المناطق القريبة من دمشقفإن التحدي الأكبر أمام روسيا يتمثل في ضمان التزام كل الأطراف على الساحة السورية بالقرار الأمميوفي تثبيت وقف إطلاق النار على مدى الشهر الجاري في انتظار انطلاق مفاوضات أستانة بمرجعية مسار جنيف كما أكد على ذلك قرار مجلس الأمن, ومع تواصل تلك الخروقاتيطرح التساؤل حول مدى التزام النظام السوري بالمبادرة الروسية (التركية) خاصة وقد بدا متمسكا بتحالفه (الاستراتيجي) مع إيران وحزب الله في تعامله مع وقف إطلاق النار,وبدون تدخل لدى النظامولدى إيران قد تصبح روسيا عرضة للتشكيك في قدرتها على التأثير في مواقف حلفائها وشركائها بينما تتأكد الشكوك حول حقيقة موقف الرئيس السوري وحليفه الإيراني من آفاق الحل السياسي للأزمة السورية في إطار الاتفاق الروسي التركي , وربما يأتي شروع روسيا في تنفيذ قرارها بتخفيض ترسانتها العسكرية أو بالأحرى تجديد بعض القطع الحربية بآليات أكثر تطورا ونجاعة على الميدان كإشارة إلى استمرار دعمها للنظام وتمركزها الاستراتيجي بالمنطقة مع عدم استعدادها لمواصلة القتال من أجل أطراف أخرى (إيران والميليشيات التابعة لها) تبدي عدم التزامها بالمسار السياسي.

وفي انتظار ما ستأتي به الأحداث في قادم الأيام يبقى الرهان الحقيقي متمثلا في مدى جدية المسار الجديد في تحقيق السلام الشامل والاستقرار الكامل في سوريا وهو ما يستدعي وقتا غير قصير بحكم تعقيدات الأوضاع وتداخلها وتشابك المصالح واختلاف الأجندات التي قامت على خلفيتها الصراعات على مدى ست سنوات, فضلا عن تحديات معالجة الأوضاع الناجمة عن الحرب وما تسببت فيه من قتل للمدنيين وتشريدوتهجير للمواطنين ومن تدمير للبنى التحتية وللعمران, غير أن الوقت يبدو مبكرا للخوض في مثل هكذا إشكالات معقدة تتطلب معالجتها وقتا طويلا وفي انتظار ذلك تعطى الأولوية للتقييمات الآنية لتأمين الحاضر من أي انتكاس قد يكون خطيرا على مشروع السلام المنشود,وإذ تبدو إيران مترددة في الالتزامبالمسار الجديد في علاقة بطموحاتها الجيوسياسية بالمنطقة وتبدو وضعية تركيا هشة في علاقة بالمسألة الكرديةأساسا فضلا عن المواجهة المباشرة مع التنظيمات الإرهابية, وفي صورة التزام النظام بالفرصة الجديدة المتاحة له للانخراط في تفاهمات سياسية قد تمكنه من الخروج من المأزق الذي آلت إليه الأوضاع بعد ست سنوات من الحرب والدمار, فستكون روسيا بلغة الربح والخسارة في السياسة الدولية هي الرابح الأكبر في فرض وجودها كقوة دولية فاعلة في جيوسياسية المنطقة وكذلك في الطروحات الجديدة لإعادة تشكيلالعلاقات الدولية على أساس الثنائية وربما التعددية القطبية إذا ما توفقت إلى تأمين تمرير مشروعها حتى النهاية بالحصول على التوافقات اللازمة على المستويين الإقليمي والدولي.

فيما عدا ذلك يبقى السؤال مطروحا حول مصير مقاتلي التنظيمات الإرهابية (داعش وجبهة النصرة أساسا) الفارين من حلب, فهل هم في مواجهة مع الجيش التركي بمدينة الباب أو مدينة منبج  أم هل هم محاصرين في إدلب التي قد تتحول إلى حلب جديدة أو هل هم في الرقة مع زملائهم المطرودين من الموصل؟ وهل سيتم اتخاذ ترتيبات خاصةلمحاكمتهم أمام منظومة قضائية دولية أو سيتم تهجيرهم إلى بلدانهم وبأي آلية؟ أم هل ستؤمن لهم "ممرات خاصة للفرار إلى وجهات غير معلومة"لتتواصل الفوضى العارمة من خلال "إعادة انتشار" التهديدات الإرهابية على نطاق أوسع؟ وما عسى أن يكون تصرف تركيا (العدوة) مع فرضية قيام تفاهم بين داعش وحزب العمال الكردستاني في المناطق الكردية شمالي سوريا والعراق؟ أسئلة تبدوا مسكوتا عنها لحد الآن ما عدا في البلدان المنتسبين لها والتي تتوجس خيفة من عودتهم وتتكثف فيها التجاذبات حول عودتهم من عدمها في ظل صمت مريب للمجتمع الدولي.

آفاق جيوسياسية غير مستقرة

مستجدات متحركة تبقى مرتبطة بالتطورات المتسارعة للأحداث في المنطقة وبمدى التزام كل الأطراف السورية بالمسار الجديد ومدى التزام الجهات الراعية له بمواقفها و حرصها وقدرتها على التحكم في تصرفات الأطراف التي تمثلها تأمينا للمصداقية في انتظار موعد المفاوضات وفي علاقة بمواقف القوى الغربية بعد تسلم الرئيس ترامب لمقاليد الحكم في الولايات المتحدة وما قد يؤول إليه الأمر من تفاهمات جديدة روسية أميركية بالأساس خاصة في ما يتعلق بالحل السياسي في سوريا وبمقاومة الجماعات الإرهابية في إطار التوافق المبدئي على "ضرورة" التصدي لظاهرة ما يسمى "براديكالية الإرهاب الإسلامي".

وفي ظل كل هذه المتغيرات  وفي انتظار ما ستؤول إليه الأوضاع في العراق وفي الموصل بالذات التي تعقدت فيها الأوضاع وعسر فيها الحسم وبعد المحادثات "الإيجابية" الأخيرة بين العراق وتركيايبدو أن المنطقة ستكون في قادم الشهور والسنين القليلة المقبلة مرشحة لصراعات بين القوى الإقليمية "الجديدة", فزيادة عن إسرائيل التي ما زالت تحلم بمشروع "الدولة الكبرى من البحر إلى البحر" قد تحتد المنافسة بين تركيا (الحالمة بذكريات الدولة العثمانية) وإيران التي يراودها (حلم الصفوية الشيعية), وفي هذا الخضم من الطموحات والأطماع الإقليمية قد تبقى سوريا مهددة بالتقسيم على غرار العراق بين شمال سني ومسيحي تحت التأثير التركي وغرب شيعي علوي مطل على البحر تستأثر به إيرانوللتوقي من هذا التفكك المحتمل قد يكون الحل المرضي في توافق الفرقاء السوريين حول تفاهمات سياسية شاملة تكون الغلبة فيها للشعب السوري وتؤمن وحدة البلاد ترابيا وسياسيا, غير أن مثل هكذا فرضيات تبقى رهينة إرادة الشعب السوري إذا ما توفرت له الظروف الملائمة لممارسة حقه السيادي في تقرير مصيره بنفسه بعيدا عن الوصايات أو التدخلات الأجنبية إقليمية كانت أو دولية.

وفي الختام لا مناص من التنويه إلى أن تونس ليست في مأمن من تأثيرات المستجدات الجيوسياسية الجارية في سوريا والعراق وفي ليبيا بالطبع, الأمر الذي يحتم دعم التفاهمات والتوافقات السياسية بين كافة الأطراف على المستوى الوطني في علاقة بمسألة عودة الإرهابيين من بؤر التوتر بعدما أصبح من المؤكد (تقريبا) الإطاحة بالتنظيمات الإرهابية, ومع افتراض أن الجهات المعنية على بينة كاملة بالأمر بمختلف أبعاده الأمنية والدبلوماسية والقانونية واللوجستية لا بد من التأكيد على اليقظة الأمنية التامة في كنف التضامن القومي والوحدة الوطنية حتى نوفر كل أسباب النجاح في التعاطي مع القضية بما يكفل الأمن والأمان لوطننا الحبيب,إلى جانب اعتماد الحركية الدبلوماسية الضرورية للمساهمة في حلحلة الأزمة الليبية في ارتباط مع المستجدات المشابهة وما سيكون لها من انعكاسات سلبية على أمننا القومي وعلى المنطقة المغاربية والمنطقة الساحلية الصحراوية بعدإعادة انتشار مقاتلي التنظيمات الإرهابية الفارين من مدينة سرت بالساحل الصحراوي , تحديات متجددة تستدعي مجابهتها المزيد من دعم التنسيق والتعاون مع بلدان الجوار وخاصة الجزائر والمغرب في انتظار إحياء العمل المغاربي المشترك للتعاطي المنسق مع التطورات الجيوسياسية الإقليمية.

صالح الحامدي

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.