منجي المقدم: أزمة الكورونا والبديل الاقتصادي في تونس
تواصلت الدراسات والبحوث، بصفة متواترة، حول مرحلة ما بعد أزمة كورونا وما يمكن استخلاصه من الدروس والعبر وما تستوجبه من إجراءات وتدابير من أجل تجاوز مخلفات هذه الازمة في أقرب الاوقات الممكنة وبأقل التكاليف. كما لم تخلو المناقشات من البحث في مختلف السبل والوسائل للاستفادة في المستقبل من الفرص التي يمكن أن توفرها الأزمة الصحية على الصعيدين الوطني والعالمي.
وبالرغم من أهمية هذه الدراسات والبحوث، فان أغلبها لم يتطرق الى المسألة الجوهرية الملحة والمتمثلة في ضرورة ترك سياسات الترقيع والترميم والهروب الى الأمام، والتي أثبتت فشلها خلال العشرية الماضية، وبلورة بديل اقتصادي واجتماعي حقيقي يأخذ بعين الاعتبار الواقع الجديد الذي أفرزته الازمة الصحية العالمية ويستجيب لمتطلبات المرحلة القادمة. ان المطلوب اليوم هو تحديد ملامح منوال تنموي جديد لان المنوال النيوليبرالي السائد اليوم لم يعد صالحا لمرحلة ما بعد الكورونا لأنه فشل في توفير ابسط الخدمات الصحية والاجتماعية، كما فشل في تحقيق النمو وأدى الى أوضاع اقتصادية كارثية لا يمكن أن تؤدي الا لمزيد من الفقر والبطالة والتهميش.
وفي انتظار ترسيخ هذا المنوال وعلى ضوء المتغيرات التي تشهدها تونس والعالم، من المهم ان يقع التعامل مع القضايا والمشاكل المطروحة حسب رؤى ومفاهيم جديدة وفي إطار برنامج واضح يكون الهدف منه تفعيل مختلف آليات التنمية وتحقيق النجاعة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية والاعتماد على دور الدولة الاجتماعي لفائدة الفئات والجهات المهمشة وضمان جدوى اقتصاد السوق والقضاء على المضاربة والفساد والاحتكار والسوق السوداء.
لقد أصبح من المؤكد التفكير في مقاربات تعتمد على:ـ إعادة الاعتبار للدولة،
• حماية الاقتصاد الوطني،
• إعطاء المسألة الاجتماعية المكانة التي تستحقها،
• إعادة النظر في اكراهات توازنات الميزانية والسياسة النقدية،
• تعبئة الموارد المالية لفائدة الدولة،
• ترسيخ القطاع الاجتماعي التضامني.
1ـ إعادة الاعتبار للدولة وللقطاع العام
منذ الثمانينات من القرن الماضي، ما انفكت الفلسفة النيوليبرالية تؤكد على ان الدولة لم تعد تشكل الحل بل أصبحت المشكل. لذلك أدت كل السياسات المتبعة منذ تلك الفترة الى اضعاف الدولة وتفكيك القطاع العمومي. ومع ازمة كورونا، اتجهت كل الانظار الى الدولة والى القطاع العمومي، نظرا لفشل النيوليبرالية في مواجهة الازمة الخانقة التي تعيشها تونس منذ 2011 وخاصة في حل المشاكل التي أفرزها وباء الكورونا، بما فيها مشاكل الصحة والتعليم. لقد استرجعت الدولة دورها لان في مجابهة هذه الازمة لا يمكن الاعتماد على آليات السوق ولا على القطاع الخاص الذي يهتم خاصة بالزيادة في أرباحه ويتخذ، في اغلب الأحيان، من الازمات فرصا مواتية لممارسة الاحتكار والمضاربة والزيادة في الأسعار. كما ان الدولة لم تخصص الا القليل من الاعتمادات المالية من اجل الصحة والبحوث العلمية وبالتالي لم تكن الدول مهيأة لمقاومة الوباء.
ان المطروح اليوم على ضوء ازمة الكورونا هو العمل على أن تكون الدولة والسوق في علاقة تشاركية وبدون أي تصادم بينهما، وهو ما يفترض المصالحة بين الدولة ذات الدور الاستراتيجي والاجتماعي والسوق التي من الفروض ان تكرس التنافسية والشفافية. وبذلك فقط يمكن بناء اقتصاد لا يمكن أن تستحوذ أقلية على ثمار نموه بل تستفيد الأغلبية من هذا النمو. وهو ما معناه أن هذا الاقتصاد يصبح، في نفس الوقت، ذا مردودية اقتصادية واجتماعية. فالاقتصادي والاجتماعي لا يمكن أن يتصادما بل يجب أن يتكاملا، اذ لا يمكن أن تكون هناك تنمية اقتصادية بدون تنمية اجتماعية والعكس بالعكس.
ان تحقيق التوازن بين الدولة والسوق يتطلب إعادة صياغة دور الدولة لتقوم بمهام :
• حماية الفئات الشعبية الضعيفة،
• تطوير الخدمات الاجتماعية خاصة في الصحة والتعليم،
• تعديل السوق من خلال القوانين التي تسنها الدولة وتضعها حيز التنفيذ،
• وضع كل الإمكانيات على ذمة القطاع العمومي لدفع التنمية في الجهات الداخلية،
• توفير كل الحوافز لفائدة الرأسمال الوطني الخاص للاستثمار في المناطق المهمشة،
• تمويل البنى التحتية،
• النهوض بالبحث العلمي والتكنولوجي.
أما فيما يتعلق بالسوق، فهي تمثل آلية التعديل المهيمنة في الاقتصاديات الليبرالية وتشكل البديل الوحيد لكل أشكال تدخل الدولة فيما يخص دفع النمو الاقتصادي. والسؤال الذي يطرح باستمرار هو هل أن آليات السوق قادرة على تحقيق التنمية؟
من البديهي أن هذه الآليات او ما يسمى ب "اليد الخفية" وقعت بلورتها من أجل خلق الثروة ولم تكن كيفية توزيع هذه الأخيرة من اهتمامات هذه الآليات. ويعتبر تفاقم الفقر في الاقتصاديات الليبرالية تأكيدا على انعدام العلاقة بين خلق الثروة وتوزيعها بحيث أن كل نمو في الثروة يصاحبه توزيع غير عادل لها. وهو ما من شأنه أن يؤكد على أن أداء اقتصاد السوق لوظائفه الأساسية يتطلب وجود سلطة تعديلية قوية لا يمكن أن تضطلع بها الا الدولة القادرة على تأمين توزيع عادل للثروة المنتجة. يجب على الدولة أن تكون مكملة للسوق وبديلا لها ان اقتضت الضرورة وان تسهر كذلك على ألا يهيمن المنطق الليبرالي على المنطق الاجتماعي وألا يتم تحقيق المردودية الاقتصادية على حساب العدالة الاجتماعية. فبدون الدولة، لا يمكن ان تكون هناك عدالة اجتماعية أو محاربة ناجعة للبطالة والفقر والاقصاء.
2ـ حماية الاقتصاد الوطني
تتمثل الأولوية المطلقة في دعم النسيج الإنتاجي من خلال سياسة حمائية تتضمن إعادة النظر في سياسة التبادل الحر وفي العلاقات التجارية مع الخارج. وهذا يعني ضرورة الحد من الواردات العشوائية. وهو ما من شأنه ان ينعش الإنتاج الصناعي التونسي وان يعفي الدولة من التداين بالعملة الصعبة لتغطية الواردات من الخارج. ففي جانفي 2020، وحسب الأهمية بلغ العجز التجاري لتونس مع الصين 506،3 مليون دينار ومع تركيا 194،7 مليون دينار ومع الجزائر 158،2 مليون دينار .
وفي هذا الصدد لا بد من الإشارة الى عدم اقدام الدولة على تفعيل القانون 12 للمنظمة العالمية للتجارة والفصلين 8 و14 من القانون الأساسي لصندوق النقد الدولي والفصل 35 من اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوربي والتي تنص كلها على حق أية دولة في الحماية عند التوريد عند ظهور اختلالات في ميزان دفوعاتها. وليس من المستبعد ان يكون سبب هذا التقاعس هو المعارضة الشديدة التي تبديها لوبيات التوريد.
ولتكون هذه التدابير الحمائية ذات جدوى، يجب ان تصاحبها سياسة تتضمن إعادة توجيه الصناعة المحلية نحو ميادين ذات أهمية حياتية مثل الصحة والأدوية. ان
حماية الاقتصاد الوطني تتطلب أيضا العمل على تحقيق السيادة الفلاحية التي أصبحت ضرورة ملحة والتي لا يمكن ان تتم الا عبر تلبية الحاجيات الغذائية للتونسيين. تونس تعاني تبعية مقيتة إزاء الخارج في الميدان الغذائي ويقع اللجوء الى توريد جزء كبير من المواد الغذائية المستهلكة. ان هدف كل سياسة فلاحية هو تحقيق الامن الغذائي أي ضمان تلبية الحاجيات الغذائية للسكان وهو ما يتطلب عدم إعطاء الأولوية للزراعات التصديرية المرتبطة بالأسواق الخارجية والعمل على تلبية حاجيات الطلب الداخلي. وبذلك فقط يقع استرجاع السيادة الوطنية في الميدان الفلاحي كما في سائر القطاعات الاخرى.
3ـ إعطاء الأولوية للتنمية الاجتماعية
يعزى الاهتمام المتزايد بالمسألة الاجتماعية الى الفقر والهشاشة والبطالة التي ازدادت تفاقما مع أزمة الكورونا، بحيث تعمقت الفوارق الاجتماعية وأصبح الفقير يزداد فقرا والغني يزداد غنى. وكنتيجة منطقية لهذه الأوضاع، باتت السلم الاجتماعية مهددة وهو ما يفرض على أصحاب القرار الاخذ بعين الاعتبار المسألة الاجتماعية بكل جدية واعطائها الأهمية القصوى في كل المقاربات والسياسات المتبعة.
ان الإجراءات التي ستتخذ، كما ورد في مشروع ميزانية الدولة لسنة 2021، تؤكد على عزم الحكومة الانخراط في سياسات تقشفية سيتم بموجبها التخفيض في كتلة الأجور من خلال تجميد الأجور والانتداب وعدم تعويض الشغور وتأخير الترقيات والتحكم في منح الإنتاج والتقليل من الساعات الإضافية. ان مختلف هذه التوصيات ستؤدي بصفة مباشرة الى تدهور القدرة الشرائية للمواطنين والترفيع في نسب البطالة وهو ما سينتج عنه ركود النشاط الاقتصادي وتقهقر الطلب الداخلي (استهلاك واستثمار) الذي شكل ولا يزال أهم محركات النمو.
4ـ عدم الخضوع لإكراهات توازنات الميزانية والسياسة النقدية
لقد مارست الدولة، منذ عدة سنوات، سياسة التقشف التي تمثلت في الزيادة في الضرائب وتجميد الأجور والانتداب وتقليص نفقات الدعم والترفيع في نسب الفائدة والضغط على قروض الاستهلاك وهو ما نتج عنها الزيادة في تدهور القدرة الشرائية وضرب الاستهلاك والطلب الداخلي في الوقت الذي كان ينبغي على الحكومة الضغط على الأسعار ومراقبة مسالك التوزيع وتوفير الإنتاج وحماية الدينار وذلك من اجل التحكم في الأسعار دون ضرب القدرة الشرائية والطلب الداخلي.
ولقد أدت ازمة الكورونا الى تدخل الدولة بصفة متصاعدة في النشاط الاقتصادي من خلال الزيادة في نفقات الميزانية وتوفير السيولة الكافية للاقتصاد. ان الأهداف المنشودة من هذا التدخل هو دعم العرض بواسطة الاستثمارات العمومية والقروض بمعدلات فائدة ضعيفة وكذلك دعم الطلب الداخلي باللجوء الى سياسة المساعدات الاجتماعية لفائدة أصحاب الدخل المحدود من خلال تفعيل ما يسمى ب"المروحية النقدية" وهي ليست الا وسيلة لتوزيع مباشر للمساعدات المالية لفائدة هؤلاء الفقراء والمهمشين.
ولكي تتمكن الدولة من القيام بهذا الدور، أصبحت مطالبة بعدم التقيد فقط بتحقيق التوازنات فيما يتعلق بالميزانية وبالسياسة النقدية. وفي هذا الصدد، لا بد من إعادة النظر في مبدا استقلال البنك المركزي الذي ترتكز عليه الليبرالية الجديدة. فالبنك المركزي هي مؤسسة من المفروض ان تكون في خدمة الاقتصاد وبالتالي لا يمكن لها، باسم الاستقلالية، ان تفرض سياسة نقدية لا تتماشى مع توجهات الدولة. لقد تبددت اليوم اسطورة الاستقلال الكلي للبنك المركزي الذي أصبح مطالبا بمنح القروض بصفة مباشرة للدولة وللمؤسسات على غرار ما يجري به العمل في الولايات المتحدة وبريطانيا وأوربا أين تقوم البنوك المركزية بتمويل عجز الميزانية والنفقات العمومية للدولة بشكل مباشر. وهذا يعني أن كل عجز للميزانية يجب ان يقع تمويله من خلال القروض التي يوفرها البنك المركزي لفائدة الدولة وبدون الالتزام بمقتضيات مبدا استقلال البنك المركزي.
لكن ما يجب التأكيد عليه هو ان عجز الميزانية يجب برمجته وليس الخضوع اليه، فهو لا يعني مجرد زيادة في النفقات بل يقتضي إعادة النظر في توجيه الموارد المالية نحو تلبية حاجيات السواد الأعظم من المواطنين أي نحو الصحة والتعليم والتشغيل والفلاحة.
كما بات من الضروري عدم اخضاع مجمل السياسة النقدية لهدف وحيد يتمثل في الاستقرار النقدي والوصول الى نسبة تضخم ضعيفة. وهو ما أدى بالبنك المركزي الى اتباع سياسة نقدية متشددة تضمنت خاصة الرفع في نسبة الفائدة المديرية مع ما ينتج عن ذلك من تداعيات سلبية على الاستثمار والاستهلاك والنمو الاقتصادي.
5ـ تعبئة الموارد المالية من خلال استرجاع الأموال المنهوبة ومحاربة لوبيات الفساد
ان الموارد المالية تعد مسألة جوهرية بالنسبة للدولة، اذ بدونها لا يمكن للدولة ان يكون لها دور فعال في مواجهة مخلفات الكورونا. لذلك، لا بد من اللجوء الى حلول جذرية تقطع مع سياسات الترقيع والترميم. وتتمثل هذه الحلول في :
• تحسين أداء النظام الجبائي: تتأتى موارد الدولة عادة من الجباية. غير انه لم يعد من الممكن الزيادة في الضرائب وفي الضغط الجبائي المسلط خاصة على الأجراء لان ذلك أصبح مرفوضا اجتماعيا وله تداعيات سلبية على الاقتصاد. ان ما يمكن القيام به في هذا الصدد هو اتخاذ إجراءات جدية وحازمة لمقاومة التهرب الجبائي الذي سيوفر بدون شك أموالا طائلة لخزينة الدولة.
• إذا كان من الصعب الحصول اليوم على قروض خارجية، فهناك إمكانية المطالبة بإعادة التفاوض حول تسديد الدين الخارجي العمومي والخاص في إطار حملة دولية يتم تنظيمها ويقع من خلالها الضغط على الجهات المانحة من أجل حملها على قبول تأجيل تسديد الدين. ان نجاح هذا المسعى يتطلب ديبلوماسية اقتصادية نشيطة وذات جدوى مؤكدة.
• تسييل الدين الداخلي للدولة أي تحويله الى موارد مالية وتتم هذه العملية بواسطة البنك المركزي التونسي الذي يقوم بشراء رقاع الخزينة القابلة للتنظير والتي هي على ملك البنوك، وبذلك تتوفر السيولة لهذه البنوك مع انعكاساتها الإيجابية على منح القروض وتمويل الاستثمار. كما يمكن، كذلك، للبنك المركزي تقديم السيولة لفائدة خزينة الدولة من خلال شراء رقاع الخزينة بصفة مباشرة. غير أن هذا الاجراء الاخير يتطلب تغيير الفصل 10 من القانون الأساسي للبنك المركزي التونسي الصادر في 25 أفريل 2016 والمتعلق باستقلالية البنك المركزي.
ان مثل هذه الإجراءات ليست بدعة، فقد لجأت اليها عدة دول. فالبنك المركزي الأمريكي قام بشراء كل الديون العمومية الامريكية، كما تخلى بنك إنجلترا عن استقلاليته ووفر السيولة المالية مباشرة لخزينة الدولة وبدون نسبة فائدة.
• إعادة الاعتبار للضريبة على الثروة المتأتية من الإرث او الهبة أو البيع. هذه الضريبة لا تمثل في تونس الا 1،1 بالمائة (2014) من مجمل المداخيل الاجمالية للدولة التونسية بينما تمثل هذه النسبة 6،7 بالمائة في المغرب و8،2 بالمائة في فرنسا و8،9 بالمائة في الولايات المتحدة و12،3 بالمائة في بريطانيا مع التأكيد على أن المستهدفين بهذه الضريبة هم الأشخاص وليسوا المؤسسات.
• العمل بكل جرأة على استعادة الأموال المنهوبة والمهربة. وهو ما يقتضي اتخاذ سياسات حازمة وفعالة لمواجهة مافيات الفساد والتهريب والتهرب الضريبي وبارونات السوق الموازية.
• فرض ضرائب مرتفعة على الأموال المتداولة في السوق الموازية والعمل على الحد من التداول المشط للنقود خارج القطاع المنظم.
6ـ دعم الشراكة بين القطاع العمومي والقطاع الخاص والقطاع الاجتماعي التضامني
لقد أكدت ازمة الكورونا محدودية كل من القطاع العام والقطاع الخاص. فالقطاع العام يعاني من انخرام الموازنات العامة ومن ضحالة موارده المالية علاوة على ما يعانيه من تداعيات الفساد وسوء التصرف التي لا تسمح له بالمساهمة، بصفة فعالة، في تجاوز مخلفات الازمة. كما ان القطاع الخاص، المتكون في أغلبيته الساحقة من مؤسسات صغرى ومؤسسات صغيرة جدا تشكو من الهشاشة والتداين وتظل مهددة بالانقراض بسبب ازمة كورونا. لذلك، فان الحل يكمن في قطاع الاقتصاد الاجتماعي التضامني الذي باستطاعته معاضدة القطاعين العام والخاص من أجل دعم الشراكة بينهما. فهو يمتلك القدرة على التوفيق بين النشاط الاقتصادي والجانب الاجتماعي وعلى الحد من هيمنة البعد الاقتصادي على البعد الاجتماعي. فهو يرتكز على مجموعة التعاضديات والجمعيات والتعاونيات التي تقوم بتوفير الخدمات التي تحتاجها الفئات الاجتماعية الضعيفة والمناطق المهمشة بدون التقيد بتحقيق أرباح مادية كشرط للقيام بنشاطاتها. ان الهدف من بعث اقتصاد اجتماعي تضامني هو خلق مواطن الشغل وتكوين شبكة من المؤسسات الصغرى والمتوسطة وهو ما يجعل هذا الاقتصاد عامل استقرار اجتماعي.
ولا يمكنه أن يشكل بديلا للقطاعين العام والخاص بل مكملا لهما من أجل منع انحرافات السوق والحد من التداعيات السلبية لازمة كورونا وللنيوليبرالية المتوحشة نظرا لما يتضمنه من الممارسات والسلوكيات والقيم مثل التضامن والمشاركة والمسؤولية والمواطنة والتنمية المستدامة واحترام البيئة. ومن المفيد أيضا التأكيد على أن القطاعات الثلاثة مطالبة بعدم الاكتفاء بالتعايش فيما بينها بل أن تتكامل من أجل خدمة منوال تنمية جديد باستطاعته رفع التحديات الكبرى التي تواجه بلادنا.
وكخلاصة لما سبق، يمكن القول بأنه إذا كان لا بد من "الاستفادة" من الأزمة الصحية الراهنة، فمن المهم أن تكون منطلقا لاعتماد اختيارات اقتصادية واجتماعية جديدة يتم من خلالها إعادة النظر في الأولويات وإلغاء العديد من المحرمات التي تكبل الميادين الاقتصادية والنقدية والجبائية وتلعب فيها الدولة دورا أساسيا في إنعاش الاقتصاد ودعم التشغيل وذلك من خلال الاستثمار الواسع في القطاعات الواعدة مثل الصحة والفلاحة والبيئة.
منجي المقدم
أستاذ الاقتصاد ـ جامعة تونس المنار
- اكتب تعليق
- تعليق