أخبار - 2022.09.06

تونس: النادي الرياضي الصفاقسي زمان الرئيس بورقيبة

تونس: النادي الرياضي الصفاقسي زمان الرئيس بورقيبة

بقلم الأستاذ عبد السلام القلال - مناضل من جيل الاستقلال وبناة الدولة الوطنيّة.  النادي الرياضي الصفاقسي له مساهمات كبيرة في انطلاق الثورة الرياضيّة في تونس بعد الاستقلال أي بداية من خطابي الرئيس الحبيب بورقيبة سنة 1961 وسنة 1962 حول المفهوم الجديد للرياضة في تونس وشمولها لمختلف المجالات.

شارك النادي فعليّا في أهم أحداث الإصلاح وتطوير رياضة كرة القدم في المستوى الوطني والجهوي مثلما جاء في مقتطفات من مذكرات الأستاذ عبد السلام القلال تحت عنوان " الحلم والمنعرج الخطأ" بوصفه أول رئيس للنادي بعد تغيير اسمه من النادي التونسي إلى النادي الرياضي الصفاقسي من سنة 1961 إلى سنة 1964، نتعرّض إليها اليوم ونحن على أبواب مباراة الدور النهائي لكأس تونس وذلك يوم 11 سبتمبر 2022 بالمعلب الأولمبي حمادي العقربي برادس.

ونذكّر اليوم بالدور الطلائعي الذي لعبه النادي في بداية الستّينات، لتطوير رياضة كرة القدم من الناحية الأخلاقيّة والفنيّة، مما جعل النادي الأنموذج لعدة سنوات حتّى لا ننسى، لأن ذاكرة التونسي قصيرة، ومن الواجب التذكير بفترات العز والإبداع حتّى لا تغمرها آفة النسيان.

رئاسة النّـادي الرّياضـي الصفاقـسي

لمّا تحمّلت مسؤولية مساعد مندوب الحزب في صفاقس كان من أهّم الميادين التّي استأثرت باهتمامي ميدان الشّباب والرياضة. وهذا طبيعي بالنّظر إلى سنّي آنذاك. وقد بادرت بزيارة الجمعيّتين الرياضيّتين الموجودتين على الساحة، والتّي لها حضور في اختصاصات رياضيّة متنوعة ينشط فيها الشباب، كجمعية الرالوي، وجمعية النادي التونسي، وطبيعي أنّ ميولي اتجهت نحو النّادي التونسي وهو النادي الذّي أحببته منذ الصغر، وتعلّقت به، وأصبحت من المعجبين بالعديد من أبطاله أمثال بن سلامة ومرزوق وبسباس والجلّولي والنّجار وغيرهم.

والنادي التونسي قبل أن يصبح النادي الرياضي الصفاقسي، كان من الأندية التونسيّة العريقة. فقد تأسّس في شهر ماي من سنة 1927 على أيدي ثلّة من شباب صفاقس وإطاراتها المحبّين لرياضة كرة القدم والمتحمّسين لها، والحريصين على أن تكون جهتهم قادرة على التنافس مع بقيّة الجهات والنوادي التابعة لها.

وبما أنّ الدولة التونسيّة الحديثة، والرّاعية للمجتمع، كانت تحرص على تعصير كلّ الهياكل والمؤسسات والمنّظمات الموجودة على الساحة وتعمل على تدعيمها وتونستها بتجديد إطاراتها ووسائل عملها، وتوضيح أهدافها، حتّى تكون أوّلا في خدمة المجموعة التّي بعثت فيها، ومن خلالها في خدمة المجتمع ككّل فقد سعينا، بمساعدة الأخ عبد المجيد شاكر مدير الحزب ورئيس بلديّة صفاقس الذي كان مولعا برياضة كرة القدم إلى الارتقاء بالنادي التونسي وتعصيره. وقد طلب منّي كمساعد مندوب الحزب أن أتولى رئاسة النّادي وأن نعمل على أن نجعله أنموذجا لما ينبغي أن تكون عليه الجمعيات الرّياضية في دولتنا الناشئة. وفعلا كان النادي التونسي آنذاك في حالة من التردّي لا مثيل لها: ضيق في الامكانيات وانحلال في التسيير وعدم انضباط اللاعبين وتدني المستوى الفنيّ وعدم الشعور بالمسؤولية في كلّ المستويات. كلّ هذا جعل النادي سنة 1961على وشك النزول إلى القسم الشرفي.

فبادرت بالاتصال برئيس النّادي آنذاك الدكتور الحبيب لرقش، وكان رجلا رصينا ومرحا في آن واحد، كما كان يحبّ العمل الجمعياتي ويهبه من فكره ومن وقته الكثير، وفاتحته في الموضوع، وطلبت منه أن نتعاون معا على تغيير الأوضاع في النّادي، فاستجاب بدون تردّد ورأى أنّ في ذلك ضرورة ملحّة نظرا لما كان النّادي يلاقي من صعوبات في التأطير والتّمويل. وعرضت عليه مواصلة تحمّل المسؤولية في خطّة مساعد رئيس فقبل بصدر رحب. وهكذا أصبحت رئيسا للنادي بداية من سنة 1961 وبمساندة مطلقة من طرف الهيئة المديرة إلى غايـة سنة 1964.

تطوير العقليّة وتعصير طريقة التسيير

لقد كنت، قبل تحمّل مسؤوليّة رئاسة النادي، أجالس من حيـن إلى آخر بمقهـى الفتـح بمدينـة صفاقس، عشّية يوم السبت، عدة إخوان من مسؤولي النّادي مثل محمد الغزي وصالح بسباس والصادق الحلواني ومحمّد الجرّاية وغيرهم. ويدور الحديث بيننا عن المباريات التّي ستقع يوم الغد، فترى كلّ واحد يدلي برأيه في التّركيبة، من سيكون في الجناح الأيمن ومن في الجناح الأيسر، ومن يكون في قلب الهجوم، ومن في الدّفاع، وعندما يقع شبه اتفاق يتّولى أحدنا تسجيل تركيبة اللاعبين على ورقة صغيرة تقطع من غلاف علبة السجائر. وهذه عيّنة ممّا كانت عليه الممارسات في ذلك الوقت.

لقد كان الشعور السائد لدى الجميع، ولدى هؤلاء بالذّات، أنّه يجب تغيير ظروف العمل وأساليبه وتوفير الامكانيات لذلك، وعندما اتّصلت بالهيئة المديرة لإعلامها بما استقّرت عليه سياسة الحزب إزاء النّادي استبشر جميعهم، وكأنّهم كانوا ينتظرون من ينقذ النّادي من الوضع الذّي تردّى فيه وقبلوا بقيادة الحزب لناديهم، كما قبلوا بكلّ حماس ورحابة صدر التّركيبة الجديدة لمكتب النّادي، التّي هي في الواقع التركيبة القديمة مع توسيعها بإلحاق عدد من الكفاءات الرّياضية التّي أفرزت فيما بعد عددا من المسؤولين الذّين واصلوا حركة التّجديد بعد انطلاقها، وأخذوا بيد النّادي، وحققوا العديد من الانتصارات. وقد برز من هذه التركيبة عضوان قادا النادي فترة طويلة مليئة بالنّجاحات، وهما المرحوم التوفيق الزّحاف والأخ اسماعيل البقلوطي.

وفي حديثي عن النّادي الرياضي الصفاقسي لا يمكنني إلاّ أن أقف عند مسيرة هذين الصديقين الحميمين اللّذين جمعتني بهما المسيرة الرّياضية وترأسا النادي باقتدار وتفان، فتركا في تاريخه أطيب الأثر وأصبحا من أعلام الرياضة في جهة صفاقس.

وفي رئاستي للنادي حرصت على خلق جوّ من التعاون بين الجميع مع تحميل كلّ الأعضاء مسؤولياتهم على رأس الفروع ومختلف الاختصاصات. وتمّت إعادة النّظر في كيفية التّسيير وطريقة التّصرف على مستوى الدخل والصرف وإعداد الميزانية، بما يوفر إمكانيات إضافية لمساعدة اللاعبين وإعانة عائلاتهم إن كانوا في حاجة إلى ذلك، وفعلا نظّمت الهيئة وجبة فطور يومية غنية بالبروتينات تقدم إلى اللاعبين بعد التمارين الصباحية. كما كانت توّزع على عائلات الرياضيين المعوزة، ثلاث مرّات في الأسبوع كمية من اللّحم لتغذية كامل أفراد العائلة.

والعناية بغذاء اللاعبين لها أهميّة كبرى وانعكاس مباشر على مردودهم فوق الملعب. وكان ذلك يمثّل حافزا مهّما للجميع في غياب نظام الاحتراف. لكن كان الشعور بالانتماء إلى الجمعيّة قويّا، وكان الإيمان بالرّوح الرياضية متجذّرا في قلوب الجميع نظرا لتوعية الشباب وتأطيره من طرف الحزب. فكانت الأولوية بالنسبة للرياضيّ هي القيم الأخلاقية والمعنوية قبل الكسب والربح خاصّة أنّ المعوزين من اللاعبين كانت تقدّم إليهم مساعدات من قبيل توفير الشغل القار أو منح رخصة لفتح مقهى.

من النادي التونسي إلى النادي الرياضي الصفاقسي

كان لابدّ من القطع مع الماضي في الشكل والمضمون، وفي نطاق هذا التوجّه، كان من أوّل القرارات التي اتّخذتها الهيئة المديرة الجديدة، تغيير اسم النادي وإعطاؤه اسمه الحالي وتغيير ألوان زيّه من الأحمر والأخضر إلى الأبيض والأسود، ولم يأت هذا القرار بمحض الصدفة، أو من باب التنكر للدور الذّي اضطلع به النادي التونسي، وما قام به زمن الاستعمار من تأطير شباب الجهة وتنمية الروح الرياضية فيه، بل لإعطائه اسما ممّيزا يربطه بالجهة التّي ينتسب إليها حسا ومعنى ويجعله ينسجم أكثر مع ما عرفت به جهة  صفاقس من جدّية ومثابرة،  وهكذا بقدر ما كنّا متشبثين بتاريخ النادي وعراقته أردنا أن تكون الاستمرارية والتواصل باسم جديد وألوان جديدة وعقلية جديدة وروح رياضية متجدّدة.   

وللارتقاء بمردود النادي، فكّرت الهيئة، في جلب ممّرن من خارج تونس. وممّا سهل القيام بهذه المبادرة الجريئة العلاقة المتينة التّي كانت تربط الأخ عبد المجيد شاكر مدير الحزب بسفير يوغسلافيا في ذلك الوقت. ممّا ساعد على انتداب الممّرن اليوغسلافي الشهير " كريستيك Kristic" الذي كان ذا شخصيّة قويّة وكفاءة عالية وقدرة فائقة على تأطير اللاعبين وفرض الانصياع والامتثال لتعليماته. وقد حجّر على المسؤولين في الهيئة المسيرة للنّادي التدّخل في تسيير الفريق، ووضع حدّا لعادات وممارسات تضّر أكثر مما تنفع، وأدخل طريقة جديدة في اللعب على الميدان عرفت بـ" 4-2- 4 " وقد ميّزت النّادي الصفاقسي لسنوات. وكانت هذه الطريقة تمثل أحدث ما أنتجته الكرة الأوروبية. كما كوّن إلى جانب فريق الأكابر، مدرسة للأطفال والشباب تعمل بصورة دائمة وتستقطب الأطفال من الساحات العامة المفتوحة للنشاط الرياضي وكذلك من المدارس.

وأصبح النادي يضّم بين لاعبيه شبابا من المعاهد الثانوية تسهر الهيئة مع الممّرن على مساعدتهم لمواصلة دراستهم في أحسن الظروف. ومن بين هؤلاء الشباب من نجح في دراسته الجامعية وأصبح يحتّل مناصب مرموقة بالإدارة، أذكر منهم المنصف القايد الذي أصبح مديرا عاما للبحث العلمي في وزارة التعليم العالي، ورؤوف النجّار الذي أصبح وزيرا للتّربية ثمّ سفيرا لتونس بباريس ومحمّد خروف وعبد العزيز الفراتي اللذين أصبحا مسؤولين عن مؤسّسات اقتصاديّة هامّة، وهذا يعنى أنّ تعاطى الرياضة لا يتعارض مع مواصلة الدراسة وتحقيق النجاح. فعلا كان النادي الرياضي الصفاقسي مدرسة بأتّم معنى الكلمة تجسّم الروح الرياضيّة والأخلاق العالية والتنافس الشريف والفنيّات الرياضيّة في أعلى مستوى.

النّادي الرّياضي الصفاقسي في قلب الإصلاح

إنّ أهمّ دور قام به النّادي الصفاقسي كان في المستوى الوطني، وذلك بمناسبة التئام الجلسة السنوية للجامعة التونسية لكرة القدم التّي انعقدت برئاسة المرحوم الشاذلي زويتن في جويلية 1962. وقد مثّلتُ شخصيّا النادي في هذا الاجتماع بوصفي رئيسا له إلى جانب ممثلي النوادي الأخرى بالجهات وبتونس العاصمة، وقد افتتحه الشاذلي زويتن بعرض مطوّل لنشاط الجامعة دون التعرّض لأهم المشاكل التّي كانت تعاني منها جلّ الأندية. وعند إنهاء كلمته لم يجرأ أحد من الحاضرين على إثارة البعض من هذه المشاكل التّي كانت تعيشها النوادي داخلها وفي علاقتها بالجامعة، بسبب عدم تفعيل العديد من القوانين واحترامها. وكنت أعددت ملفا حول العديد من هذه المواضيع وطلبت الكلمة لبسط البعض منها، وللاستفسار عن دور الجامعة ومندوبيها في الجهات في دعم النوادي ومساعدتها على حلّ مشاكلها.

كنت في هذا الاجتماع، الوجه الجديد الوحيد الذّي يحضر لأوّل مرّة الجلسة العامة للجامعة، وقبل أن يحيل إليّ الكلمة، توجّه إليّ رئيس الجامعة بلهجة قوّية وبشيء من الغطرسة متسائلا: من أنت ومن تمثّل؟ فأجبته بهدوء: أنا رئيس النادي الصفاقسي أردت أن ألفت اهتمامكم إلى العديد من الصعوبات التّي تعترض النوادي وذلك لمعرفة ما يمكن أن تقدّمه الجامعة لتذليلها خاصّة وأنّنا لم نجد المساعدة المطلوبة من ممثليها بالجهات.

وبينما كنت أواصل شرح هذه الصعوبات أوقفني رئيس الجامعة ومنعني من مواصلة التدّخل معتبرا أنّي تجاوزت حدودي وأنّ لهجتي فيها تحدّ لهيئة الجامعة ولشخصه، وكان وقتها معروفا بأنّه صاحب الكلمة التّي لا تردّ، ممّا أدّى إلى مشّادة كلاميـة بيني وبينـه فقلت له:" إنّي موجود في هذا الاجتماع لأعبّر عن رأي مسيري النّادي الرياضي الصفاقسي وجمهور الرياضيين بجهة صفاقس، وأقول هذا ليس بوصفي رئيسا لنادي من النوادي بل باعتباري مسؤولًا في الحزب الحرّ الدستوري التونسي، ولا يمكن لي أن أكون راضيا عمّا أسمعه وأراه، وبالخصوص عندما لا ينسجم مع سياسة الدّولة والحزب ويتعارض مع مصلحة كرة القدم." وأنهينا المشادة الكلامية بعدم مواصلة الاجتماع، فقد تركت القاعة وقفلت راجعا إلى صفاقس، ومن الغد هاتفني مدير الحزب عبد المجيد شاكر ليعلمني بأنّ رئيس الدّولة يدعوني لمقابلته.

إقالة الشاذلي زويتن من رئاسة الجامعة التونسيّة لكرة القدم

توجهت في اليوم الموالي إلى قصر قرطاج حيث استقبلني الرئيس بحفاوة، وبدأ الحديث معي حول جهة صفاقس بصفة عامة من الناحية الاجتماعية والاقتصادية ثمّ قال لي:" بلغني أنّ اجتماع الجامعة وقعت فيه مشادة كلامية بينك وبين الشاذلي زويتن، فهل من تفاصيل حول الموضوع وماهي الأسباب؟" فأعلمته بما جرى، وعرضت عليه بعض المشاكل التّي تعاني منها الأندية، وبينت له أنّ الصلة بين الجامعة والنوادي ليست على أحسن حال، فهناك العديد من المشاكل لم تحظ بالعناية والدرس قصد فضّها، فضلا عن أنّ طريقة التسيير والتعامل في الجامعة تعتمد على الانفراد بالرأي والكثير من الغطرسة، مع عدم الانسجام بين الإدارة والجامعة.

وقد أحسست بأنّ الرئيس على علم مسبق بالوضع، وخاصّة بعدم الانسجـام بين الجامعـة والإدارة العامة. فأجابني أنّه قرّر إزاحة الشاذلي زويتن عن رئاسة الجامعة وتعيين السيد محمد مزالي على رأس هيئة مؤقتة تعمل على دراسة وضع كرة القدم وإعداد مؤتمر لانتخاب هيئة جديدة. ثمّ طلب منّي أن أكون مساعدا لمحمد مزالي في هذه الهيئة، وهاتف السيد عبد المجيد شاكر مدير الحزب طالبا منه جمع الإطارات الرياضية والقومية في تجمّع كبير ببورصة الشغل في أقرب وقت ليدلي برأي الحكومة في خصوص هذا الموضوع.

لقد كان التغيير الذّي حصل على رأس جامعة كرة القدم ضروريا في تلك المرحلة لتنقية الأجواء وتجديد المسيرين في مستوى النوادي والجامعة وإدخال دم جديد، وتفكير جديد، ونظرة جديدة في الميدان الرياضي بصفة عامّة وفي مجال كرة القدم بصفة خاصّة، من أجل تطوير الوسائل وطرق التسيير في كلّ الهياكل حتّى تكون الرياضة عاملا أساسيا في بناء تونس الجديدة. فمن أجل هذا، ومن أجل وحدة القرار وهيبة الدّولة، أقبل الرئيس على أخذ هذه القرارات الجريئة، فإبعاد الشاذلي زويتن كان الهدف منه وضع حدّ للتّجاذبات والمشاحنات التّي كانت تتصف بها علاقة الجامعة بإدارة الشباب والرياضة والتّي أدخلت الارتباك والعجز على عمل النوادي. وكان المطلوب وضع حدّ لها من أجل توحيد سياسة الدّولة في هذا المجال، وهو ما كان يرغب فيه محمد مزالي وعمل من أجل تحقيقه، فالتقينا معا في المهمّة نفسها.

وقد أدّى هذا الوضع بالرئيس إلى التوجه من جديد إلى الشعب التونسي بخطاب ثان حول الرياضة ودورها في دولة الاستقلال. الخطاب الأول كان توجه به إلى الشعب التونسي في 30 سبتمبر 1960، وقد تناول فيه بإسهاب السياسة الجديدة للدّولة والهادفة إلى تشجيع ممارسة الرياضة بجميع أنواعها في مختلف الفضاءات، على أن تشمل كلّ المواطنين كهولا وشبابا عمالا وطلبة وتلاميذ، وأعطى في هذا الخطاب تعليماته إلى مختلف كتابات الدّولة حتّى تولي أهميّة لممارسة مختلف الرياضات، مؤكدا على ضرورة تخصيص ساعة في اليوم من ثماني ساعات عمل في الحضائر يُمارس فيها العمّال الرياضة.

الميثاق الرياضي

أمّا الخطاب الثاني فقد توجه به الرئيس الحبيب بورقيبة إلى الشعب من جديد من خلال اجتماع ترأسه في بورصة الشغل، في 22 جويلية 1962 وجمع كلّ إطارات الدّولة والحزب والولاة ومندوبي الحزب، وممثلي المنظّمات القومية، والموظفين السامين وأعضاء الهيئة الأولمبية والمجلس الأعلى للشباب والرياضة والجامعة التونسية لكرة القدم وممثلي الجامعات الأخرى ومسيري النوادي والحكام والممرنين ومندوبي إدارة الشباب والرياضة بالجهات. وأراد الرئيس بهذا الحضور المكثف لإطارات الدّولة والحزب التعبير عن أهميّة الحدث وضرورة الانسجام مع سياسة الدولة والحزب في الميدان الرياضي.

وأراد بهذا الخطاب أن يضع حدا للتّجاذبات بين مؤسسات المجتمع المدني وسلطة الدّولة التّي لا تقبل الازدواجية في مركز القرار والنفوذ، خاصّة بين جامعة كرة القدم وإدارة الشباب والرياضة، فالجمعيات الرياضية كانت تعيش بين بين، صلب صراع خفي بين الجامعة التّي تعمل باستقلالية تامة عن الإدارة وإدارة الشباب التّي تسهر على تطبيق القانون واحترامه. وهذا ما يرفضه الرئيس حيث أثار في بداية خطابه هذا الصراع بقوله:" هكذا لوحظ خلل في الانسجام، الذّي لابدّ منه، بين هذه الجامعة وإدارة الشباب والرياضة التّي تمثّل في الحقل الرياضي الدّولة ورئيسها وذلك ما دلّ عليه سير القائمين على الجامعة وكشفت عنه تصرفاتهم وأعمالهم".

وأعلن الرئيس في هذا الخطاب عن حلّ الجامعة وتعويضها بلجنة وقتية يرأسها السيد محمد مزالي، وبعد خطاب الرئيس التأم المجلس القومي لكرة القدم عشيّة اليوم نفسه، وشرع في أشغاله ببرج السدرية على الساعة الرابعة بعد الظهر بحضور أعضاء الجامعة الجدد وممثلي مختلف النوادي، وانبثقت عن هذا الاجتماع التوجّهات الجديدة في تعاطي كرة القدم، والميثاق الرياضي الذي يؤسّس للقاعدة الأخلاقيّة التي يجب أن تمارس بها الرياضة.

عملت دولة الاستقلال على التغيير والإصلاح في عمق المجتمع وفي كل المجالات وهو ما يجب على الشعب التونسي اليوم أن يعيه.

الأستاذ عبد السلام القلال
مناضل من جيل الاستقلال وبناة الدولة الوطنيّة


 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.