كلمة الأستاذ الشاذلي بن يونس في تأبين الرئيس الأسبق فؤاد المبزع (ألبوم صور)

ألقى الأستاذ الشاذلي بن يونس، رئيس جمعية قدماء المدرسة الصادقية، الكلمة التالية في تأبين الرئيس الأسبق فؤاد المبزع:
حضرات السيدات والسادة،
في حضرة الغياب، يصبح للكلمات طعم الدمع، ويضيق اللسان عن التعبير.
نودّع اليوم رجلًا من طراز فريد، رجلًا عاش لتونس وبقي لتونس، نودّع الرئيس الأسبق فؤاد المبزع، الذي لم يكن فقط رمزًا من رموز الدولة، بل كان رمزًا من رموزنا نحن، أبناء الصادقية، وعميدًا روحيًا لأجيالٍ تربّت على حب الوطن والخدمة العامة.
وُلد فؤاد المبزع في 15 جوان 1933 في تونس العاصمة، في عائلة تؤمن بالعلم والوطن. تلقى تعليمه بالمدرسة الصادقية، تلك المدرسة التي لم تكن فقط مَدرسةً بل مرجعيةً وطنية، أنجبت نخبةً حملت مشعل الدولة الحديثة. ثم واصل تعليمه العالي في باريس، حيث نال إجازة في القانون والاقتصاد.
عند عودته إلى تونس، بدأ مسيرته المهنية كمحامٍ لمدة ثلاث سنوات، غير أن نداء الوطن دفعه إلى خوض غمار الوظيفة العمومية. وقد خدم الدولة من مواقع متعددة، بكل أمانة وكفاءة، نذكر منها:
• مدير عام للأمن الوطني بين 1965 و1967،
• رئيس بلدية تونس من 1969 إلى 1973،
• وزير الشباب والرياضة من 1973 إلى 1978، حيث وضع أسسًا جديدة لدعم الرياضة وتوسيع العمل الشبابي،
• وزير الصحة من 1978 إلى 1979،
• وزير الشؤون الثقافية والاتصال من 1979 إلى 1980، حين جعل من الثقافة ركيزة وطنية،
• مندوب تونس الدائم لدى الأمم المتحدة من 1981 إلى 1986، فكان وجه تونس في المحافل الدولية،
• سفير تونس في المغرب من 1986 إلى 1987،
• رئيس بلدية قرطاج من 1995 إلى 1998،
• وأخيرًا رئيس مجلس النواب من 1997 إلى 2011، حيث ظلّ مثالًا للحكمة والانضباط.
وفي 15 جانفي 2011، وبعد أن اهتزّت البلاد إثر الثورة، تولى فؤاد المبزع رئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة. لم يسعَ إلى المنصب، ولم يتشبّث به، بل قبله كأمانة، وقاد البلاد بحنكة نادرة في واحدة من أدق اللحظات في تاريخنا.
وحين انتهت مهمته، انسحب في صمت، دون ضجيج… كما يفعل الكبار.
ولئن عرفه التونسيون رجل دولة، فقد عرفناه نحن، أبناء الصادقية، صاحب قلبٍ كبير. لم يكن مجرد عضو بجمعية قدماء الصادقية، بل كان رئيسها، وعميدها، وذاكرتها الحيّة على مدى ستة وعشرين عامًا، من 1996 إلى 2022.
طوال تلك السنوات، لم يتغيّر: أنيق في سلوكه، نبيل في معاملته، مخلص في حبه لمدرسته. لم يسعَ إلى مجد شخصي، بل سعى إلى أن تبقى الجمعية بيتًا جامعًا للأجيال، وفضاءً للوفاء والاعتراف بالجميل.
وكم كانت لحظةً مؤثرة حين سلّمني المشعل، وتخليت أنت، سيادة الرئيس، عن رئاسة الجمعية بنفس السلاسة التي انسحبت بها من قصر قرطاج: بكامل الأناقة والتجرد، واضعًا المصلحة فوق الاعتبار، والذاكرة فوق الذات.
أيها الفقيد العزيز،
أيها الأخ، والصديق، والقدوة،
نم مطمئنًا… فقد عشت كريمًا، ورحلت عظيمًا.
خدمت وطنك حتى اللحظة الأخيرة، ولم تبخل عليه يومًا، لا بالجهد، ولا بالحكمة، ولا بالصدق.
ورحلت – كما عشت – في صمت…
لا جنازات رسمية، لا مراسم ضخمة… وكأنك تقول لنا من جديد: "لست في حاجة إلى مظاهر، فالعظمة ليست في الأضواء، بل في البصمة التي نتركها في قلوب الناس."
وغادرت… دون أن ينقصك شيء، بل على العكس… حتى في وداعك، كنت درسًا جديدًا في التواضع، ودرسًا آخر في الكِبر.
رحمك الله رحمة واسعة،
وجزاك عن تونس، وعن الصادقية، وعن كل من عرفك، خير الجزاء.
وسيبقى اسمك محفورًا لا فقط في كتب التاريخ، بل في قلوبنا، وفي ضمير الوطن.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأستاذ الشاذلي بن يونس
رئيس جمعية قدماء المدرسة الصادقية
- اكتب تعليق
- تعليق