أخبار - 2021.03.24

مئوية النشاط الشيوعي بالبلاد التونسية (مارس 1921- مارس 2021): مسيرة التأصيل و تجديد الأفكار وتعاقب الأجيال (ألبوم صور)

مئوية النشاط الشيوعي بالبلاد التونسية (مارس 1921- مارس 2021): مسيرة التأصيل و تجديد الأفكار وتعاقب الأجيال

بقلم حبيب القزدغلي - انطلقت عشية الثلاثاء 23 مارس 2021 بالمكتبة السينمائية بمدينة الثقافة بتونس العاصمة الندوة التاريخية الدولية وهي احدى محطات احياء مئوية انبعاث أول نواة شيوعية بالبلاد التونسية يوم 27 مارس 2021 مدينة فري فيل (منزل بورقيبة حاليا)  وستمتد التظاهرة   كامل سنة 2021, و يتم هذا الاحياء بمبادرة من مخبر التراث بكلية الآداب والفنون والإنسانيات بالتعاون مع مكتب التعاون الآكاديمي لمؤسسة روزا لوكسمبورغ وبمشاركة عدد من الجمعيات ذات العلاقة بهذه الذاكرة وبهذا التراث مثل جمعية آفاق- العامل التونسي  ومؤسسة حسن السعداوي للديمقراطية والمساواة ومنتدى التجديد للفكر التقدمي والمواطني وجمعية لم الشمل وجمعية أحمد التليلي للديمقراطية....وقد تم خلال الجلسة الافتتاحية تدشين المعرض الوثائقي الذي سهر على اعداده  فريق من الأساتذة والطلبة المنتمين لمخبر التراث تتقدمهم الأستاذة عفاف مبارك بمساعدة الباحثة سوسن النيغاوي . كما شهدت الجلسة الافتتاحية  تكريم ثلة من الأساتذة الجامعية وفي مقدمتهم  الأستاذ مصطفي كريم لدوره الريادي في خوض البحث في تاريخ الحركة الشيوعية بتونس منذ بدايات سبعينات القرن الماضي  والأستاذ علي المحجوبي لمرافقته لعدد من ألطلبة الذين اختاروا البحث في تاريخ الحركة الشيوعية والذين أصبحوا اساتذة في الجامعة التونسية  كما تم تكريم روح الأستاذ حسين رؤوف حمزة (1947-2011) لبحوثة حول تاريخ الحركة الشيوعية. وتم أيضا بالمناسبة وبمبادرة من منتدي التجديد للفكر التقدمي والمواطني   تكريم روح المناضل الكبير –الدستوري وصيديق الشيوعيين- سليمان بن سليمان  رئيس اللجنة التونسية للسلم والحرية ورئيس لجنة التضامن مع الشعب الفيتنامي  وكذلك تم تكريم روح المناضل والأستاذ علي الأجنف الذي فرقنا في الأشهر الماضية  . هذا وقد تخلل التظاهرة عرض شريطين الأول يعود للفترة الاستعمارية حيث خلد نضال العمال والنقاببين وفي مقدمتهم المناضل حسن السعداوي الوطني والشيوعي الذي توفي في مقر الشرطة في فيفري 1963 اثر منع نشاط الحزب الشيوعي التونسي  وشريط ثاني يخلد  حول مسيرة محمد بن جنات الذي حكم عليه بالسجن لمدة 20 سنة في المحاكمة الشهيرة التس طالت عشرات المناضلين اليساريين سنة 1968. وشهدت الحصة أيضا التعريف بثلاثة كتب جديدة وتوقيعها صدرت بالتزامن مع عقد هذه  لكل من الحبيب رمضان (تراجم نشطاء الحركة الشيوعية بتونس عن دار نحمد علي للنشر وكتابات على الطريق لهشام سكيك من اصدار دار نيرفانا  وكتاب تكريمي لأعمال الأستاذ الراحل علي الأجنف صدر عن دار شامة).

والمتابع لحصيلة هذا التراث النضالي الممتد على قرن من الزمن يلاحظ أنه عندما بدأت الفكرة الشيوعية  في الظهور في تونس في عشرينات القرن الماضي كان صيتها قد ذاع في المجتمعات الأوروبية الرأسمالية وكان أنصارها قد انتظموا في أحزاب ورابطات عمالية "دينها العمل وعدوّها رأس المال" كما كتب الطاهر الحدّاد في أول كتاب تاريخي تونسي حول الحركة العمالية في تونس. كما نجحت تلك الحركة   في روسيا وقامت أول دولة شيوعية   بعد الثورة التي قادها البلاشفة بقيادة لينين سنة 1917. ونظرا لبعدها الكوني والأممي فإن الفكرة الشيوعية لقيت منذ البداية أنصارا لها في صفوف العمال الذين احتكوا بالجاليات العمالية الأجنبية الذين انخرطوا في النشاطات النقابية والسياسية. ولم تكن السلطات الاستعمارية لتقبل بمثل تلك الأنشطة التي تهدّد مصالحها فقاومت تلك الأنشطة وأنصارها منذ انطلاقها.  لذلك فإن تاريخ العمل السياسي الشيوعي في تونس هو في جانب كبير منه صفحات متتالية من المقاومة والمنع والملاحقات والمحاكمات والنفي طيلة الفترة الاستعمارية. لذلك فإن تاريخ هذه الحركة  كان متقطعا يبرز حينا ويفتر أحيانا.

وما بقي من تلك التجارب   تؤكده الأدبيات والآثار المحفوظة في الأرشيفات في كل  من تونس وفرنسا وفي موسكو  وخاصة الصحافة التي روّجت للمبادئ والأفكار الجديدة  والتي يتجلى فيها الحرص على التونسة والسعي للتأقلم مع الواقع المحلي المتميز بالهيمنة الاستعمارية  . وكانت  الصحف الأولى  باللغة العربية التي أصدرها  منذ سنة 1921 المناضل مختار العيّاري ورفاقه  في عناوين عديدة اضطروا لتغييرها  في بعض الحالات من يوم لآخر نتيجة المنع الذي كانت تتعرض  له فاضطروا في كل مرة  لإصدار صحفهم  بأسماء  جديدة من  حبيب الأمة إلى حبيب الشعب الى المظلوم الى النصير الى البصير الى المهضوم ...   وهي تعكس ذلك الطموح الأوّل للانخراط في التوفيق بين  العالمية وتطويع الفكرة الشيوعية    لجعلها في خدمة وضع الشعب التونسي المستعمر. فكانت أولى  الاجتهادات التي ركزت عليها الدعاية الشيوعية هي الربط والتلازم بين التحرر الاجتماعي والتحرر الوطني.

وهذا ما يفسر الالتقاء التاريخي الذي جمع في أول تجربة نقابية وطنية شخصيات وطنية منحازة للقضية الاجتماعية مثل محمد علي الحامي والطاهر الحداد ومختار العياري وجون بول فينيدوري واالطاهر بودمغة والطاهر الخميري، ولذلك فإن المحاكمة التي أنهت تلك التجربة النقابية الرائدة سنة 1925 تمت تحت عنوان "المؤامرة الدستورية الشيوعية".  وبعد تهجير الجيل الأول عبر المنافي والتعسّف جاء جيل جديد في الثلاثينات من القرن الماضي وأخذ المشعل واستفاد من المناخات الجديدة وكان أكثر ثقافة ودراية بالعمل المنظم. فانتشرت النقابات وبرز بالخصوص قادة جدد من أعراق مختلفة وحّدتهم القضية العمالية والمساواة ودخلت المرأة ميدان العمل السياسي والجمعيّاتي وتنافست الحركة الشيوعية مع الحركة الدستورية حول الأولويات واختلفت معها  أحيانا خاصة عندما طرحت على الحركة الشيوعية العالمية  اعادة ترتيب الأولويات بالارتباط بظهور الخطرين الفاشي والنازي في المتوى العالمي كما التقت معها  في أغلب الفترات في النضال المشترك من أجل تخليص البلاد من ربقة الاستعمار وصولا الى تحقيق الاستقلال الوطني الذي نحيي هذه الأيام ذكراه الخامسة والستون   . وبرزت أسماء يذكرها التاريخ مثل على جراد أول أمين عام للحزب الشيوعي التونسي وحسن السعداوي الوجه النقابي الوطني وجورج عدّة وموريس نيزار ومحمد النافع ومحمد جراد وخميس الكعبي ...وغيرهم ممن قادوا المعارك الطبقية والاجتماعية  والوطنية ونجحوا في تحقيق    المكاسب الاجتماعية الأولى  للعمال التونسيين مثل تحديد ساعات العمل في الأسبوع والعطلة خالصة الأجر والزيادات في الأجور ولكن في المقابل فإن الحركة الدستورية كانت قد فرضت تفوقها الساحق في ميدان المعارك السياسية بزعامة الحبيب بورقيبة خاصة بعد أحداث 9 أفريل 1938. وكانت ظروف الحرب العالمية الثانية واحتلال ألمانيا لتونس قاسية على ذلك الجيل من الشيوعيين الذين جعلوا من مقاومة النازية والفاشية أولوية أولوياتهم إلى درجة أن الحزب الشيوعي التونسي أصبح الحاضنة لعديد وعديد الشيوعيين الإيطاليين الذين احتموا به لمواصلة معركتهم مع الفاشية وموسوليني على أرض تونس. واحتفظ التاريخ بأسماء كثيرة منهم فيليو سبانو وجورج أمندولا وموريزيو فالنزي  ولوريس قاليكو  الذي أصبح  العديد فيما بعد من أبرز قادة الحزب الشيوعي الإيطالي ونوابا في البرلمان وفي رئاسة العديد المدن الكبرى في ايطاليا.

بعد الحرب العالمية الثانية عاد الحزب الشيوعي  التونسي بحيوية كبرى  إلى ميدان العمل السياسي والنقابي مستفيدا من البروز القوي للاتحاد السوفياتي على الساحة الدولية ولكن الظروف الجديدة جعلت من قضايا التحرّر الوطني في مقدمة  أولويات القضايا  وأصبح  الحزب الدستوري الجديد والمنظمات الوطنية الملتفة حوله وخاصة الإتحاد العام التونسي للشغل بداية من سنة 1946 العمود الفقري للحركة الوطنية التونسية . وقد تجددت القيادات الشيوعية ولكنها بقيت متأثرة لفترة  بالفكرة الطبقية وقبلت بمشروع "الوحدة الفرنسية" واصطفت عالميا مع الإتحاد السوفياتي في إطار حركة السلم قبل أن تنصهر في النضال من أجل الاستقلال الوطني  بينما اختار الزعيمان بورقيبة وحشاد الاقتراب من العالم الغربي والبحث عن دعم الولايات المتحدة الأمريكية. وبدأ مسار العزلة للحركة الشيوعية أمام مسار الصعود والهيمنة للحزب الدستوري الجديد.

لم تتفطن قيادات الحزب الشيوعي إلى تلك العزلة إلاّ بصفة متأخرة عشية الاستقلال في 1956 لكن التاريخ لا ينتظر. وأبرز الوجوه الجديدة للنخب الشيوعية لما بعد الحرب كانت علي جراد وموريس نيزار محمد النافع وخميس الكعبي وجورج عدة ومحمد حرمل   التي هيأت الظروف لتتواصل الحركة في فترة ما بعد الاستقلال   وخاصة اثر  مؤتمر المراجعة والتصحيح المنعقد في أواخر 1957 بدفع من جيل جديد من الشباب المثقف في مقدمتهم عبد الحميد بن مصطفي ونورالدين بوعروج والحبيب عطية وتوفيق بكار وصالح القرمادي...

و  قد سمح هذا الاجتهاد في فهم الواقع  بالمحافظة على شعلة الأفكار حتى  بعدما تم تعليق نشاط الحزب الشيوعي التونسي وإيقاف صحيفته في جانفي 1963 وكذلك صحيفة منبر التقدم التي كان يديرها المناضل سليمان بن سليمان  الدستوري-صديق الشيوعيين   إيذانا بدخول البلاد في عهد الحزب الواحد فإن الفكرة الشيوعية والاشتراكية عامة كانت قد اكتسحت قطاعات واسعة من الشباب التونسي داخل الحزب الدستوري نفسه الذي   تحول سنة 1964 الى الحزب الاشتراكي الدستوري و  عبر ظهور عدة منظمات يسارية متنافسة تارة ومتعاونة تارة أخرى مع الحزب الشيوعي  التونسي من برسبكتيف الى العامل التونسي والشعلة والوطد والبوكت الخ...  

وهكذا فان مسيرة الفكرة الشيوعية التي تحيي هذه الأيام الذكرى المائة لانبعاثها ورغم النكسات والخيبات فانه يمكن الاقرار أنها  تطورت وتفرّعت فيما بعد وحملتها أجيال أخرى في تجارب متعدّدة وبأشكال جديدة ولم تعد حكرا على حزب أو منظمة وهي لاتزال  حاضرة في المجتمع تتغذى وتتطور بالفكر العقلاني والنقدي وأصبحت حقلا من حقول المعرفة التاريخية  في الجامعات التونسية     وقد وفرت هذه الحركات على تنوعها كفاءات وإطارات عديدة ساهمت في بناء الدولة الوطنية ومؤسساتها  المختلفة في المجالات الأكاديمية والنقابية والاقتصادية وفي  مؤسسات الدولة التونسية في مراحل مختلفة قبا الثورة وبعدها  في أعلى مؤسساتها و في عدة حكومات وهو ما يؤكد تأصل الفكر اليساري في تونس باعتباره احدى روافد الحداثة التونسية.

تحميل البرنامج

حبيب القزدغلي
أستاذ التاريخ المعاصر
مدير مخبر البحث حول التراث
العميد السابق لكلية الآداب والفنون والانسانيات بمنوبة

 

هل أعجبك هذا المقال ؟ شارك مع أصدقائك ! شارك
أضف تعليق على هذا المقال
0 تعليق
X

Fly-out sidebar

This is an optional, fully widgetized sidebar. Show your latest posts, comments, etc. As is the rest of the menu, the sidebar too is fully color customizable.