كتاب "حسيب بن عمار" يستعيد صفحات مجهولة من المشروع الاصلاحي التونسي
يتناول كتاب "حسيب بن عمار... حلم المشروع الاصلاحي" محاولات إصلاح النظام السياسي في عهد الرئيس الحبيب بوقيبة من داخل منظومة الحكم، وهي محاولات باءت بالفشل. يضم الكتاب الذي ألفه الزميل رشيد خشانة، ويقع في 264 صفحة، زبدة الافتتاحيات والمقالات التي نشرها حسيب بن عمار في صحيفة "الرأي" على مدى عشر سنوات (1977-1987)، والتي تطرق فيها لجميع القضايا المتعلقة بالحريات والاصلاح الاجتماعي والتنمية. ويؤرخ كل مقال منها لحدث هام خلال تلك الحقبة، بدءا من الحملة الأمنية الواسعة على اتحاد الشغل وهياكله الشرعية في 1978، إلى ظهور التعددية الحزبية، مع الاعلان عن تأسيس "حركة الديمقراطيين الاشتراكيين"، إلى الأزمات والمصالحات المتكررة مع ليبيا.
تقلب حسيب بن عمار في عدة مناصب رسمية، كان آخرها وزارة الدفاع التي استقال منها في 22 أكتوبر 1971. وحقق في كل تلك المحطات إنجازات بقيت ذكرا بعده، فعندما تولى منصب رئيس بلدية الحاضرة شيخ المدينة أحدث الفرقة التمثيلية لمدينة تونس وعين على رأسها علي بن عياد، وأسس جمعية صيانة مدينة تونس وترأسها، كما أشرف على مشروع تهيئة الحفصية، الذي وفر ثلاثة هكتارات من الأراضي. ومن أبرز مواقفه اعتراضه على قرار الرئيس بورقيبة بشق شارع وسط المدينة العتيقة، من باب البحر إلى القصبة، ليكون بمثابة "شانزيليزي تونس"، وفعلا انسحبت الجرافات من باب البحربأوامر من حسيب ومات المشروع.
لكن دوره في المجال الديمقراطي لم يكن أقل تأثيرا، إذ كان في مقدمة الإصلاحيين الذين طالبوا بانفتاح سياسي بعد أزمة التعاضد في 1969، ومن بينهم الباهي الأدغم وأحمد المستيري والحبيب بولعراس والباجي قائد السبسي وراضية الحداد. وتشبث هؤلاء بإدخال إصلاحات على هياكل الحزب وأن يكون أعضاء الديوان السياسي منتخبين من أعضاء اللجنة المركزية، بينما كان بورقيبة مصرا على تسميتهم بنفسه. واستطاعوا أن يحصدوا أعلى الأصوات في مؤتمر الحزب الاشتراكي الدستوري 1971. غير أن بورقيبة رفض تلك الاصلاحات وانحاز إلى الشق المتصلب، فاستقال بولعراس من وزارة الإعلام وحسيب بن عمار من الدفاع والصادق المقدم وراضية الحداد وآخرون.
غادر حسيبٌ السراي بعدما يئس من جدوى الاصلاح من الداخل، وراح يؤسس "المجلس الوطني للحريات" ويطلب ترخيصا لإصدار صحيفة مستقلة باسم "الرأي" وأخرى بالفرنسية "Démocratie" وفعلا صدر العدد الأول من "الرأي" في ديسمبر 1977. واستطاعت أن تحقق انتشارا واسعا بين النخب، بالرغم من التضييقات والضغوط، التي اتخذت أشكالا مختلفة، من حجز الصحيفة في المطبعة، إلى جمعها من الأكشاك، أو حتى شرائها من الباعة، وصولا إلى المحاكمات والتوقيف عن الصدور لفترات لا تقلُ عن ستة أشهر.
وفي 1977 أعلن حسيب من مطار تونس قرطاج عن تأسيس "المجلس الوطني للحريات"، بحضور شخصيات عالمية، بعدما منعت السلطات عقد الجلسة في أحد الفنادق. وفتح ذلك التحدي الطريق للترخيص للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان في 7 ماي 1977، والتي اختير حسيبٌ رئيسا شرفيا لها بعدما رفض أن يكون الرئيس الأول لها.
يضم هذا الكتاب وثائق غير معروفة عن تلك الفترة وصورا نادرة، بالاضافة لشهادات حصل عليها المؤلف من أكثر من عشرين شخصية التقى بهم في نطاق إعداد الكتاب، الذي يُعدُ مرجعا عن حقبة حاسمة من تاريخ تونس المعاصر.
- اكتب تعليق
- تعليق