عزّ الدّين المدني في حديث رمضـــــان (1) : المبدع والإبداع الأدبي الحرّ ومشاكله

بقلم عزّ الدّين المدني - ممّا لا شكّ فيه أنّ الكاتب الشّاب أو الكهل أو حتّى الشّيخ الطّاعن في التّجارب والسّنّ يتمنّي على الله أن يقرأ النّاس إبداعه السّرديّ أو الشّعريّ الجديد، وأن يتناوله بعض القّراء - على قلّتهم - بالعرض والتّعليق والنّقد لأنّ السّكوت عنه إنّما هو بمثابة الموت، وكذلك أن تقدّمه إذاعة مسموعة من الجميع رغم شبه غياب البرامج الأدبّية بها، وبين لعلّ وعسى، لربّما تعّرف التّلفزة به. على أنّ الحرص الّذي يُبْدِوهِ كلّ الحرص أن يحظى عمله هذا الجديد الّذي لم يصدر إلّا منذ أسبوع فقط باهتمام متزايد لدى مَنْ يتابع الأعمال الأدبّية ويقدّرها ولكن أيضًا عند مَنْ لا يحترمه ولا يحبّه فيعتبره شيئًا لا يُفهم وإضاعة للوقت الثّمين وخسارة للحياة المنتجة! وذلك عبر إحدى وسائل الاتّصال الجماهيرى وهي منبر الفايسبوك العتيد الذي يشارك فيه آلاف مؤلّفة من أفراد الشّعب سواء بالمدح أو القدح!!!
هذا سِينَارْيُو معروف جدًّا يصف مسير كلّ مبدع أدبّي تونسي في يومنا هذا بل في الحقيقة منذ السّنوات السّابقة الغارقة في بحر السّنوات السّتّين من القرن الماضي. لنقل إنّ وضعِّيَة الكاتب المبدع - ليس فقط في مجال الأدب - لم يتحسّن ولم يتطوّر إلّا بصفة شكلانيّة تافهة عبر عشرات السّنين الماضّية للأسف الشّديد المّر، والحقّ يقال! وهذه السّطور السّابقة لا تعبّر عن شكوى رُومَنْسِيّة ولا عن وقوفٍ على أطلال ازدهار الماضي التّليد ولا عن بكاء عليها ولا عن حنين جامح إليها، وإنّما هي بكلّ بساطة ملاحظات ومعاينات ومُعَايَشات وصفية مجرّدة تكاد تكون مثل أسلوب تقريريّ أبرد من ليالي الصّقيع والجوع...
لقد حقّق الجيل الحالي من الكُتّاب والشّعراء والباحثين أعمالًا أدبيّة وتاريخيّة وعلميّة مهمّة جدًّا يمكن أن تمثّل منتخبات كعصارة إبداعية تونسيّة لا تقّل شأنًا عن أجود وأرفع ما أبدعته أقطار عربيّة أخرى، في شتّى فنون الأدب والفكر والفّن. ولَسْتُ ممّن يؤمنون ويفتخرون بالتّفاضل بين أدب تونسي وأدب غير تونسي أي بتفضيل هذا على ذاك وذاك على آخر تصنيفًا وترتيبًا خاطئًا ضمن الرقّعة الثّقافيّة والإبداعيّة الفكريّة والحضارية الّتي تتألّف في تاريخنا وعصرنا الحديث من مجموع الأقطار العربيّة إذ لكلّ قطر ذوق وصفة وسلوك داخل آداب اللغة العربيّة. وهذه رؤية تفاعلية ديناميكيّة... لأنّي لا أرى الجاحظ وهو من البصرة أفضل وأبدع من أبي حيّان وهو من بغداد!
لنبدأ بجنس أدبي ولنُشِر أوّلًا إلى إبداعاته الحرّة لا الجامعيّة المؤطّرة بالقواعد المنطقيّة المتّبعة الّتي لها تلك الأبحاث أساتذتها والمشرفون الحريصون عليها والنّاجحون الفائزون بها ونقادها. ونحن نحترمهم ونحترم كلّ بحث جامعيّ في الأدب والفكر والفنّ، باعتبارها إضافة إلى معارفنا.
أمّا البحث الإبداعي الحرّ فله شأن آخر وصفات أخرى وتحقيق غايات شتّى قليلة على الصّعيد الشّخصي وكثرة عميمة للحياة الثّقافية وفي الوجود الفكري التّونسي الحديث من حيث هذا الوجود يكتسب هويّة الحضارة العربيّة المعاصرة.
أشير - كمثال لما أقول وأعتقد - في هذه الحلقة إلى ثلاث إبداعات أدبية وتاريخية تونسية أراها في غاية الأهميّة وهي من أعمال الكاتب الباحث الأستاذ فاخر الرّويسي متّعه الله بالصّحة والعافيّة وسأتحدّثّ في حلقة لاحقة عن تلك الابداعات الثّلاثة الحرّة التي فتحت أبوابا ونوافذ كبرى على ثقافتنا.
عزّ الدّين المدني
يتبع
- اكتب تعليق
- تعليق