حرب استرجاع الموصل ودحر الدواعش خارجها في تحرير كامل للعراق، هل بدأت من عمّان؟ دعنا نقول إن عيّنة مهمّة من الاستعدادات النوعيّة تتمّ هنا من خلال تدريب ما لا يقلّ عن 350 عنصرا عسكريا وأمنيا عراقيا في هذا المركز، منذ أفريل الماضي ولغاية شهر أكتوبر الجاري، ضمن برنامج عملياتي أقرّته النّاتو وذلك وفق مشروع لتعزيز القدرات الدفاعية والأمنية أُبرم سنة 2015 مع حكومة حيدر العبّادي.
قد يبدو لأوّل وهلة أنّ عدد المنتفعين قليل قياسا بحجم المتطلّبات على أرض الميدان، ولكن الحاجة الأساسية للقوات العراقية تكمن في الكفاءة القتالية العالية والتمكّن من أعلى القدرات في مواجهة الإرهاب والتصدي للعبوات الناسفة ومخاطر الانفجارات واكتساب مهارات الاقتحام وكذلك أيضا إحكام قواعد الإسعاف الصحي وإجلاء الجرحى خلال الدقائق الأولى الذهبية، فضلا عن التخطيط المسبق والتنسيق بين المدنيين والعسكريين والأمنيين، وهي كلّها مرتكزات نوعيّة أساسية.
ولئن كان الجيش العراقي يتميّز بتجربة عسكرية ثريّة ومحترمة من خلال الحروب التي خاضها منذ الثمانينات بالخصوص، ويتوفّر على قيادات متوسطة وعليا مشهود لها بالخبرة والكفاءة، وكذلك هو الشأن بالنسبة إلى الشرطة، فإن الأجيال الشابّة في أمسّ الحاجة إلى صقل مؤهلاتها على أسس تقنية متينة تؤصل المهارات الفردية وترسّخ دعائم التعامل ضمن النواة الأساسية، وسائر المجموعات الأخرى لأنّ المواجهة المباشرة مع العدو لا تترك الوقت للتفكير والتخطيط وتستدعي التحرّك الحيني، بكل يقظة وحرفيّة، وهو ما يحرص برنامج الناتو على توفيره من خلال هذا التدريب المكثّف.
اقتحام طائرة مختطفة وتحرير الرهائن
تواصل جولتك داخل هذا المركز، فيستوقفك صوت إطلاق نار مكثّف حذو بناية من طابقين وإذا بك تشهد مباشرة عملية اقتحام يندفع خلالها أحد المقاتلين لتهشيم الباب فيما يتولى الثاني إلقاء قنبلة قبل أن يسارع الجميع إلى الدخول في عتمة هذا المكان الذي يتحصّن داخله الإرهابيون مختفين في عديد الزوايا المظلمة وتبدأ مواجهة رهيبة تنتهي بانتصار المقاتلين. ومع نهاية العملية التي سبقها إعداد محكم، تبدأ حلقة تقييم ومراجعة من خلال معاينة ما تمّ تصويره بالفيديو من شتّى الزوايا حتى يستفيد الجميع من الدروس الواجب استخلاصها.
مرافقك في الزيارة يأخذك إلى مربض الطائرة العملاقة ويدعوك إلى الصعود إليها فتفاجأ بوجود ركاب عديدين داخلها في شكل دمى ذكية سرعان ما تتحرك من خلال تطبيقات إعلامية تُدار بالكمبيوتر، فيما تنطلق من مضخمات الصوت، مؤثرات تضاهي ما يحصل عند تحويل وجهة الطائرة واحتجاز الرهائن، وقد تكون محظوظا عند زيارتك بمواكبة محاكاة حقيقية لاقتحام الطائرة وتحرير المختطفين والقضاء على الإرهابيين فتذهل حقّا من دقة التنظيم وكفاءة القوات الخاصّة.
«نعرف ما ينتظركم، كان الله في عونكم»
كان الموقف مؤثّرا رهيبا، آخر خميس من شهر سبتمبر الماضي، ونحن نشهد في قاعة المسرح الفخمة بالمركز حفل تخرّج دفعة جديدة من القوات العسكرية والأمنية العراقية. كانوا يومها 28 ضابط صف أنهوا للتوّ ستة أسابيع من التدريب استهلّوها في منتصف شهر أوت الماضي. شعور مزدوج بالفخر وروح المسؤولية تقرؤه على وجوه هؤلاء الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و30 سنة، وعزيمة راسخة تحدوهم على الانخراط فورا، بمجرد عودتهم إلى العراق، في القضاء على الإرهابيين ودحر الدواعش.
تزايدت مشاعر التأثّر مع أداء النشيدين الوطنيين الأردني والعراقي، بينما كان الجميع وقوفا يؤدّون التحية العسكرية، ثم كانت لكلمة العقيد الركن أحمد الكعيبر من أعلى المنصة المزدانة بعلمي البلدين وقعها الخاص في النفوس: «أنتم لستم جيرانا فحسب وإنما أيضا وبالخصوص أخوة لنا، نعتزّ بكم ونتضامن معكم، انتصاركم هو انتصار لنا جميعا» قبل أن يقول لهم بتأثر: «نعرف جميعا وتعرفون أيضا ما ينتظركم فكان الله في عونكم، ينصركم ويحميكم».
مراسم تسليم شهادات التخرج كانت محكمة التنظيم فبمجّرد أن يعلن ناصر عربيات عن الاسم، حتّى يقف المتخرّج مجيبا بصوت جهوري وبتحية عسكرية مضبّطة: «حاضر سيدي» كما يتقدم بخطوة عسكرية يدكّ بها الأرض نحو مدير عام المركز لتسلّم شهادته ويؤدي له التحية قبل أن يعود إلى مكانه تعلو محياه مشاعر الفخر والاعتزاز. وبالرّغم من الطابع الرسمي للاحتفال وصرامته العسكرية، لم يخف العميد خمّاس، نائب الملحق العسكري العراقي بالأردن ابتسامة رضا واستحسان وهو يرى هذه الدفعة التي تُعتبر من أفضل الدفعات، تحصل على نتائج ممتازة.
لقراءة المزيد: