أخبار - 2022.12.12

الهادي بن نصر: فرص تعاون تونسي/صيني (فيديو)

الهادي بن نصر:فرص تعاون تونسي/صيني

طرح السفير السابق الهادي بن نصر جملة من الآراء والمقترحات الكفيلة بدفع التعاون التونسي الصيني، وذلك في مداخلة قدمها خلال اللقاء الحواري الذي نظمته مؤخرا المجلس التونسي للعلاقات الخارجية، بحضور سفير الصين بتونس، وفيما يلي نص المداخلة:

تتنزّل مساهمتي في:

منظور المشروع الطموح لطريق الحرير الجديد "الحزام والطريق المتحدين" الذي تطرحه جمهورية الصين الشعبيّة والذي بإمكانه أن يندرج في جهود إرساء بنية جديدة لتفاعل ايجابي بين الاقتصاديات الوطنية على امتداد المعمورة ولاسيما قارات  آسيا وإفريقيا وأوربا فضلا عن قارة أمريكا اللاتينيّة وما يعوّل عليها من فتح لآفاق جديدة صلب علاقة التعاون والشراكة بين الصين و الدّول العربيّة التي تتموقع  في فضاء جغراستراتيجي هام يضم غرب آسيا وشمال إفريقيا.

وعلى ضوء مخرجات  المنتدى الصيني العربي ولاسيما دورته  المنعقدة  ب"بيجين"  في شهر جويلية /تموز 2018 وما بلوره من توجهات في منظور المشروع الطموح "لطريق الحرير الجديد" وفي أفق القمة الصّينية العربية  التي تنعقد  لأوّل  مرة في مستوى  قادة الدول وذلك بمدينة الرياض عاصمة المملكة العربية السعوديّة  في التاسع من شهر ديسمبر/ كانون الأوّل 2022.

وعلى ضوء  مخرجات المنتدى الصيني الإفريقي ولاسيما جولته المنتظمة في مطلع شهر سبتمبر/أيلول (2018) التي شهدت استضافة دولة الصين الشعبيّة بعاصمتها "بيجين" لمؤتمر قمة صينيّة إفريقيّة جمع ما يفوق عن 50 شخصيّة قياديّة رفيعة من إفريقيا تراوحت بين رؤساء دول ورؤساء حكومات.

ونظرا لما يوفّره المنتديان السالف ذكرهما من إطار أساسي هام للحوار وكأداة لتعميق الرؤى بين القيادة الّصّينيّة والقادة العرب والأفارقة لإرساء تعاون مشترك ومستدام  أساسه شراكة وثيقة على قاعدة تبادل النفع لأجل التنمية البشرية والاقتصادية والاجتماعيّة الشاملة وخدمة مصالح كل من دولة الصين الصديقة وشركائها دول الفضاء العربي (الممتد بغرب آسيا وشمال إفريقيا) ودول  قارة إفريقيا، لمواجهة التحدّيات وكسب الرهانات التي تقتضيها بيئة دوليّة متحوّلة من طور  قطب أوحد إلى طور وواقع تعدّديّة قطبيّة.

و انطلاقا من الاقتناع  بكون العلاقات السليمة بين الدول سواء في الإطار الثنائي أو الإطار المتعدد الأطراف يفضّل أن تنبني على أساس مبادئ التّعاون والتّضامن والشّراكة من أجل تبادل متوازن للمصالح يحقّق الكسب والرّبح والفائدة لكافة أطراف الشّراكة.

وفي كنف ما يحدو دول الجنوب من تطلعات كبرى لحصول نقلة نوعيّة باتّجاه إحلال مناخ أفضل صلب بنية العلاقات الدولية في المعمورة يضع حدّا لاستمرار "مستصارات processus" الصّراع الضّاري على المصالح الذّي طالما جرّ الويلات على الأسرة البشريّة  على امتداد التاريخ من العهود القديمة إلى التاريخ المعاصر.

وبناء على ما تتوق إليه  سائر شعوب المعمورة من تطلعات نحو مصير مشترك مزدهر في كنف الأمن والسلم والترقي الإنساني المستدام.

وبناء على ما يسجّل لدى دولة الصين المعاصرة من استعداد وقابليّة للإسهام في إحلال نقلة نوعيّة في بنية اقتصاديات المعمورة المعاصرة وتفاعلها إيجابيا ولاسيما مع دول وبلدان الجنوب المصنّفة بكونها دول سائرة نحو النمو والترقي وفي طليعتها فضائي القارة الإفريقية والآسيوية بما في ذلك دول النطاق العربي بغرب آسيا وشمال إفريقيا.

و تأسيسا على تعلّق تونس منذ فترة الكفاح ضد الاستعمار وبعد الاستقلال بترسيخ مفاهيم التحرر والسيادة في أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وذلك داخل محيطها العربي المباشر في شمال إفريقيا وغرب آسيا وكذلك تعلقها بنفس التوجّه في عمقها الجنوبي بقارة أفريقيا وانخراطها في نفس المنظور بحركة عدم الانحياز للتوقّي من التداعيات السلبيّة لحالة الاستقطاب الثنائي في بنية النظام الدولي التي سادت المعمورة عقب الحرب العظمى الثانية في أواسط القرن العشرين.

واستحضارا لحرص تونس بعد الاستقلال على الحفاظ على انتمائها الحضاري بالانخراط صلب جامعة الدول العربية ولما قامت به في ظلّ قيادة الزعيم  الراحل الحبيب بورقيبة من دور فاعل ضمن كوكبة من الدول الإفريقيّة لبعث كيان نظام إقليمي يشمل كامل قارة أفريقيا والذي تمثل آنذاك في تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية. 

واستنادا إلى ثوابت السياسة  الخارجية التونسية منذ الاستقلال القائمة على التفتح وتوثيق روابط والتعاون دوما مع شتّى فضاءات المعمورة و في مقدمتها النطاقات العربية الإسلامية والإفريقية والمتوسطية وعلى النطاقات الكوكبية الأخرى الأوسع (أوروبا/آسيا/الأمريكتين/ والدول الأقيانوسيّة الأخرى).

وبناء على وجود تلاق في الرّؤى بين تونس والصين في باب التطلّع  الطموح لبناء شراكات مبنيّة على قيم التعاون  والتّضامن لتبادل المصالحوللدفع إلى الأمام بعجلة الترقي والتقدم الإنساني بأوسع نطاق ضمن المعمورة  وهو ما يتنزل ضمن منظور إنساني طموح وفاضل.

واستحضارا في الذهن لموقع تونس الاستراتيجي في قلب الضفاف الجنوبيّة للبحر الأبيض المتوسط  وبقلب فضاء شمال إفريقيا، وللعمق التاريخي لقيام كيان الدولة في تونس التي كانت  قديما تسمّى "إفريقيّة /Ifriqiya "  ولاسيما منذ تأسيس دولة قرطاج على ترابها في القرن الثامن قبل الميلاد- وتوخيها آنذاك نهج تبادل المصالح بالتعامل التجاري والاقتصادي السلمي  مع كافة البلدان الأخرى بضفاف البحر الأبيض المتوسّط وتفادي استخدام نهج  القوّة معها سوى اضطرارا للدفاع عن كيانها، وهو ما مكنها من منزلة قوة جغراسياسيّة و حضاريّة كبرى  في حوض البحر الأبيض المتوسط. 

ومعاضدة  لأي جهود رسمية أو غير رسميّة  في سبيل  تنزيل الشراكة الصينية التونسية في منزلة فضلى للجانبين وتسكينها على أحسن ما يكون التسكين ضمن الكيانين  الأوسعين المنشودين للشراكة الصينيّة/ العربيّة، و الشراكة الصينيّة / الإفريقية؛ وبالتالي الإسهام في أيّ جهود تندرج في نطاق تحويل الشراكة المنشودة من الطرفين من حيّز الرّؤى والتّصوّرات النظريّة إلى حيّز التجسيم والفعل على أرض الواقع.

ومن منطلق طبيعة و أهداف  المجلس التونسي للعلاقات الخارجية كمجمع للتفكير والاستشراف في شؤون العلاقات الدولية وتحلّيه بالكفاءة والقدرة على  طرح الرؤى القابلة للاستغلال من قبل سلطات القرار على السواء من الجانب التونسي أو الجانب الصيني  يتراءى من المفيد والمناسب  في  هذا اللقاء  عرض  جملة من الأفكار والاقتراحات والتوجهات العمليّة  التالية مع خالص التطلع لقيام شراكة تونسيّة صينيّة خصبة ومثمرة للجانبين تكون بمثابة "خليّة جذعيّة stem cell  " صلب الشّراكتين الصينية العربية والصينية الإفريقية والتي يمكن أن تشمل أيضا الفضاء الأوروبي شمال البحر البيض المتوسط.

طرح صيغ شراكات متاحة

يتراءى للمجلس التونسي للعلاقات الخارجيّة من المواتي والمناسب أن يعرض ما يلي:

قابلية تونس في نطاق الشّراكتين المنشودتين لأن تكون  بحكم موقعها الجغراستراتيجي (العربي –الافريقي –المتوسطي) بمثابة منصّة حاضنة لشراكات تشمل الفضاءاتالمتداخلة العربية و الآسيوية والإفريقية والمتوسطيّة.
و بالفعل إنّ حيويّة موقعها الجغراستراتيجي يخوّلها لمثل هذه المنزلة، فضلا عمّا يتوفّر لديهامن مجتمع حيوي نشيط  بطاقات ذات كفاءة بحكم نتاج خيارتها في باب التنمية البشرية الشاملة والتعليم والنهوض الاجتماعي والثقافي منذ عهد الاستقلال في أواسط القرن العشرين ، ولما حقّقته على طريق بناء الدولة المدنيّة  وما تطمح لتبنيه  بعد الانتفاضة السلميّة لشعبها في موفّى العقد الأوّل من هذا القرن من توجّهات نحو التنمية البشرية المستدامة وخيارات لبناء اقتصاد متضامن وذي كفاءة للانخراط والتفاعل الايجابي مع الكيان الاقتصادي الكوكبي.

قابليّة تونس لأن تكون منصّة وفضاء يجسد الشراكة الفاعلة والناجعةمع الصين ضمن نطاقاتها الكبرى المتداخلة في مجالات أولوية محوريّة وذات قيمةمضافة عالية المستوى.

يمكن على سبيل الذكر وليس الحصر أن تشمل المجالات التالية  الّتي تتنزّل  في باب التنمية الشاملة والمستدامة:

التقانة/ التكنولوجيا الرقمية والذكاء الاصطناعي، والتجديد التكنولوجي  ولتونس قابليات وطاقات كامنة  تكفل اضطلاعها  بدور قطب إشعاع وأداء خدماتي  مشترك لقطاعاتت خدماتيّة  على الساحات العربية /الافريقية /المتوسطية في المجالات المعنيّة.

التقانة متناهية الدقّة/ تكنولوجيا النانو (بحكم عدم اعتماديتها العالية كمّيا على مواد أوّليّة ).

الطاقات المتجددة  وفي عدادها أساسا الطاقة الشمسية والطاقة المستمدة من الهيدروجان وتيارات البحر وطاقات  الرياح.

تقانة تحليّة المياه والزراعات البيولوجيّة.

حيازة  تونس قابليّة حسن التموقع ضمن شبكة  المشاريع الإستراتيجية الكبرى للبنية الأساسية الواسعةالنطاق على صعيد القارتين آسيا وإفريقيا في إطار منظور "الطريقوالحزام المتحدين" وتثمير موقع تونس لكي تكون عقدة قطبية في بنية المواصلات والاتصالات بكل أنواعها:
- طرق برّية سيارة  وخطوط سكك حديد   ومواني بحريّة،
- في نطاق ترقية الشبكةالعالمية السيبرنية (المعلوماتيّة/ الأنترنت) بنسيج ربط بحري بالألياف الضوئيّة في منظور الحزام والطريق، لتونس موقع مثالي يخولها  لتكون بمثابة عقدة رئيسية لمثل هذا الربط  السيبرني المتطور  في حوض البحر الأبيض المتوسط نحو شمال أرويا عبر المضيق البحري بين تونس صقلية؛وهو ما يتيح أيضا قابليّة  التشبيك في  البنية الأساسيّة للربط السيبرني غزير السيّالة أفقيا وعموديا مع الفضاء العربي والإفريقي والأوروبي.

وبخصوص النقل البحري

إمكانية قيام  شراكة تونسية صينيةللإنشاء وكذلك التسيير المشترك لإنجاز المشاريع التالية على سبيل المثال:

ميناء بحري كبير بخليج تونس الواسع الكائن  في قلب الضفاف الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط  والضفاف الشرقيّة لخليج تونس الممتدة  من غرب مدينة سليمان إلى مدينة قربص تتيح مجالا فسيحالإنشاء أرصفة طويلة وواسعة ومخازن  ومستودعات متعددة ومساحات كبرى للحاويات  توفر بديلا عن  مرفأ  رادس/حلق الوادي المختنق حاضرا والمتعذر توسيع أرصفته ومساحات التخزين فيه.

سانحيّة خيار تركيز مرفئ بحري كبير  بساحل مدينة بنزرت ذات الموقع الاستراتيجي؛وهذا يمكن أن يكون بديلا عن مشروع بناء مرسى المياه العميقة بساحل مدينة النفيضة(الذي يبقى قيد إعادة الدراسة لاسيما من حيث تـأمين الحفاظ على سلامة مياه الساحل البحري  التونسي الشرقي ولاسيما بخليج الحمامات وحيويته بالنسبة للقطاع السياحي والحفاظ عليه كمجال متاح لامتداد نسيج النزل التونسية مابين قطب نزل جنوب الحمامات باتجاه مدينة سوسة وكذلك شمالا بباقي سواحل شبه جزيرة الرأس الطيب).

إن إقامة مثل هذين المرفأين البحريينسواء بخليج تونس أو بساحل مدينة بنزرت بمواصفات فنية عصرية وبطاقة تشغيلية واسعة كفيلة بالإشعاع والنّفاذيّة نحو العمق جنوبالوسط إفريقيا وكذلك نحو الشمال باتجاه أوربا بما من شأنه أنيعزّز سلسلة البوابات الرئيسية لخطوط النقل البحري العالمي في البحرالأبيض المتوسط وتواؤمها وظيفيا واقتصاديا مع منظور الطريق والحزام وهو يعدّ حلقة رئيسية في عقد المواني الكبرى  للضفاف الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط الكفيلة بربط كل من مصر و ليبيا وتونس والجزائر والمغرب.

توفر فرصا لشراكة لتطوير شبكة سكك الحديد والطرق السيارة على امتداد التراب التّونسي  وربطها بكل من الحدود مع البلدين الجارين لتونس ،الجزائر غربا وليبيا في الجنوب الشرقي. وفي هذا النطاق يمكن درس جدوى مدّ خط سكك حديد رئيسي يربط تونس وليبيا ويتجه جنوبا لوسط  القارة الإفريقية  مرورا بشرق النيجر والتشاد وهو ما من شأنه أن يفك عزلة بلدان الساحل والصحراء وينشط حركة التبادل الاقتصادي مع ذلك الفضاء فضلا عن بقية بلدان قلب القارة.

شراكة متاحة  في استحداث منطقة كبرى للتجارة الحرة بساحل مدينة جرجيس جنوب شرقي البلاد التونسية.
في نطاق التعليم والتعاون الأكاديمي والبحث العلمي
إقامة شراكات ما بين  مراكز بحثومختبرات  صينية وتونسيّة  ولاسيما في مجالات حيوية كالطب والبيولوجية والبحوث والصناعات الدوائية للاستخدامات البشرية والحيوانية  والنباتية، و في مجالات حماية البيئة وإصحاحها وفي وتحلية المياه وتدوير المياه المستعملة  وكذلك في مجال علوم  الفيزياء والكيمياء  والرياضيات.

في نطاق بنية الخدمات ولاسيما  المؤتمرات والمنتديات الدولية المختلفة

إمكانية شراكة لإنشاء"مجمع كبير للمؤتمرات الدولية"يدار بشراكة تونسية صينيّة طويلة المدى؛ ومن المناسب والمفيد أن يرفد بتأسيس معهد عال تونسي صيني  للتكوين في مجال الترجمة الفورية للغات العالمية الرئيسية المعتمدة في الأمم المتحدة.
(ويمكن للمجمع المعني أن يركز بمنطقة جنوب الحمامات وبجوارمنطقة المطار الدولي بالنفيضة) حتى يتاح بواسطتهإيواء مختلف المنتديات والمؤتمرات التي يمكن أن تعقد فيه سواء في نطاق الطريق والحزام المتحدين أوفي النطاقات الأوسع والأشمل.
وجدير في هذا الخصوص الإحاطة علما أن تونس تتطلع لاستحداث "منتدى قرطاج/الحمامات" ليكون  كنظير للمنتديات الدولية الكبرى الأخرى في العالم، ومعاضدة الصين لها في مثل هذا المشروع الطموح حيويّة وجدواه مضمونة لما يوفّره موقع تونس من ميزة القرب لكل من إفريقيا وآسيا وأروبا،وهو عامل أساس في معيار  الجدوى ومتطلباتها فضلا عما تتيحه تونس من قابليات وكفاءة في باباللّوجستيات والخدمات المعتدلة الكلفة لاحتضان مؤتمرات شتّى في ظروف مناسبة لكافة المشتركين والمرتادين للأنشطة التي يمكن للمجمع المنشود أي يؤويها مستقبلا.

الحاجة الماسة  لشراكة في مجالات الحفاظ على البيئة السليمة و على المناخ الطبيعي  وتطويق التصحّر وشحّ المياه البيئة وتغيرات المناخ والتصحّر وشح مصادر المياه تعد من أهم التحديات التي تواجه أرجاء واسعة من قارة إفريقيا وغرب آسيا وشمال إفريقيا وبلدان الساحل والصحراء في صدارتها.
 وهذه التحديات الخطيرة  تنطوي على تهديد مصيري لحياة الشعوب في  النطاق الجغرافي المعني في ظل نمو سكاني عال يضيق به المكان بمرور الزمن ويدفع لهجرة كاسحة نحو الشمال ولا سبيل لتطويقها إلاّ بجهد دولي متضامن يكفل تحقيق شروط بقاء السكان وظروف العيش المستدام والأمن الغذائي  بأوطانهم التي أصبحت نطاقا صحراويا لا يطاق وفي حالة مدّ متصاعد.

وهذا الواقع يمكن تغييره بحكم أنّلقارة إفريقيا حزاما وسطيا مطيرا  جدّا  ورطبا  وفيهاأنهارا كبرى يضيع القسم الأكبر من سيولها إما في عرض المحيط الأطلسي أو البحر الأبيض المتوسط  وكذلك المحيط الهندي، وتبقى في حاجة ماسة لاستغلال عقلاني بربط البعض منها بالبعض الآخر بغرض الاستغلال القياسي لمصادر المياه الإفريقية لفائدة الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية وكذلك توليد الطاقة النظيفة وغير الناضبة  بواسطة تشييد  السدود.

ويبقى  من باب الطموحالممكن والضروري وغير المستحيل  التفكير في تحقيق  مشاريع ربط استراتيجي بين نهر الكونجو والنيجر وكذلك النيللمجابهة التغير المناخي الزاحف والتصحّر. ومثل هذا المشروع بإمكانه أن يعدّ بمثابة تجسيم حقيقي لمنظور الحزام والطريق حيث أن إقامة حزام ربط جامع للأنهار الإفريقية الثلاثالكبرى بإمكانه إيجاد ظروف إيكولوجية أفضل للحياةوالزراعة والتنمية المستدامة بنطاقات جغرافية واسعة صارت أرضا جرداء وكذلك تأمين منظومة لتوليد الطاقة الكهربائية النظيفة والمستدامة وإرساء شبكة تزويد  بقدرات عالية كفيلة بتغطية حاجيات القارة وزيادة.

إنّ نهر الكونغو العظيم  لوحده يصب هدرا في المحيط الأطلسي حجما مهولا من المياه تفوق سنويا  مليار وثلاث مائة متر مكعب؛وبقائه غير مطوّع ومستغل قياسيا لفائدة الأرض والبشر  سواء بالكونغو أوفي نطاق واسع من جواره الإفريقي شمالا يعد مأساة  ينجرّ عن استمرارها معاناة الكونغو من الفيضانات وتغدق التربة فيه وبالتالي معاناة سكانه وتوطن الأمراض والأوبئة في بيئتهم الطبيعية. والخلاص من هذا الوضع المأساوي ممكن من خلال إحكام استغلال النهر العظيم وترشيده لتوفير مصادر الطّاقة والمياه والري  لمعظم فضاء القارة الإفريقية شمال خط الاستواء ولاسيما بمنطقة الساحل والصحراء وحتى لليبيا ومصر وهو ما من شأنه ضمان مقوّمات التنمية والتطور الاقتصادي  والاجتماعي والأمن الغذائي في القارة الإفريقيّة ويحقق لها ثقلا وازنا في تطوّر اقتصاديات المعمورة.

وللصين الكفاءة والتجربة (لاسيما تطويعها لنهر يانغ تزي)لتسهم في مثل هذا المشروع الطموح والحيوي لـتأمين مصادر مياه وشروط عيش مستدام في قارة زاخرة بالموارد وذات كتلة سكانية متصاعدة معرضة لمجابهة تحديات البقاء على أرضها عبر معاضدتها لترشيد استغلال مواردها وتمكينها من ثقل وازن في نماء اقتصاد المعمورة.

الهادئ بن نصر
- دبلوماسي تونسي متقاعد وسفير سابقا
- خبير سابقا لدى المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم
- خبير سابقا لدى المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية
- نائب رئيس الجمعيّة التونسية لقدماء السفراء والقناصل العامين
- عضو الهيئة المديرة للجمعيّة التونسية للدراسات الدولية.



 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.