أخبار - 2021.09.28

تونس: التضامن الوطني لتأمين التزود بالماء الصالح للشرب بالوسط الريفي

تونس: التضامن الوطني لتأمين التزود بالماء الصالح للشرب بالوسط الريفي

بقلم جمال العبيدي - يقدر عدد سكان المناطق الريفية بالبلاد التونسية لسنة 2018 بحوالي 3.7 مليون ساكن وهو ما يمثل 32 % من مجموع السكان. وقد بلغت نسبة التزويد بالماء الصالح للشرب في الوسط الريفي 94.1% عند نهـاية سنـة 2018، منها 52.7 % عن طريق الشركة الوطنية لإستغلال وتوزيع المياه (1.9 مليون ساكن) و 41.5 % عن طريق المجـامع المـائية (1.5 مليون ساكن) بالإضافة الى تزويد 2400 مؤسسة عمومية (مدارس ابتدائية واعدادية، مستوصفات، مساجد…).
ويعتبر مزود بالماء الصالح للشرب في الوسط الريفي كل مواطن تكون المسافة الفاصلة بين مقر السكن وأقرب نقطة ماء مهيئة (حنفية عمومية، حنفية خاصة، أو مزود صهاريج) أقل من 500 متر. وبالاعتماد على هذا المصطلح فإن عدد السكان الغير مزودين بالماء الصالح للشرب يقدر بحوالي 250 ألف ساكن.

التصرف في المنظومات المائية عن طريق المجامع المائية

لقد أحالت الدّولة بمقتضى القانون عدد 35 لسنة 1987 والقوانين المنقحة له، التصرف في منظومــات المــاء الصالح للشرب بالوسط الريفي الى المجامع المائية التي يبلغ عددها حوالي 1450 مجمعا يتصرفون في 1850 منظومة مائية موزعة حسب درجة تعقدها كما يلي:

منظومات غير معقدة: 1200 (65%) لا يتجاوز طول شبكاتها 15 كلم وتعدّ في متناول المجامع المائية لإدارتها والتصرف فيها، تزود حوالي 700 ألف منتفع.
منظومات معقدة نسبيا: 475 (25%) نتيجة طول شبكاتها الذي يمتد بين 15 و 30 كلم وتضم أكثر من خزان ، تزود حوالي 550 ألف منتفع.
منظومات جدّ معقدة: 175 (10%) يفوق طول شبكاتها 30 كلم و تشتمل على العديد من الخزانات ومحطات الضخ  (أغلبها متواجد بكل من ولايات القصرين والقيروان وسيدي بوزيد وقفصة وجندوبة). تزود حوالي 270 ألف منتفع.

أهم الإشكاليات المرتبطة بالتصرف في المنظومات المائية
يعتبر أداء المجــامع في مجمله غير مرضي، نتيجة العــديد من الإشكاليات المرتبطة مبــاشرة بالتصــرف في المنظومات المائية وأخرى قانونية واجتماعية نذكر منها:

عدم ملائمة الصيغة القانونية للمجامع المائية مع الدور الذي تقوم به في تأمين مرفق عمومي حيوي.

تعقد الأنظمة المـائية وندرة المـوارد المائية على المستوى المحلي، مما يستـوجب جلب الميـاه على مسافات بعيدة (شبكات طويلة وتركيز العديد من محطات الضخ والخزانات). مما يعقد التصرف في بعض المنظومات عن طريق المجامع.

نقص في الموارد المائية وتدني منسوب اللآبار العميقة في بعض الجهات من جراء الحفر العشوائي والإستعمال غير الرشيد للمياه.

تفشي ظاهرة الربط العشوائي على شبكات الماء الصالح للشرب، لإستعماله في الري الفلاحي، مما يؤدي الى اضطراب في التزود.

ارتفاع تكلفة الماء بالوسط الريفي مما ينجر عنه ارتفاع معدّل تعريفة الماء الصالح للشرب للمزودين عن طريق المجامع (معدل التعريفة 730 مليم للمتر المكعب). وهذا يعتبر مرتفعا بالمقارنة بالتعريفة المعتمدة من طرف الشركة الوطنية لإستغلال وتوزيع المياه ( 200 مليم للمتر المكعب بالنسبة للقسط الاجتماعي الذي يستهلك أقل من 20 متر مكعب خلال ثلاثة أشهر)، نظرا لإعتماد ميدأ التضامن بين مختلف الأقساط المستهلكة (ارتفاع السعر مع حجم الإستهلاك).

المداخيل المالية المحـققة من قبل المجـامع لا تغطي سـوى 66% من المصاريف المباشـرة والصيانة المستوجب القيام بها، مما ينعكس سلبا على صيانة الشبكات وينجر عنه كذلك عدم القدرة على خلاص الطاقة والماء وارتفاع المديونية لدى الشركة التونسية للكهرباء والغاز والشــركة الوطــنية لإستغـلال وتوزيع المياه.

نقص في حرفية التصرف في المنظومات المائية ببعض المجامع المائية.

محدودية الرقابة والمحاسبة المالية للمجامع المائية.

تداعيات الوضع الحالي للمنظومات المائية

• على مستوى الموارد المائية: تقدر نسبة الضياع بـ 35 % ما يساوي حوالي 15مليون م3 سنويا باعتبار ان  الحجم الجملي للمياه المنتجة سنويا يقدر بحوالي 44 مليون م3 وهو ما يمثل خسارة مالية تقدر ب 10  م د  باعتبار كلفة المتر مكعب 0,7 د/م3

• على المستوى الإجتماعي: يتسبب سوء التصرف في هذه الأنظمة المائية وخاصة الربط العشوائي على الشبكات في إحداث العديد من الاضطرابات في التزود بمياه الشرب وانقطاع الماء كليا  خاصة عند فترات الذروة (في فصل الصيف) مما يتسبب في الاحتجاجات الإجتماعية ( قطع الطرقات، تعطيل سير عمل الإدارات...)

• على المستوى الصحي: تفشي الأمراض الناجمة عن نقص المياه أو استعمال مياه غير صحية ( التهاب الكبدي الفيروسي والإسهال ....)

• على المستوى الإقتصادي: يؤدي سوء التصرف في الأنظمة المائية للشرب وخاصة عدم القيام بأشغال  الصيانة الضرورية إلى تآكل تدريجي لهذه الأنظمة ومسار تهالكي لها قبل الآجال المحددة. مما يؤدي الى تحمّل ميزانية الدولة لاستثمارات هامّة لإعادة تهيئتها.

الحلول المقترحة لتأمين التزود بالماء الصالح للشرب بالوسط الريفي

لتأمين التزود بالماء الصالح للشرب وتحقيق استدامة الأنظمة المائية بالوسط الريفي يقترح ما يلي:

1- إحالة التصرف في المنظومات المعقدة (175 منظومة لفائدة 270 آلف منتفع) إلى الشركة الوطنية لإستغلال وتوزيع المياه خلال فترة لا تتجاوز خمس سنوات.

2- تدعيم الأسطول الحالي لتزويد المنظومات المضطربة عن طريق الشاحنات الصهاريج والجرارات ليشمل المناطق الغير مزودة (250 ألف ساكن) وذلك باقتناء شاحنات صهاريج جديدة بسعة 10 آلاف لتر لكل واحدة.3- بعث برنامج خصوصي لبناء مواجل ماء فردية تعطى فيه الأولوية للمناطق الغير مزودة والمنظومات التي تشهد إضطرابات في التزود من جراء نقص في الموارد المائية وتدني منسوب اللآبار العميقة.4- إحداث صندوق لإستدامة الأنظمة المائية بالوسط الريفي وتحسين التصرف فيها مما يمكّن من تكريس مبدأ العدالة في التعريفة بين منتفعي المجامع المائية ومنتفعي الشركة الوطنية لإستغلال وتوزيع المياه وذلك بتحمّل فارق التكلفة. ويقترح تمويل الصندوق عبر توظيف إتاوة تقدر ب 10 مليمات على كل لتر ماء معدني يتحملها بالتساوي المنتج والمستهلك. ويمكن لهذا الإجراء من توفير مبلغ مالي لفائدة الصندوق بحوالي 20 مليون دينار.5- إجراء دراسة حول تقييم تجربة المجامع المائية و التعمق في مختلف النماذج الممكنة للتصرف الأنجع في منظومات الماء الصالح للشرب بالوسط الريفي بتشريك المنتفعين والمجتمع المدني والجماعات المحلية والجهوية.

جمال العبيدي
مدير عام سابق بوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري



 
 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.