عياض بن عاشور: غزة، موءودة أخرى سئلت
ما فقهتم من بصيرة الحكماء يا من قضَيْتم مقاصدَكم من الأحياء
فأنزلتم عليهم طارقَ عذابٍ وفتّكتم بأرواح الأبرياء؟
من لفَظ أنفاسَه مصلوبا، صارخا مِن عَلى الأوتاد:
«يا إلاهي أنا الحقّ، لِما ودَعْتَني قربانا لأوثان الاستعباد؟
وهجَرتني طليقا في اكوان الاغتراب
وتركتني وحيدا في دنيا الفساد؟»
يا ذوي أجسادِ الجمْرِ في الأنقاض والدُخان،
مَن زلزل حياتكم ومزّق أبدانكم بالصواريخ والنيران
وأسقمكم بالجوع وجرّعكم قهرا قَطَراتِ الشَوْكَران؟
يا آلَ إبراهيم ويعقوب والأسباطْ،
قرّاءُ الصحف الأولى والمزامير والتوراةْ،
هذه فتنة دبّرها وحوشُ المؤمنين بعِجل الإبهارْ،
وقددكّوا بحوافرالشرّ اللوْحَ الكريمَ والأسفارْ
وكذلك الأعمار.
أرأيتِ ما رأيتُ،أرأيتِ ذاك الغُبار؟
أجَيْشٌ قادم من منتهى الأقدار؟
أم قنبلة فجّروها على مشافي الرُضَّع والكبار
وعلى المعابد والمدارس والدّيار؟
فليَأتِيَنّ التجلّي وليأتينّ الندمْ،
ولْنُقرِإِ السّلامَ: لا بالكيف ولاالْكَمْ.
شقيقتي، صديقتي،معدنَ قوسي وسهمي،
وسَدادَ نصلي ورَمْيتي، وفولاذ سيْفي ومِدادَ كُتُبي،
لولاكِ لضيّعتُ اسمي وكُنيتي،
ومتاعي وسلامي وكياني وقبلتي.
فاجلسي بجانبي واكشفي عن أسراري،
وانظري في الأفق، واقطِفي ثمر أشجاري،
وخذي عصير الحبّ من أعماق كبِدي،
وازدَري هذا الذي قايض ذَرّ الرَماد بجمال الخُلقِ.
تعِب الكونُ منّا،سُلّانِ البطش والدَمار،
ارفَعي عين شبابك نحو النجم والأقمار،
سلاما على الحكيم اليونانيّ والحلاج والنسيمي والمختارْ،
والسُهرور ديّين الأ خَرْ يُنشِدون آيَ الفضل للأبطال والأبرارْ،
ضحايا جنون الإنس، وبلايا الأشرار.
طوبى لكم أسيادُنا! يومَ لا يُفيد سَلْوًا ولا تَصلُحالأعذار.
غزّة!
أنتِ حقُّ العالَمِين: وجهُ اللاهوت العزيز والناسوت المُشفِقِ،
فاسمَعي السماءَالعليا في مِدْرَارِ الأفقِ،
من زُرقة قبّتها تذرف دمع الخَنقِ،
على موءودة أخرى سئلت بأي ذنب تُحرقِ،
في انتظار يأتي يومٌ يضرِب فيه ذَرْعُ العدل الطارقَ بالطارقِ.
عياض بن عاشور
قراءة المزيد
- اكتب تعليق
- تعليق
