جامعة الدول العربية وفترتها الذهبية في تونس: كتاب جديد للأستاذ محمد المأمون العبّاسي

كيف شهدت جامعة الدول العربية إعادة إنشاء بالكامل، في عمق وبكل هدوء، خلال انتقال مقرها مؤقتا إلى العاصمة التونسية في سنة 1979 واستقرارها بها إلى حدود سنة 1990، بقيادة أمينها العام آنذاك الأستاذ الشاذلي القليبي، أسباب قرار الانتقال وظروفه، وكواليس العشرية الاستثنائية في مسارها، ثمّ تغليب التوازنات السياسية لعودة الجامعة العربية إلى مقرّها الأصلي بالقاهرة، لا تزال في حاجة إلى مزيد من القراءة المعمقة ورفع الستار عن خفاياها بكل حيادية وتجرد.
ولعل هذه القراءة المتأنّية لن تبوح بالعديد من أسرارها إلاّ بفضل شاهد عيان، عايش هذه الفترة من موقع حسّاس، وسجّل معطياتها، مثلما يفصح عنه الأستاذ محمد المأمون العبّاسي في كتابه الجديد الصادر بعنوان "جامعة الدول العربية في تونس 1979-1990" عن دار سانتيلانا للنشر.
والمؤلف صحفي مرموق، خرّيج معهد الصحافة وعلوم الأخبار تمرّس في وكالة تونس افريقيا للأنباء وواكب أنشطة الجامعة العربية قبل انتقالها إلى تونس وتولّى تغطية العديد من القِمم العربية، وكان قبل ذلك مكلفّا بتغطية أنشطة الأستاذ الشاذلي القليبي عندما كان يشتغل خطة وزير للثقافة والإعلام وحَظِي بثقته واستحسانه لمجهوده الصحفي.
وتولّى الأستاذ محمد المأمون العبّاسي تغطية وصول الفرق الأولى من الجامعة العربية إلى تونس لإعداد انتقال إدارة الجامعة ثمّ اعتمد مراسلا رسميا لوكالة تونس افريقيا للأنباء لدى الأمانة العامة للجامعة قبل أن يتمّ تحفيزه على الترشح لمناظرة انتداب والالتحاق بها.
ويروي المؤلف بدقّة تفاصيل قرار الانتقال وظروفه ويستعرض "حياة" الجامعة في تونس والروح الجديدة التي بثها في شرايينها الأستاذ الشاذلي القليبي ليضفي عليها مزيدا من النجاعة والتحديث، وقراراته المتعلقة بإعادة هيكلتها وتكثيف تواجدها في العالم واختيار مسؤولين أَكفّاء للاضطلاع بمهام حساسة.
ويذكر، في جهد توثيقي متميّز، أسماء ومهام الأُمناء العامّين المساعدين وكبار الموظفين ورؤساء المكاتب بالخارج، فضلا عن استعراض المجالس الوزارية المتخصّصة والمنظمات العربية.
وقد أثرى الأستاذ محمد المأمون العبّاسي هذا الكتاب بما أضافته "مرحلة تونس" إلى العمل العربي المشترك وخاصّة إطلاق القمر الصناعي عربسات ومشروع بناء مقرّ للجامعة ومشروع تعديل ميثاق الجامعة، وتطوير أساليب العمل، وإبلاغ الصوت العربي إلى العالم.
كما تناول بالتحليل عودة مصر إلى الجامعة العربية وعودة الجامعة إلى القاهرة واستقالة الأستاذ الشاذلي القليبي من الأمانة العامة.
كتاب شيّق، يراوح بين استحضار التاريخ، والقراءة السياسية، بعين ثاقبة فاحصة، والإصداع بشهادة شخصية ثمينة، وتجميع معطيات وثائقية مفيدة، تَوفّق الأستاذ محمد المأمون العبّاسي إلى توليفها في صياغة راقية، بكل حرفية وجهد وابداع.
لقد أنصف هذا الكتاب "مرحلة من تونس" في مسيرة الجامعة العربية، وأعطى كل ذي حقّ حقّه، وأبرز الجهد المتميّز الذي بذله الأستاذ الشاذلي القليبي في تأصيل كيان هذه المؤسسة وكذلك تفاني تونس في استضافته الجامعة العربية وموظفيها وأسرهم وكذلك كل المتوافدين عليها من العالم العربي وخارجه، وتأمين كل الاجتماعات والتظاهرات وغيرها.
كتاب جدير بالمطالعة، غنيّ بالعبر، ثريّ بالمعلومات.
- اكتب تعليق
- تعليق