أخبار - 2021.05.17

"المقاوم الثائر" علي بن خليفة النفاتي: صفّا يوسف وشدّاد

"المقاوم الثائر" علي بن خليفة النفاتي: صفّا يوسف وشدّاد

بقلم علي الجليطي - كان الشيخ علي بن خليفة النفاتي حسب عديد المصادر(1) بطلا من أبطال تونس في القرن التاسع عشر ورمزا من رموز مقاومة الاستعمار، نقدمه  للقراء في حلقات مبسطة عبر هذا الفضاء عسى أن يجد فيها الراغب في المعرفة سراجا يسلط ولو بقدر يسير الضوء على هذا الرجل "المقاوم الثائر" القابع في تاريخ حركتنا الوطنية.  

علمنا في الحلقة الماضية ملامح من نشأة هذا الرجل وشخصيته وحسه الديني العميق. وقد تميزت الفترة التي قضاها الشيخ علي بن خليفة حاكما محليا بالتقسيم العادل لإقطاعيات الرعي، الذي كان يشكل العمود الفقري لاقتصاد المنطقة والمورد الرئيسي لدخل القبائل. ويذكر انه اجتهد وعمل على مكافحة الفتن الداخلية التي كادت أن تمزق أوصال البلاد، خصوصا من خلال مساهمته الفاعلة في التصدي لأخطرها فيما يعرف حينذاك بفتنة يوسف وشدّاد وهو صراع دارت رحاه بالخصوص في وسط وجنوب البلاد بين تحالفات قبلية ذهب ضحيتها آلاف الناس طيلة عقود من الزمن.

وكانت قبائل ما يسمى"صف يوسف" تابعة لشق "الحسينية" نسبة للباي "حسين بن علي" مؤسس الدولة الحسينية(2). وتتكون من أطراف شتى على غرار قبائل نفات، وورغمة، والمرازيق، والعذارى، وأولاد يعقوب، وغريب، ودريد، والجلاص. أما ما يعرف بـ"صف شدّاد" فهي قبائل تابعة لشق" الباشية" المعارضة للسلطة المركزية والتي وقفت إلى جانب "علي باشا" في ثورته ضد عمه  الحسين بن علي. وتتكون من قبائل بني زيد، والحزم، والحمارنة، والعلاية، والغرايرة، والسواسي، وأولاد عيار، والفراشيش، وماجر، وونيفة، والمثاليث. وكانت ارتدادات هذا الصراع الدموي بين الشقين تتوقف بين الحين والآخر لتعود في أشكال متجددة ويوظفها كل طرف لحشد الأنصار له كلما اندلع خصام أفقي بين القبائل المتناحرة أو عمودي بين الحاكم والمحكوم غالبا ما يؤول إلى معارك لا تبق ولا تذر.

ومن بين هذه المعارك ما جرى في عهد أحمد باي(3) الذي - لئن كان مشهودا له بتحرير الناس من العبودية من خلال غلق سوق العبيد (سوق البركة) سنة 1846 وعتق جميع المماليك- إلا انه ساهم في هتك وضعية ميزانية المملكة التي انخرمت بفعل تفاقم النفقات. ولمواجهة هذه الصعوبات المالية وإخضاع سكان المملكة ومن بينهم القبائل المتمردة مثل بنو زيد في الجنوب (أنظر الخارطة) ومن ورائها "صف شدّاد" الذي كان يحرضها غومة المحمودي (الثائر على الدولة العثمانية والهارب القادم من طرابلس) ويحضّها على رفض أداء "الإعانة" للدولة كونها بمثابة جزية مضروبة على العرب والمسلمين، جهّز الباي صيف 1856 محلة قوية لتشريد غومة على رأسها الأمير أبو عبد الله محمد خزندار عامل سوسة والأعراض في تلك الفترة. وكانت تساند الأمير في التصدي لهذا "العصيان المدني" قبائل "صف يوسف" وعلى رأسها  القائد العسكري علي بن خليفة بن راشد النفاتي. وأمام القوة الزاحفة، انسحب غومة وحلفاؤه من الحامة إلى جبال مطماطة قبل أن يتخلى عنها قبائل بني زيد، ففر غومة إلى قبلي ثم إلى الصحراء. وتم نهب قبلي ومارث وفُرضت غرامة ثقيلة على المنهزمين. وفي سنة 1861 تمت مكافأة الشق المنتصر بتعيين علي بن خليفة النفاتي خليفةَ على منطقة وقبائل بني زيد. والى اللقاء في حلقة قادمة.

علي الجليطي

(1) من بين المصادر نشير بالخصوص إلى "صراع مع الحماية"، محمد المرزوقي، مطبعة الاتحاد العام التونسي للشغل، تونس 1973/  و"إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان"، احمد بن أبي الضياف، الدار التونسية للنشر، 1990/ و"خلاصة تاريخ تونس"، حسن حسني عبد الوهاب، تقديم وتحقيق حمادي الساحلي، دار الجنوب للنشر  تونس، 2007 / وأعمال الندوة الدولية السابعة حول المقاومة المسلحة في تونس في القرنين التاسع عشر والعشرين 18-20 نوفمبر/1993، منشورات المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية جامعة تونس1، تونس1995/  وكذلك أعمال الندوة الدولية حول الجنوب التونسي من الاحتلال إلى الاستقلال 6-8 ماي 2004، جامعة منوبة - منشورات المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية/ سلسلة تاريخ الحركة الوطنية عدد12 تونس 2005/ وعدد من المصادر الالكترونية مثل "من معارك علي بن خليفة"، عبد العالي الشرقاوي، موقع مشاهد 24/ و"في ذكرى وفاة الشيخ المجاهد علي بن خليفة النّفاتي"، منجي باكير، موقع الصحفيين التونسيين بصفاقس/ ومراجع أخرى مثل "أعلام ومشاهير"، علي بن خليفة النفاتي، ثورة تونس المنسية...

(2) خلال سنة 1704 حاول الأغا إبراهيم الذي يحكم تونس محاصرة طرابلس فأصاب جنده طاعون فتاك فعاد إلى تونس، ثم حاول مهاجمة الجزائر  فهزم بمدينة الكاف وتم أسره مع أخيه سنة 1705 وعندئذ انتخب أعيان البلاد حسين بن على تركي الذي كان قد عينه الأغا خليفة له، وقلدوه أمر البلاد يوم 15 جويلية 1705. وبه انطلقت الدولة الحسينية في حكم تونس.

(3) تم تعيين احمد باي سنة 1837 مشيرا من قبل الباب العالي ومن مآثره إحداث مرسى حربية بغار الملح وإنشاء مدرسة حربية في باردو لتخريج الضباط سنة 1840 الذين كانوا النواة الأولى لنشر الثقافة العصرية كما شيد مدينة المحمدية سنة 1843 التي باتت مقرا للحكومة عوض باردو، واشتهر بالخصوص بابطال الرقيق عندما أغلق سوق العبيد (سوق البركة) سنة 1846 وعتق جميع المماليك. و زار  فرنسا سنة 1846 بدعوة من الملك لويس فليب. كما وجه 14000 جنديا بقيادة الأمير رشيد لدعم تركيا في حرب القرم ضد روسيا سنة 1854 .


 

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.