سواحل الجنوب الشرقي لتونس، الرئة الطاقية المستقبلية لأوروبا: تحديات انتاج الهيدروجين الاخضر في ظل الاجهاد المائي واهمية توسيع الشراكات وتنويع مصادر الطاقة

سواحل الجنوب الشرقي لتونس، الرئة الطاقية المستقبلية لأوروبا: تحديات انتاج الهيدروجين الاخضر في ظل الاجهاد المائي واهمية توسيع الشراكات وتنويع مصادر الطاقة

بقلم د. حكيم قبطني استاذ تعليم عالي في الجيولوجيا (الجيوفيزياء الاستكشافية المطبقة للموارد المائية والطاقة والبيئة)

مقدمة

انطلق السباق نحو انتاج الهيدروجين الاخضر كمصدر طاقة رئيسي لأوروبا بحلول 2050. وتعتبر منطقة شمال افريقيا الوجهة المثالية لإنتاجه وخصوصا تونس نظرا لإمكانية ربط مصانع الانتاج ببن قردان وجرجيس الخ بمحطات التخزين بألمانيا على سبيل المثال عبر انابيب خاصة داخلية إضافة الى انبوب الغاز بين الهوارية (الوطن القبلي) وصقلية (ايطاليا) والانبوب الأوروبي المبرمج والمسمى الممر ديهيدروجين الجنوبي SoutH2 Corridor الذي سيمثل شريان الربط الطاقي لأغلب الدول الاوروبية. وتتميز تونس بموقعها الجيواستراتيجي إضافة الى توفر الامكانيات الطبيعية واللوجستية والتقنية وخاصة منها البشرية. فما هي الاستراتيجية الوطنية في هذا المجال وخصوصية وتحديات عملية الانتاج بتونس واهم التداعيات على قطاع الطاقة الاحفورية؟

1- الاستراتيجية الوطنية لتطوير الهيدروجين الأخضر ومشتقاته في تونس

تم تلخيص أهداف خارطة الطريق 2025- 2050لإنتاج الهيدروجين الاخضر في تقرير نشر مؤخرا في ماي 2024 من طرف وزارة الصناعة والطاقة والمناجم(1). يتمثل الهدف الرئيسي في إنتاج حوالي 8.3 مليون طن من الهيدروجين الاخضر بحلول عام 2050، بما في ذلك حوالي 6 مليون طن للتصدير لأوروبا عبر خطوط الأنابيب وأكثر من 2 مليون طن للسوق المحلية والتصدير في شكل مشتقات. وستكون القدرة على توليد حوالي 100 جيقاوات من الطاقة المتجددة احدى اهم التحديات لإنتاج هذه الكمية الضخمة من الهيدروجين. كما حددت القدرة التشغيلية لهذا المشروع الاضخم في تاريخ تونس الحديث في حدود 434 ألف موطن شغل (انظر وثيقة عدد 1).

وثيقة عدد 1 - أهداف خارطة الطريق 2025- 2050 من حيث انتاج الهيدروجين الأخضر بتونس والقدرة التشغيلية اعتمادا على تقرير نشر مؤخرا في ماي 2024 من طرف وزارة الصناعة والطاقة والمناجم(1)

2- تونس: مياه البحر كمصدر وحيد لإنتاج الهيدروجين في ظل الاجهاد المائي

الماء وبالتحديد الهيدروجين الذي يحتويه هو مصدر الطاقة الجديد والمتجدد عبر فصل الديهدروجين عن الأكسجين باستخدام الطاقة الكهربائية واساليب التحليل الكهربائي.

يجب ان يكون الماء المستعمل لإنتاج الهيدروجين نقيا جدا. وبما ان كميات المياه المستوجبة كبيرة (في حدود 250 مليون متر مكعب في السنة مع طاقة انتاج قصوى بحلول سنة 2050) فان مصدر هذه المياه لا يمكن ان يكون الا البحر خاصة في بلدان مثل تونس التي تعاني من الاجهاد المائي والاستغلال الجائر لمواردها المائية الجوفية.

فقد فاقت نسبة استغلال الموارد المائية الجوفية نسبة 139% مع تخطي عتبة 3 مليارات متر مكعب للسحب عبر الابار المرخص لها والغير المرخص لها في سنة 2022(2).

ويجب انتاج الطاقة اللازمة لتحلية مياه البحر قصد توفير مياه نقية جدا لتصنيع الهيدروجين هذا إضافة للطاقة التي تستجوبها عملية فصل الديهدروجين عن الاكسجين. ويمكن وضع شروط عند التفاوض مع المستثمرين لتخصيص كمية من المياه المحلاة والمعدة لإنتاج الهيدروجين لدعم السياسة الوطنية لتعبئة مياه الشرب والاستعمال المنزلي.

وثيقة عدد 2- تطور الاستغلال الجمليونسبة استغلال الموارد المائية الجوفية العميقة بتونس (2)

3- مصدر الطاقة المتجددة لإنتاج الهيدروجين: لماذا تونس بالذات؟

مصدر الطاقة سيكون متجددا بالتأكيد في ظل مخاطر التغيرات المناخية والكلفة الطاقية لإنتاج الهيدروجين إضافة لمحاولة اوروبا تنويع مصادرها الطاقية خاصة بعد الحرب الروسية الاوكرانية. يبلغ معدل ساعات الاشعاع الشمسي في تونس ما بين 3200 و3400 ساعة/ في السنة في ولايات الجنوب (ضعف ما تتوفر عليه مونيخ بألمانيا على سبيل المثال). هذه الخصائص تتيح للمواقع الساحلية للجنوب الشرقي لتونس إمكانيات محترمة جدا لإنتاج الكهرباء المولّدة من الطاقة الشمسيّة خصوصا إضافة لطاقة الرياح الممكن استغلالها بسلسلة جبال الظاهر المجاورة وبذلك يتم تغطية الكلفة الطاقية لإنتاج الهيدروجين وذلك مقارنة بإنتاج مكلف جدا بأوروبا.

4- لماذا لا يتم الاعتماد على اشعة الشمس والرياح كمصادر للطاقة المتجددة دون الاعتماد على الهيدروجين؟

يعتبر نقل الهيدروجين اقل تكلفة بما يعادل 12 مرة مقارنة بالنقل المباشر للكهرباء باستعمال اشعة الشمس والرياح. كما يتميز الهيدروجين بطاقة تخزين مميزة دون اعتبار للظواهر المناخية والطبيعية إضافة لتعدد طرق الاستخدام. ويمكن استهلاك هذه الطاقة المتجددة بشكل مؤجل، مما يضمن الاستمرارية في توفير الكهرباء. ويمكن توسيع مجال الاستغلال لمجموعة متنوعة من التطبيقات مثل قطاع النقل البري والجوي وأنظمة تخزين الطاقة والغلايات الصناعية البديلة وانظمة التدفئة ومحطات انتاج الطاقة الخ.

5- تحلية مياه البحر لإنتاج الهيدروجين: خصوصية سواحل الجنوب الشرقي التونسي

يجب تحلية مياه البحر اولا لإنتاج الهيدروجين عبر فصل الديهدروجين على الاكسيجين باستعمال خصوصا التناضح العكسي (كطريقة مثلى بالنسبة لتونس) ويتمثل في عملية تحلية صناعية فعالة إضافة الى معالجة خصوصية للتحصل على مياه الانتاج المنزوعة الأيونات والعالية النقاء، باعتبارها مدخلًا رئيسيًّا لمصانع التحليل الكهربائي. يمكن استخراج حوالي 50% من المياه شديدة النقاء لكن بالمقابل يتم تصريف 50% من المياه المتبقية شديدة التركيز والملوحة (تصل الى 75 غ/ل) نحو البحر.

نتيجة لكثافة هذه المياه المالحة والتي تعتبر أعلى بكثير من مياه البحر، يسقط المحلول الملحي على الأرض تحت الماء بالقرب من مخرج انبوب التصريف وبالتالي يشكل طبقة شديدة الملوحة يمكن أن تسبب نتائج سلبية على التوازن البيئي البحري إضافة الى التأثيرات على الحيوانات والنباتات البحرية وكذلك الأنشطة البشرية المحتملة. للحد من هذه المخاطر من المفيد وضع مخرج الأنبوب على مستوى تيار قوي، وبالتالي تحسين عملية اختلاط مياه الصرف شديدة الملوحة ومياه البحر خاصة بالنسبة لسواحل الجنوب التونسي.

6- الاراضي المستلزمة لمشروع انتاج الهيدروجين

يعتبر حجز الأرض والمناطق الحرة لمشروع الطاقة المتجددة اللازم لإنتاج الهيدروجين الاخضر من اهم النقاط المطروحة. وسيكون انتاج الطاقة عن طريق تركيز توربينات الرياح بالضاهر التونسي والألواح الشمسية بجهات الانتاج وذلك منطقيا بين قابس وبن قردان. ويستوجب ذلك مساحة مهمة تقدر بعشرات الكيلومتر مربع. وإضافة الى حقل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح سيتم انشاء محطات لإنتاج الهيدروجين الأخضر والمتكونة من مصانع للتحليل الكهربائي ومنشآت التخزين. ونشير في هذا المقال الى اهمية دراسة الجدوى وكافة البيانات الجيولوجية والجيوتقنية للمواقع المختارة مع توفير كافة شروط السلامة مع وجود محطات تحليل كهربائي تحت ضغط عالي يمكن ان يصل الى 900 بار. ويعد تخزين الهيدروجين المضغوط عند 700 بار هو الحل الأكثر مردودية حتى الآن. يهدف المشروع الجديد المزمع تنفيذه في تونس من طرف طوطال اينرجي وايرين وفاربوند الى توفير في مرحلة اولى الاراضي اللازمة للإنتاج. ويقع المشروع الأكثر تقدماً عالميا لشركة طوطال اينرجي في الطرف الجنوبي من تشيلي (امريكا الجنوبية) حيث قامت الشركة بتأمين 120 ألف هكتار لتركيب ما بين 8 و10 جيقاوات من طاقة الرياح(3).

وثيقة عدد 3- مثال للمشروع الأكثر تقدماً عالميا لشركة طوطال اينرجي في الطرف الجنوبي من تشيلي (امريكا الجنوبية) لإنتاج الهيدروجين اعتمادا على طاقة الرياح(4)

7- الهيدروجين الجيولوجي في تونس: لما لا؟

الهيدروجين الجيولوجي هو في الحقيقة محاكاة لكل مراحل الانتاج الصناعية للهيدروجين الاخضر لكن في باطن الارض وبصفة طبيعية ويدرس فريق بحث بمركز بحوث تكنولوجيات المياه ببرج السدرية حاليا إمكانية استكشافه من أعماق الاراضي التونسية من خلال استخراجه من المياه الجوفية العميقة والمالحة الغير صالحة للفلاحة بمناطق جيولوجية خصوصية معروفة بوجود صدوع ضخمة وطبقات جيولوجية قديمة.

8- مواصلة الاستثمار في قطاع الطاقة الاحفورية التقليدية والغير تقليدية بالتوازي مع برنامج الهيدروجين الاخضر

رغم تراجع الانتاج الوطني للنفط والغاز في السنوات الاخيرة الا ان اكتشاف وتطوير واستغلال حقل الغاز بنوارة بالجنوب التونسي مثل بادرة متميزة لبداية استعادة نسق الاستكشاف. ويمثل هذا الحقل أكثر من 30% من مجموع الانتاج السنوي للغاز إضافة الى حقول ميسكار والشرقي وصدربعل ومعمورة وبركة والفرانيق -باڤل- طرفة وصبرية وغريب وسيدي مرزوق والاتاوة على الغاز الجزائري. لذا وارتكازا على اهمية الامن الطاقي لتونس يستوجب دعم الاستكشاف خاصة بالنسبة للغاز هذا إضافةلإعادة فتح ملف زيت وغاز الشيست نظرا للمخزون المهم الموجود بالجنوب التونسي ومحدودية التأثيرات البيئية (التقديرات: الاحتياطي المؤكد القابل للاستخراج من النفط الصخري 1.2 مليار برميل والاحتياطي المؤكد القابل للاستخراج من الغاز الصخري 23 تريليون قدم مكعب(4)).

خلاصة

اعتمادا على مبدأ تنويع مصادر الطاقة وضمانا للأمن الطاقي لتونس في فترة الانتقال الطاقي وجب استغلال كل الامكانات من طاقة شمسية وطاقة الرياح وهيدروجين اخضر ولما لا الهيدروجين الجيولوجي هذا إضافة الى تنمية قطاع النفط والغاز التقليدي والغير التقليدي وعدم التقيد بتوجهات الاستثمار الخارجي المتوجه لقطاع الطاقات المتجددة لا غير. وجب ايضا تنويع الشراكات وتشريك الكفاءات الوطنية والاستغلال الامثل لوضع الطاقة العالمي للعمل على المتوقع الجيد ضمانا لمصلحة تونس خاصة عند عمليات التفاوض زيادةعلى الاستثمار في نقل التكنولوجيا ودعم التكوين المهني والتعليم العالي وتطوير البحث العلمي التنموي خصوصا في مجالي المياه والطاقة.

د. حكيم قبطني
استاذ تعليم عالي في الجيولوجيا
(الجيوفيزياء الاستكشافية المطبقة للموارد المائية والطاقة والبيئة)

المراجع

(1) https://www.energiemines.gov.tn/fileadmin/docs-u1/Re%CC%81sume%CC%81_stratei%CC%80gie_nationale_MIME-WEB.pdf
(2)
http://www.onagri.nat.tn/uploads/secteur-eau/revue-sectorielle-eau-2022.pdf
(3)
https://energynews.pro/totalenergies-et-verbund-lancent-un-projet-dhydrogene-vert-en-tunisie/
(4)
https://www.vng-handel.de/en/chile-project
(5)
https://www.eia.gov/analysis/studies/worldshalegas/

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.