عزّ الدّين المدني في حديث رمضـــــان (3) - الكاتب والباحث فاخر الرويسي وشذرات من سيرته

بقلم عز الدين المدني - لنبدأ بصاحب هذا التأليف وهو الكاتب الباحث فاخر الرّويسي المعروف في الأوساط الثقافية والأدبيّة والفنّية وخاصّة الموسيقيّة بالإضافة الى الأوساط السّياسية والإعلامية بما فيها الجرائد ووسائل الأنترنيت الشهيرة. الحق أنّي لم أعرفه شخصيّا قبل أن يَصْدمني بكتابه" العميد فتحي زهير" بصدمة فكرية جميلة، وقلت لنفسي: لا بدّ أن أعرفه شخصيّا وأن أطلع على ما ألّفه وأن أقرأ ما كتب وأن أفهم ما يريد بإصدار هذا الكتاب، ذلك أني ربطت علاقات فكريّة متينة قويّة مع الكثير والكثير من المؤلّفين كتّابا وشعراء ومفكّرين ونقّادا وباحثين لا جامعيّين فقط بل أيضا باحثين أحرارا لا تدفعهم إلّا المحبّة، محبّة الفكر الواعي، محبّة تونس الحديثة والرّاهنة رغم مشاكلها. والحقّ إنّي أفرح فرحا عارما بكلّ من يَكتب كلمة أدبيّة أو فكريّة أو فنّية واحدة في إبداعات تونس وكيانها الحيّ وفي الكُتّاب والشّعراء والفنّانين احتفالا بهم واعترافا بجميل أعمالهم وأفضالهم.

الكاتب هو فاخر الرّويسي من عائلة الرّويسي أمجاد الكفاح الوطني السّياسي من أجل استقلال تونس وحرّيتها طوال سنوات... وقد وُلد بعد مُضيّ سنتين اثنتين على استقلال 1956، فهو وليد الاستقلال والحرّية، وبحكم ذلك، إنّه من جيل الاستقلال والحرّية، الذي تحمّل دور المساهمة في بناء تونس الجديدة مواصلة لدور المؤسّسين الأوّلين للدّولة الحديثة في عالم متغيّر دوما. بعد دراسته الثانويّة بالمعهد الصّادقي وتمكّنه من اللّغة العربيّة واللّغة الفرنسية زاول تعليمه في باريس كطالب بمدرسة الإشهار والنّشر والعلاقات العامّة تُوّج بشهادة، فلم تكن دراساته الباريسيّة تُؤهّله لكي يكون كاتبا باحثا متميّزا جدّا في الحياة الأدبيّة والاجتماعية والفنّية التونسية وإنّما أكسبته بجهوده وذكائه ثقافة اجتماعية أساسها عالم الإعلان والإشهار والنّشر والعلاقات العامّة والخاصّة. وقلّما لاحظت في حياتي كُتّابا وشُعراء وفنّانين يدخلون إلى الأدب والفكر والفنّ من أبواب الاقتصاد والمعاملات المادّية التي يحتاجها المجتمع من أجل قوامه.

والمتأمّل البصير في حياتنا وتكويننا يلاحظ دون شكّ تقسيمات وتبويبات منهجيّة نحن ورثناها عن التصورات الثقافية الأوروبية ولا سيّما الفرنسية وهي من قرن الثورة الصناعية وعملنا بها واليوم حتّى بعد الاستقلال، فالآداب والفنون والفلسفة والتاريخ والعلوم الإنسانية والاجتماعية هي على حدة، والتقنيات والتكنولوجيات على حدة، وعلوم الرّياضيات والفيزياء والكيمياء والجيولوجيا على حدة، وهلُمّ جرّا فيما يخصّ معارف الإنسان وتقسيماتها وتبويبها، بحيث يصعب على الشّاب المتعلّم أن يخرق الحدود لينتقل من حيّز تعليمي إلى حيّز معرفي آخر إلّا من وهبه الله العالي الجرأة على ذلك، وإنّي أشكّ في نجاعة هذه التقسيمات المعمول بها حاليا في تونس، وقد صارت فيما بعد الاستقلال تراتيبيّة وأحيانا بيئية وطبقية! ولم يقع الشكّفيها ولا التفكير في بديلها.. للأسف!

وباختصار، فصاحبنا الأستاذ فاخر الرّويسي قد أتى إلى الأدب والفنّ والبحث الفكري والتاريخي والاجتماعي من قطاع العلاقات العامّة التي هي أحشاء المجتمع ودواخله العضويّة. ولذلك هو مثقّف حقّا وممارس للثّقافة الاجتماعيّة كما أشرنا الى ذلك آنفا، كخلفيّة تستند اليها أعماله الفكريّة وبحوثه الفنّية. وهذه الظّاهرة الجميلة ذكّرتني بتكوين بعض أعلام الكُتّاب في بريطانيا وفرنسا وأمريكا وبعض أعلام الشّعراء في ألمانيا خلال القرنين التّاسع عشر والعشرين. وإنّي لا أفضّل هؤلاء الأجانب النُّبَغاء على بعض أعلام الكُتّاب والشعراء العرب القدامى. فالجاحظ كان بيّاع السّمك في سوق الحوت بالبصرة!
وأبو العتاهية كان خزّافا صانعا لأواني الخزف والطّين، فكلاهما اخترق الحدود. فهل يوجد انسان أعلم بالمجتمع البصري من الجاحظ؟

وتحمّل صاحبنا فاخر الرويسي مسؤولية في بلدية أريانة وهي من أحواز تونس لا من ضواحيها. والعمل البلدي تترتّب عنه معرفة المواطنين المتساكنين، وحلّ قضاياهم في التّنظيف والتّنوير وتثبّت الهويّة للأحياء والأموات. وكان معاونا ومساعدا للصّديق الأستاذ محمود المستيري رئيس البلديّة رحمه الله.

والرّجل، هذا الحبيب والزّميل، وهو ذو تربية أخلاقية شريفة نادرة عالية، عليها بصمات أخلاق التّونسيّين الأجداد، أخلاق بلا تقعّر ولا حذلقة ولا جفاف ولا عناد، أخلاق الرّصانة غير تقطيب الجبين والجدّ فوق اللّازم بل أخلاق الوسطيّة بالاحترام.

شخصه، قوامه، وجهه ترتاح اليه. فَمَرْحَباهُ بِطيف ابتسامة ومعك السّلام بالمصافحة الكريمة وباللّقاء المُجدّد القريب.

عز الدين المدني

يتبع

قراءة المزيد

عزّ الدّين المدني في حديث رمضـــــان (1) : المبدع والإبداع الأدبي الحرّ ومشاكله

عزّ الدّين المدني في حديث رمضـــــان (2) - ظروف البحث الأدبي الحرّ ومشاكله: كتب فاخر الرويسي مثالا