أخبار - 2023.04.10

مائدة مستديرة حول الطعون العقارية

مائدة مستديرة حول الطعون العقارية

نظم قسم القانون الخاص وعلوم الإجرام بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس بالاشتراك مع جمعية قدماء كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس ومركز تونس للقانون العقاري والتعمير، مائدة مستديرة حول"الطعون العقارية" وذلك صبيحة يوم الخميس الموافق ل 23 فيفري 2023. والتئمت هذه المائدة في قاعة المرحوم دالي الجازي الكائنة بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس. ولقد تم تصوير محتوى المائدة المستديرة وعرضه على المباشر وذلك من خلال نشره على الصفحة الرسمية للكلية (فايسبوك).

ترأس المائدة المستديرة، على التوالي، السيدة نجيبة نقاز، أستاذة تعليم عال كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس والسيد أحمد بن طالب، أستاذ تعليم عال ومدير مدرسة الدكتوراه بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس.

وفي بدايةالأشغال، رحبت بالحاضرين كل من الأستاذة أسماء غشام، نائبة عميدة كلية العلوم القانونية والسياسية والإجتماعية والسيدة ندى الزيدي، مديرة قسم القانون الخاص وعلوم الإجرام بالكلية وأكدتا على أهمية هذا الملتقى ورحّبتا بالضيوف. وقد حضر بهذه المائدة المستديرة كلّ من السيد وديع بن رحومة الرئيس المدير العام للديوان الوطني للملكية العقارية وثلّة من القضاة لدى المحكمة العقارية ولدى محكمة التعقيب وثلّة من المحامين لدى التعقيب.

تكمن أهمية هذا الموضوع بالأساس في كونه متعلق بالعقار. إذ ان العقار، إلى جانب كونه وثيق التعلق بحق الملكية المكرس دستوريا ودوليا، فانه يمثل وسيلة ائتمان من الدرجة الاولى، إذ يلعب هذا الصنف من المال دورا في غاية الأهمية في تحريك الدورة الاقتصادية، مما يجعلنا نجزم ان دوران العجلة الاقتصادية والتنمية متوقفان على تسوية الوضعيات العقارية. وفي هذا الإطار، فإننا نشيد بما اشارت اليه السيدة ندى الزيدي، من أهمية الدور الفعال الذي سيلعبه كل من المشرّع والمحاكم والإدارات في تنظيم وتكريس قواعد خاصة بالمادة العقارية، وما يترتب عنه من تطور وازدهار اقتصادي، وهذا ما تم بلورته بصفة جلية في المحاضرات اللاحقة.

بعد الكلمات الافتتاحية، أنارالسيد كمال شرف الدين، أستاذ تعليم عال متميز بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، حضور المائدة المستديرة من خلال تقرير الافتتاحي، أقل ما يمكن أن يقال عنه، هو أنه في غاية الروعة والشمولية و الوضوح. وبدأ الأستاذ المحاضرة بتفكيك عنوان المائدة المستديرة، فتطرق من جهة أولى إلى مفهوم ''الطعون'' وميزه عن وسائل الطعن بما في ذلك وسائل الطعن العادية وغير العادية ثم اهتم بعبارة ''العقارية''. وفي هذا الصدد، كان للأستاذ الفضل الكبير في بلورة خصوصية المادة العقارية وبالتحديد خصوصية المحكمة العقارية. فإجراءاتها استقرائية مما برر الصبغة الباتة للأحكام الصادرة عنها. إذ تاريخيا، لا يمكن الطعن بأي وجه من الوجوه في الأحكام الصادرة عن المحكمة العقارية. وظلت هذه القاعدة منطبقة لمدة طويلة، بل ظلت ثابتةلأكثر من قرن. ولكن تدريجيا، بدأت اوجه من الطعون تتسرب الى المنظومة العقارية، ولذلك دافعين أساسيين، اذ تهدف هذه الطعون من جهة أولى لحماية حق الملكية الذي يمثل، كما اردفنا، حقا دستوريا وحقا من حقوق الإنسان ومن جهة ثانية للقضاء على معضلة الرسوم المجمدة. ومن اجل ذلك توالت القوانين التجريبية، حسب عبارات السيد كمال شرف الدين،التي كرست طعونا أو بالأحرى "طعينات" حسب عبارة الأستاذ أحمد بن طالب. هذااضافة إلى وسائل طعن ضد قرارات اللجان الجهوية، ضد قرارات التسجيل العقاري وضد قرارات إدارة الملكية العقارية، إلى آخره. وجراء كل ذلك بالإضافة للصعوبات التطبيقية والاجرائية، كانت ولادة الطعون عسيرة، وقد مثل ذلك، وبدون أدنى شك، أهم دواعي فشل، أو بالأحرى هجانة هذه المواليد. وصاحب هذه المحاولات، تكاثف لما يمكن نعته ب "فيروس" الرسوم المجمدة، حتى صرنا نتحدث، لا عن تحيين الرسوم المجمدة فحسب، بل كذلك عن تحيين الرسوم المحينة، حسب ما أشار اليه السيد جعفر الربعاوي، المستشار لدى محكمة التعقيبونائب رئيس مركز تونس للقانون العقاري والتعمير.

أكثر من ذلك، بين الأخذ والرد، والكروالفر، مرت حقبة زمنية برمتها، في حين انه معلوم من الجميع أن الزمن يمثل، وبدون أدنى شك، احد اهم عناصر المحاكمة العادلة، حيث وجب ان يكون معقولا، لا ان يمتد الى ما لا نهاية، لما في ذلك مضيعة للحقوق. وهنا السؤال الذي يتبادر إلى الذهن: هل أخذت المحكمة العقارية بعنصر الزمن كمعيار للمحاكمة العادلة؟ وللإجابة على هذا السؤال، قام السيد منير الفرشيشي، مدير مركز الدراسات القانونية والقضائية ورئيس مركز تونس للقانون العقاري والتعمير، بإلقاء محاضرة تحمل عنوان "الزمن في الطعون العقارية". واعتبر أن الإجابة على هذا التساؤل لا يمكن أن تكون إلا بالنفي. إذ تغيب من جهة مسألة الدقة فيما يخص الآجال وأبرز مثال على ذلك اجال الإستئناف في التحيين العقاري. كما يغيب من جهة أخرى الوضوح في مسألة الإجراءات، أضف إلى ذلك تزاحمها في بعض الأحيان، مما يضفي مزيدا من الغموض و التشعب على المادة العقارية بصفة عامة.

وفيما يخص المحاكمة العادلة، تدخلت السيدة زينة الصيد، أستاذة محاضرة بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس، بمحاضرة وعنوانها "تعقيب حكم التسجيل العقاري". وبينت الأستاذة في هذه المحاضرة اهمية هذا الطعن في مادة التسجيل العقاري، ذلك أن المحاكمة العادلة لا تقوم فقط على مسألة الزمن، بل إن صحة حكم التسجيل العقاري تمثل أيضا مقياسا للمحاكمة العادلة. وبعبارة أخرى، تكمن أهمية الطعن بالتعقيب في تدارك غياب حق التقاضي على درجتين فيما يخص التسجيل، في حين أنه، في المقابل، يمكن أن تتسرب بعض الأخطاء في حكم التسجيل العقاري. فلا يخفى على أحد أن القاضي في نهاية الامر انسان، وبالتالي هو ليس منزها عن الخطأ. ولكن، أمام فكر تشريعي منافي، تاريخيا، لفكرة الطعون العقارية، كان الطعن بالتعقيب المكرس من قبل المشرع ذو نطاق ضيق. فعلى سبيل المثال، لا يشمل الطعن بالتعقيب القرارات السلبية. ورغم حسن نية ومبادرة المشرع بتكريسه الطعن بالتعقيب، لم  تكن نتائجه، للأسف، متناسقة مع الهدف المرجو والمنشود، حسب ما أوردته السيدة زينة الصيد. فمحكمة التعقيب لا يمكن لها أن تخوض في الأصل، مما يفسح المجال لدوام الأخطاء التي يمكن أن تكون قد شابتحكم التسجيل العقاري.

بعد استراحة القهوة، قام السيد أحمد بن طالب بترأس المائدة المستديرة في جزئها الثاني. وأسند في بادئ الأمر الكلمة للسيد محرز الحنافي، محامي لدى التعقيب.  ولقد بين الأستاذ في محاضرته الحاملة لعنوان "فقه القضاء وقرارات حافظ الملكية العقارية" ضرورة الرقابة المسلطة على قرارات حافظ الملكية العقارية، ذلك أنه يتخذ قرارات متنوعة فيما يخص الترسيم العقاري. ومن هنا، تتمظهر أهمية المراقبة إذ يمكن أن يصدر حافظ الملكية العقارية قرارا برفض الترسيم ويؤدىذلك، وتبعا لما سبق،الى عدم رضا أصحاب الحقوق. ويبقي الحل الوحيد أمامهم هو اللجوء إلى الطعن في قرارات حافظ الملكية العقارية عن طريق المحكمة العقارية. فكيف تعامل قضاة المحكمة العقارية بمناسبة نظرهم في الطعون المسلطة على قرارات حافظ الملكية العقارية؟ الإجابة على هذا السؤال استوجبت عملية استقصاء، و جرد واسع النطاق للقرارات الصادرة عن المحكمة العقارية، قام به السيد محرز الحنافي،  و الذي اتضح من خلاله أن الرقابة القضائية متأرجحة، فتارة تكون مقيدة، عملا بأحكام الفصل 388 من مجلة الحقوق العينية، وتارة أخرى تكون واسعة مستندة في ذلك إلى قواعد التحيين.

ولمزيد التعمق في مسألة قرارات حافظ الملكية العقارية، تدخلت السيدة محرزية الحجري، أستاذة مساعدة بكلية العلوم القانونية والسياسية والإجتماعية بمحاضرة تحت عنوان "الطعن في قرارات حافظ الملكية العقارية". ويتنزل الطعن في قرارات إدارة الملكية العقارية،المسماة حاليا بالديوان الوطني للملكية العقارية، كجزاء لخرق هذه الادارة لمبدأ الشرعية، الذي يفرض عليها إجراء رقابة على الصكوك المقدمة للترسيم. وفي هذا السياق، بينت السيدة محرزية الحجري،بطريقة مفصلة، أن هذا الطعن لا يصنف ضمن الطعون الإدارية، ولا يقترب من طرق الطعن لا العادية ولا غير العادية. فهو خصوصيوخاص،لا سيما على مستوى شروطه ومآله.

وفي نفس نسق الخصوصية، تتمظهر وتتبلور خصوصية القضاء العقاري بصفة عامة في كونه قضاءا مبتورا، حسب عبارات السيدة زينة الصيد. فمن ناحية نجد تعقيبا دون استئناف وهو ما تم تبيناه سلفا. ومن ناحية أخرى، نجد استئنافا دون تعقيب. وهو ما اوضحه السيد جعفر الربعاوي، في محاضرته الحاملة لعنوان''استئناف أحكام التحيين''، التي اشار فيها الى وجود مراوحة في الإستئناف في المادة العقارية، بين التبعية للاستئناف، المنصوص عليه في مجلة المرافعات المدنية والتجارية، وبين ضرورة الخصوصية التي تتطلبها المادة العقارية. فعلى سبيل المثال، الإستئناف في المادة العقارية لا يوقف التنفيذ على عكس ما هو مكرس في مادة المرافعات المدنية.

وعلى ضوء ما تقدم، يبدو جليا أن المائدة المستديرة كانت غزيرة بالمعلومات النظرية والتطبيقية حول مسألة الطعون العقارية، فجاء التقرير الختامي الذي أعدّته كل من السيدة ختام حفيظ والسيدة سامية رمضانة، أستاذتان مساعدتان بكلية العلوم القانونية والسياسية والإجتماعية قيّما، يلخص و بإطناب، الكم الهائل من المعلومات التي تهاطلت على الحضور، طيلة الصبيحة المخصصة للمائدة المستديرة، بل و تجاوزتا مجرد التلخيص، من خلال تحليل ما جاء فيهاوإثراءاه. وفي حقيقة الأمر، مسألة تنظيم وتحسين جودة المادة العقارية لا تتوقف فقط على الطعون العقارية وإنما يجب انتطال، حسب السيد جعفر الربعاوى، عدة مسائل أخرى يشوبها، إلى يوم الناس هذا، الغموض والاضطراب، مما قد يفتح المجال لإقامة ملتقيات علمية أخرى للتطرق لهذه المسائل، دعما منا لتطوير المادة العقارية وتعزيز حقوق ذوي الحقوق، المكفولة  من قبل القواعد  التي تتربع عل قمة السلم  و الهرم القانوني، بما في ذلك القواعد المنظمة و الحامية و الحافظة لحقوق الإنسان.

عن لجنة التنظيم
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.