أخبار - 2021.07.28

مواقف الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية من إجراءات الرئيس قيس سعيّد ليلة الأحد 25 جويلية 2021: بين الترحيب و الانتهازية السياسية إلى الرفض القاطع!

مواقف الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية من إجراءات الرئيس قيس سعيّد ليلة الأحد 25 جويلية 2021: بين الترحيب و الانتهازية السياسية إلى الرفض القاطع!

بقلم عادل بن يوسف - أعلن ليلة الأحد 25 جويلية 2021  رئيس الدولة، الأستاذ قيس سعيّد، أي يوم الاحتفال بالذكرى 64 لإعلان الجمهورية الأولى في تونس المستقلة، عقب اجتماع طارئ مع قيادات عسكرية وأمنية عن جملة من القرارات من أبرزها: إيقاف نشاط مجلس نوّاب الشعب و تجميد اختصاصاته، إعفاء رئيس الحكومة هشام المشّيشي من مهامه، على أن يتولى هو بنفسه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعيّن رئيسها بنفسه... وقد تلاها إعفاءه لوزير الدفاع الوطني إبراهيم البرتاجي ووزيرة العدل بالنيابة حسناء بن سليمان، من منصبيْهِمَا.

وبقطع النظر عن شرعيّة هذه القرارات ودستوريتها التي تبقى من مشمولات أهل الاختصاص من أساتذة القانون الدستوري، فإنها قد أنهت رسميا تجربة الجمهورية الثانية التي حمل دستور 27 جانفي 2014 وثيقة ميلادها وأسّست لميلاد للجمهورية الثالثة. كما كانت نتيجة حتمية لما آلت إليه أوضاع البلاد من تأزم واحتقان وغضب شعبي وحالة عطالة مسّت كل القطاعات والمرافق جون استثناء لأسباب يطول شرحها. وقد زادت جائحة الكورونا في تفاقمها نتيجة الأداء المهتزّ للحكومات المتعاقبة منذ 2011 وبصفة خاصة حكومة المشّيشي ونوّاب المجلس الأخير المنتخبين في أكتوبر 2019. وتأكيدا لذلك تهاطلت منذ اليوم الموالي بيانات الأحزاب والمنظمات والجمعيات الوطنية للتعبير عن مواقفها من قرارات رئيس الجمهورية في أعقاب اجتماعات لمكاتبها التفيذية وهيئاتها الإدارية، بصفة حضورية أو عن بعد بحكم جائحة كوفيد 19.

وقد تباينت مواقف الأحزاب والمنظمات الوطنية الممثّلة داخل مجلس نواب الشعب أو المتواجدة على الساحة السياسية إلى ثلاثة مواقف، أولها المعارضة لها جملة وتفصيلا و ثانيها المؤيّدة لها دون قيد أو شرط وثالثها المساندة لها بحذر أو بشروط مضبوطة.

ولئن أصدرت عديد الأحزاب وفي مقدمتها أحزاب الائتلاف الحاكم مواقفها من هذه القرارات فور الإعلان عنها، فإنّ بقيّة الأحزاب السياسية وخصوصا المعارضة منها، قد فضّلت التريث وترقّب ما ستؤول إليه الأمور بعد ليلة من الأحداث المتسارعة. سنركّز في هذه الورقة الحديث على الأحزاب الممثلة بالمجلس النيابي مع الإشارة إلى مواقف بعض الأحزاب الأخرى. ونظرا لغزارة المادة سنقسّم حديثنا إلى جزئين: جزء أول خاصّ بمواقف الأحزاب السياسية وجزء ثان سنخصّصه للخوض في مواقف المنظمات والجمعيات الوطنية من قرارات رئيس الجمهورية.
الأحزاب الرافضة للقرارات:
بلغ عدد الأحزاب التي عبّرت عن رفضها لقرارات الأستاذ قيس سعيّد وأصدرت بيانات في الغرض سبعة. وهي أحزاب الائتلاف الحاكم و في مقدمتها حزب "حركة النهضة" و "ائتلاف الكرامة" وحزب "قلب تونس" و "التيّار الدديمقراطي" وحزب ممثل في البرلمان وحزبَيْن غير ممثَلين به.
اعتبر رئيس "حركة النهضة" (53 نائبا من أصل 217)، الأستاذ راشد الغنوشي، قرارات الرئيس قيس سعيّد الأخيرة "انقلابا على الثورة والدستور". وشدّد على أنّ الشعب التونسي وأنصار "النهضة" سيدافعون عن الثورة. ورغم أنّ مجلس النوّاب في عطلة سنوية فقد توجّه منذ الساعة الثالثة فجرا رفقة نائبة عن الحركة وبعض النواب الموالين لها الدخول إلى مقرّ المجلس، لكن أحد ضباط الجيش الوطني منعه من ذلك رغم إصراره ومرافقيه مطوّلا على ذلك. كما باءت محاولات رئيس كتلة الحركة وأحد رموزها التاريخيّة، الأستاذ نور الدين البحيري إلى غاية ظهر يوم الأحد بالفشل أمام إصرار ضبّاط الجيش والأمن الوطني على تطبيق التعليمات الواردة عليهم من القائد العام للقوّات المسلّحة.
وبدوره، رفض حزب "قلب تونس" القوة الثانية في البرلمان (38 مقعدا)، قرارات الرئيس، واعتبرتها "خرقا جسيما للدستور" و "رجوع بالبلاد إلى الحكم الفردي". كما أكدت الحركة "تمسّكها بدولة القانون والمؤسسات"، وأضافت أنها "تحترم الشرعية الانتخابية وترفض أيّ قرار يتنافى مع مخرجاتها المؤسساتية".

لكن في موقف مفاجئ ليلة الاثنين 26 جويلية 2021 وخلال حضوره برنامج ''رونديفو 9'' على قناة التاسعة، قال رئيس كتلة حزب قلب تونس بمجلس نواب الشعب أسامة الخليفي: ''نحن نساند كل مطالب التونسيين المشروعة وكنا قد نبهنا منذ مدة من خطورة الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعيشها البلاد''، مشددا على أن ''الحوار هو الحل للخروج من الأزمة''. وأضاف قائلا: ''كنا قد نبّهنا أيضا من ترذيل مجلس نواب الشعب وممارسة بعض الإطراف السياسية في البرلمان التي استفزت الشعب التونسي وله الحق أنوفي أن يغضب ويحتج على البرلمان الذي ابتعد عن دوره وأصبحت صورته غير مشرفة وفي هذا رئيس الجمهورية له الحق وبياناتنا وتصريحاتنا موجودة وموثقة في ذلك''.

وأوضح الخليفي: ''رئيس الجمهورية أصبح بمفعول قراراته بتفعيل الفصل 80 والذي اعتبرنا فيه خرق للدستور وإجتهاد فردي وذلك استنادا على قراءة بعض أساتذة القانون الدستوري، المسؤول الأول على السلطة التنفيذية وعلى مصير البلاد في المستقبل وهذا سجلنا فيه ارتياح''. واضاف: ''نسجّل ارتياحنا على الأقل يكون القرار موحد للخروج من الأزمة الصحية وهذا فيه نوع من الإيجابية''، مشددا على تمسك حزبه بالديمقراطية والشرعية والدستور.

وفي اعتقادنا انقلابا كهذا في الموقف بمعدّل 180 درجة يعكس انتهازية هذا الحزب وعدم وقوفه على موقف ثابت منذ نشأته إلى اليوم ! كما لم يكن اقترابه من حركة النهضة في البرلمان إلا من باب الانتهازية السياسية وليس من منطلق برامج وتصورات ومقاربات لمشاكل البلاد والعباد. وقد برز هذا في أكثر من محطة بمناسب التصويت على سحب الثقة من رئيس مجلس النواب الذي دعت إليه رئيسة كتلة "الحزب الدستوري الحرّ" أو إثر إذن رئيس الحكومة يوسف الشاهد بإيقاف رجل الأعمال وصاحب قناة نسمة والأمين العام لحزب "قلب تونس"، نبيل القروي!

وأعرب حزب "التيار الدّيمقراطي" (22 مقعدا) وفق بيان أصدره يوم الاثنين، عقب اجتماع طارئ لمكتبه السياسي وكتلته النيابية لمتابعة الأزمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والصحية بالبلاد عن اختلافه مع "تأويل رئيس الجمهورية قيس سعيّد للفصل 80 من الدستور"، رافضا ما ترتّب عنه من قرارات وإجراءات خارج نصوصه.

كما شدّد البيان على تحميل مسؤولية الاحتقان الشعبي المشروع والأزمة الاجتماعية والاقتصادية والصحية وانسداد الأفق السياسي للائتلاف الحاكم بقيادة حركة النهضة وحكومة هشام المشّيشي داعيا التونسيّين إلى "عدم الانسياق وراء دعوات التجييش من الداخل والخارج"...

والغريب في الأمر أنّ الرئيس السابق لهذا الحزب، الأستاذ محمد عبّو قد دعا في ديسمبر 2020 في تدوينة مطولة على صفحته فيس بوك الرئيس التونسي إلى "حلّ البرلمان من خلال تطبيق المادة 80 من الدستور كحل للأزمة السياسية الخانقة التي تعيشها البلاد" !

وهو موقف في اعتقادنا غير مستبعد بحكم التقاء هذا التيّار وأمينه العام المستقيل محمّد عبّو مع رؤى وطروحات حركة النهضة في عديد القضايا الوطنية مثل "مساندته للشرعية رغم سوء أداء النهضة" في أوت 2013 وتقلّده لحقيبة وزارية زمن حكم الترويكا (وزير دولة لدى رئيس الحكومة مكلفا بالوظيفة العمومية والحَوْكَمَة ومكافحة الفساد بين24 ديسمبر2011  و 30 جوان 2012). علما وأنّه قد تحوّل بعد 2014 وخاصة منذ استقالته من الأمانة العامة للتيار إلى معارض شرس لحركة النهضة ومواقفها وأدائها السياسي المهتزّ في الحكومة وفي مجلس النواب وذلك إلى حين صدور قرارات سعيّد !

ومن جهته، عبّر "ائتلاف الكرامة" (18 مقعدا)، عن رفضه القطعي للقرارات الأخيرة التي أعلنها الرئيس قيس سعيّد، ودعا الشعب إلى "الدفاع عن حريته وعن ثورة شهدائه وجرحاه." وقال سيف الدين مخلوف، الناطق الرسمي باسم الائتلاف: "إنّ مجلس نواب الشعب ليس مجمّدا ولن يُجمّد"، مشدّدا على أنّ الائتلاف يرفض قطعياً "هذه القرارات الانقلابية الفاشلة". وتابع مخلوف: "عندما يبلغ الأمر برئيس الجمهورية أن ينقلب على المسار الديمقراطي والحرية والثورة، نقول له: قف". وقد تحوّل رئيس الكتلة، الأستاذ سيف الدين مخلوف إلى مقرّ البرلمان، لكنه كغيره من نواب حركة النهضة فقد مُنع من الولوج إلى مقرّ المجلس فظلّ مرابطا مع رئيس كتلة حركة النهضة أمام السياج الحديدي للمبنى إلى أن عاد القهقرى.

وقد سار على خطى هذه الأحزاب الثلاثة حزب "الاتحاد الشعبي الجمهوري" (03 مقاعد)، فقد قال أمينه العام الدكتور لطفي المرايحي: "إنّ القرارات التي اتخذها قيس سعيّد تتجاوز أحكام الدستور وتمثل انقلابا لا غبار عليه". وتابع المرايحي قوله: "إنّ ما أتاه سعيّد انقلابا وليس تطبيقا للفصل 80، لأنّ تفعيل الفصل 80 لا يقتضي حلّ البرلمان وتعطيل الحكومة".

ومن جانبه، اعتبر "حزب العمّال" (صفر مقعد)، ما أقدم عليه رئيس الدولة "خرقا واضحا" للدستور ولأحكام الفصل 80 الذي اعتمده وأصدر مكتبه السياسي بيانا مطوّلا في الغرض. كما انتقد رئيس حزب العمال الأستاذ حمّة الهمّامي يوم الاثنين 26 جويلية 2021 بشدة قرارات الرئيس قيس سعيّد وفي مقدمتها إعفاء رئيس الحكومة وتجميد نشاط البرلمان لمدة شهر ورفع الحصانة عن النواب... وهو موقف يدعو إلى الاستغراب بحكم العداء الأيديولوجي التاريخي بين الإسلاميين من جهة، واليساريّين من جهة أخرى. ورأى ملاحظون أنّ الأستاذ حمّة الهمّامي جدّد مرّة أخرى بعد 34 سنة موقفه الرافض للانقلاب الطبي للرئيس الراحل زين العابدين بن علي ليلة 07 نوفمبر 1987 وعدم إمضاءه لوثيقة "الميثاق الوطني" التي أمضت عليها كلّ الأحزاب السياسية حينها في 07 نوفمبر 1988 ليبقى حسب بعضهم "معارضا من أجل المعارض" !

أمّا "حزب أمل" (صفر مقعد) بقيادة الأستاذ أحمد نجيب الشابي، فقد عبّر عن رفضه للقرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيّد واعتبرها "انقلابا على الشرعية الدستورية وعلى المؤسسات الشرعية في الدولة". و شدد الشابي على ضرورة العودة إلى الشرعية الديمقراطية عبر تنظيم انتخابات سابقة لأوانها وقال إنه لا يُزكي قرارات سعيّد.

كما تحدث الشابي عن ضرورة التوجه لإجراء استفتاء حول النظام الانتخابي. وعلّق على قرار رفع الحصانة عن النواب، مبيّنا أنه لو كان مكان سعيّد لما اتخذ هذا القرار لأنه حكم دستوري. وهو موقف مفاجئ من قَيْدُومُ المعارضة اليساسية في تونس المستقلة لم يرفض في 2011 المشاركة في حكومة محمّد الغنوشي وتقدم عن الحزب الجمهوري للانتخابات التشريعية في أكتوبر 2011 والانتخابات الرئاسية لسنتي 2014 و 2019 !
وعموما يمكن القول أنّ رفض هذه الأحزاب لقرارات رئيس الجمهورية، لم يكن من وجهة نظر مبدئية أو لمآخذ قانونية صرفة أو تعبيرا عن مواقف ناخبيهم الذين تفاعل جانب منهم ولو ظاهريا – حسب معاينتي الشخصية بجهة الساحل – مع عامة الشعب التونسي الذي نزل إلى الشارع في كامل أنحاء البلاد للتعبير عن ارتياحه بهذه القرارات، بل من منطلق نفعي مصلحيّ صرف وهو البقاء أكثر ما يمكن في مجلس النواب للتمتع بالجرايات والمنح وخاصة الحصانة البرلمانية التي تمكنهم من الإفلات من طائلة القضاء، إضافة إلى جني امتيازات ومنافع معنوية ومادية لا حصر لها من خارجه.

الأحزاب المؤيّدة للقرارات

مقابل كل هذه الأحزاب الرافضة، أعلنت بعض الأحزاب تأييدها للإجراءات التي اتخذها الرئيس قيس سعيّد والتي بلغ عددها على حد هذه اللحظة خمسة أحزاب.
صرّحت رئيسة كتلة "الحزب الدستوري الحرّ" (17 مقعدا) عبير موسي، قائلة: "إنّ سعيّد قام بتفعيل الفصل المادة 80 من الدستور بالطريقة التي رآها صالحة".
وأضافت في فيديو نشرته عبر صفحتها على فيسبوك: "نحن في صفّ الشعب في سبيل إنقاذ تونس من منظومة الدمار"، وفق وصفها. وتابعت القول: "نتمنّى أن يكون الإصلاح جذريا، ونتمنى أن يكون لما حصل نتيجة لما يبحث عنه الشعب التونسي". واعتبرت موسي "الشعب التونسي عبّر عن سعادته بقرارات رئيس الجمهورية قيس سعيّد لأنهم تخلصوا من الإخوان ومن راشد الغنوشي وهشام المشّيشي".

والمتأمّل في موقف هذا الحزب يبقى دوما معاديا للائتلاف الحاكم وخاصة حركة النهضة ورؤاها وأداء رئيسها ونوابها صلب مجلس النوّاب وخارجه منذ أكتوبر 2019.

وأكدت حركة "الراية الوطنية" (مقعدا واحدا)، التي يرأسها النائب المستقلّ في انتخابات 2019 والوجه العروبي القومي ووزير أملاك الدولة في حكومة يوسف الشاهد (بين 12 سبتمبر 2017 و 14 نوفمبر 2018)، الأستاذ مبروك كرشيد، "أنّ قرارات الرئيس قيس سعيّد، التي أعلن عنها أمس الأحد، هي تعبير عن المطالب الشعبية حول تردي الأوضاع في تونس. وحمّل أمينها العام حركة النهضة مسؤولية التردي السياسي والاقتصادي في تونس". وللتذكير لوحظ في السنتين الأخيرتين تزايد وتيرة انتقاد كشريد لأداء الائتلاف الحاكم وخاصة قادة حركة النهضة ليصبح معارضا لهما بلا هوادة، داخل المجلس وخارجه. ويمكن تفسير ذلك، إمّا لوقوفه على حقيقة هذا الواقع من الداخل أو بحثا عن تموقع لحركته على الساحة السياسية، لا سيما في صفوف القوميّين والعروبيّين وتحديدا بجهته، الجنوب الشرقي لتونس. ولا يخفي بعضهم أنّ مساندة كرشيد لقرارات سعيّد مردّها الرغبة في عدم إثارة بعض الملفات التي أثيرت ضده بعد مغادرته وزارة أملاك الدولة !
أمّا "حركة الشعب" (15 مقعدا) فقد اعتبرت أنّ "سعيّد، لم يخرج بالقرارات التّي اتخذها عن الدستور، بل تصرّف وفق ما تمليه عليه مسؤوليته في إطار القانون والدستور حفظا لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها".وأبدت الحركة "مساندتها للقرارات التي أصدرها رئيس الجمهورية" واعتبرتها "طريقا لتصحيح مسار الثورة الذي انتهكته القوى المضادة لها" على حد تعبيرها.

ودعت الحركة الجميع إلى التعامل مع الإجراءات الجديدة بوصفها "إجراءات مؤقتة أملتها الظروف الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد، وتزول بزوال أسبابها". كما دعت "التونسيّين إلى التعبير عن آرائهم بكل سلمية وعدم الانسياق وراء دعوات التجييش من الداخل والخارج".كما قال الناطق باسم التيار الشعبي محسن النابتي: "إن تونس كاملة في الشوارع هذه الليلة بعد قرارات رئيس الجمهورية قيس سعيّد." ويمكن فهم هذا الموقف برغبة هذا الحزب في مزيد كسب تعاطف الشارع التونسي معه وتماهيه مع مواقفه الايجابية من عديد الأحداث الوطنية والعربية خاصة وفي مقدمتها انتفاضة القدس الشريف وغزة الأخيرة في شهر رمضان الفارط... والحضور المكثّف لأمينه العام، الأستاذ زهيّر المغزاوي في القنوات والإذاعات التونسية والأجنبية. ومساندة الحركة لقرارت قيس سعيّد، حتما سيدعم مكانتها على الساحة السياسية عاجلا وآجلا !

ولا يفوتنا الإشارة إلى مساندة "التحالف الديمقراطي من أجل تونس" (كانت له 10 مقاعد في المجلس الوطني التأسيسي بين 2011 و 2014) لكل القرارات والإجراءات التي أعلن عنها سعيّد وعن ثقته المطلقة في القوات العسكرية والأمنية وفي الإدارة التونسية وكل أجهزة ومؤسّسات الدولة لتنفيذها بما يحقّق السلم الاجتماعي واستقرار البلاد وأمن المواطنين إنقاذا للدولة والوطن، ويمر بالبلاد لمرحلة إقرار نظام سياسي يرتضيه شعبنا ويزكيه بالاستفتاء. ودعا الحزب منخرطيه وقوى الشباب خاصة والمواطنين عامة إلى "مزيد اليقظة والانتباه خلال هذه المرحلة من مراحل الإصلاح الوطني الذي لا يقدم عليه ولا يسانده إلا الرجال الوطنيون المخلصون للوطن دون انتظار جزاء أو شكورا". وفي هذا الموقف رغبة معلنة من قبل الأمين العام المؤسّس للتحالف والوزير السابق للتربية بين 27 فيفري و 02 سبتمبر 2020، الأستاذ محمّد الحامدي في للعودة إلى المشهد السياسي بعد غيابه عن الأنظار بسبب التحوير الوزاري الأخير الذي أتى بالجامعي فتحي السلاوتي إلى مبنى الوزارة بباب البنات.

وهكذا يمكن القول أنّ تأييد هذه الأحزاب لقرارات الرئيس سعيّد كانت من منطلقات عديدة، أولها العداء الأيديولوجي لأحزاب التحالف الحاكم وفي مقدمتها "حركة النهضة" و "ائتلاف الكرامة" وقناعتها بقصور هذا الائتلاف عن إدارة البلاد وتحقيق طموحات الشعب التونسي في العيش الكريم والآمن. وثانيها اقتناعها بتأزم الأوضاع البلاد والعباد وضرورة تغيير المنظومة الفاسدة – حتى وإن كانوا جزءا منها – وإحداث رجّة نفسها تحمل للشعب التونسي أمل تحسين ظروف عيشه المتردية وبناء تونس أفضل. أمّا السبب الثالث والأخير - وإن لم يكن معلنا -، فهو رغبة الأمناء العامين لهذه الأحزاب في التموقع بالمشهد السياسي القادم ضمانا لمنصب أو خطة جديدة صلب الجمهورية الثالثة وحد أدنى من المصداقية والثقة لدى قواعدها وناخبيها، القدامى أو الجدد منهم في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة.

الأحزاب المرحّبة بشروط

عديدة هي الأحزاب التي رحّبت بقرارات الرئيس قيس سعيّد لكنها طالبته بمزيد تقديم توضيحات وتطمينات حول بعض المسائل الجوهرية الخاصة بالمرحلة القادمة وتقديم ضمانات متصلة بالحقوق والحريات والعدالة ومحاسبة الفاسدين من المنظومة الحالية... الخ. ونظرا لكثرة الأحزاب من هذه الفئة، فقد اخترنا التعريف بمواقف خمسة منها.

جاء في بيان حزب "تحيا تونس" (14نائبا): "إنّ البلاد شهدت أمس لحظة تاريخية فارقة في مسار الانتقال الديمقراطي بتفعيل رئيس الجمهورية للفصل 80 من الدستور. ولفت الحزب إلى أنه يقف إلى جانب المطالب الشرعية للمواطنين ولا يمكن تجاهل الذين خرجوا أمس احتجاجا على تردي أوضاعهم المعيشية. وطالب الحزب بإقرار خارطة طريق واضحة لإصلاح المنظومة السياسية، داعيا جميع المواطنين إلى الوقوف ضد دعوات العنف والتصعيد.

وطالب المكتب السياسي لحركة "مشروع تونس" (03 نواب)، المنعقد بصفة طارئة اليوم الاثنين 26 جويلية 2021 رئيس الجمهورية قيس سعيّد بتوضيح برنامج عمله خلال أجل الثلاثين يوما الذي منحه لنفسه، وذلك بوضع خارطة طريق وطني عاجل للإنقاذ ينتهي بتنظيم استفتاء شعبي لتغيير النظام السياسي وتعديل المنظومة الانتخابية برمتها. وأشارت إلى أنه لا يمكن قراءة التدابير التي أقدم عليها رئيس الجمهورية، ومحاولة التأويلات الدستورية لها، إلا في إطار السياق السياسي المتسم بتأزم الأوضاع من جهة، وعجز الآليات الدستورية عن إيجاد الحلول اللازمة.

وذكّرت الحركة أنّ خارطة الطريق التي اقترحتها حركة مشروع تونس منذ أكثر من سنة للمرور للجمهورية الثالثة كانت حلا استباقيا لإنهاء فشل نظام حكم دام 10 سنوات. وأكّدت أنّ الفرح المشروع الذي عمّ قطاعات واسعة من الشعب التونسي بعد قرارات الرئيس الاستثنائية، هو تعبير عن حالة غبن طال أمدها تعيشها البلاد جرّاء منظومة حكم عاجزة ومتعفنة ساهمت في دفع البلاد نحو الإفلاس والإفقار ولم تقدر على حماية أرواح الناس بوضع خطّة واضحة وناجعة ضد وباء كورونا، بل وفكّكت مفاصل الدّولة وأصبحت تهدّد وجودها.

كما شدّدت الحركة على أنّ أزمة النظام السياسي الهجين استفحلت وصارت تهدد السلم الاجتماعية بعد أن أفقرت الشعب واستباحت كرامته وأمنه حتى صارت مؤسّسات هذا النظام والنصوص المنظمة له غير قادرة على حلّ أزمته، وفق نصّ البيان.

وحمّلت حركة "مشروع تونس" المسؤولية كاملة عن تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية للفرق المتناثرة الحاكمة وعلى رأسها حركة النهضة، كما حذّرت من اللجوء إلى العنف بحجة التصدي للتدابير الرئاسية. وهو في نظرنا موقف ينمّ عن واقعية ووعي كبيرين بقضايا البلاد ومقتضيات المرحلة من أمين عام يساري له رصيد نضالي محترم زمن الاستبداد وتجربة سياسية محترمة صلب نداء تونس إلى جانب الأب المؤسّس ورئيس الجمهورية الراحل، المرحوم الأستاذ الباجي قايد السبسي !

ومن جهته انعقد بصورة عاجلة المكتب السياسي لحزب "البديل التونسي" (03 نواب) ليلة الأحد لمتابعة المستجدات الوطنية. وبعد اطلاعه على قرار رئيس الجمهورية و جملة التدابير الاستثنائية المتخذة من جانبه و التي شملت السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية و في انتظار صدور بقيّة القرارات و الترتيبات أكّد الحزب على 05 نقاط:

1- أنّ النظام السياسي الهجين و القانون الانتخابي العليل، و الصراعات السياسية العقيمة و تغوّل حركة النهضة و حلفائها أدّت جميعها إلى افلاس المنظومة السياسية وفقدان كل مشروعية شعبية (وهو ما أكدناه عديد المرات في بياناتنا السابقة). و قد تأكد ذلك بخروج الآلاف من التونسيين رفضا لكامل المنظومة و لسياسة التجويع والتفقير و التهميش المستمرة على مدى 10 سنوات.يقابلها فرح عارم بجملة التدابير الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية.

2- إنّ الإجراءات و التدابير الاستثنائية التي أقرّها رئيس الجمهورية و كل ما اتصل بها من تأويلات لنص الدستور لا يمكن قراءتها إلاّ في سياق الاستجابة للمطالب الشرعية للتونسيين الذين لا يمكن تجاهل احتجاجاتهم على تردي الأوضاع و مطالباتهم بالقطع مع المشهد السياسي الحالي المتأزم الخانق و الذي فشلت الآليات الدستورية عن ايجاد الحلول الناجعة له.

3- يطالب السيد رئيس الجمهورية ببيان خارطة طريق تتضمن توضيح برنامج عمله خلال مدة الثلاثين يوما التي حددها في قراره، و مجمل التدابير و الإجراءات (في سبيل الدعوة لاستفتاء شعبي و تعديل المنظومة الانتخابية و تنقيح الدستور و الدعوة لانتخابات سابقة لأوانها و تكوين حكومة إنقاذ وطني مسنودة من كل الأطياف و القوى المدنية المؤمنة بالدولة و الوطن، دون إقصاء وبرنامج إنقاذ عاجل وطمأنة الشركاء الدوليين لتونس). وأن الهدف منها تصحيح المسار الديمقراطي و إعلاء دولة القانون و المؤسسات و احترام النظام الجمهوري.

4- و إذ يحيّي البديل التونسي بواسل الجيش الوطني وقوات الأمن ويدعوها للعمل كعهدها دوما من منطلق جمهوري صرف، فهو يدعو كل التونسيات و التونسيين بجميع اطيافهم الى الوقوف صفا واحد ضد دعوات العنف والتصعيد. ويحذر من اللجوء إلى العنف او المساس بالامن العام والسلم الأهليّة. ويحمل المسؤولية لكل من يسعى او يدعو الى ذلك بحجة التصدي للتدابير الرئاسية.

5- يؤكد على انخراطه التام في كل الجهود الوطنية الصادقة لتجاوز الأزمة، وعلى تمسكه اللامشروط بقيم الجمهورية و ينبه لخطر المساس بالحقوق و الحريات و يدعو كافة القوى الوطنية للانتصار لقيم الديمقراطية و التعددية، قصد استكمال بناء مؤسساتها و تعافي الياتها و تصحيح مساراتها. كما يتفق الحزب مع دعوة الاتحاد العام التونسي للشغل السيّد رئيس الجمهورية بمراجعة القرار الخاص برئاسة النيابة العمومية، مع مطالبته بضرورة تطبيق القانون بشكل عادل على كلّ من أجرم في حق تونس دون شَخْصَنَةٍ.

وهذا الموقف يعتبر في اعتقادنا تحليلا وتشخيصا معمقا لواقع البلاد ومقتضيات المرحلة القادمة من رجل دولة سابق أبلى البلاء الحسن أثناء ترأسه للحكومة (بين 29 جانفي 2014 و 06 فيفري 2015) ومن قبلها كوزير للصناعة (بين 13 مارس 2013 و 29 جانفي 2014)، رغم كونه يتّهم بقربه من القادة التاريخيين لحركة النهضة أثناء إقامته بباريس خلال سنوات الجمر.

أمّا حزب "آفاق تونس" (نائبان) فقد أعلن تأييده لقرارات الرئيس قيس وقال الحزب، في بيان له "إنّ حركة النهضة وحلفاءها مسؤولون ومساهمون في تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتنامي وتيرة الاحتقان الشعبي". ودعا الحزب في بيانه، رئاسة الجمهورية وكل القوى السياسية إلى الحفاظ على مكتسبات الثورة والانخراط في إصلاح وتعديل وبناء لمسار ديمقراطي حقيقي. وأشار إلى أن سياسة المكابرة والتعنّت والتصعيد والهروب التي شهدتها البلاد في الفترة الأخيرة حالت دون اعتماد حلول سلميّة. كما دعا البيان الرئاسة إلى أن تعطي التدابير الاستثنائية التي سيعلن عنها الرئيس ضمانات للداخل و الخارج أنها تعمل وفق الدستور وأنّ تونس في المسار الصحيح و أن الهدف منها إعلاء دولة القانون والمؤسسات واحترام النظام الجمهوري وتصحيح المسار الديمقراطي.

وشدّد الحزب في بيانه، الذي جاء عقب اجتماع هيئة مكتبه السياسية، على ضرورة تجنّب الانسياق وراء دعوات الفوضى والعنف والمحافظة على السلم الأهلي بما يضمن الحفاظ على بلادنا في هذا المنعرج التاريخي. ولفت إلى أنه قرّر إبقاء مكتبه السياسي في حالة انعقاد دائم لمتابعة التطورات. وهو في اعتقادنا موقف رصين يعكس نضجا سياسيا لأمينه العام ياسين إبراهيم ونائبيْهِ صلب المجلس رغم عديد المآخذ الموجهة لمؤسّس الحزب ياسين إبراهيم إبّان إشرافه على وزارة التنمية و الاستثمار التعاون الدولي في حكومة الأستاذ الحبيب الصّيد (بين 06 فيفري 2015 و 27 أوت 2016).

وخارج مجلس نوّاب الشعب عبّر حزب "التيّار الشعبي" عن دعمه للقرارات التي اتخذها رئيس الجمهورية واعتبرها "خطوة مهمّة تفتح أفقا سياسيا أمام شعبنا لاسترجاع وطنه وإنقاذ مؤسّسات دولته من عبث الائتلاف الحاكم". ودعا الحزب في بيانه، إلى إعلان خارطة طريق واضحة يجري فيها تحديد أفق زمني وسياسيّ لهذه القرارات، في إطار أحكام الدستور وبما يضمن الحقوق والحريات ويجسد الإرادة الشعبية.

كما اعتبر الأمين العام للحزب، زهيّر حمدي أنّ قرارات قيس سعيّد هي استجابة لرغبة الشعب التونسي طيلة الفترة الماضية وأنّ هذه الاستجابة تأتي في مناسبة وطنية تونسية. وأضاف حمدي في مداخلة إذاعية مع الإعلاميّ أحمد موسى في برنامج "على مسؤليّتي"، المذاع على قناة "صدى البلد": "إنّ الإخوان يمارسون أسلوب العصابات لخطف السلطة". ولفت إلى أن الشعب التونسي مختطف من قبل جماعة الإخوان منذ 10 سنوات، مؤكدا أنّ كل من أجرم في حق الدولة التونسية سوف تتم محاسبته. وأكّد أنه تمّ منح الإخوان أكثر من فرصة ولكن تمّ استنفاد كل الطرق معهم، بعدما تعمّدوا إفقار الشعب التونسي، مشيرا إلى أنّ كل المؤسسات التونسية تقف صفا واحد في مواجهة عصابات الإخوان.

وإجمالا وباستثناء أحزاب الائتلاف الحاكم فقد باركت بقية الأحزاب السياسية تقريبا قرارات رئيس الدولة كحلّ للخروج من المأزق السياسي والصراع القائم بين رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية الذي طالت مدته من جهة وبين الأزمة الخانقة التي عاشتها البلاد منذ سنة 2011 في جميع المجالات وأثّرت أيّما تأثير في الشعب التونسي. غير أنّ بعض الأحزاب قد أبدت في المقابل بعض التحفظّات تجاه المدة الزمنية التي تستغرقها مرحلة تصحيح المسار، لا سيّما محاسبة المتهربين و الفاسدين من رجال الأعمال (بمن فيهم النواب) و ضمان الحقوق والحريات الشخصيّة والعامة خوفا من تغوّل سلطة رئيس الجمهورية بسبب استئثاره بالسلطات الثلاث حسب ما ورد في الصياغة الأولى لنصذ القرارات. وهو ما دفع رئيس الجمهورية إلى تحديد هذه المدة بثلاثين يوما والتخلي عن المهام المتصلة بالقضاء. أخيرا لنا أن نتساءل: كيف كانت مواقف المنظمات والجمعيّات الوطنية من هذه قرارات الرئيس قيس سعيّد ليلة الأحد 25 أوت 2021؟

عادل بن يوسف

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.