علي الشابي - علاقة الديموقراطية الحديثة بالأحزاب في تونس : دراسة تحليلية
صُوِّبت أصابعُ الاتهام نحو النُّخبة السّياسيّة في تونس بعدم قدرتها على تحقيق التنمية وبتوانيها عن الاهتمام بالقضايا الاجتماعية في سياق الحديث القديم المتجدّد عن تغيير النظام السّياسي. وعلاوةً على قانون انتخابات كشف عن محدوديته منذ أول انتخابات في الجمهورية الثانية، قد يكون النظامُ السياسي الحالي متضمنا لنقائص لعلّ أبرزها – في موضوع الحال–عدم وجود آلية يراقبُ بها النّـــاخبون البرلمانَ خلال كامل عُهدته، على عكس "الديموقراطيات شبه المباشرة" التي تؤسّس ما يُسمى "هيئة الناخبين" تقوم بدور مراقبة البرلمان، وهي السّلطة الرابعة في هذا النظام إلى جانب السّلطات الثلاث الأخرى، حتى ولو كانت هناك المحكمة الدستورية التي يقتصر دورُها أساسا في مراقبة دستورية القوانين وتأويل الدستور. ولعلّ هذه النقائص كانت داعيا مُهمّا دفعَ بعضَ الأصوات الى المناداة "بتحكيم الشعب" حيال أداء البرلمان ومنه منظومة الأحزاب السياسية التي تكونّه.
وقد تمّ التعبيرُ صراحةً عن "ضرورة التخلي عن الأحزاب السياسية" وإزاحتها من القرار الى جانب المطالبة بتغيير النظام السياسي. وما تشكيلُ حكومة "كفاءات مستقلة" بالتبريرات المــــُعلنة التي هي في حدّ ذاتها محلّ جدال سياسي، وما اعتمادها ضدّ إرادة كل الأحزاب المنتَخبة بدون معارضة شعبية أومن المجتمع المدني، إلاّ تعبيرٌ عن عدم اكتراث الناخبين بمآل الأحزاب أو جزء هام منها على الاقل، ما يستوجب الوقوفَ عند هذا المُعطى.
وقد لوحظت مثلُ هذه المواقف اللامبالــية بالأحزاب السياسية في أدبيات تسعينات القرن الماضي سواءً في النّظم الديموقراطيةالتقليدية في الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا الشّمالية، أو في الديموقراطيات الانتقالية في أوروبا الشرقية إبان انهيار الاتحاد السوفيتي. فقد ركّز جزءٌ هامّ من هاته الأدبيات خاصة في العلوم السياسية على نطاق دور الأحزاب السياسية ومحدوديتها في تحقيق النما الاقتصادي والاجتماعي في ظل التراجع الملحوظ أنذاك في نسب الاقبال على التصويت في المناسبات الانتخابية الهامة(1). ونعتقد أنّ تدني الاهتمام بدور الأحزاب السياسية في الشأن المجتمعي كان انعكاسا لعدّة عوامل منها تسارع وتيرة العولمة في التسعينات وتشابك سلاسل القيمة في الاقتصاد العالمي وتراجع القطاع العام تُجاه رأسِ مالٍ خاص نشطٍ، بحيث تقلّصت أدوارُ الدّولة والقطاع العام التي على رأسها أحزابٌ سياسية، فتراجع نفوذُها نسبيا في الشأن العام، بل ما فتئت تخضع الى نفوذ رأس المال ذي القُدرات المؤسّسية العالية والشبكات العالمية المتنوّعة وتعاظم وزنِه في التأثير على صُنع القرار السّياسي. وإضافةً الى ذلك، تنامت التفاوتات الاجتماعية في العديد من البقاع في العالم، فتوجّه اهتمامُ العامّة أكثرَ الى قضاياهم الحياتية اليومية بحيث أصبح من الصّعب متابعة ما يجري من أجندات سياسية وفهم خلفياتها بالدّقة الكافية. وأصبح الناخبُ رهينةً لاستراتيجيات إعلامية ضخمة أدّت الى حدّ ما الى تقديم صورة نمطية للنخبة السياسية؛ صورة سلبيةٌ أكثر منها إيجابية.ولعلّنا نجدُاليوم في تونس كلّ هذه العوامل مجتمعةً. فلا الأحزابُ توصّلت الى تعزيز ثقة أوسع الناخبين فيها ولا ارتفع منسوبُ المنخرطين الجُدد في الأحزاب مقارنةً بالوافدين الجدُد من الأجيال الناخبة، ولا ارتفع منسوبُ الناخبين الفعليين مقارنةً بارتفاع منسوبِ الناخبين المحتملين. ولئن اتجهت المواقف نحو تأقلم وتكيّفالديموقراطية مع إخفاقات الأحزاب السياسية حيال التحوّلات الاقتصادية والاجتماعية في الدّول الديمقراطية ونحو تنويع أنماطها (ديموقراطية شعبية، دستورية، ماديسونية، الخ) ولم تتجاوز هذا الحدّ، فإنّه في تونس يرى البعضُ أنّ التخلي عن الأحزاب كُلّيةً هو المخرجُ من نفق تعطّل مؤسّسات الدّولة والرّكُودِ الاقتصادي وأخطار الانفجار الاجتماعي.
والمسألةُ التي أُناقشُ في هذه الورقة تتعلّق بمدى وجاهة إزاحة الأحزاب السيّاسية من إدارة الشأن العام ونحن في قلب مرحلة الانتقال الديموقراطي. فما هي وجاهة الدّواعي لهذا المنحى في المرحلة الحالية بالضّبط؟ وما هو نطاق اعتماده في الواقع التونسي؟ وماذا عن تداعياته؟ وهل يُمكن إرساءُ ديموقراطية بدون أحزاب سياسية في ضوء الادبيات والتجارب المقارنة؟ وما يمكن أن نوصي به لفائدة الانتقال الديموقراطي في تونس؟
ولهذا الهدَف، أتعرّض في خُطوة أولى الى مطبّات الصّراعات بين الأحزاب في تونس وإطارها الاجتماعي والسياسي المتغيّر، ثمّ أتطرّق الى بعض الاستنتاجات من خلال تحليل مقولة التخلي عن المنظومة الحزبية في إطار الديموقراطية الوليدة في تونس.
I. الأحزاب السياسية في تونس بين "صراع الصّراعات" وأخطار الرّجوع الى المربّع الأول
يُمكن حصرُ أهمّ الدوافع لصُعود الأصوات المطالبة بالتخلي عن المنظومة الحزبية في الفعل السياسي وإدارة الشأن العام في ثلاثة. كلٌّ منها مرتبط بالآخر، وهي، (1) غياب الإجماع في الفضاء العام حول جدارة الأحزاب السياسية بقيادة المرحلة الانتقالية وتحقيق أهدافها، (2) "صراع الصّراعات" كأجندة سياسية على معنى "شاتشنيْدر" (Schattschneider, 1960) و(3) إرادة تغيير النظام السياسي وفق نماذج مُحتملة لكن غير مُعلنة ومنه تركيبة الفاعلين فيه، بِدافع الاعتقاد بأنّ النخبة السياسية قد وضعت اليد على إدارة الانتقال وانفردت به على حساب متطلباته.
وفي الواقع، وباختصار شديد، أعتبرُ أنّ مسار الانتقال في تونس منذ أيّامه الأولى كان مبوّبًا حسب ما هو معروفٌ في أدبيات الانتقال الديموقراطي بـالتصاعدي (Bottom-Up)، اذْ ارتهنت الجماهيرُ مواقع القرار واحتشدت في اعتصام "القصبة 1 " وطالبت بإعادة سبك النظام برمّته والمرور الىمجلس تأسيسي، وكان الأمرُ كذلك. ولكن تغيّر هذا المسار وانقلب رأسًا على عقب ليصبح من أعلى إلى أسفل (Top-down) حيث احتكرت النخبة السياسية إدارة المسار انطلاقا من أحداث "القصبة 2" واختارت مقاربة المساومة السياسية والتسويات (Political Bargaining) على معنى "ريكر" (Riker)، ممّا أدّى الى التركيز على العلاقة بين الأحزاب مع صرف النظر عن العلاقة بين الأحزاب وعموم الناس في مرحلة اتسمت بالهشاشة المؤسّسية والمالية والاقتصادية التي كانت العنوانَ الأبرز بما أفرزه تغيير المسار من تكاليف التكيف (Adjustmentcosts) مع الواقع الجديد. وهذا يجرّنا الى تحليل العلاقة بين رهانات الانتقال الديموقراطي وأداء الأحزاب السياسية حاليا واجنداتها في التعاطي مع الشأن العام.
1. رهانات الانتقال الديموقراطي وشبح المربع الأول
أصبح جليًّا أنّ الانتقالَ الديموقراطي في تونس يمرُّ حاليّا بأصعب مراحله منذ عام 2011، كما يُجابِهُ أعلى المخاطر في ضوء التجارب العالمية المقارنة. فالعشرية الأخيرة – على انجازاتها المهمّة– راكمت تقريبًا كلّ أخطار العودة الى المربّع الأوّل المعروفة في الادبيات؛ أخطاٌر تتلخّص في
(1) ارتفاع منسوب عدم الاستقرار السّياسي والاجتماعي،
(2) هشاشة المؤسّسات،
(3) تهميش المسألة الاقتصادية التي من المفروض أن تواكب مسارَ الدَّمقْرطة وتُوطِّدُه، بل هي المكوّن الأساسي فيه،
(4) استبعاد النّخبة المثقفة وتأخّرها هي الأخرى عن القيام بدورها خلال الانتقال بعدم استغلالها فضاء الحريات الاستغلال الأفضل وعدم إدماجها في الاختيارات الكُبرى، ذلك أنّها لعبت أدوارًا هامّة في التجارب الناجحة سواءً في التأطير أو تعميق الوعي
بالتحديات المشتركة والحفاظ على النظام اللغوي المناسب الحمّال للمفاهيم التقدمية واثراء أدبيات الانتقال ورسملة استعداد وحماس الناس في بناء الدولة وتخطي المصاعب،أو في صياغة البدائل الاقتصادية والاجتماعية وإحداث التوزان مع النّخب الأخرى، أي السياسية والاقتصادية ومجموعات الضغط،
(5) فتح المجال للباحثين عن الرّيع لتعزيز أنشطتهم واستحواذهم على جزءٍ من السّلطة الحقيقية بانخراطهم المباشر أو غير المباشر في أخذ القرارات المصيرية في الأُطر الرسمية،
و(6) تقلّص ملحوظ في اهتمام النخب السّياسية بمشاغل النّاس اليومية وخاصّة الشباب منهم ممّا قلّل من منسوب الثقة في الدّولة وبالتّـــالي في الاحزاب السياسية الموجودة في حلبة السّلطة والمؤهّلة بطبيعتها لإدارة الشأن العام.
ولمّا اجتمعت هذه العوامل السّتة أصبحت شرعيةُ الدّولة الفعلية التي تتجسّد في آخر المطاف من خلال "الدولنة" (Stateness) (وهي القدرة على ضمان استدامة بسط نفوذ الدّولة على كامل تراب البلاد وفرض الاعتراف بها دوليا ولكن الأهمّ في موضوع الحال هو تحقيق الرّفاه والحماية لمواطنيها تجسيدا للعقد الاجتماعي بينها وبينهم). و"الدولنة" في الديموقراطيات التي تمنحُ للدولة شرعيتَهاظلّت محلَّ تساؤل ومساءلة، حتى ولو كانت هذه الشرعية في تونس متغيرةً من "شرعية الشارع" الى "شرعية الدستور"، و"شرعية الانتخابات" و"شرعية التوافق" و"شرعية موازين القوى" و"شرعية الكفاءات". ففي هذا الإطار ذي المرجعيات المتغيرة وتدني الأداء الاقتصادي والاجتماعي للقائمين على الشأن العام، فُتح المجالُ لصُعود تيّارات شعبوية استجابةً طبيعيةًومنتظرة حسب الادبيات للاختلالات الستّأعلاه التي كانت معالمُها ونشأتُها جليّــــةً منذ عام 2012، كما بيّناه منذئذ في سياق تحليلٍ لأخطار الانتقال(2). فاكتسحت هذه التياراتُالفضاءَ العام وهي الآن بدورها على تماس من الوُصل الى الحُكم، بل لها فيه جزءٌ هام، ولعلّه الأهم.
وإضافةً الى أخطار الرجوع الى المربع الأول،المتعلقة أساسًا بعدم
(1) تحقيق التنمية،
(2) معالجة القضايا الاجتماعية المستحدثة،
(3) تقوية الدّولة ومؤسّساتها على معنى "نورث" و"كوفمان"،
و(4) تعبئة كل الطاقات البشرية الوطنية في مجابهة رهانات الانتقال وهو جوهر المقاربة الشاملة والتشاركية (Inclusive &Participatoryapproach)، يتمثل صُعودُ التيارات الشعبوية كخطر إضافي لمآل الانتقال. فالشعبوية، بالمعنى العام إنما هي استراتيجيةُ القُرب من الشعب باستهداف التقاط"النقاط السياسية" من خلال خطابات وإجراءات، موجّهة إلى أكبر جزء من الشعب الذي يُفترض أنه أقلّ قدرة على التجريد وأقلّعُمقا في فهم الواقعويفتقر إلى المعلومات اللاّزمة مقارنةً بالأقليّة أو النخبة.
أمّا الخطابُ الشعبوي، فهو عمومًا مُحمَّلٌ بالذاتيّة والاختصارات التفكيرية التي تُجزِّءُ بالضّرورة الواقعَ ولا تَعتبر شموليتَه، استغلالاً لفضاء الحريّات وانتهازيةً في توظيف المفردات السّائدة من "ديموقراطية" و "حقوق فردية" و"حرية الانتظام والانتماء". ولأنّها سطحيةٌنسبيًا، فإن من مظاهر المقاربة الشعبوية سهولةَ التعميم في تقييم الواقع، وتفسيرَ التاريخ بتشويهٍ يخدم هدفَيْ تسجيل النقاط السياسية وتعاطف الناس، والاقتصارَ على الجوانب الشكلية في القضايا الهامّة وتقزيم الخصم السياسي والنيّل منه. ولذلك يكون هذا النوعُ من الخطاب سهلا فيالفهملدى العامّة غير المتابعة لدقائق الأحداث وخلفياتها كما يقدِّمُه أصحابُهبديلاً للخطاب الصّارم والعميق فيصبح الوعيُ الجماعي مثيرا للجدل وتبدو النخبة غيرُ الشعبوية بالضرورة أقلَّ صدقيةً.
وأمّا الإجراءات الشعبوية فهي عادةً ما تكون على حساب المال العام وأداء المؤسّسات الرّسمية. فمن خلال القيام بذلك، يَعمدُ الشعبويون الدفعَ بالمواجهة بين عُموم النّاس والنّخبة المثقفة واستبعادها، أو حتى نزعها مصداقيتها، الى حدّ استهداف تكليس الوعي الجمعي، وتسطيح المفاهيم واكتساح ميادين الاختصاص –خاصة الاقتصادية والمالية–من قيِل أُناس غير متخصّصين واقتحامهم المنابر على أنّهم "خبراء". فاثروا في طريقة صُنع القرار باعتبار نفس المواقف المتأتية منهم تبنّت منها العديد من الأحزاب والحكومات المتعاقبة(3).
ومن المـــُــهم الإشارة الى أنّ التيارات الشعبوية فاقدة لخلفية الحفاظ على مكتسبات الدّولة ومؤسّساتها (Establishment) وللانضباط المنهجي في التعاطي مع القضايا الاقتصادية والاجتماعية بما تحتاجه من حدّ أدنى من الصّرامة الفكرية، وأنّ الذين صعدوا من الشعبويي نالى الحُكم في التاريخ المعاصر لم يدُوموا طويلا فيه، لكنّ تكاليفَ ادارتهم للشأن العام هي التي استمرت بعدَهُم باعتبار ميولهم الى اتخاذ قرارات ذات صبغة غير رجعية أو تثبيت ثقافةٍ لا تخدم بالضّرورة مصالح الناس طويلة الأجل لانّ هدف الوصول الحكم وتسجيل النقاط السياسية قصيرُ الأجل بطبيعته. وفي نفس الوقت، نادرا ما أُعيدَ انتخابُ غيرِ الشعبويين مثل المستشارِ الديمقراطي المسيحي شرودر وحلفائِه الخُضر، الذين تخلوا عن السّلطة منذ عام 2005 الى يومنا هذا، لمصلحة المستشارة ميركل التي استفادت بعدهم في عُهدتيْن متتاليتيْن من إصلاحاتهم غير الشعبوية التي كانت لازمةً أنداكخاصة فيما يتعلق بسُوق العمل والقطاع الصّناعي والشركات الصُّغرى والمتوسطة والاتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي.
هذا، وإذْ لم تكترث الأحزابُ السياسية التونسية المنخرطة في ريادة الانتقال الدّيموقراطي – على اختلاف هامش المناورة لكلٍّ منها–بصُعود التيّارات الشعبوية بوطئها قدَمًا بالضرورة على حسابها، فإنّ منظومة الأحزاب السياسية برُمّتها هي التي أصبحت محلّ مُساءلة وهدفًا لمجموعات الضّغط والباحثين عن الرّيْع والنّشطين في مجالات الفساد المالي والإداري، كلٌّ وغايته وكلٌّ وأجندتُه. وكأنّنا نتحدّث عن شبح المربّع الأوّل في فترة ما قَبل سقوط النظام الاوتوقراطي وأجهزته الريعية، ما فتح المجال للترويج لمقولةِ التحكيم بين"الديموقراطية من جهة والأمن والتشغيل من جهة أخرى" باستبطان استحالة التوفيق بينهما. وعُموما، ليست بدعةً في تونس حينما يتم تقييمُ أداء "الديموقراطية" في حدّ ذاتها انطلاقا من أداء الأحزاب السياسية في نظر المواطن العادي (Norris,1999)(4)، كما أُشير في خلال تسعينات القرن الماضي الى أداء الديمقراطية من حيثُ تأقلمُها مع المتغيرات ومواقفُ الناخبين تجاهها، (Norris, 2011)(5)، ولكن انحصر الجدلُحول تقلّص الثقة في الاحزاب السياسية، ومآلُه كان انخفاضتأثير هذه الأحزابفي المجال الاجتماعي والاقتصادي، وبهذه الطريقة بدت الديموقراطيةُ في بعض البلدان الديموقراطية وكأنّها تفقد مكونًا هامّا منها وهو "شعبيتها" (Pedersen, 2007)، في حين أنّ الحوار في تونس بدامتّجها الى أبعد من ذلك بنفي منظومة الأحزاب كما سنُبيّن أدناه.
2. صراع الصّراعات، اللاّمبالاة والدّيموقراطية
رُغم التراجع التدريجي لدور الأحزاب السياسية الأبرز (المنخرطة في الانتقال الديموقراطي) إبّان سقوط النظام في عام 2011 سواءً في المعارضة أو في الموالاة بانحلال فعلي لبعضها وتقلّص حجم بعضها الآخر (الجبهة الشعبية، المؤتمر من أجل الجمهورية ثم حزب شعب الإرادة، التكتل،الحزب الديمقراطي التقدمي ثمّ الجمهوري، النهضة، القطب الحداثي ثم المسار)، فإنّجلَّها (إضافة الى التيار الديموقراطي وحزب الشّعب حاليا) قد حافظ على نفس الاجندة السياسية المتمحورة حول الصّراع من أجل اكتساح مساحة أكبر في المشهد السّياسي، حتى ولو كان ذلك بإزاحة الخُصوم الذين ما يجمع بينهم أكثر ممّا يفرّقُهم إذا اعتبرنا تحديات المرحلة الانتقالية ورهاناتها. ونعتقد أنّ عامليْ
(1) الأيديولوجيا
و(2) "صراع الصّراعات"، هما الاساسيّان في مقاربة جُلّ الأحزاب واللذان حالا دون ترسيخ أرصدتها (هذه الأحزاب) من الثقة لدى عمُوم النّاس ودون تموضعها في مسار تحقيق التنمية كأولوية قُصوى وبالتالي دون المساهمة الفعّالة في توطيد مسار الدّمقرطة.
– الأيديولوجيا حالت دون مراكمة الثقة في الأحزاب وبينها: الأيديولوجيا ليست أفكارا مجرّدة للنقاش، ولا وجهات نظر عقلانية، بل هي محتوى الاغتراب الاجتماعي كما جاء في أدبيات ماركس أو هيجل الذي يعتبره "استلابا". وفي كلّ الحالات هي فقدانُ المرء للعقلانية بما أوتي للمجتمعُ من وعي بالواقع في المرحلة التاريخية المحددة عند قراءته للواقع الموضوعي، سواءً بتغليبه عامل العصبية القبلية-الريعية في المجتمعات ما قبل الحداثة أو بخضوعه لوثنية السّلعة في المجتمع الحديث. ثمّ يقوم باختيار موقعه، بين وضع "تغيير الواقع" من خلال تخلّصه من الأيديولوجيا المكبّلة لإرادته من جهة(6)، أو "الخضوع والقنوع"من جهة أخرى، من خلال وضع "المتأمّل الناقل للأحداث دون الارتقاء بها جوهريا ". لذلك، لا تُمَكّنُ الأيديولوجيا من النظر الى الواقع ومتطلبات تغييره الاّ من وراء غشاء يحجب على الناظر القراءة الموضوعية للواقع ويمنعه من الغوص في جوهر القضايا الاقتصادية والاجتماعية المشتركة اعتقادًا بانفراده بالحقيقة "المطلقة" – حتى ولو كانت محدّدة في الزمن– وتصنيف الخُصوم السّياسيّين في مصفوفة ما قبلية ثابته وجبتْ البرهنةُ عليها بعد اعتمادها، تعسّفا على مجريات الاحداث(7). ولانّ أغلب اللاّعبين الأساسيين في المشهد السياسي حديثو العهد في الفعل الديموقراطي، كان نَفيُ الآخر من منطلق الوازع الأيديولوجي،أو من رواسب "الشعور بالمظلومية" و" المآمرة" دام عُقودا،من أهم العراقيل التي أفضت الى انعدام الثقة بين العديد من الأحزاب والجهود المبذولة في تخوين الآخر والحطّ من صدقيته والتهكّــــم عليه والعنف اللفظي تُجاهه في رحاب البرلمان؛عنفٌ كان من أهمّ ميزات التجارب الانتقالية الفاشلة. هذا، ولمتقف التداعيات عند هذا الحدّ، بل امتدّت الى عدم القدرة على إرساء مناخ ملائم للتفكير في القضايا الاقتصادية والاجتماعية المشتركة لما نراه فيالبرامج الاقتصادية والاجتماعية المعتمدة من قِبل الحكومات الاخيرة والتي لا ترتقي الى ورقات سردية لا تعكس البتّــــة رصيدَ رأس المال البشري في البلاد ولا تطلعات الشباب، ممّا قلّل من منسوب الثقة في الاحزاب السياسية لدى عُموم النّــــاس الذين طال انتظارُهم لساعة الخلاص.
– "صراع الصّراعات" أدى الى اللامبالاة: (Conflict of conflicts) على معنى المرجع في العلوم السياسة شاتشنيدر (Schattschneider)في كتابه الشهير: " الشعب شبه-المستقِلّْ"،(8) الذي هو تحليل لأداء الديمقراطية في ظل الصّراعات بين الأحزاب السياسية. وتمثلت مساهمتُه الرئيسية في
(1) تطوير مفهوم "صراع الصّراعات" كجدول أعمالٍ للأحزاب، وهو بُعد أساسي في العملية السياسيّة للأحزاب الناشئة أو المصارعة من أجل البقاء، وفي
(2) حُجّته بأنّ مراقبة ومتابعة صُنع القرار السياسي ليست في متناول المواطن العادي. ومفهوم "صراع الصراعات" هذا إنّما هو ناتج من الثنائيات في الاختيارات الاجتماعية الكُبرى مثل "الخصخصة/الاشتراكية"خلال ستينات القرن الماضي في الدّول الديموقراطية الغربية والتي عمدتْ الأحزابُ على تسيسها؛ صراعاتٌ قد لا تكون بالضرورة ذات علاقة حصرية بالفعل السياسي الحزبي لأنّ كلَّ حزب له خلفياته وقناعاته تُجاه القضايا الكبرى ولا يُمكن اثباتُها من خلال استهداف الخصم، بل من خلال الدفاع عن برامج حكم.وتكون عادةً الاستجابةُ الى هدف اكتساح الفضاء السياسي من خلال "صراع الصّراعات" ذات نوعيْن.
(أ) الاستجابة المجتمعية بمناسبة حدث هام ينتج عنه تغيير في جدول الأعمال السياسي للحزب وما يتبعه من تعبئة (Birkland, 1998)(9)، مثل أحداث الــ11 من سبتمبر 2001 التي غيرت الاجندة السياسية للحزب الحاكم في أمريكا وانخرطت فيها كل الأحزاب بتسييسها، أو العملياتالإرهابية والاغتيالات السياسية التي وقعت في تونس في أعوام 2013-2016 التي طغى عليها الجانب السياسي في واقع كان يحتاج الى ترصيص الصفوف والوحدة الوطنية، أو بمناسبة تنامي قوى مجموعات الضغط والصراع بينها لإجبار السلطة السياسية على تناول قضاياها في قانون المالية أو قوانين مناسبتيه في محاولة لحماية مصالح أصحاب رؤوس الأموال والباحثين عن الرّيْع (مثل بعض الإجراءات التي أعلنت عنها في مارس 2020 رئاسةُ الحكومة المستقيلة خلال أزمة جائحة الفيروس التاجي المستجد(10). أو يتمّعموما تسييسُ بعض القضايا الاجتماعية أو الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات الموسميةأو اختلاقها في ضوء اختلاف الرأي العام حولها.
(ب) الاستجابة بمحاور صراع تخّص الدّولة: وتتم عادةً في واقعِ عددٍ مرتفعٍ من الأحزاب السياسية ويُفضِّل الحزبُ المعنيُّ تسييسَ قضايا لها علاقة بمؤسّسات الدّولة وإدراجها في الأجندة السياسية العامة حتى يتصدّر – هذا الحزبُ– محورَ اهتمامات المنظومة الحزبية وبالتالي محور الصّراعات(11). ومن ثمّة، يُمكن فهمُ المنافسة الحزبية من خلال مبدأيْ "الهيمنة" و"التشتت" التي طورهما "ريكر" (Riker, 1999)(12)، وابتدع فيها ميدانًا سمّاهُ " الهيريستيزيا" (Heresthesia) وهو فن استغلال وتوظيف المواقف الكامنة لدى الجمهور (أو ما يُسمّى عادة بالأغلية الصامتة) حتى يصبح الخاسرون المحتملون فائزين. فأمّا "مبدأ الهيمنة" فهو يحدث عندما يهيمن حزبٌويستحوذ بطرق اتصالِهِ على موضوع معين (مثل "الفساد" / حزب التيار الديموقراطي، أو "الفقر" /قلب تونس، أو "الثروات البترولية" /ائتلاف الكرامة، الخ) – وهذا يُسمّى "الهيمنة بالحجم"(Size Dominance) لأنه يضع الحزبَ المعنيّ به في محور الاهتمامات–فيتخلى الطرفُ الآخر عن النداءات حول هذا الموضوع. وفي بعض الأحيان يحتجّ الحزب المهيمنُ على الموضوع، والذي توصّل الى فرضه في الاجندة السياسية، على اثارته من حزب آخر، بالتذكير بانه هو صاحب الفكرة أو المبادرة! وأمّا "مبدأ التشتت"، فإنهُ يتعلّق بحالةٍلا يهيمن فيهابالحجم أيٌّ من الحزبيْن،عندها يتخلى عنه الطرفان (مثل قضية المحكمة الدستورية خلال الفترة 2014-2019). ومن هذا المنظور، تُولي بعض الأحزاب اهتمامًا للناخبين من خلال لفت الانتباه إلى قضية يتفق جميعُها (أي الأحزاب) ضمنيا على أنّها ليست جذّابة سياسيا على الرغم من أنّ الناخبين قد يجدونها مهمّة (مثل المديونية، أو المشاريع طويلة الأجل التي يتجاوزُ مداها الزمنيُّ الدورةَ الانتخابية، الخ). ومع ذلك تصرف الأطراف عن هذه القضايا (مبدأ التشتت)، وهنا يجد الحزبُ المعتمِد على أجندة "صراع الصراعات" فرصةً هامّة للفت الانتباه إلى هذه القضايا التي يكون فيها الناخبون إلى جانبه ليخوض الصراعَ مع الأحزاب الأخرى (مبدأ الهيمنة/الدستوري الحرّ)، وحتى إذا لم تكن القضايا غير قابلة للتسييس، فإنّ الاشغال العلمية (Green-Pedersen, 2007) تذهب الى آلية ربطها بالقضايا التي تمّ تسييسُها من قَبْل، فيُصبح الحزبُصاحبُ القضايا التي توصّل الى تسييسها (قضايا تاريخية، أخلاقية، هووية، صحيّة، الخ) محلَّ اهتمام دوريًّا خاصّة عندم يُتقن الهيريستيزيا القائمة أساسا على أركان خطاب التحشيد والمنطق الصّوري سهلة الاستساغة من قبل العامة.
وقد وددنا أن تكون المناظراتُ الفكرية بين الأحزاب في تونس حول البرامج والبدائل في ندوات ضخمة عالية المستوى يشهدها الشّعب وتنخرط فيها مراكز البحث ووسائل الاعلام وتكون المنافسةُ السياسية فيها دعمًا للديموقراطية، إلاّ انّ "أجندة الصّراعات" في تونس التي يُستهدف فيها الخصمُ السياسي كانت حولالدّين/العلمانية، صراعات الهوية، الحريات الفردية/العامة، الصّراعات في قراءة وتحديث التاريخ، وحتى إشكالية استقلالية البنك المركزي التي هي أقرب للشأن الفني العلمي البحْت ومناختصاص الدوائر الاقتصادية منها الى الشأن الحزبي السياسي. وإذا تبناها حزبٌ سياسي فلا يجب أن يكون مدعاةً للصّراعات المفتعَلة المنضوية في "اجندة الحزب". وهذه الصّراعات لا تمُت في الحقيقة بمتطلبات الانتقال الدّيمقراطي بأيّة صلة، فضلا على أنّها ليست حصريةً على العمل الحزبي السياسي، بل كانت "أجندة" على معنى شاتشنيدر، يُستهدف من خلالها التموضعُ السياسي ومنازعة الخصم، لا ينخرط فيها عموم الناس فعليا بل تدفع في آخر المطاف نحو اللامبالاة، تقلّل من أداء الأحزاب في إدارة الشأن العام وتُضعِفُها، وتجرّدُ الديمقراطيةَ المثبّتة من محتوياتها (Mair, 2005)(13)، فما بالُنا بديمقراطية وليدة.ففي العشرية الأخيرة لم نشهد ابداعا برامجيا من الأحزاب المُستحدثة والتي صعدت بسرعة بقيادة شباب بدون رصيد معروف، اعتُبروا فجأةً قياديين في الفضاء العام ما لم يكن مُتاحا الاّ "بأجندة صراع الصراعات"، ذلك أنّ تصريحاتِهم اليومية لا تكاد تخلو من التهجّم على الأحزاب المنافسة في إطار الثنائيات المذكورة أعلاه.
ونعتقد أنّ اللاّمبالاة بالشأن السياسي وبالتالي بالأحزاب وإذنْ بالديموقراطية لم تكن مجرد مشكلة عابرة، فقد تفاقمت أيضًا بسبب الخطاب الذي استخدمه العديد من السياسيين؛ خطابٌ محورُه الأساسي نفي الآخر، فضلاً عن المشاعر المتزايدة المناهضة "للسياسة" التي أمكن ملاحظتُها لدى العامّة وفي جزء من الخطاب الرّسمي الحديث في تونس، وتوثيقُهفي الأدبيات حول صُنع السياسات والإصلاح المؤسّسي والحُكم في تسعينات القرن الماضي (Schedler 1997) و (Deth, 2000)(14).
وفي مستوى التحليل هذا، يتبيّن أنّ تأخّر الأحزاب المتصدرة لريادة الانتقال الديموقراطي لم تنتبه الى الثغرات التي خلّفهااستحداث "صراعات الصراعات" السياسية والاحتكام الى الايديولوجيا وتداعياتهما على أدائها وعلى تعاطيها مع الشأن العام، فتعطّل المسار الانتقالي بغياب مسألة التنمية كأجندة سياسية بالمعنى الشامل (نمو، توزيع، قواعد لعبة جديدة، تقليص التفاوتات الاجتماعية والجهوية، الخ) التي هي العنصر الحيوي الوحيد الذي يوطّد المسار الانتقالي بموازاةٍ مع بناء مؤسّسات الدولة وتقويتها في ضوء ما جاء في التجارب الانتقالية الناجحة، فكل التجارب الانتقالية الفاشلة أخفقت في تحقيق أهداف التنمية ورجعت الى المربع الأول الاوتوقراطي.
II. مواصلة الانتقال دون أحزاب سياسية ومآل الديموقراطية الوليدة؟
منذ القرن الخامس قبل الميلاد، تزامن تشكيل مجموعات تتقاسم نفس الرؤى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، معنية بالمشاركة في الحكم سُمّيت لاحقا بأحزاب سياسية، مع أُولى تصّورات "الدّيموقراطية" كنظام يسمح للشعب بالمشاركة في الحُكمبدرجات متفاوتة في سياق تطوراتٍ سجلّها الوعيُ البشري بحثًا عن أفضل النّظم الاجتماعية. وكان ذلك حسب مراحل تاريخية تحرّرَ خلالها الانسانُمن شتى أنواع الاغتراب. فمنها الاغتراب الوثني الملائم للمجتمع العُبوديحين انشاء الدولة حيث لا يملك جزءٌ من أفراد المجتمع كيانهم، ثُمّ الاغتراب القبلي الملائم للتشكيلات الاقتصادية والاجتماعية الرّيعية حيث الفردُ ليس له وجودٌ مواطني خارج القبيلة أو العلاقات الدموية، الى أنْ جاء عهدَا الحداثة الأولى والثانية في العالم الغربي (والتي استوعبتها تيارات فكرية في العالم العربي وفي بقاع أخرى من العالم وكيفتها لوعيها بالتاريخ ) الذي بات مُصَدِّرا لنظامه الاجتماعي والقيمي –قدر الإمكان–باعتبار توسّع الدّائرة الجغرافية لرأس المال ذي النفوذ الكوني. فكانت هناك ديموقراطيات باختلاف نُظمها السياسية وأحزاب سياسية بتنوّع أيديولوجياتها منذ القرن الثامن عشر في بريطانيا ثم أمريكا بديموقراطيتهما التمثيلية أو النيابية، تتداول على السلطة بسلميّة وتُساهم في تعزيز مؤسّسات الدّولة وفي الاستقرار الاجتماعي وتعمل جاهدة للحفاظ على أركان الدّولة ومصلحتها وتعزيز قيم الديموقراطية بما فيها من قواعد مؤسّسية حيث المحورُ النهائي هو المواطن. وكما أشرنا اليه سابقا، مرت الديموقراطيات بهزات من خلال أداء الأحزاب السياسية، جلبت تساؤل النقاد والمفكّرين لكن لم يتجاوز ذلك هذا الحد، الاّ انّه في تونس تعالت بعض الأصوات لإرساء نظام سياسي بدون أحزاب سياسية للأسباب المذكورة أعلاه.فهل يمكن فعليا تصوّر ديموقراطية حديثة بدون أحزاب سياسية حتى ولو كان أداؤها محدودا لكيلا أوظّف كلمة " سلبيا" كما يعتبرها البعض؟ وماذا عن تونس الانتقال حاليا؟
1. المنظومة الحزبية والديموقراطية: معالم من وجهة نظر اجتماعيه
من وجهة نظر اجتماعية، إنّ الديموقراطية الحديثة شكل من اشكال الحُكم وآلية تُمكّن للمجموعات أنْ تسُوس الناسَ بقطع النظر عن انتمائهم القبلي أو العرقي أو الطائفي أوالجهوي، ولكن بمعيار براعتهم في تحقيق وظائف الدولة كونها القوةَ المُــركّــــــزة لمجتمعٍحديثٍ قائم على "المواطنة" وكونها كذلك تمثيليتَه الرسمية. لذلك لا يمكن إرساء الديموقراطية الحديثة في التشكيلات الاقتصادية والاجتماعية ما قبل-حداثية. وما المطبّات التي انزلق فيها النظام السياسي اللبناني أو العراقي وغيره من التشكيلات القائمة على معيار الطوائف الدينية أو العرقية لا يمكن أن تستوعب الديموقراطية كنظام حُكم، لأنّه يحدث خللٌ هيكلي بين مجتمع يطالب بالمواطنة والحقوق الاجتماعيةفي حين أنّ تمثيليتَه الرّسمية (الدولة) لا يمكن أن تسمح بذلك لأنّ معيارها تفاضلي طائفي. وفي الحالة العكسية، كل المجتمعات التي أُسقطت عليها شكلانيةُ الديموقراطية باتت غير مستقرة بالنزاعات الطائفية واندثرت ثرواتُها وقلّت سيادتها في واقع تشكيلة اقتصادية والاجتماعية مازالت ما-قبل حداثية (العديد من الدول الافريقية). فالأحزاب السياسية بمنطوق "المجموعات المؤهلة للحكم" ديموقراطيا إنما هي خط مستعرض عابر للتشكيلات الاجتماعية القائمة على القبائل أو الطوائف أو الجهات أو الأعراق، الاّ إذا كانت هناك مرحلة انتقالية – قد تطول– يتم خلالها إعادة التشكيل الاجتماعي من خلال تحفيز التغيير الاجتماعي. فكل المجتمعات في التاريخ برهنت على قدرة في التكيف مع النُّظم التي أفرزنها ديناميتها الداخلية أو الوافدة من خارجها، مثل النظام الاقطاعي الفرنسي الوارد من الجرمان في القرن الحادي عشر، أو العقل المركنتيلي في تونس الوارِد أساسا من الفينيقيين والذي أهّلها قبل غيرها من العديد من المجتمعات للتخلي عن التشكيلة القبيلة للمجتمع وللمرور الى المطالبة بحق المواطنة بدون هدم لأركانها الثقافية والحضارية. لكن، من ناحية أخرى تترسّبُ في كلّ مجتمع بقايا سلوكية وممارسات موروثة من المجتمعات السابقة أو "الاطلال" على معنى "بتلهايم"(Charles Bettelheim) التي لا تستطيع وظيفيا أن تعرقل مسار التراكم الثقافي والانتاجي في التشكيل الاجتماعي الحديث، مثل الميْــز العنصري الحالي في أمريكا الديموقراطية.
وفي هذا الإطار لا مكان مبدئيا لنظام ديموقراطي حديث تعدّدي بدون وجود كيان مواطني حيثُ الدّولةُ تكون الضّامنَ في آخر المطاف لاحترام مبدأ سيادة القانون وحسن ممارسة وظائف الدولة وللحريّات والحقوق الفرديّة والعامّة ومنها حق التنظم الحزبي. فما هي الحالات الخاصة التي يمكن ان تتضمن ديموقراطية غير حزبية؟
2. مآل المنظومة غير الحزبــية والانتقال الديموقراطي؟
لا نهتم في هذه الفقرة بالحالات الخاصّة التي تتم فيها مُمارسة الديموقراطية غير الحزبية مثل التداول على التمثيليات في المجالس العلمية بالجامعات أو في مجالس إدارة الشركات أواللجان في النقابات المهنية أو في الفصول الدّراسية... وإنّما يتعلّق اهتمامُنا بمنظومة النّخبة الحاكمة وتحليل المواقع التي يمكن أن نتصوّر فيها عدمَ حزبية الحُكم، وهي حسب اعتقادنا كالآتي:
أ) حياد هرم السّلطة عن الأحزاب السياسية
من الأجدر أن يتخلى رئيسُ الدّولة بعد انتخابه ديموقراطيا عن انتمائه الحزبي ورئيس الحكومة ووزراؤُه عن خلفياتهم الحزبية حين إدارتهم للحكم. وان يكون ذلك مثاليا، فعلى المؤسسات والقوانين الاّ تسمح بممارسة الحكم انطلاقا من خلفيات حزبية حفاظا على حياد الدولة (State Impartiality) وضمانا لأدائها في وظائفها المؤسسية حيث تبين احصائيا أنّ حياد الدولة وحسن أدائها أمران مرتبطان ببعضهما Rothstein and Teore)(15), 2008)، وإذا اختلّ الحيادُ أصبحت الدولة في قبضة الأحزاب وتوجّهت مقدراتُها الى غير محلّها واستُعملت أجهزُتها لغايات انتخابية على الأقل أو أُقحمت في الصّراعات الحزبية، واهتزّت ثقةُ المواطن العادي بها من خلال اهتزاز فقته بالأحزاب السياسية.وقد أشارت أدبيات علم الاقتصاد السياسي الى مسايرة الدورات الاقتصادية للدورات السياسية خاصة في أشغال الحائز على جائزة نوبل، "نوردهاوس" (Nordhouse)، ذلك أنّ الحكومة المنصرفة تُضاعف المصاريف التشغيلية التي تُحسّن الرّفاه لجزء من الناخبين المُحتملين على أمل إعادة انتخابها بدون التفكير في التداعيات السلبية من حيث ل اختلال الموازنات العامة والتضخم المالي المتلاحقة لهذه السياسة في العُهدة النيابية التالية. وقد يأخُذ عدم حياد الدولة عدة أشكال أخرى مثل التعيينات الحزبية أو المصلحية ومنح الامتيازات غير المُستحقة والقرارات لصالح مجموعات الضغطأو ُخفاء بعض المؤشرات الاقتصادية السلبية، الخ. وفي كلّ الحالات، علاوة على الحدّ الادنى من "الاخلاق السياسية" بالمعنى العام، التي وجب على السياسيين التحلي بها – وهذا يأتي بتراكم التجارب الديموقراطية والتداول السلمي على الحُكم– وجب إرساءُ مؤسّسات مراقبة ومحاسبة مستقلة ونافذة تحمي الدولة من تعسّف حُكّامها وسياسييها. لذلك كان من أوكد الأمور في الانتقال الحالي إقرارُ وبناءُ هذه المؤسسات حمايةً لأداءٍ أفضل للديموقراطية.
ب) منظومة الحزب الواحد
بقطع النظر عن التجارب الشاذة في العالم حيث المنظومة السياسية غير حزبية بحكم الواقع،(16) ففي العديد من التجارب في العالم التي قامت خلالها ثورات ضد الاوتوقراطية خاصة ذات المرجع الماركسي منها ودخولها فيما تسميه الادبيات بمرحلة "دكتاتورية البروليتاريا" أو "الانتقال الاشتراكي" نحو "الشيوعية"، حيث تضمحل الدّولة وتتحقق العدالة الاجتماعية حين تتطور القوى الإنتاجية الى حد كافٍ تزامنًا مع تطور وعي المجتمعات والغاء الصّراع الطبقي، كانت منظوماتُها السياسية ذاتَ الحزب الواحد مثل كلّ دول الاتحاد السوفيتي والصين والدّول الحليفة من أمريكا الجنوبية وجنوب شرق آسيا. وبقدر ما كان التبرير الأساسي لمنظومة الحزب الواحد في هذه الدول الاشتراكية قائمة على "ضرورة الاختلاف" مع "الديموقراطية البورجوازية" في الغرب، كانت التبريرات لفائدة الحزب الواحد في الدّول النامية متمحورة حول معركة التنمية في دولة الاستقلال مثلما كان الحال في تونس لما ألغى الرئيس بورقيبة التعددية الحزبية عام 1962 بتجميد نشاط الحزب الشيوعي التونسي خاصة لفائدة "الحزب الحر الدستوري التونسي الجديد" أنداك على إثر قضية "انقلاب الأزهر الشرايطي". وبقي الحال على ما هو عليه الى بداية الثمانينات من القرن الماضي حيث اقرت السلطات منح التعددية الحزبية في المنظومة تحت شعار "سياسة الانفتاح". والامثلة على الغاء المعارضة في العالم النامي عديدة كمصر في عهد جمال عبد الناصر وغيرها، وكذلك مؤخرا في جزر القمر بموجب دستور عام 2001، الذي وفقه كان التناوب على الرئاسة بين الجزر الثلاث في البلاد. الا انه في عام 2018، تمّ استفتاء دستوري عُلّقت من خلاله الرئاسةُ الدورية للجزر حتى عام 2030. بالإضافة إلى ذلك، عّلق الرئيسُ غزالي العثماني، الذي فاز في الانتخابات الرئاسية لعام 2016، المحكمة الدستورية وتمركزت السلطة التنفيذية بين يديه.
وفي المحصّلة، لا يمكن الحديثُ عن ديموقراطية بدون تعددية حزبية، وانّ تجارب الحزب الواحد مثلما هو الحال في الصين الى غاية السنوات 2005، وروسيا ابان سقوط الاتحاد السوفياتي، والعديد من الدول الافريقية وفي أمريكا الجنوبية، كُلها تُفضي عادة الى الفساد المالي والتشبث بالحُكم واللجوء الى الحلول الأمنية في معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية.
ت) عن ديموقراطية الافراد ولا مركزية الحُكم
إذا حتّمنا جدلا بمنظومة حُكم قائمة على الأفراد، أي على غير الصّفة الحزبية، فبالرغم من استحالتها ومحدودية أدائها في الدّول الديموقراطية ذات الشعوب التي تُعدُّ بالملايين، فالتجارب في العالم يمكن تبويبُها على نوعين. فأما النوع الأول فهوقائم على تسلسل انتخاب الافراد انطلاقا من محليات "قطاعية" ثم الوصول بألية الانتخاب والتمثيليات غير المباشرة الى الهيئات العليا في السّلطة الى يصبح المُنتخبُ الأخيرُ وهو في أعلى هرم السلطة البرلمانية مجهولا من أكبر جزء من القاعدة الانتخابية حيث تتضاءل الاواصر بينه وبين أغلب الناخبين حتى في ظلّ تسلسل هرمي في التمثيليات القطاعية في ضوء التجربة الرّوسية، أوالمحليات "الجهوية" كالتجربة الصينية أو الليبية. وهذه التجارب كان عمودُها الفقري إما الحزبَ الواحد أو الانفراد بالحُكم الفعلي من قِبل الرئيس او المجموعة المصغرة في البرلمان. وهذه تجارب فاسدة ديموقراطيا. وأمّا النوع الثاني فهو قائم على "الكونتونات" في ضوء المنوال السويسري أو الألماني أو الإيطاليوذلك في إطار لامركزية الحُكم، ولكن بوُجود أحزابٍسياسية من مختلف المشارب الفكرية والايديولوجية ووفق معايير الديموقراطية الحديثة يتم انتخابُها مباشرةً. وفي كلتا الحالتيْن من التجارب، فإمّا منظومةٌ غيرُ حزبية أو ذات الحزب الواحد ولكن بدون ديموقراطية، أو منظومة لامركزية وديموقراطية ولكن عمادُها أحزابٌسياسية متنافسة. وقد تكون منظومات غير حزبية تُعنى بإدارة الشأن العام في البداية على غرار التجربة الامريكية إبان استقلالها وتوحيدها الذيْن تمَّا على مراحل تخللها استقلال كل المناطق والقيام بالعديد من التحويرات في الدستور الامريكي، لكن أولَ انتخابات شاركت فيها الأحزاب السياسية كانت في عام 1830، وكان روّادَها الموظفون في الإدارة. مجموعاتٌتطورت داخل الحكومات غير الحزبية وتشكلتأحزابًا سياسيّة.
وفيما يتعلّق بالتجربة التونسية في ديموقراطيتها الوليدة، نتساءل كيف يُمكن ميدانيًّا إزاحةُ أو الغاء المنظومة الحزبية المنصوصِ عليها بالدستور والتي لها، ولو جزئيا، امتدادٌ شعبي؟ أليس هناك فرصةُ الاستفادة من التجارب السّابقة المذكورة أعلاه في ظل غياب منوال نظري أمثل؟ إذا اعتُبرت الأحزابُ السياسية الحالية "غير قادرة" على تحقيق أهداف الانتقال الديموقراطي، بالرّغم من أنّ هذا القولَ يحتاج الى نظر، ذلك أنّ التقييم يخضع الى معايير ومناهج علمية تأخذ بعين الاعتبار كلَّ الابعاد الاقتصادية والاجتماعية والإقليمية ومدى انخراط عامّة الناس وكل الأطراف ومجموعات الضغط في المسار الانتقالي والتي لم تُطرح موضوعيا الى يومِنا هذا طيلة العشرية السّابقة؟أليس من الأفضل ترك المجال متاحا لصعود قوى ديموقراطية جديدةدعما للمسار برمّته؟ وإذا تمّ التراجع على المسار التعددي الحالي، هل من ضمانات لنجاح منظومة قائمة على الافراد؟ ضمانات ضدّ القبض على الدولة (State capture) وضدّ أخطار الرجوع الى الأوتوقراطية الذي كان مآلَ أكثر من 97% من حالات الانتقال الديموقراطي الـ ـ1700، في الفترة ما بين 1800 و2008 حسب هنتنغتون (Huntington).
وقد يكون كذلك الدافع هو ارساء منوال حوْكمة محلية تُعنى بالتنمية المناطقية وتقلّص التفاوت الجهوي وترجع للمناطق اعتبارها وتثمّن مزاياها، لكن هذا لا ينتفي مع المنظومة الحزبية، بل تحتاج الى مقاربة تنموية شاملة، اقتصادية اجتماعية محضة تعيد النظر في التقسيم الترابي الحالي وتستبدلُه بتقسيم يخضع للوجهات النظر الحديثة في التنمية وتستأنس بالتجارب البولونية والإيطالية وغيرها الناجحة وهي قضايا فنية معقدة ليست من مجال الافراد.
الخاتمة
اهتمت هذه الورقة بتحليل أبرز الردود في الساحة السياسية لما اعتبرته بعضُ الأصوات عدمَ قدرة الأحزاب السياسية على تحقيق مسار انتقالي سلس وعدم توطيده بالتنمية الاقتصادية.كما اعتبرت هذه الاصواتُ التعثرات والتحديات المتراكمة التي تجابهُها البلاد انّما هي افرازٌ "حصري" لأداء الأحزاب التي تتحمل بالتالي المسؤولية كاملةً في خطر الرّجوع الى المربع الأول. وبقطع النظر عن وجاهة هذه القراءة حيث يحتاج التقييمُ الى منهجية علمية تشمل كلّ المتدخّـــلين المباشرين وغير المباشرين في الانتقال والاخذ بالاعتبار نوعيّـــة المناخات ما إذا كانت مواتية او دون ذلك، فقد كانت أبرزُالرّدود المطالبةً بإزاحة الأحزاب من حلبة السّلطةِ والقرارِ واستبدالهابمنظومة قائمة على الأفراد بهدف التعبير الصّريح عن إرادة الناخبين.
وبدون التغافل عن أداء منظومة الأحزاب الموجودة حيث طغت على خطة مكوناتها الأبرز استراتيجيةُما تُسميه العلومُ السياسية "صراعَ الصراعات" ذات مآليْ "التشتت" و"الهيمنة" الأمر الذي أدّى الى لامبالاة الناخبين المحتملين بمآل الديموقراطية في حدّ ذاتها من خلال لامبالاتهم بمآل الأحزاب السياسية، فقدأهدت الأحزابُ المحسوبةُ على تبني المسار الديموقراطي فرصةً للتيارات الشعبوية وموقعا محوريا في المشهد السياسي مُمكنةً إيّاها من الاستفادة من المعوّقات الأيديولوجية لدى بعض الأحزاب ومن تراجع دور النخب المثقفة حيال استهداف تكليس الوعي الجمعي وكذلك من فرضية عدم انخراط كل القوى الاجتماعية الفاعلة في المسار الانتقالي. ولئن كان أداءُ الأحزاب مثيرا للجدل في حدّ ذاته فإننا بيّنا أنّ إزاحة المنظومة الحزبية واستبدالها بمنظومة قائمة على الأفراد لا يساير متطلبات الديموقراطيات الحديثة ذات الغاية المواطنية وحماية حرية التنظم، بل المنظومة القائمة على الافراد لا تستقيم الا في مجتمع ما قبل الحداثة، حتى إذا كان ذلك مدعوما باستفتاء في مرحلةٍ الهشاشةُ الاجتماعية والاقتصادية والمؤسّسية ميزتُها الابرز.وقد بينّا كذلك أنّه في غياب نظرية مثالية مكتملة سواءً في علم الاجتماع السياسي أو في العلوم السياسية ذواتيْ المنهجية الاستقرائية بالأساس، يكون من الاجدر الاستفادُة من التجارب في العالم في تصور المنظومة الحزبية الأفضل، تجنّبا لما سميناه "تضخم تكلفة التكيف" بإعادة النظر الهيكلي في توجه المسار الانتقالي، والأخطار التي تتضمّنها هذه العملية بالرجوع الى المربع الاول، والوقوف عند النقائص التي حالت دون الارتقاء بأداء الأحزاب في تونس، وأنّ الحلّ لا يكمن في المقاربة الإجرائية لدعم مسار الدّمقرطة، بل في ضرورة النقد الذاتي للأحزاب التي انخرطت في قيادة المرحلة الانتقالية بدون التشبع بالتجارب العالمية الانتقالية وبما يُفيد به علم الاجتماع السياسي المتعلق بالانتقال. وقد تكون نقطة البداية
(1) بتلاقي كل الأحزاب حول ما يجمع بينها من قضايا وما يصلح للناس والالتزام بالتنافس في هذا الإطار من خلال "مؤتمر الهُدنة والمسؤولية" مثلا، برعاية شخصيات وطنية ذات حكمة وغير منخرطة في الاجندات السياسية المستحدثة،
(2) أن تتغيّر طريقةُ بناء الخطاب السائد في الفضاء العام – والتي بيّنّا تأثيراتها السلبية على مستقبل الأحزاب نفسها–نحو الطروحات والبدائل والبرامج الاقتصادية والاجتماعية الخاصة بكل حزب،
(3) أن تهتمّ الأحزابُ بمشاغل الناس وتعبئة الشباب وتمكينهم سياسيا،
(4) أنْ يتمّ اللّجوء الى النخبة المثقفة وعلماء البلاد وتمكينهم من لعب دورهم الطبيعي في تعميق الوعي الجمعي بأمّهات القضايا الاقتصادية والاجتماعية المشتركة. عندها، يمكن أن تُهمّش التياراتُالشعبويةالمهدِّدة بوأْد الديموقراطية الوليدة ويُقلّص نطاقُها، وتتمّ تهدئة التوترات المؤدية الى تقسيم المجتمع وإلى شيطنة الأحزاب السياسية الوطنية، وتترسخ ثقافةُ القبول بالآخر.
الدكتور علي الشابي
أستاذ بالجامعات التونسية
1 - طيلة الفترة ما بين 1950-2003، كانت نسب الاقبال على الانتخابات الأقل في التسعينات وذلك في البلدان التالية: النمسا، بلجيكا، هولندا، الدنمارك، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، أيسلندا، أيرلنديا، إيطاليا، لوكسمبورغ، هولندا، النرويج، السويد، سويسرا، المملكة المتحدة. (Green-Pedersen، (2007
2 - Chebbi, A. (2013) : De la transition institutionnelleenTunisie: Entre optimisme et risque de renversement ! Espace Manager.
3 - قد نُخصص مقالةً لآليات تأثير الخطاب الشعبوي على النخبة الحاكمة من خلال المفاهيم الاقتصادية الخاطئة التي رُوّج لها خلال العشرية السابقة.
4 - Norris, Pippa (ed.). 1999. Critical Citizens: Global Support for Democratic Governance. Oxford: Oxford University Press.
5 - Norris, Pippa. 2011. Democratic Deficits, Cambridge: Cambridge University Press.
6 - الاطروحة الحادية عشرة لكارل ماركس حول فيورباخ: " لقد فسر الفلاسفة العالم بطرق مختلفة، ما يهم هو تغييره ".
7 - وقد يأخذنا التحليل هنا الى مفهوم "الدُّغمائية" التي تعني اعتبار الفرضيات الشخصية كحقائق كونية.
8 - Schattschneider, E. E. 1960. The Semi-sovereign People: A Realist’s View of Democracy in America. Chicago: Holt, Rinehart, and Winston.
9 - Birkland, Thomas. (1998). Focusing Events, Mobilization, and Agenda Setting. Journal of Public Policy. 18. 53-74.
10 - Chebbi, A (2020). Conjoncture au 2 ème trimestre, Covid-19 et Gestion de la crise économique en Tunisie. Espace Manager.
11 - Green-Pedersen, C. (2007). ‘’The Conflict of Conflicts in Comparative Perspective: Euthanasia as a Political Issue in Denmark, Belgium, and the Netherlands’’. Comparative Politics, 39(3), 273-291. Retrieved September 3.
12 - Riker, W. (1999): ‘’The strategy of rhetoric: Campaigning for the American constitution’’. London: Yale University Press, 1996. Xv + 283 pages.
13 - Mair, P 2005: ‘Democracy beyond Parties’. Center for the Study of Democracy (University of California, Irvine). Paper 0.5-0.6 Leiden University. The Netherlands
14 - Schedler, A. (1997): "The End of Politics? Explorations into Modern Antipolitics''. Editors: Schedler, Andreas (Ed.) &Deth, W. (2000): “Interesting but Irrelevant: Social capital and the saliency of politics in Western Europe.” European Journal of Political Research 37:2, 115-47.
15 - Rothstein, Bo, et al. 2008. "What is quality of government? A theory of impartial government institutions." Governance, 21 (2):165-190
16 - عدم تشكيل أحزاب سياسية في دول صغيرة الحجم جدا مثل نييوي وتوفالو وبالاو، وهي جزر منعزلة في قلب المحيط الهندي يتراوح عدد سكانها بيت 1200 و17000 ساكن).
- اكتب تعليق
- تعليق